ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار

الرئيس الفرنسي يتعهد توفير الخدمات للبنانيين تحسباً لـ«أيام سوداء» تنتظرهم

العقد مستمرة أمام تشكيل الحكومة اللبنانية... والحريري يدرس الاعتذار (رويترز)
العقد مستمرة أمام تشكيل الحكومة اللبنانية... والحريري يدرس الاعتذار (رويترز)
TT

ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار

العقد مستمرة أمام تشكيل الحكومة اللبنانية... والحريري يدرس الاعتذار (رويترز)
العقد مستمرة أمام تشكيل الحكومة اللبنانية... والحريري يدرس الاعتذار (رويترز)

دعا مصدر سياسي مواكب لاستمرار انسداد الأفق أمام تشكيل حكومة جديدة في لبنان إلى عدم الاستخفاف بإعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه يعمل مع شركاء دوليين لإنشاء آلية مالية تضمن استمرار الخدمات العامة اللبنانية الرئيسية في الوقت الذي تكافح فيه البلاد أزمة حادة، مشيراً إلى ضرورة التعامل بجدية مع المخاوف التي عبر عنها الرئيس الفرنسي حيال تعثر جهود تشكيل الحكومة وما يترتب على ذلك من تداعيات يمكن أن تؤدي إلى انهيار قاتل للبنان وقطع الطريق أمام من يحاول إنقاذه قبل الوصول إلى هذا المصير.
ولفت المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ماكرون يسعى جاهداً لضمان استمرار الخدمات للبنانيين تحسباً لدخول بلدهم في دوامة الفراغ، رغم أنه تعهد بالدفاع عن جهوده لتشكيل حكومة من شأنها أن تقود الإصلاحات وتطلق العنان للمساعدات الدولية. وقال الرئيس الفرنسي، في مؤتمر صحافي أول من أمس، إنه أراد أن يحث اللبنانيين على الصمود لمواجهة الأسوأ الذي ينتظرهم، متعهداً في الوقت نفسه بوقوف فرنسا إلى جانبهم وبأنها لن تتركهم لوحدهم يواجهون الأيام السوداء بغياب الدولة وانحلال إداراتها ومؤسساتها.
واعتبر المصدر أن الخطورة المترتبة على ما أعلنه ماكرون تكمن في أنه بات الأعلم بما آلت إليه المفاوضات لتشكيل الحكومة والتي عادت إلى المربع الأول، من دون أن تحدث أي خرق يمكن التعويل عليه لمعاودة المشاورات. وقال إن سعيه إلى تأمين استمرار الخدمات يتلازم مع إصراره على توفير كل الشروط لرفع المعاناة عن المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية الأخرى.
وقال إن ماكرون يصر على تأمين الحد الأدنى من الخدمات للبنانيين لتحصين الأمن الاجتماعي الذي من شأنه أن يريح المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية الأخرى لتمكينها من الحفاظ على الاستقرار باعتبار أنها تبقى صمام الأمان لمنع إقحام البلد في فوضى تأخذه إلى المجهول فيما المنظومة الحاكمة عاجزة عن تشكيل حكومة مهمة وبات من الضروري التحضير لإجراء الانتخابات النيابية العامة في موعدها المقرر في ربيع العام 2022 لعلها تشكل نقطة للانطلاق نحو التغيير، وهذا ما تراهن عليه باريس، وهي قالت كلمتها في هذا الشأن على لسان وزير الخارجية جان إيف لودريان في زيارته الأخيرة لبيروت.
ويتابع المصدر السياسي أن باريس تكاد تكون قطعت الأمل بأن تتمكن المنظومة الحاكمة من إنقاذ لبنان إن لم تكن قد أصيبت بإحباط لا عودة عنه في رهانها على هذه المنظومة، مشيراً إلى أن سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو باتت تركز على التعاون مع هيئات المجتمع المدني وتعمل على توفير المساعدات لعدد من المدارس والمستشفيات والجمعيات، وكأنها تراهن على أن الحراك الشعبي - رغم صعوبة توحيده - سيكون الناخب الأول الذي تتشكل منه الرافعة المطلوبة لإعادة إنتاج السلطة.
ويشير المصدر إلى أن ماكرون لم يقدم على خطوته الجديدة هذه إلا بعدما أدرك بأن مشاورات تأليف الحكومة تراوح في مكانها وهذا ما انتهت إليه اللقاءات المعقودة بين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وبين المعاونين السياسيين لرئيس البرلمان النائب علي حسن خليل والأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل في حضور مسؤول التعبئة والتنسيق في الحزب وفيق صفا.
وفي هذا السياق، كشف مصدر في «الثنائي الشيعي» لـ«الشرق الأوسط» أن اللقاءات لم تحقق أي تقدم يمكن التأسيس عليه لمواصلة المشاورات، وقال إن باسيل يصر على أن يكون لرئيس الجمهورية ميشال عون حصة من 8 وزراء في حكومة من 24 وزيراً من دون أن يشارك في حكومة يمنحها الثقة، مضيفاً أن لا مشكلة في إعادة توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف ولكن من دون حصول أي طرف على «الثلث الضامن».
وأكد المصدر نفسه أنه من غير الجائز، من وجهة نظر الرئيس المكلف سعد الحريري، أن يعطي عون 8 وزراء، فيما يقود باسيل المعارضة للحكومة. وأضاف أن «التيار الوطني» أصر في البداية على أن تكون وزارة الطاقة من حصة رئيس الجمهورية لكنه عاد وتنازل عنها مشترطاً أن لا تعطى لتيار «المردة» برئاسة النائب السابق سليمان فرنجية.
وأضاف أن مشكلة حقيبة الطاقة قد حلت وكذلك الحال بالنسبة لحقيبتي الداخلية والعدل، لكن باسيل يرفض أن يعطي جواباً يتعلق بمن يسمي الوزيرين المسيحيين في مقابل إصرار الحريري على تسميتهما لقطع الطريق على عون للاستثمار بامتلاك ثلث ضامن في الحكومة. وزاد أن باسيل اشترط تثبيت حصة عون بـ8 وزراء في الحكومة قبل التواصل مع عون للوقوف على رأيه. ورأى أن مجرد حصول عون على 8 وزراء من دون موافقته على أن يسمي الحريري الوزيرين المسيحيين يعني حكماً أنه يريد أن «يقضم بالمفرق الصلاحيات المناطة بالرئيس المكلف»، مضيفاً أن «لقاءات البياضة» (مقر باسيل قرب بيروت) هي في إجازة الآن ولن تعاود اجتماعاتها ما لم يعدل رئيس «التيار الوطني الحر» موقفه بالنسبة إلى تسمية الوزيرين المسيحيين.
ومع أن المصدر يتجنب الدخول في موقف عون وامتناعه عن الاشتراك في مشاورات التأليف بتفويضه باسيل متابعة هذه المشاورات بصلاحيات مطلقة، فإن مصادر مواكبة للقاءات البياضة تقول لـ«الشرق الأوسط» إن عون أوكل مهمة الحل والربط لـ«وريثه السياسي» (باسيل)، ما يعني أنه يتنازل بملء إرادته عن صلاحياته في الوقت الذي يدعي بأنه يريد استردادها. وتتابع هذه المصادر أن «صبر الحريري لن يطول إلى ما لا نهاية، وهو ينتظر أجوبة نهائية ليبني على الشيء مقتضاه على خلفية أنه ليس من يعطل الدولة ويترك إداراتها ومؤسساتها تنهار، فيما الأزمات تحاصر اللبنانيين، وبالتالي سيقول كلمته الفصل في الوقت المناسب لأنه لن يكون ميشال عون آخر صاحب الخبرة في التعطيل وشل مؤسسات الدولة... وإلا يكون قد عطل نفسه».
وعليه، يفترض أن يقوم الحريري بمروحة من الاتصالات والمشاورات تمهيداً للموقف الذي سيتخذه، ومن خياراته الاعتذار عن تكليفه بتشكيل الحكومة على أن يأتي من ضمن خطة سياسية، ليس للتفرغ لخوض الانتخابات النيابية فحسب، وإنما لمصارحة اللبنانيين بلا مواربة بكل شاردة وواردة كانت وراء اتخاذ خياره بالاعتذار ما لم تحمل الأيام القليلة المقبلة مفاجأة بتذليل العقبات التي تملي عليه التريث.
وبانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة فإن الحريري اتخذ قراره بالتنسيق مع حلفائه من جهة وبالتشاور مع الرئيس نبيه بري الذي أطلق، من جهته، مبادرة للإسراع بتشكيل الحكومة. وليس واضحاً حتى الآن هل سيعود باسيل إلى مراجعة حساباته بالتخلي عن شروطه التي تعطل تشكيل حكومة الحريري. كما أنه غير واضح كيف سيتعامل «حزب الله» مع تلويح الحريري بالاعتذار، وهو تلويح يأتي بعدما «طفح الكيل» لدى رئيس الوزراء المكلف الذي يرفض أن يكون شريكاً في التعطيل.
ويبقى السؤال في ظل التعثر الذي يعيق تشكيل الحكومة ما إذا كان ماكرون أطلق إنذاره الأخير لاستحضار ضغط دولي للإسراع بتأليفها قبل أن يغرق البلد في انفجار كبير لا حدود له؟



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.