نجلاء المنقوش... صوت ليبيا المدافع عن «السيادة الوطنية»

وزيرة الخارجية تدخل إلى السياسة من «باب المحاماة»

نجلاء المنقوش... صوت ليبيا المدافع عن «السيادة الوطنية»
TT

نجلاء المنقوش... صوت ليبيا المدافع عن «السيادة الوطنية»

نجلاء المنقوش... صوت ليبيا المدافع عن «السيادة الوطنية»

في واحدة من موجات النقد التي تعرّضت لها نجلاء المنقوش، منذ تعيينها وزيرة للخارجية لتغدو أول امرأة تتولى هذا المنصب في ليبيا، تساءل البعض مستغرباً: كيف لهذه السيدة أن تذهب إلى الجنوب الليبي، وتتفقد المعابر؟ أنسيت أنها وزيرة للخارجية وليست مسؤولة عن الدفاع أو الحكم المحلي؟ إلا أنها ردت في محفل عام عندما علت صيحات المستنكرين: «أخجل أن أتحدث باسم الليبيين في الساحات الدولية ولم تطأ قدمي أرض الجنوب».
استغراب بعض المتسائلين مبعثه الجولات المفاجئة للوزيرة الجديدة، وكثرة ترحالها داخلياً وخارجياً في تحرك نادر لمسؤول ليبي حديث العهد بتوليه هذه المهمة؛ فلم يكد يمضي على تولي المنقوش، التي تسلمت حقيبة الخارجية في حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، غير أيام معدودات إلا وشغلت الرأي العام بتعاطيها مع الملفات المؤجلة والشائكة التي خلفتها الحرب على طرابلس، لذا كان طبيعياً أن تتنوع ردود الفعل حيالها، بين مؤيد، ومتحفظ، أو مُحرض عليها مثل الصادق الغرياني مفتي ليبيا السابق، الذي نعتها بأوصاف جارحة، ودعا لطردها خارج العاصمة طرابلس!
عُرفت نجلاء المنقوش فور اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط) » عام 2011 عندما انخرطت في العمل الإعلامي عبر نشاطها وآخرين بتغطية الأحداث الساخنة التي وقعت في بنغازي آنذاك. ويومذاك كانت تتواصل مع الصحافة الأجنبية لنقل الأحداث الجارية، ومنها المأساة التي ألمت بكتيبة بنغازي العسكرية يوم 20 فبراير 2011.
حينذاك ما كانت المنقوش، المحامية وأستاذة القانون الجنائي بجامعة قاريونس (بنغازي)، صحافية محترفة بالمعنى المتعارف عليه، لكنها اهتمت بنقل وقائع الثورة وإيصال صوت ليبيا إلى العالم الخارجي بطرق عدة، وخصوصاً بعد قطع شبكة «الإنترنت» عن المدينة. وهنا أتاحت إجادة المنقوش اللغة الإنجليزية التواصل مع الجاليات الأجنبية بالمدينة، فراحت تعمل ضمن فريق على تأمين الغذاء والدواء لأفرادها، قبل إجلائهم من البلاد. وبالفعل، خلال الشهور الأولى للثورة أسهمت المنقوش في انخراط العديد من الشباب الليبي في العمل السياسي وإنضاج تجربتهم. ومن ثم، أصبحت المحامية الشابة منسقة «وحدة الاتصال» ما بين الشارع والمجلس الانتقالي، الذي تولى إدارة شؤون البلاد برئاسة وزير العدل المنشق عن نظام معمر القذافي المستشار مصطفى عبد الجليل. وكان من اختصاصات هذه «الوحدة» تنظيم الحلقات البحثية (السيمينارات) لأعضاء المجالس المحلية والوطنية، وإعداد البرامج التثقيفية والتوعوية. ومن هنا وجدت نجلاء المنقوش نفسها في قلب الأحداث وقريبة إلى حد ما من صانعي القرار.

النشأة والبداية
ولدت نجلاء محمد المنقوش (51 سنة) في مدينة بنغازي حاضرة شرق ليبيا، لأسرة مهتمة بالعلم، تجسّدت في والدها الدكتور محمد عبد الله المنقوش طبيب القلب وأمراض الدم. وهذا الواقع أسهم كثيراً في بناء شخصيتها وفتح المجال العام أمامها باكراً للعمل كمحامية، ثم التعمق الدراسي والالتحاق بالمجتمع المدني كواحدة من الناشطات الليبيات في مجال العمل النسائي.
وفي بنغازي، بعد التخرّج في كلية الحقوق بجامعتها، تدرجت المنقوش - التي تعود أصول عائلتها إلى مدينة مصراتة بغرب ليبيا - في مراحل التعليم المختلفة، قبل أن تحصل على الماجستير في تحويل النزاعات بمركز العدالة وبناء السلام بجامعة إيسترن مينونايت بالولايات المتحدة، ومن ثم تحصل على الدكتوراه في جامعة جورج مايسون ضواحي العاصمة الأميركية واشنطن.

من «الحرب إلى السلم»
لم تكن بداية المنقوش مع متابعة الوضع الراهن عابرة. إذ كانت الحرب التي تركت أثراً غائراً في نفوس من عايشوها، أيضاً، كاشفة لمن يسعون إلى استمراريتها والتربح من ورائها، ولذا لم تتوقف المنقوش طويلاً عند هذه المحطة، بل ذهبت تُؤسس لحياتها العملية كمحامية وناشطة في المجتمع المدني. وفي هذه المرحلة ظلت عيناها على هموم بلدها التي مزقتها الحروب والاشتباكات مدة 10 سنوات، وما بوسعها فعله مع رفاقها لانتزاعها من قبضة الانقسام السياسي والتحزب الجهوي. هذا السبب كان وراء دراساتها وأبحاثها المهتمة بعملية الانتقال من الحرب إلى السلم، وبناء السلم في المجتمعات، وهو ما تجسد في تدريسها للعدالة التصالحية والتوعية بالتأهيل النفسي عقب الحروب والنزاعات المسلحة.
وللعلم، فإن للمنقوش دراسات منشورة في عام 2015؛ منها الممارسات العرفية والعدالة التصالحية في ليبيا «نهج هجين»، بجانب بحوثها في تحليل النزاعات وفضها بجامعة جورج ميسون. وهذا، بجانب كونها عضواً في «منبر المرأة الليبية من أجل السلام» وهي منظمة نسائية غير حكومية تهدف إلى تحقيق الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية للمرأة الليبية وتعزيز حقوق المواطنة، والعمل على النهوض بليبيا.

«وزيرة الصدفة»
في الحقيقة، لعبت اعتراضات أعضاء مجلس النواب دوراً في أن تحل نجلاء المنقوش وزيرة للخارجية والتعاون الدولي. إذ كانت رغبة رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة منصبّة أولاً على إسناد الحقيبة إلى لمياء أو سدرة، القريبة من عبد الحكيم بلحاج رئيس حزب «الوطن»، إلا أنه بعد رفضها من قبل البرلمان، وقع اختياره لاحقاً على المنقوش. ومن هنا بدأت السيدة الآتية من شرق البلاد مرحلة من أشد الفترات حساسية في تاريخ الدبلوماسية الليبية؛ أقلها ضرورة ترسيخ مبدأ السيادة الوطنية، ووقف التدخلات الخارجية. وحقاً، انطلقت المنقوش سريعاً لتطالب الرأي العام الخارجي، والدول المهتمة بالملف الليبي بأحقية ليبيا بتطهير أرضها من المقاتلين الأجانب و«المرتزقة»، كي يتمكن الليبيون من إجراء انتخابات نزيهة بعيداً عن ضغط السلاح. لكن هذا المطلب فتح عليها أبواب الغضب والانتقادات، ولا سيما، من المعسكر الموالي لتركيا، ووصل الأمر بأحد وجوهه أن طالب قوات «بركان الغضب» التابعة للحكومة بـ«الخروج ضدها»، ووصفها بأنها «تخدم مشروع الأعداء»، في إشارة إلى المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني»!

«وين المنقوش»؟
مع هذا، لم تكفّ وزيرة الخارجية عن المطالبة بإخراج «المرتزقة» من ليبيا، ولسان حالها يقول «نحن نعمل على تحرير قرارنا السيادي». وعندما جدّدت مطلبها ذلك أمام مجلس النواب الإيطالي في أبريل (نيسان) الماضي، أثيرت حالة من اللغط بحجة أنها تحدثت فقط عن «المرتزقة» المواليين لأنقرة، وأغفلت مجموعات «الفاغنر» (وهي شركة أمنية روسية) المتهمين بالحرب في صفوف «الجيش الوطني الليبي». غير أن بياناً لوزارة الخارجية الليبي أُعيد نشره في اليوم التالي لزيارتها إلى إيطاليا، فسّر كيف أن بعض المواقع والفضائيات اجتزأت كلمة المنقوش، لأغراض سياسية. ومن ثم، خرجت المنقوش لتؤكد من جديدة ضرورة إخراج «جميع القوات والمرتزقة الأجانب» من أجل تنفيذ بنود «خريطة برلين»، واتفاق الحوار السياسي في تونس وجنيف.
وفي مؤتمر صحافي ضم وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وألمانيا بطرابلس، أكدت الوزيرة المنقوش على أن «مبدأ السيادة الوطنية أساس غير قابل للتفاوض في استراتيجية الخارجية الليبية». وأردفت أن استقرار بلادها ينعكس بشكل إيجابي على دول الجوار، بما في ذلك أوروبا، قبل أن تنهي حديثها بالتشديد على ضرورة «خروج كل المرتزقة من أراضي الوطن وفوراً».
هنا أخذت موجة الغضب ضد المنقوش تتصاعد. بل ووصل الأمر بقوات من عملية «بركان الغضب» بالذهاب إلى فندق «كورنثيا» مقر المجلس الرئاسي بالعاصمة من أجل مقابلة رئيسه محمد المنفي، والاعتراض على تمسك المنقوش بإخراج «المرتزقة» الموالين لأنقرة بوصفهم «قوات شرعية» أتت إلى البلاد بطلب رسمي من حكومة «الوفاق الوطني»، وانتشر مقطع فيديو للقوات وهي تملأ بهو الفندق الشهير، وأحدهم يسأل في حدة وغضب: «وين المنقوش»؟
وفي حينه، تساءل الجميع: هل تدفع المنقوش ثمن مطالبتها بمغادرة «المرتزقة»؟ لكن الأخيرة لم تكف في جميع المؤتمر الصحافية مع المسؤولين الأجانب - وخصوصاً نظيرها التركي مولود جاويش أوغلو - عن المطالبة بإخراج «جميع المقاتلين الأجانب» من البلاد، كما أن حكومة الدبيبة، بدورها، نفت يومذاك تشكيل أي لجان للتحقيق معها... كما ردّد البعض.

بين سبها والقطرون
وقبل أن ينتصف الشهر الثالث من عُمر حكومة الدبيبة، كانت وزيرة خارجيته الشابة قد قطعت شوطاً لا بأس به على مسارات عدة لتنبئ بتعافي الدبلوماسية الليبية. وها هي بحقيبة يد صغيرة يُطل منها كتاب، وجاكيت بذلة على ذراعها تهبط في مطار سبها الدولي من دون تكلّف، في زيارة تستهدف تفقد غالبية مناطق إقليم فزّان الذي طالما شكا من الإقصاء والتمييز والتجاهل الحكومي. وفي سبها، عاصمة فزّان، خفّت لاستقبال المنقوش قيادات تنفيذية وعسكرية ومعها أعيان ومشايخ بالجنوب، لتمكث هناك أيام تستمع وتدوّن وتناقش مشاكل سكانه.
ومن سبها، الموصوفة بـ«عروس الجنوب»، واصلت المنقوش جولتها إلى مدينة القطرون باتجاه حدود النيجر وتشاد، في أول زيارة لمسؤول ليبي إلى هذه المدينة النائية. وتعهدت من هناك بنقل الصورة الحقيقية عن الوضع في المنطقة، والمطالب التي قُدمت إلى مجلس رئاسة الوزراء بالعاصمة طرابلس. بل إنها لم تكتف بذلك، إذ ذهبت لتفقّد معبر التوم الحدودي مع النيجر، وأصغت إلى حديث المواطنين هناك. وعندما أثارت هذه الجولة غير المعهودة تساؤلات عن حدود مسؤولية وزير الخارجية، وهل بينها تفقد الحدود؟ ردت الوزيرة قائلة «أنا مسؤولة ليبية، ولا أستطيع الحديث عن قضايا الجنوب وما يتعلق بالمنافذ البرية والهجرة غير المشروعة، إذا لم أقم بزيارته، فهذا عيب في حقي».

«الحس العروبي»
من ناحية أخرى، رغم التباين الشعبي حيال شخصية المنقوش، ونظرة البعض لها على أنها تميل إلى «معسكر شرق ليبيا على حساب معسكر الغرب»، فإنها تركت وتترك انطباعاً مُرضياً للغالبية بفضل حسن عرضها أزمة بلادهم في المحافل الدولية، وبملامح وجهها التي تعكس جدية وإحساسا بأهمية المنصب، حتى وصل الأمر بالبعض لترشيحها لرئاسة الوزراء في حكومة ما بعد انتخابات ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بل هناك من أطلق عليها لقب «أنجيلا ميركل ليبيا».
هذا، وزادت المنقوش من شعبيتها عندما أظهرت حسّاً عروبياً بارتدائها للوشاح الفلسطيني الشهير أثناء استقبالها في طرابلس مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط جوي هود، وهو مُزين بقبة الصخرة وكلمتي «القدس لنا»، تعبيراً عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، في خطوة لاقت استحسان كثرة من الليبيين والعرب.
ولقد قرأ مقربون من وزيرة الخارجية مجمل تحرّكاتها على المسار الدبلوماسي خلال الأشهر الثالثة الماضية، بأنها لم تنفصل بعد عن كونها شخصية اتسمت منذ بدايتها بحس ثوري، تمثل في انخراطها بالحراك الشعبي الذي أودى بسقوط نظام القذافي لتحقيق حلم الوصول إلى دولة ديمقراطية قائمة على العدل والمساواة، وتؤمن بتداول السلطة. وللتذكير، قبل أن تتسلم المنقوش حقيبتها كان في ليبيا حكومتان تضمان وزيرين للخارجية، الأول محمد طاهر سيالة بالعاصمة، والثاني عبد الهادي الحويج بشرق ليبيا.

حملة تشكيك
أخيراً، كأي شيء في ليبيا، اتسعت دائرة النقد حول مسيرة المنقوش على قصَرها. فهي لم تسلم من الطعن والتشكيك بأنها «تنتصر لجبهة شرق ليبيا على غربها»، وأنها «تربية أميركية» تأسيساً على أنها حصلت على غالبية تعليمها في الولايات المتحدة! بل إن البعض تساءل عما إذا كانت المنقوش قد تحدثت خلال زيارتها مع الدبيبة إلى موسكو عن أوضاع «مرتزقة الفاغنر» في ليبيا؟ غير أن الموقف الليبي الذي عبر عنه الدبيبة خلال اجتماعه مع رئيس وزراء روسيا ميخائيل ميشوستين في موسكو، كان واضحاً إذ طالب بالضغط على شركة «فاغنر» المتهمة بإرسال «مرتزقة» إلى ليبيا، لسحب عناصرها من البلاد.



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.