عودة مصرية لأفريقيا لمجابهة مخاطر وتحولات

خبراء: تحركات القاهرة تحمل «بُعداً ذا طبيعة وقائية»

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)
قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)
TT

عودة مصرية لأفريقيا لمجابهة مخاطر وتحولات

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)
قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)

مراحل متفاوتة شهدتها العلاقات «المصرية - الأفريقية»، بدأت بدور محوري بوصفه قوة داعمة لحركات التحرر، ثم تحولت إلى لاعب دبلوماسي ذي نفوذ، ثم تراجعٌ وغيابٌ غير مسبوق، قبل أن تعود وتكتب فصلاً جديداً في تاريخ العلاقات، عبر حزمة من مسارات التعاون على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والاستراتيجية كافة، لـ«موازنة واحتواء ومجابهة أي مخاطر وتهديدات».

وتشكّلت ملامح الدور المصري في أفريقيا منذ الستينات، مع دعم الرئيس الأسبق، جمال عبد الناصر، جهود التحرر ببعض دول القارة السمراء التي كانت تحت الاستعمار، وزادت وتيرتها مع المساهمة في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في 1963، ثم ابتعدت مصر قليلاً في عهد الرئيس الأسبق، أنور السادات، مع الانشغال بمعركة التحرر من احتلال إسرائيل لسيناء في 1967، والذي تحقق بالحرب في 1973، والسلام مع تحرير كامل أراضيها في الثمانينات.

السيسي في جيبوتي حيث كان على رأس مستقبليه الرئيس إسماعيل عمر جيلة في مايو 2021 (الرئاسة المصرية)

قبل أن تشهد خفوتاً في عهد الرئيس الأسبق، حسني مبارك، عقب محاولة اغتياله في أديس أبابا في 1995، وتتحوّل لغياب لافت بانشغال مصري داخلي مع اضطرابات واندلاع أحداث 2011 و2013، انتهى بتجميد عضوية مصر بالاتحاد الأفريقي.

ومع تولّى الرئيس عبد الفتاح السيسي، في صيف 2014، رئاسة البلاد، بدأت مصر مسار استعادة العلاقات بالقارة السمراء، وأعادت عضويتها بالاتحاد الأفريقي، وتحركت عبر ملامح رئيسية ثلاثة؛ بين تعاون، وبناء تحالفات، ومجابهة أي تهديدات محتملة.

تلك المسارات عزّزتها وساهمت في نجاحها جهود دبلوماسية كبيرة بـ«توجيه رئاسي وتحرك حكومي موازٍ»، وفق السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وذلك «بعد سنوات من الفتور والخفوت في العلاقات خلال فترات سابقة».

فيما يقرأ الخبير السوداني المختص بالشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، الحضور المصري المتصاعد بأن القاهرة «تُريد استعادة دورها» في القارة الأفريقية، الذي عرفت به خلال سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، عبر تقديم مساعدات وخبرات في مجال البنى التحتية، ودعم حركة التحرر والاستقرار، متوقعاً أن تزداد فعالية الحضور المصري بين أدوار التعاون وبناء التحالفات، في ظل تنامي التهديدات ومحاولات الهيمنة.

وخلال العقد الأخير، تنوعت أدوار التعاون المصرية في أفريقيا بين تنفيذ عدد من مشروعات البنية التحتية، وأعمال الطرق والكبارى، والمشروعات السكنية، والصحية، وحفر عدد من الآبار الجوفية، وإقامة السدود ومحطات توليد الكهرباء في دول أفريقية كثيرة، بينها تنفيذ مشروع درء مخاطر الفيضان بغرب أوغندا، في أغسطس (آب) 2018، وإطلاق السيسي في مارس (آذار) 2019 مبادرات صحية لعلاج مليون أفريقي، والتوجيه في سبتمبر (أيلول) 2020 بإرسال مساعدات عاجلة إلى 30 دولة أفريقية، بقيمة 4 ملايين دولار لمواجهة فيروس «كورونا».

زيارة رئيس المخابرات المصرية السابق ووزير الخارجية إلى أسمرة ولقاء الرئيس الإريتري (الخارجية المصرية)

إضافة إلى تنفيذ مشروع «سد روفيجي» في تنزانيا، الذي بدأ ملؤه في 2022، و«تدشين الخط المباشر للطيران بين مصر وجيبوتي والصومال»، في يوليو (تموز) 2024، بخلاف قرار مصري حديث بالبدء في خطوات إنشاء صندوق للاستثمار في دول حوض النيل، تنفيذاً لتوجيه رئاسي، بعد تفعيل اتفاقية «عنتيبي» التي تمس حقوق مصر المائية.

وترى السفيرة منى عمر أن «الدور المصري الكبير، عبر تعزيز التعاون مع دول القارة هو التزام بأسس سياسة مصر الخارجية تجاه أفريقيا، وتأكيد حضورها غير المسبوق»، مشددة على أن ذلك التعاون شاهد على أن سياسة مصر المتوازنة بأفريقيا قائمة على التنمية.

ويعتقد الخبير المختص بالشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «مصر أظهرت قدرات فائقة» خلال السنوات الماضية في مضمار العمل الدبلوماسي الدؤوب داخل القارة السمراء، وهو الأمر الذي تمت معه «فتوحات هائلة» على مستوى تعزيز التعاون المشترك، والتفاهمات والاتفاقات على كل الأصعدة داخل دول عدة بالقارة السمراء.

الرئيس المصري يستقبل في القاهرة رئيس جنوب السودان سيلفا كير ميارديت (الرئاسة المصرية)

كما كان مسار بناء التحالفات حاضراً في السياسة المصرية الأفريقية، وفق الحاج، لموازنة السلوك السياسي الإثيوبي واحتوائه، ومجابهة المخاطر والتهديدات، التي ترى القاهرة أبرزها بناء «سد النهضة» الإثيوبي منذ 2010، واتهام أديس أبابا بـ«عرقلة» إبرام اتفاق يؤمن مخاوف مصر من «السد» على حصتها المائية التاريخية (55.5 مليار متر مكعب)، فضلاً عن عقد إثيوبيا اتفاقاً أولياً مع إقليم أرض الصومال، يتيح لها استخدام ميناء مطل على البحر الأحمر، وهو ما رفضته مقديشو، ودعمتها القاهرة خشية على أمنها القومي.

ومن إثيوبيا إلى السودان، ورغم العلاقات القوية بين القاهرة والخرطوم، برزت في الآونة الأخيرة خلافات مع «قوات الدعم السريع» التي تحارب الجيش السوداني منذ أبريل (نيسان) 2023؛ حيث اتهمت القاهرة بـ«التدخل في الحرب الدائرة منذ أكثر من عام، ودعم الجيش السوداني»، وهو ما نفته «الخارجية المصرية»، وعدّتها «مزاعم».

وعقدت مصر بروتوكولات للتعاون العسكري بالعام 2021، أبرزها مع السودان، واتفاقية استخباراتية أمنية مع أوغندا، وأخرى عبر تعاون عسكري مع بوروندي، واتفاقية تعاون دفاعي مع كينيا، بخلاف توقيع مذكرة تعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين مصر ونيجيريا في سبتمبر (أيلول) الماضي.

كما قام الرئيس المصري بين 2014 و2020 بـ27 زيارة لأفريقيا، بخلاف لقاءات واجتماعات الرئيس بالقادة الأفارقة، الذين استقبلهم في مصر، إذ يزيد عدد هذه اللقاءات على 150 زيارة منذ عام 2014 حتى منتصف عام 2021، وفق تقديرات صحيفة «الأهرام» الحكومية، كان أبرزها زيارته لجيبوتي جارة إثيوبيا، التي تعد الأولى من نوعها لرئيس مصري، في مايو (أيار) 2021.

ودعم ذلك المسار حديثاً، زيارات لرئيس المخابرات المصرية السابق اللواء عباس كامل، أولاها للسودان في أغسطس (آب) الماضي، ولإريتريا ولتشاد في سبتمبر الماضي، بحث خلالها التحديات وتطورات القرن الأفريقي، ويضاف لذلك تولي مصر رئاسة مجلس الأمن والسلم الأفريقي خلال أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، تأكيداً «للحضور القوي فى القارة السمراء على كل المستويات»، وفق ما ذكرته «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية في مصر.

الدعم المصري للصومال تحوّل من رفض اتفاقية قد تُهدد أمن مصر على البحر الأحمر، إلى بروتوكول تعاون عسكري أغسطس الماضي، واتفاق على إرسال قوات مصرية للمشاركة في قوات حفظ السلام بمقديشو يناير (كانون الثاني) 2025، بخلاف إعلان «الخارجية المصرية» في سبتمبر الماضي عن إرسال شحنة عسكرية للقوات الصومالية لدعمها، وسط تحفظ متكرر إثيوبي في أكثر من بيان لـ«الخارجية الإثيوبية»، وتحذير من «اتخاذ جهات خطوات لزعزعة استقرار المنطقة». ورغم إقرار الخبير الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، بعودة «بصمات مصر» في أفريقيا، والتي عرفت بها في عهود سابقة، يتطلع أن «تلعب القاهرة دوراً إيجابياً مع رئاستها لمجلس الأمن والسلم الأفريقي خلال أكتوبر الحالي»، وأن «تُغير نظرتها الأمنية، خصوصاً المرتبطة بتهديد أديس أبابا لأمنها المائي».

ومن التعاون إلى بناء التحالفات، عقدت قمة ثلاثية في أسمرة بين قادة مصر والصومال وإريتريا، في 10 أكتوبر الحالي، وإعلان الرئيس المصري في المؤتمر الصحافي أن «القمة بهدف التشاور والاستفادة من تبادل الرؤى إزاء سُبل التصدي لمخططات وتحركات تستهدف زعزعة الاستقرار، وتفكيك دول المنطقة، وتقويض الجهود الدؤوبة التوّاقة للسلام والاستقرار والرخاء».

السيسي يستقبل موهوزي موسيفيني قائد قوات الدفاع الشعبية بجمهورية أوغندا في القاهرة (الرئاسة المصرية)

ويقرأ عبد الناصر الحاج هذا الحضور المصري الكبير داخل القارة الأفريقية، على كل المستويات، لا سيما بمحوري بناء التحالفات ومجابهة التهديدات خلال السنوات العشر الماضية، بأنه يحمل «بُعداً استراتيجياً» لمفهوم السياسة الخارجية للدولة المصرية المرتبطة بحماية الأمن القومي المصري، وكذلك يحمل «بُعداً ذا طبيعة وقائية» تحسباً لتأثيرات قيام «سد النهضة» الإثيوبي في حال جرى تجاهل الموقف المصري الاستراتيجي من قيام السد.

وبرأي الحاج، فإن التحركات المصرية لا تنفك عن كونها «مجابهة لتهديد التعنت الإثيوبي» في قيام «سد النهضة» وتفعيل اتفاقية «عنتيبي» على خلاف رغبة القاهرة، من دون مراعاة حقيقة المهددات الأمنية الوجودية بالنسبة للدولة المصرية، أو الحضور عبر منفذ مائي مهدد بالبحر الأحمر، لافتاً إلى أن «مصر تتفوق على إثيوبيا في مهارة ترسيم حضورها المهم والملهم لعدد من الدول الأفريقية، بحسبان الخبرة الكبيرة التي تمتلكها مصر في إدارة الأزمات، فضلاً عن روابط مصر التاريخية مع جميع الدول الكبرى المؤثرة في المنطقة الأفريقية».

ذلك التفوق المصري يدفع الخبير المختص بالشؤون الأفريقية إلى «ترجيح أن تنجح مصر في مسار مواجهة الأزمات، لا سيما السد الإثيوبي»، عبر مساري الحضور المتجلي لمصر في أفريقيا هذه الفترة، سواء بمسار الدور السياسي الدبلوماسي الكبير لمصر في كل الأزمات التي تعيشها منطقة القرن الأفريقي، أو من خلال المسار العسكري المتمظهر على أشكال معاهدات واتفاقات تعاون عسكري، مثلما حدث مع الصومال وعقد تحالفات تشمل إريتريا.

ووفق أبو إدريس، فإن مصر ستستخدم قطعاً هذه التحركات لتحقيق مصالحها بـ«الضغط على إثيوبيا» عبر الوجود في الصومال، وتعزيز الحضور في إريتريا لتحقيق مكاسب في حال استؤنفت مفاوضات «سد إثيوبيا».

وبرأي عبد الشكور عبد الصمد، فإن مصر أمام تحدٍّ كبير للتوصل لتفاهم مشترك، مع إثيوبيا، وبحاجة للتغلب على هاجسها الأمني، والسعي للشراكة، وألا «يكون تحقيق مصالحها -ليس بالضرورة- عبر استهداف دول أخرى»، لافتاً إلى أن «أديس أبابا من حقها أخذ احتياطاتها أيضاً».

فيما أكدت السفيرة منى عمر أن «مصر ليست ضد التنمية، ولا تسعى لاستهداف أحد»، وقدمت مبادرات لحل أزمة السد، لكن «النظام الإثيوبي لم يقبلها، ولا تزال دولته مفككة بين عدة قوميات ولديها مشاكل مع جيرانها في كينيا والصومال وإريتريا»، معوّلةً على «عدم استمرار النظام الحالي، وأن يخلفه آخر قادر على شراكة وتعاون مع مصر».

السيسي خلال استقبال رئيس إريتريا أسياس أفورقي في القاهرة (الرئاسة المصرية)

حقائق

أبرز المحطات في علاقات القاهرة مع القارة السمراء

أولاً: عهد عبد الناصر

1961

- افتتاح مصر مكتباً إعلامياً بمقدیشو لدعم قضایا التحرر الوطني

- استضافة القاهرة مؤتمر الشعوب الأفریقیة الثالث الداعم للحركات التحررية

1963

- مساهمة مصر في إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية

1964

- مصر تتولى رئاسة منظمة الوحدة


ثانياً: عهد السادات

1970

- مساعٍ مصرية داعمة لاستقلال جیبوتى وتم ذلك في 1975

1977

- إنشاء مصر معهد تدريب للإعلاميين والإذاعيين الأفارقة

1980 - إنشاء الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا


ثالثاً: عهد مبارك

1989

- مصر تترأس منظمة الوحدة الأفریقیة

1993 - مصر تترأس المنظمة وتستقبل قيادات فصائل صومالیة لدعم المصالحة الداخلية

1995

- محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا وبدء التراجع المصري أفريقياً

1997- القاهرة تستضيف تأسيس مؤتمر القمة «العربي - الأفريقي» الأول

2000

- القاهرة تستضيف أول مؤتمر قمة بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي

- مصر تسهم في تأسيس هيكل الاتحاد الأفريقي

2001- مصر تترأس قمة «الكوميسا»


رابعاً: الفترة من 25 يناير 2011 إلى يونيو 2014

- غياب لافت عن الحضور بأفريقيا


خامساً: عهد السيسي

2014

- إنهاء تجميد عضوية مصر بالاتحاد الأفريقي

2015

- استضافة شرم الشيخ قمة التجمعات الاقتصادية الإقليمية الثلاثة (الكوميسا - السادك - الإياك)

2016

- إقامة «منتدى أفريقيا» بشرم الشيخ الذي تلته قمم مماثلة في 2017 و2018

2018

- تنفيذ مصري لمشروع درء مخاطر الفيضان بغرب أوغندا

- إنشاء المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لدول تجمع الساحل والصحراء

2019

- ترؤس مصر الاتحاد الأفريقي وإطلاقها منطقة التجارة الحرة بالقارة

- إطلاق مبادرات صحية لعلاج مليون أفريقي

- استضافة مصر وكالة الفضاء الأفريقية

2020

- مصر تتسلم رئاسة مجلس السلم والأمن الأفريقي لمدة شهر

2021

- توقيع مصر اتفافية عسكرية واستخباراتية ودفاعية مع السودان وأوغندا وبوروندي وكينيا

- عقد منتدى الاستثمار في أفريقيا بشرم الشيخ

- تسلمت مصر رئاسة الكوميسا

2022

- بدء ملء سد ومحطة جوليوس نيريري الكهرومائية بتنزانيا اللذين أسستهما شركات مصرية

2023

- جولة للرئيس المصري إلى أنجولا وزامبيا وموزمبيق تضاف لجولات وزيارات غير مسبوقة منذ 2014

2024

- تدشين الخط المباشر للطيران بين مصر وجيبوتي والصومال

- توقيع اتفاق عسكري ودفاعي مع الصومال ونيجيريا وإرسال القاهرة شحنة عسكرية لدعم الجيش الصومالي

- إعلان رئاسة مصر لمجلس الأمن والسلم الأفريقي لمدة شهر

- عقد قمة في أسمرة بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا

- مصر تقرر البدء في خطوات إنشاء «صندوق للاستثمار» بحوض النيل


مقالات ذات صلة

قمة «بريكس» تكسر «عزلة بوتين»... وتتحدّى ضغوط الغرب

حصاد الأسبوع جانب من مدينة قازان (أيستوك فوتو)

قمة «بريكس» تكسر «عزلة بوتين»... وتتحدّى ضغوط الغرب

استكملت موسكو تحضيراتها لاستقبال «الحدث الأكبر على صعيد السياسة الخارجية»، وفقاً لوصف الكرملين. إنها قمة مجموعة «بريكس» التي أعدت لها موسكو طويلاً، ورتّبت بدقة تفاصيلها وفعالياتها، بصفتها رئيساً للمجموعة هذا العام. وستستضيف القمة مدينة قازان (عاصمة تتارستان) الواقعة على نهر الفولغا، وسيشارك فيها عشرات الزعماء والمسؤولين. المشهد أراد منه الكرملين أن يُظهر للعالم فشل سياسة عزل الرئيس فلاديمير بوتين الذي سيكون أمامه يومان طويلان جداً في الفترة بين 22 و24 أكتوبر (تشرين الأول)؛ إذ يحفل جدول أعماله بلقاءات على أعلى مستوى مع عشرين زعيماً مشاركاً في أعمال القمة.

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلفه أعلام الدول الأعضاء في مجموعو "بريكس" (آ فب/غيتي)

«بريكس»... عملاق اقتصادي يواجه تحدّيات كبرى

> مما لا شك فيه أن مجموعة «بريكس»، التي تعقد قمتها هذا العام للمرة السادسة عشرة بصيغتها الموسّعة، تحوّلت إلى كتلة اقتصادية عملاقة، وبالأخص مع انضمام خمسة بلدان.

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع بارو

جان نويل بارو: اقتصادي من عائلة سياسية مرموقة... على رأس الدبلوماسية الفرنسية

عُيّن أخيراً جان نويل بارو، البالغ من العمر 41 سنة والمنتمي إلى تيار الوسط اليميني، وزيراً للخارجية الفرنسية في الحكومة الجديدة برئاسة ميشال بارنييه. ويتولى بارو المنصب خلفاً لستيفان سيجورنيه الذي لم يمكث فيه سوى ثمانية أشهر. بارو هو رابع رئيس للدبلوماسية الفرنسية منذ انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون لأول مرة، في عام 2017، والثالث منذ بداية ولايته الثانية في عام 2022؛ وذلك أن الأزمة السياسية التي أثارها حلّ «الجمعية الوطنية (مجلس النواب في البرلمان)» خلطت الأوراق وأنهت مهام أعضاء الحكومة السابقة بطريقة عاجلة. ومن ناحية ثانية، جاء استقبال خبر تعيين الوزير الجديد متبايناً، ففي حين عَدَّ البعض أن وزير الخارجية الجديد «كُوفئ» على ولائه للرئيس ماكرون، واستفاد من تاريخ والده السياسي البارز، رأى آخرون أنه سياسي كفء على دراية تامّة بالملفات المهمّة، وخاصّة الأوروبية منها، إضافة إلى علاقته الجيّدة مع رئيس الحكومة بارنييه.

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع سيباستيان ليكورنو

حكومة بارنييه: تشكيلة وزارية ذات توجه يميني

بعد أكثر من أسبوعين من المباحثات المُضنية، التي قادها رئيس الوزراء ميشال بارنييه، تشكلّت الحكومة الفرنسية الجديدة، المكوّنة من 41 وزيراً، بعضهم لا يتمتع بخبرة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
حصاد الأسبوع هربرت كيكل... أحدث زعماء اليمين المتطرف الأوروبيين (رويترز)

النمسا تسعى للتعايش مع يمين متطرف حاضر... بأقل قدر ممكن من الاستفزاز

انضمت النمسا إلى قافلة دول أوروبية سبقتها بالتصويت لحزب يميني متطرف حقق فوزاً معنوياً مهماً في الانتخابات العامة.

راغدة بهنام (برلين)

جوزف عون... قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب

العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)
العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)
TT

جوزف عون... قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب

العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)
العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)

ارتبط اسم قائد الجيش اللبناني جوزف عون، في أذهان اللبنانيين بمعركتين صعبتين: الأولى «معركة الجرود» التي قادها بنجاح أمام مئات المسلحين من تنظيمَي «داعش» و«جبهة النصرة» في 2017، والأخرى حربه الطويلة ضد الفساد في المؤسسة العسكرية التي تمكن من الحفاظ عليها كواحدة من المؤسسات القليلة الصامدة في بلد يعاني انهياراً شاملاً.

لكن ربما يكون الجنرال الأول في لبنان مقبلاً على المعركة الأصعب في تاريخه على الإطلاق، مع عودة اسمه مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية، تعوِّل عليه أطراف عدة لملء الفراغ الرئاسي الذي أتم عامه الثاني، والخروج بالبلاد من تبعات حرب طاحنة.

يرصد جنرال سابق في الجيش اللبناني زاملَ عون، تشابهاً بين الأخير وبين الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي كان أول قائد للجيش يصبح رئيساً للجمهورية وشهد عهده إصلاحات واسعة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «قائد الجيش يشبه المجهول الذي كأنه فؤاد شهاب الملقب بالصامت الأكبر... لا يمكنه أن يقول كلمة لا يستطيع تنفيذها. ولذلك يتعامل الجميع معه برهبة».

ويوضح أن «مشكلة العماد عون أنه لا يدخل في بازارات سياسية. كثيرون في الداخل وفي الخارج دعوه إلى الدخول في بازار سياسي. دعوه إلى إطلاق مواقف تُرضي هذا الطرف أو ذاك. لكنه غير معنيّ بأي بازار سياسي».

لكن مَن هذا الرجل الذي «يشبه المجهول» ويترفع عن «البازارات السياسية»؟ وما حظوظه في الوصول إلى قصر بعبدا؟

يشغل العماد عون منصب قائد الجيش منذ 8 مارس (آذار) 2017، وهو من مواليد عام 1964 في منطقة سن الفيل بقضاء المتن قرب بيروت، لكنه يتحدر من بلدة العيشية في جنوب لبنان. يتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية ويحمل إجازة في العلوم السياسية (اختصاص شؤون دولية) وإجازة جامعية في العلوم العسكرية. متزوج ولديه ولدان. تطوّع عون في الجيش بصفة تلميذ ضابط وأُلحق بالكلية الحربية عام 1983.

«فجر الجرود» وعمادة الدم

بدأ دور عون في البروز عام 2015 عندما عُيّن قائداً للواء التاسع المنتشر على الحدود مع إسرائيل. لكن سرعان ما تم نقله بعد عام إلى شرق لبنان حيث كان يتحصن في مناطق جرداء على الحدود مع سوريا مئات المسلحين المنتمين إلى تنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش».

العماد عون خلال معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)

خطف التنظيمان آنذاك مجموعة من العسكريين الذين ذُبح بعضهم أو أُعدم بالرصاص. تصدى عون لهذا التحدي الإرهابي ولكن من قيادة الجيش، إذ تمت ترقيته إلى رتبة عماد وتعيينه قائداً للمؤسسة العسكرية في 8 مارس (آذار) 2017، في ظل تولي العماد ميشال عون (لا صلة قرابة بينهما) رئاسة الجمهورية.

أطلق الجيش بقيادة جوزف عون، في 19 أغسطس (آب) 2017، عملية «فجر الجرود» لطرد المتشددين من معاقلهم الحدودية مع سوريا، وهو ما تمكن من تحقيقه بسرعة. توجّه عون وقتها إلى جنوده قائلاً: «بعد أن أنهيتم عملية (فجر الجرود) التي حققتم فيها انتصاراً حاسماً على الإرهاب بطرده من جرود بلدتي رأس بعلبك والقاع، تعود هذه المنطقة العزيزة إلى كنف السيادة الوطنية، معمّدةً بدماء رفاقكم الشهداء والجرحى وبعرق جباهكم الشامخ».

وفي 30 أغسطس، قال قائد الجيش عن تلك المعركة: «كنت أمام خيارين. إما أن أكمل المعركة من دون معرفة مصير العسكريين، وإما أن أوقفها وأعرف مصيرهم ولا أخسر مزيداً من الشهداء»، مضيفاً أن الأهم بالنسبة له كان الانتصار في المعركة من دون خسائر في صفوف الجيش.

حماية انتفاضة 2019

فرحة الانتصار في معركة «الجرود» لم تدم طويلاً. إذ سرعان ما دخلت البلاد في سلسلة أزمات سياسية واقتصادية وأمنية تُوّجت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بانفجار انتفاضة شعبية ضد الطبقة الحاكمة. اضطر العماد عون إلى نشر الجيش بطريقة تحمي المحتجين وحقهم في التظاهر السلمي، من دون السماح بالمس بمؤسسات الدولة.

أثار هذا الدور للمؤسسة العسكرية آنذاك حنق الرئيس ميشال عون الذي رأى أن المظاهرات تستهدفه شخصياً. كان ذلك واضحاً فعلاً من الشعارات التي رددها محتجون حاولوا الوصول إلى القصر الجمهوري في بعبدا، ورفع بعضهم صور قائد الجيش.

متظاهرون يرفعون صور قائد الجيش في وسط بيروت خلال انتفاضة 2019 (أ.ف.ب)

أدت الاحتجاجات الشعبية إلى تعميق الانقسام بين الطبقة السياسية وشريحة واسعة من المواطنين المطالبين بالتغيير. وفي ظل هذا الانقسام، تعمّقت أزمات البلاد التي شهدت انهياراً اقتصادياً مخيفاً تجلى خصوصاً في تراجع قيمة العملة الوطنية من 1500 ليرة للدولار الواحد إلى 90 ألف ليرة للدولار. وزاد الطين بلة أن المصارف اللبنانية قلّصت قدرة المواطنين على سحب مدخراتهم التي تبخرت قيمتها الفعلية، فيما دخلت البلاد مرحلة إفلاس بعدما عجز المصرف المركزي على سداد مستحقات الديون المترتبة على لبنان.

وإذا كان كل ذلك لا يكفي، فقد جاء انفجار مرفأ بيروت، في أغسطس 2020، وهو أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ الحديث، ليسلط الضوء على عمق الانهيار في لبنان.

لكن الانتخابات النيابية التي جرت عام 2022 لم تؤدِّ في الواقع إلى تغيير يُذكر، إذ أعاد اللبنانيون انتخاب برلمان منقسم على نفسه، كما كان حاله قبل الانتفاضة. وانتهى عهد رئيس الجمهورية في أكتوبر 2022 من دون أن يتمكن البرلمان من انتخاب خلف له. ودخلت البلاد منذ ذلك الوقت في فراغ عمّ مؤسسات الدولة التي بات كثير منها يُدار بالوكالة أو من خلال تصريف الأعمال.

«عشرات ملايين الدولارات لم تغيّره»

في ظل هذه الصورة السوداوية للوضع العام في لبنان، برزت المؤسسة العسكرية بوصفها واحدة من المؤسسات القليلة التي صمدت في وجه الانهيار. يقول سياسي لبناني يعرف قائد الجيش عن قرب لـ«الشرق الأوسط»، إن «مؤسسة الجيش بقيادة العماد عون برزت صمام أمان يعطي الأمل بأن لبنان قادر على الخروج من أزماته».

ويوضح السياسي الذي فضل عدم نشر اسمه، أن عون باشر منذ تسلمه قيادة الجيش في 2017 حملة واسعة لمكافحة الفساد والمحسوبيات داخل المؤسسة العسكرية، طالت عدداً كبيراً من العسكريين.

لكن دور عون «محارب الفساد» لم يكن سوى عامل واحد من العوامل التي دفعت إلى بروز اسمه بصفته شخصية يُعوَّل عليها للعب دور يُنقذ البلد من الانهيار. يقول السياسي في هذا الإطار: «هناك ما تُعرف بالأموال الخاصة في الجيش، وهي تأتي من خارج الموازنة التي تحددها الحكومة من خلال وزارة المالية. هي عبارة عن هبات أو أموال يحصل عليها الجيش من نشاطات وأعمال يقوم بها. بعد عام 2020، بات الجيش شبه مفلس. موازنته التي كانت تعتمد الدولار على أساس 1500 ليرة صارت تواجه دولاراً سعره 90 ألف ليرة».

ويوضح أن «دولاً صديقة للبنان حوّلت مساعداتها للجيش، خصوصاً بعد انفجار المرفأ. قالت إنها لا تثق إلا بالجيش لتوزيع المساعدات. وهكذا صارت كل المساعدات تُحوّل إلى الجيش وتذهب إلى ما تُعرف بالأموال الخاصة الموضوعة بتصرف قائده. نحن نتحدث هنا عن عشرات ملايين الدولارات. وعلى مدى 4 سنوات من تولي العماد عون إدارة هذه الأموال لم يتمكن أحد من خصومه أو خصوم المؤسسة العسكرية من تقديم دليل واحد على أن إنفاق هذه الأموال يتم في غير محله. عشرات ملايين الدولارات من الأموال الخاصة موضوعة بتصرف قائد الجيش، لكنها لم تغيّره. ما زال العماد عون مثلما كان عندما تولى قيادة الجيش في 8 مارس 2017. لم يتغير».

الجيش أمام اختبار «الفتنة»

منعطف آخر في مسيرة قائد الجيش يعزز حظوظه لاعباً أساسياً محتملاً في مستقبل بلد منقسم على نفسه. لعب عون على رأس المؤسسة العسكرية دوراً لا يقل شأناً في حماية السلم الأهلي، حين طوّق حادثتين كادتا تعودا بلبنان إلى مربع الحرب الأهلية.

وقعت الحادثة الأولى في منطقة الطيونة ببيروت، في 14 أكتوبر 2021. نظّم وقتها مؤيدون لـ«حزب الله» و«حركة أمل» مسيرة اعتراضاً على رد دعوى قضائية لاستبعاد قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، طارق بيطار، عن القضية. فقد اتهمه مؤيدو «الثنائي الشيعي» بأنه «منحاز ومُسيّس» وطالبوا باستبعاده عن التحقيق، وسط أنباء عن إمكان توجيهه التهمة إلى «حزب الله» بالمسؤولية عن الانفجار.

مرّت المسيرة بين شطرين في بيروت تقطن إحداهما غالبية مسيحية فيما تقطن في الجانب الآخر غالبية شيعية. وقع إطلاق نار تطوَّر إلى انتشار لمسلحي الحزب والحركة وصدام بينهم وبين سكان المنطقة المسيحية. دفع الجيش بقواته لإنهاء الصدام وسيطر على الوضع الأمني. أدت المواجهات وقتها إلى سقوط 6 قتلى وأكثر من 32 جريحاً.

عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الكحالة العام الماضي بعد الاشتباكات (رويترز)

تمثّل الحادث الثاني في اشتباكات 9 أغسطس 2023 بين عناصر من «حزب الله» وعدد من سكان بلدة الكحالة المسيحية، شمال بيروت. وقع الحادث على خلفية انقلاب شاحنة تابعة للحزب تردد أنها كانت تنقل أسلحة، فتجمّع سكان من الكحالة حولها.

لكن الأفراد الذين كانوا في الشاحنة ضربوا طوقاً أمنياً حولها، واشتبكوا مع السكان، مما أدى إلى سقوط قتيل من الكحالة وأحد عناصر «حزب الله». وهنا أيضاً تدخل الجيش، بقيادة عون، لمنع انزلاق البلاد من جديد في أتون نزاع أهلي.

«شهابية ثانية»؟

يرى السياسي اللبناني الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» أن دور الجيش في هاتين الأزمتين «يجب أن يُطمئن جميع الأطراف»، بما في ذلك «حزب الله»، إلى نوع الرئاسة التي يجب توقعها في حال انتخاب جوزف عون رئيساً. ويضيف: «يعرف (حزب الله) أن الجيش لن يصطدم به. فالجيش بقيادة جوزف عون عرف كيف يكون صمام أمان للسلم الأهلي... من الطيونة إلى الكحالة. في الطيونة كان هناك محسوبون على بيئة (حزب الله)، وتدخل الجيش وحمى السلم الأهلي. وفي الكحالة تدخل الجيش أيضاً على خلفية ما حصل لشاحنة الأسلحة المزعومة لـ(حزب الله). الحزب يعرف هذين النموذجين. وهما يحصلان كل يوم».

ويقدّر أن «(حزب الله) لا يعترض في المبدأ على ترشيح عون، لولا أنه أعلن منذ البدء دعمه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إذا أراد الترشح للرئاسة». وينقل عن فرنجية قوله لمسؤولين إنه كان في جلسة مع الأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله حين قال له الأخير: «لو لم تكن مرشحاً فليس عندنا مشكلة في ترشيح قائد الجيش».

في المقابل، يرى الجنرال السابق الذي زامل عون أن قضية ترشيح الأخير للرئاسة لا تتعلق بمن معه ومن ضده. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الفرز ليس حول من معه ومن ضده. السؤال المطروح هو: هل هناك مشروع لإنقاذ لبنان أم لا. الإجابة عن هذا السؤال تحدد مسار وصول العماد عون للرئاسة».

ويوضح: «نحن الآن في وضع انهيار الثقة بلبنان داخلياً وخارجياً. المواطن اللبناني انهارت ثقته بدولته. المجتمع الدولي انهارت ثقته بكل ما هو لبناني. وفي المقابل، يجد جوزف عون نفسه على رأس مؤسسة هي آخر المؤسسات الصامدة بين حطام هذا البلد. ولذلك فإن أصدقاء لبنان يفكرون في هذا المثال الذي تقدمه المؤسسة العسكرية وقائدها».

ويلفت إلى أن «هذا المثال يمكن أن يقنع من لم يرحل من لبنان بأن هناك ثقة في أن البلد لن يتحول إلى جثة هامدة. نحن نتحدث هنا عن الشهابية الثانية، ولكن هل هناك إجماع عليها في الداخل أو الخارج؟».

قائد الجيش مع رئيس مجلس النواب نبيه بري (الوكالة الوطنية)

دور ما بعد الحرب

الرهان على دور مستقبلي يلعبه العماد عون، في حال ترشحه للرئاسة، يبدو بلا شك مرتبطاً بما يمكن أن يقوم به بعد انتهاء الحرب الحالية بين «حزب الله» وإسرائيل. وأحد السيناريوهات المطروحة هو نشر الجيش على الحدود الجنوبية، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1701، في خطوة تؤدي إلى التطبيق الفعلي لمنع الانتشار المسلح لـ«حزب الله» قرب الحدود.

في هذا الإطار، يرى العميد المتقاعد إلياس حنا، أنه «ليس هناك أفضل من العماد جوزف عون لقيادة المرحلة المقبلة». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن رؤساء لبنان «يأتون عادةً في ظل ظروف تفرض وصول رئيس جمهورية بنوع معين وضمن توافق أو إجماع. مثلاً، يأتي ظرف مهم فيُطرح اسم رئيس بقبول دولي وعدم ممانعة كبيرة محلياً. هذا ما حصل مع فؤاد شهاب بعد عام 1958 (الثورة ضد حكم الرئيس كميل شمعون). في السبعينات، اختير إلياس سركيس رئيساً من السوريين، رغم أنه عاد وانقلب عليهم. كان رئيساً لتمرير مرحلة. في فترة الهيمنة السورية، كان كل الرؤساء مفروضين سورياً ويعملون ضمن الإطار السوري».

أما في الظرف الحالي، فيشدد حنا على أنه «من المهم أن يأتي رئيس توافقي. لا تستطيع أن تأتي بشخص يُعد رئيس تحدٍّ. هذا ما حُكي فيه باللقاء الثلاثي الأخير بين نبيه بري (رئيس البرلمان) ونجيب ميقاتي (رئيس الحكومة) ووليد جنبلاط (زعيم الحزب الاشتراكي). ولذلك فإن السؤال المطروح هو: ما الوظيفة أو المرحلة الانتقالية التي نريد الإتيان بها في هذا الظرف؟».

وينوه إلى أن «العماد عون ليس مقرباً من (حزب الله)... لكن الحزب سيرى نفسه خارجاً من حرب مضنية، ويمكن أن يرى أنه أمام قرار دولي جديد أو القرار 1701 معدلاً أو بمنظومة مختلفة وقواعد اشتباك جديدة لقوات الطوارئ. الجيش لن يشتبك مع الحزب... لكن الوظيفة المستقبلية للجيش ستتطلب نشره مع قوات (يونيفيل) وتعزيز استعادة الدولة سيادتها على كل أراضيها. الطرف الأكثر جهوزية لتنفيذ ذلك هو الجيش. ولذلك هناك حاجة لشخص يعرف الجيش من داخله بالتفصيل وأمضى فيه فترة طويلة. ليس هناك أفضل من أن يكون هذا الشخص جوزف عون».

عون بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد قوات «يونيفيل» الجنرال أرولدو لاثارو (الأمم المتحدة)

ويشير حنا إلى أنه «عندما يأتي عون رئيساً للجمهورية ويتم تعيين قائد للجيش يتجانس معه، يكون التناغم بينهما تناغماً صحيحاً. سيكون رئيس جمهورية لكل اللبنانيين ويعيد ترتيب المرحلة».

ويضيف أن «العماد عون هو الأكثر قدرة على إيجاد حل لقضية (حزب الله)، سواء من خلال ضم الحزب ضمن الدولة أو نزع سلاحه وإيجاد حل لمقاتليه. لا أحد في المؤسسة العسكرية أهم من جوزف عون وأكثر قدرة منه على تحقيق هذا الهدف. المؤسسة العسكرية، رغم الاختلاف المذهبي والطائفي داخلياً في البلد، هي المؤسسة الوحيدة التي تجمع النسيج الوطني كله. هي المؤسسة الوحيدة التي بقيت صامدة، وعون استطاع إخراجها من مرحلة اقتصادية صعبة وتحديات شعرنا بها جميعاً».

خيار بين لبنانين

ويتفق السياسي اللبناني الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» مع رأي العميد حنا في أن العماد عون يمكن أن يمثل مخرجاً للأزمة الحالية، لكنه يحذّر من عمق الانقسام من البلد. ويقول: «البلد في الحقيقة منقسم بشكل حاد وعنيف. هناك كمية تحريض وأحقاد تُبَث من كل الأطراف. في ظل هذا الوضع صار هناك انطباع بأن هناك لبنانين. لبنان (حزب الله) والولاء لولاية الفقيه. ولبنان آخر مناقض تماماً للبنان (حزب الله)، ويقول إن لبنان (حزب الله) لا يشبهه ولا نستطيع العيش معه. هناك لبنانان لا يطيق أحدهما الآخر».

ورأى أن «جوزف عون هو الخيار الوحيد الذي يؤمّن الضمان لـ(حزب الله)، والذي يستطيع تطمين وجدان المسيحيين وإقناعهم بالبقاء في دولة واحدة عوض التقسيم. لكنَّ هذا المشروع لم ينضج بعد، لأن عون حتى الآن يترفع عن الدخول في المساومات السياسية (التي قد يتطلبها تمرير ترشيحه)، وهذه نقطة ضعف، لكنها في الوقت نفسه نقطة قوته لأنها تحتفظ له بالمسافة المطلوبة من الأفرقاء السياسيين».

حقائق

المؤسسة العسكرية... مسار لرؤساء الجمهورية في لبنان

في حال وصول قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، إلى رئاسة الجمهورية، لن يكون بالطبع الرئيس الوحيد القادم من رأس المؤسسة العسكرية.

  • كان الأول فؤاد شهاب الذي تولى الرئاسة خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) 1958 حتى 22 سبتمبر 1964. شغل شهاب منصب قائد الجيش ثم منصب وزير الدفاع. انتُخب رئيساً خلفاً للرئيس كميل شمعون عقب ثورة عام 1958. خلال فترة حكمه تعزز دور الأجهزة الأمنية (المكتب الثاني)، لكنه قام بإصلاحات واسعة في الإدارة.
  • خلال فترة الهيمنة السورية في لبنان، انتُخب إميل لحود، الآتي من قيادة الجيش، رئيساً للجمهورية في نوفمبر (تشرين الثاني) 1998. استمر لحود في سدة الرئاسة حتى نوفمبر 2007، بعدما فرض السوريون التمديد له لولاية ثانية (في عام 2004). غادر قصر بعبدا من دون أن يسلم السلطة لرئيس جديد بسبب فشل البرلمان في انتخاب خلف له.
  • بقي منصب رئاسة الجمهورية فارغاً حتى مايو (أيار) 2008 عندما انتخب البرلمان قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً وفق ما عُرف باتفاق الدوحة بين الأفرقاء اللبنانيين. استمر سليمان في منصبه حتى مايو 2014، وغادر القصر من دون انتخاب خليفة له.
  • ظل منصب الرئاسة شاغراً حتى عام 2016 عندما انتُخب قائد سابق للجيش مرة جديدة لمنصب رئيس الجمهورية. استمرت فترة ولاية العماد ميشال عون حتى عام 2022، وهي فترة شهدت انهياراً واسعاً للبلاد وسط تحذير أطلقه عون نفسه من أنها «ذاهبة إلى جهنم» إذا لم تحصل معجزة تمنع ذلك.