«فيسبوك» الإخبارية... بين منافسة الصحافة وتدعيمها

«فيسبوك» الإخبارية... بين منافسة الصحافة وتدعيمها
TT

«فيسبوك» الإخبارية... بين منافسة الصحافة وتدعيمها

«فيسبوك» الإخبارية... بين منافسة الصحافة وتدعيمها

أثار إعلان شركة «فيسبوك» عزمها إطلاق نشرة إخبارية نهاية يونيو (حزيران) الجاري، مخاوف العاملين في مجال الصحافة والإعلام، من أن تؤثر المنصة الجديدة على مستقبل المواقع الإلكترونية الصحافية. وبينما أكدت «فيسبوك» أن «هدفها دعم الصحافيين ومنتجي المحتوى المستقلين»، رأى خبراء إعلاميون أن هناك مخاطر تتلخص في صعوبة المنافسة مع شريك قوي مثل «فيسبوك»، وأن هذه المنافسة لن تكون عادلة.
وفقاً لما أعلنته «فيسبوك» فإن «المنصة الجديدة ستضمن إصدارات مجانية، وإصدارات باشتراكات. وستركز في البداية على أخبار الرياضة والبيئة والموضة، ومن المنتظر أن يبدأ تطبيقها في الولايات المتحدة الأميركية». وأوضح كامبل براون، نائب رئيس «فيسبوك» للشراكات الإخبارية العالمية، في بيان صحافي للإعلان عن المنصة، خلال مارس (آذار) الماضي، أن «فيسبوك تريد أن تعمل على دعم الصحافيين ومنتجي المحتوى المستقلين، لتسهيل عملهم، ولذا سنطلق في الولايات المتحدة منصة جديدة لتقوية الصحافيين المستقلين ومساعدتهم على الوصول للجماهير، وتنمية هذا الجمهور، وسنبدأ العمل من خلال شراكات مع عدد محدود من الصحافيين المستقلين».
ومن ناحية ثانية، لتنفيذ المشروع عرضت «فيسبوك» على الصحافيين عقوداً لمدة عامين لإنتاج محتوى للمنصة الجديدة، مع إمكانية إنهاء العقد بعد عام واحد»، وذلك لإقناعهم بـ«التزامه بالمشروع»، إلا أن مراقبين يرون أن «بنود التعاقد مع الصحافيين المستقلين لم تنشر، وهو ما يجعل الاتفاق غير واضح».
الدكتورة أروى الكعلي، المدربة والباحثة والأستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس، ترى أن «فيسبوك اعتاد أن يطلق عدداً من المبادرات، التي تثير التساؤلات حول شكلها ومضمونها، ومدى الثقة فيها، وهل يمكن أن تتحول إلى مشروع إعلامي ضخم؟». وأردفت لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه التساؤلات لا يمكن الإجابة عليها؛ إلا بعد التجربة، ومن خلال المستخدمين أنفسهم». وتابعت أن «فكرة تعاقد فيسبوك مع صحافيين ومنتجي محتوى تطرح تحديات على العديد من المؤسسات الإعلامية، خاصةً، أنه يصعب على أي وسيلة إعلامية منافسة عملاق بحجم فيسبوك. وهذا يعني ببساطة أن فيسبوك ستحتكر ما نعلمه... ومن السهل أن نستنتج، أن هذه التجربة إذا نجحت، يمكن أن تهدد التعددية، ناهيك عن الترسانة التسويقية التي تمتلكها».
من جانبه، قال ديمون كيسو، الأستاذ بكلية الصحافة في جامعة ميسوري الأميركية، لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يعلم تفاصيل العقود التي يقدمها فيسبوك للصحافيين، وما الذي يلزمهم بالعمل مدة 12 أو 24 شهراً، لكن يبدو أن هذا المشروع رد فعل على الارتفاع - على الأقل في الولايات المتحدة – لـ«ميديوم» Medium و«سبستاك» Substack كمنصات توزيع وتمويل للمبدعين المستقلين، إضافة إلى اقتحام تويتر لهذا المجال مع نشرة «ريفيو». لكن الفارق هو أنه يمكنني الانضمام إلى هذه المنصات أو مغادرتها في أي وقت دون أي التزامات». وأضاف أن «توفير برنامج تدريبي في المبادرة قد يكون له بعض التأثير في شروط التعاقد؛ لكنني أعتقد أنه من الصعب الالتزام لمدة عام دون ضمانات قوية».
عودة إلى الكعلي، فإنها تشرح أنه «عندما ظهر فيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، كان المستخدمون هم من يصنعون المحتوى، ولكن تدريجياً، من خلال فقاعات الفلترة والخوارزميات أصبح فيسبوك يتحكم في المحتوى»، مشيرة إلى أن «خوارزميات فيسبوك هي التي تصنع أجندتنا وحتى أجندة وسائل الإعلام. وإذا أضفنا إلى ذلك أن فيسبوك سيتحول إلى منتج أيضاً للأخبار، وسيوظف خوارزمياته للترويج لها، وقد تندرج في المستقبل في سياسة فيسبوك لمكافحة التضليل والمغالطة - ومع صعوبة منافسته - فإن معنى ذلك أن فيسبوك سيتحكم في النهاية فيما نعرفه».
كيسو، في المقابل، يرى أنه «كما هو الحال في جميع جهود فيسبوك المتعلقة بالأخبار، فإنه أحياناً ما تكون هناك بعض الفوائد للصحافة، وقد كانت الاستثمارات التي قام بها كل من فيسبوك وغوغل مفيدة لغرف الأخبار الصغيرة والمحلية، وبخاصةً إبان جائحة كوفيد– 19». واستطرد موضحاً «بشكل عام، هناك مشكلة في حجم الانتشار عندما تتضافر جهود الصحافة الصغيرة والمحلية مع منصات التكنولوجيا الكبيرة. فمعظم غرف الأخبار، وبضمنها المبدعون المستقلون، لا يستفيدون من حجم الانتشار، لا سيما النطاق الذي تقدمه شركات التكنولوجيا العملاقة، الذي عادة ما يكون محلياً وعالمياً». وأشار إلى أن «كثرة من مشاريع الصحافة الناشئة عادة ما تستهدف حدوداً جغرافية معينة، ومواضيع متخصصة. وهو ما يتطلب العمل على تعزيز الاندماج في المجتمع بمعدل نمو بطيء ومركز، بعكس النماذج الإعلانية الربحية التي تعمد إلى النمو السريع».
أيضاً، بحسب ما أعلنته شركة «فيسبوك»، فإن «المنصة الجديدة توفر عدداً من سبل الدعم للصحافيين ومنتجي المحتوى المستقلين، من بينها، أدوات نشر ذاتية مجانية وخيارات لتصميم مواقع ونشرات إخبارية بريدية، مع إمكانية عمل مجموعات على موقع فيسبوك، والاندماج مع الصفحات على فيسبوك لتسهيل نشر مواد الوسائط المتعددة، إضافة إلى وسائل لتسهيل وصول الجمهور لهذا المحتوى وتسويقه على الإنترنت، ووسائل للحصول على عائدات مالية، مع مؤشرات أداء لتقييم المحتوى ومدى تفاعل الجمهور معه».
وعن هذا الجانب، تقول الكعلي إن «المبادرة إلى الآن تشمل مواضيع معينة مثل الرياضة والبيئة، وتستثني السياسة. إلا أن لا شيء يمنع فيسبوك، حال نجاحها، من الاهتمام بمواضيع أخرى من بينها السياسة... وبالتالي، يجب أن نتابع وننتظر، فهناك الكثير من المبادرات الشبيهة التي أطلقها موقع فيسبوك ولم يواصل فيها. ثم إن تطوير هذه الفكرة سيتطلب وقتاً، وربما لن تكون شركة فيسبوك قادرة على منافسة وسائل الإعلام في البداية...».
وتؤكد الكعلي أيضاً أن «المنافسة المجحفة وظهور هذه الشركات، أثرا بالفعل في ديمومة المؤسسات الإعلامية حول العالم. وغالبية وسائل الإعلام لا تمتلك منصة ترويجية مثل فيسبوك، بل بالعكس، هاجرت وسائل الإعلام نحو منصات التواصل الاجتماعي، وأصبحت تنتج محتوى خاصاً بها عليها». وهنا تتساءل الخبيرة والباحثة التونسية «هل ستقدم خوارزميات موقع فيسبوك مستوى النشرة على حساب محتوى وسائل الإعلام الأخرى؟ وهل سيمطرنا بإعلانات خاصة بالترويج للنشرة ليل نهار؟ وهل سيطور الفكرة إلى مناطق أخرى من العالم؟... كل هذه التساؤلات تجعلنا في حاجة ماسة إلى مقاربة أخلاقية وتعديلية لمختلف هذه الاستخدامات».
ولكن بالنسبة للبروفسور كيسو فإن «الخطر الحقيقي الذي يواجه الناشرين يتمثل في مواصلة الاستثمار بزيادة الجماهير على منصات لا يمتلكونها أو يتحكمون فيها». وهو يقول إن «الكثير من الجهود التي تبنتها منصات التكنولوجيا الرقمية صممت بحسن نية للتفاعل مع الصحافة المحلية ودعمها؛ لكن انعدام التوافق في الحجم والرسالة مع الصحافة المحلية، يمثل مخاطرة كبيرة للناشرين».
ويتابع كيسو فبقول أنه «من السهل أن تصبح الصحافة تعتمد على هذه المنصات إما مالياً أو للوصول إلى الجماهير، ومن ثم تعاني عندما ينضب هذا التمويل، أو تتغير شروط المشاركة من جانب واحد. ومن ثم، ففي كل حالة، يمكن أن تكون هناك أسباب وجيهة للصحافيين للدخول في شراكة مع شركات التكنولوجيا العملاقة في مثل هذه المبادرات، ولكن يتوجب عليهم الحذر، وأن يقيموا المخاطر والفوائد بعناية».
هذا، وفي حين تقول شركة «فيسبوك» إنها منذ عام 2018 استثمرت 600 مليون دولار لدعم الصحافة، وتعتزم استثمار مليار دولار في الأخبار خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع استمرار دعم الناشرين من خلال «مشروع فيسبوك للصحافة» وغيرها من المبادرات. تشير الدكتورة الكعلي إلى أن «وسائل التواصل الاجتماعي أولاً، وجائحة كوفيد - 19 ثانياً، أثرتا بشكل سلبي على صناعة النشر ومبيعات الصحف حول العالم. والمنافسة مع فيسبوك، بطبيعة الحال لن تكون عادلة. وإذا تطور المشروع سيكون بمثابة حوت يتنافس مع أسماك صغيرة، وهذا مع أن هناك من سيظل يفضل الأسماك الصغيرة. وبالفعل، ثمة فئة من المستخدمين لا يثقون بفيسبوك، إضافة إلى أن المستخدمين يتغيرون باستمرار».


مقالات ذات صلة

«الأبحاث والإعلام» ووزير الإعلام الباكستاني يبحثان آفاق التعاون الإعلامي

يوميات الشرق تناول اللقاء تطورات المشهد الإعلامي المتغير وسبل تنويع المحتوى الإبداعي التنافسي لتلبية تطلعات المتابعين (تصوير: سعد الدوسري)

«الأبحاث والإعلام» ووزير الإعلام الباكستاني يبحثان آفاق التعاون الإعلامي

استقبلت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) في مقرّها بالرياض، وزير الإعلام الباكستاني عطا الله تارار، لبحث فرص التعاون في المجال الإعلامي وتطوير المحتوى.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق فوز أيمن الغبيوي عن مسار «التقرير الصحافي» بجائزة «المنتدى السعودي للإعلام» (إندبندنت عربية)

«إندبندنت عربية» تحصد ثامن جوائزها في عامها السابع

فازت «إندبندنت عربية»، الجمعة، بجائزة «التقرير الصحافي» في «المنتدى السعودي للإعلام» 2025، عن تقرير «مترو الرياض... رحلة فلسفية للتو بدأت فصولها».

الولايات المتحدة​ صورة ملتقطة في 20 فبراير 2025 تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدّث خلال فعالية شهر تاريخ السود في البيت الأبيض بالعاصمة الأميركية واشنطن (د.ب.أ) play-circle

ترمب عن وكالة «أسوشييتد برس»: «منظمة يسارية راديكالية»

اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكالة «أسوشييتد برس» بأنها «منظمة يسارية راديكالية»، في أحدث انتقاداته حيالها على خلفية عدم التزامها بتغيير اسم «خليج المكسيك».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق 
إحدى جلسات المنتدى السعودي للإعلام (المنتدى)

«المنتدى السعودي» يبحث دور الإعلام في تشكيل الهويات الثقافية

شهدت أعمال اليوم الثاني من «المنتدى السعودي للإعلام» في نسخته الرابعة بالرياض، أمس، جلسات نقاش وورش عمل أثرتها مشاركة إعلاميين وأكاديميين وخبراء ومتخصصين

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق جانب من اجتماع الجمعية العمومية لاتحاد غرب آسيا للصحافيين في الرياض (واس)

السعودية تفوز برئاسة اتحاد صحافيي غرب آسيا... وعضوان الأحمري رئيساً

انتخبت الجمعية العمومية لاتحاد غرب آسيا للصحافيين عضوان الأحمري، رئيس مجلس هيئة الصحافيين السعوديين، رئيساً، وذلك خلال اجتماع أقيم الخميس في الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«سعوديبيديا» تحتفي بالإرث التاريخي للسعودية في ملحق خاص بـ«يوم التأسيس»

«سعوديبيديا» تحتفي بالإرث التاريخي للسعودية في ملحق خاص بـ«يوم التأسيس»
TT

«سعوديبيديا» تحتفي بالإرث التاريخي للسعودية في ملحق خاص بـ«يوم التأسيس»

«سعوديبيديا» تحتفي بالإرث التاريخي للسعودية في ملحق خاص بـ«يوم التأسيس»

أصدرت الموسوعة السعودية «سعوديبيديا» ملحقاً خاصاً بيوم التأسيس السعودي احتفاءً بالإرث التاريخي للسعودية، وذلك تزامناً مع احتفال المملكة بيوم التأسيس، وتعزيزاً للوعي حول القيم التاريخية والثقافية المرتبطة بيوم التأسيس، كما عكس جهود «سعوديبيديا» في تقديم المحتوى السعودي وتوثيق جوانبه التاريخية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، وتقديمه بموثوقية وشمولية، بهدف الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز المعرفة.

وأوضح رئيس تحرير «سعوديبيديا» حامد الشهري أن الملحق الخاص يشتمل على محتوى متخصص في مجالات متعددة، تضمّن مقالات في تاريخ الدولتين السعودية الأولى والثانية والمملكة العربية السعودية، ومحتوى تفاعلياً، إضافة إلى المحتوى المرئي والإنفوغرافيك، ومجموعة من الصور النادرة، التي تعكس ملامح تلك الحقبة التاريخية المهمة في مسيرة الدولة السعودية، مما يعزز من القيمة الثقافية لهذا اليوم.

وتتناول المقالات المرفقة في الملحق يوم التأسيس السعودي وشعاره والرموز المرتبطة به ودلالاتها الثقافية والتاريخية، كما يستعرض الملحق مقالات في سِير أئمة الدولة السعودية الأولى والثانية بدءاً بمانع المريدي جد الأسرة المالكة، والإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى، وصولاً إلى الإمام عبد الرحمن بن فيصل آخر أئمة الدولة السعودية الثانية، واستعرض الملحق ملامح النظام السياسي في الدولة السعودية الأولى، وولاية العهد، ونظام الشورى، ونظام القضاء، والنظام المالي، وأمن الحج في الدولة السعودية الأولى، والمواقع التي ارتبطت بعهود الدولة مثل: الدرعية، وحي الطريف، وغار الإمام تركي بن عبد الله.

كما استعرض ملحق يوم التأسيس في الجانب الثقافي ملامح من الحالة الثقافية والعلمية في الدولتين السعودية الأولى والثانية، ومنها: التعليم في الدرعية، والشعر في الدولة السعودية الأولى، وعلم الفلك، والمخطوطات في نجد، وأدوات الكتابة في نجد، وصناعة الأحبار، والفن في الدولة السعودية الأولى، والأزياء في الدولة السعودية الأولى، إلى جانب السِير الذاتية للعلماء والشعراء والنساء اللاتي كانت لهن جهود بارزة في تلك المرحلة.

وأضاف الشهري أن الملحق تناول أبرز الشخصيات التي تولّت إمارة أقاليم الدولة السعودية الأولى وقيادة جيوشها، منهم: عثمان المضايفي، وعبد الرحمن أبو نقطة، وإبراهيم بن عفيصان. واجتماعياً، خصّص الملحق مقالات متنوعة في الحياة الاجتماعية، وجودة الحياة، والقيم في مجتمع الدولة، والمرأة في الدولة السعودية الأولى، والضيافة، والعمارة، والأسواق في الدرعية، وحمّام الطريف، ومعالم تاريخية مهمة في مسيرة الدولة، مثل: برج الكوت، وقصر صاهود، وقصر خزام التاريخي، ومسجد طبب التاريخي، وغيرها.

وأفرد الملحق قوائم رصدت أهم المؤرخين والرحالة الذين وثقوا تاريخ الدولة السعودية، وشهداء آل سعود في مراحل الدولة، ووقائع ومعارك الدولة السعودية، وقائمة بحملة الراية في مراحل الدولة السعودية الثلاث، وقوائم العلماء في الدولة السعودية الأولى، إلى جانب الأسئلة التفاعلية التي تشكل جزءاً مهماً من تجربة القارئ، وتعزز التفاعل مع محتوى يوم التأسيس.