لبنان: الأمن الصحي مهدّد ونداء لمنظمة الصحة والأمم المتحدة للتدخل العاجل

من اعتصام منظمة «القمصان البيض» التي تضم أطباء وصيادلة وأطباء أسنان وممرضين ومخبريين، أمام وزارة الصحة في بيروت أمس (إ.ب.أ)
من اعتصام منظمة «القمصان البيض» التي تضم أطباء وصيادلة وأطباء أسنان وممرضين ومخبريين، أمام وزارة الصحة في بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

لبنان: الأمن الصحي مهدّد ونداء لمنظمة الصحة والأمم المتحدة للتدخل العاجل

من اعتصام منظمة «القمصان البيض» التي تضم أطباء وصيادلة وأطباء أسنان وممرضين ومخبريين، أمام وزارة الصحة في بيروت أمس (إ.ب.أ)
من اعتصام منظمة «القمصان البيض» التي تضم أطباء وصيادلة وأطباء أسنان وممرضين ومخبريين، أمام وزارة الصحة في بيروت أمس (إ.ب.أ)

تتفاقم الأزمة الصحية في لبنان على أكثر من صعيد بحيث بات الأمن الصحي مهدداً ومعالم الانهيار تتضح يوماً بعد يوم، وسط تحذيرات من الأسوأ إذا لم تتم معالجة الوضع في أسرع وقت ممكن، وهو ما دفع يوم أمس الصيدليات للإضراب والأطباء والممرضين للاعتصام موجهين نداءً عاجلاً إلى الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية للتدخل لتسلم زمام الأمور وإرسال لجنة لتقصي الحقائق إلى لبنان للتحقيق ومنع الدمار.
ويصف رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي الوضع الصحي في لبنان بـ«الصعب جداً»، في ظل امتناع الشركات والمستوردين عن تسليم الدواء والمستلزمات الصحية بحجة عدم صرف الاعتمادات من المصرف المركزي، مؤكداً أن 70 في المائة من الأدوية المفقودة موجودة في المستودعات، منها نحو 87 نوعاً خاصاً بمرض السرطان والمناعة. ويلفت عراجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه تولى مهمة التنسيق والتواصل مع مصرف لبنان لتقديم لائحة بالأولويات من قبل وزارة الصحة إلى المصرف المركزي لتحويل الاعتمادات وفقها، وهو ما تم تنفيذه وتلقى المستوردون وعداً بذلك لكنهم لا يزالون يمتنعون عن التسليم «علماً بأنه قبل ذلك كان الدفع يتم بعد أربعة أو خمسة أشهر، لكن التجار يرفضون اليوم هذا الأمر».
وفيما يشير عراجي إلى أن الشركات المستوردة للمستلزمات الطبية كانت تربح 300 في المائة، كشف مصدر في القطاع الطبي لـ«الشرق الأوسط» أن معظم المستلزمات يباع وفق سعر السوق رغم أن الشركات تحصل على الدولار المدعوم من «المركزي» لشرائه. ويعطي المصدر مثالاً على ذلك أن بعض المستلزمات تباع إلى الجيش اللبناني بنصف أو أقل من نصف السعر الذي يباع إلى المستشفيات والمراكز الخاصة، ما يؤكد أن هناك أرباحاً طائلة يتم جنيها.
وفيما يؤكد عراجي أن المشكلة الأكبر تكمن في تهريب الدواء وتخزينه في المستودعات، تلفت المصادر إلى أن بعض الأدوية تم استيرادها إلى لبنان بنسبة تزيد على 35 في المائة من نسبتها العام الماضي «ما يؤكد أن هناك تهريباً أو تخزيناً لها».
ورغم هذا الواقع المتأزم يرى عراجي أن الوضع الصحي قابل للإنقاذ إذا اتخذت الأجهزة الأمنية والقضاء قراراً حاسماً، بالإضافة إلى تشكيل لجنة وزارية صحية لتولي زمام الأمور، رافضاً «اتهام المواطنين بتخزين الدواء الذي وإن حصل فهو يتم بنسبة ضئيلة جداً».
ورفضاً لهذا الوضع، نظمت أمس منظمة «القمصان البيض» التي تضم تحالف أطباء وصيادلة وأطباء أسنان وممرضين ومخبريين، اعتصاماً في الباحة الداخلية لمبنى وزارة الصحة. والتزم المعتصمون ارتداء المعطف الأبيض، وحملوا لافتات طالبت منظمة الصحة العالمية بالتعاطي مع الجيش والصليب الأحمر والمراكز الجامعية، مطالبين بـ«ترشيد دعم الدواء وإنصاف القطاع الصحي» ومؤكدين أن «الدعم العشوائي لا يؤمن الدواء للمواطن، بل يؤمنه لمافيات التهريب»، سائلين عن الرقابة على الأدوية المهربة.
وتلا الدكتور هادي مراد، باسم المعتصمين، نداءً إلى منظمة الصحة العالمية تحدث فيه عن الأزمة، وقال: «يواجه لبنان أزمة غير مسبوقة في قطاع الرعاية الصحية التي تهدد حياة اللبنانيين جميعاً وعلى حد سواء. في ضوء الفساد المستمر للطبقة الحاكمة المتعدية على حقوق المواطنين والمدعومة من منظومة فاسدة تحميهم جيداً للإفلات من العقاب، نجد الآن أنفسنا وسط دولة فاشلة ومفلسة. لذلك، نوجه اليوم من خلال تحالف أطباء المستشفيات الجامعية والصيادلة والممرضين والمخبريين، نداءً عاجلاً إلى منظمة الصحة العالمية للتدخل مباشرة لتسلم زمام الأمور والضرب بيد من حديد، وإرسال لجنة لتقصي الحقائق إلى لبنان للتحقيق ومنع الدمار المتزايد الذي لا يمكن وقفه من قبل الدولة الفاشلة، إنما من خلال التعاون مع الجيش اللبناني والصليب الأحمر والمراكز الطبية الخاصة والمستشفيات الجامعية».
وأكد «لن نقبل أن تقتلنا السلطة مرة أخرى بعد إجرامها وقتل مئات اللبنانيين في تفجير 4 أغسطس (آب)، هذه مسألة ملحة للغاية وتتطلب تدخلاً فورياً من الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي لأسباب إنسانية لإنقاذ شعب لبنان».
ومع انقطاع الأدوية وحليب الأطفال من الصيدليات تحت الحجة نفسها، وهي عدم صرف الاعتمادات من المصرف المركزي، نفذت صيدليات لبنان يوم أمس إضراباً يستمر حتى اليوم السبت احتجاجاً «على ما آلت إليه أوضاع الدواء، ولإطلاق صرخة بأن الأمن الصحي أصبح مهدداً بشكل جدي».
وأقفلت معظم الصيدليات في مختلف المحافظات أبوابها، إلا أن عدداً ضئيلاً خرق هذا الاقفال، بحسب «الوكالة الوطنية للإعلام».
ويأتي كل ذلك، في وقت يكشف يومياً عن مستودعات مليئة بالأدوية والمستلزمات الطبية يعمل أصحابها على تخزينها وعدم تسليمها إما بحجة عدم صرف الاعتمادات من المصرف المركزي وإما بانتظار رفع الدعم عنها لبيعها بأسعار مرتفعة.
وفي هذا الإطار نفذت القوى الأمنية برفقة وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن مداهمات في عدد من المناطق للكشف على مستودعات موزعي الأدوية والمستلزمات الطبية في المناطق اللبنانية كافة، «لمنع تخزينها واحتكارها، والتأكد من الكميات الموجودة وحسن وعدالة توزيعها، بما يلبي احتياجات المواطن الصحية».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.