عودة مصرية لأفريقيا لمجابهة مخاطر وتحولات

خبراء: تحركات القاهرة تحمل «بُعداً ذا طبيعة وقائية»

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)
قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)
TT

عودة مصرية لأفريقيا لمجابهة مخاطر وتحولات

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)
قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)

مراحل متفاوتة شهدتها العلاقات «المصرية - الأفريقية»، بدأت بدور محوري بوصفه قوة داعمة لحركات التحرر، ثم تحولت إلى لاعب دبلوماسي ذي نفوذ، ثم تراجعٌ وغيابٌ غير مسبوق، قبل أن تعود وتكتب فصلاً جديداً في تاريخ العلاقات، عبر حزمة من مسارات التعاون على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والاستراتيجية كافة، لـ«موازنة واحتواء ومجابهة أي مخاطر وتهديدات».

وتشكّلت ملامح الدور المصري في أفريقيا منذ الستينات، مع دعم الرئيس الأسبق، جمال عبد الناصر، جهود التحرر ببعض دول القارة السمراء التي كانت تحت الاستعمار، وزادت وتيرتها مع المساهمة في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في 1963، ثم ابتعدت مصر قليلاً في عهد الرئيس الأسبق، أنور السادات، مع الانشغال بمعركة التحرر من احتلال إسرائيل لسيناء في 1967، والذي تحقق بالحرب في 1973، والسلام مع تحرير كامل أراضيها في الثمانينات.

السيسي في جيبوتي حيث كان على رأس مستقبليه الرئيس إسماعيل عمر جيلة في مايو 2021 (الرئاسة المصرية)

قبل أن تشهد خفوتاً في عهد الرئيس الأسبق، حسني مبارك، عقب محاولة اغتياله في أديس أبابا في 1995، وتتحوّل لغياب لافت بانشغال مصري داخلي مع اضطرابات واندلاع أحداث 2011 و2013، انتهى بتجميد عضوية مصر بالاتحاد الأفريقي.

ومع تولّى الرئيس عبد الفتاح السيسي، في صيف 2014، رئاسة البلاد، بدأت مصر مسار استعادة العلاقات بالقارة السمراء، وأعادت عضويتها بالاتحاد الأفريقي، وتحركت عبر ملامح رئيسية ثلاثة؛ بين تعاون، وبناء تحالفات، ومجابهة أي تهديدات محتملة.

تلك المسارات عزّزتها وساهمت في نجاحها جهود دبلوماسية كبيرة بـ«توجيه رئاسي وتحرك حكومي موازٍ»، وفق السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وذلك «بعد سنوات من الفتور والخفوت في العلاقات خلال فترات سابقة».

فيما يقرأ الخبير السوداني المختص بالشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، الحضور المصري المتصاعد بأن القاهرة «تُريد استعادة دورها» في القارة الأفريقية، الذي عرفت به خلال سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، عبر تقديم مساعدات وخبرات في مجال البنى التحتية، ودعم حركة التحرر والاستقرار، متوقعاً أن تزداد فعالية الحضور المصري بين أدوار التعاون وبناء التحالفات، في ظل تنامي التهديدات ومحاولات الهيمنة.

وخلال العقد الأخير، تنوعت أدوار التعاون المصرية في أفريقيا بين تنفيذ عدد من مشروعات البنية التحتية، وأعمال الطرق والكبارى، والمشروعات السكنية، والصحية، وحفر عدد من الآبار الجوفية، وإقامة السدود ومحطات توليد الكهرباء في دول أفريقية كثيرة، بينها تنفيذ مشروع درء مخاطر الفيضان بغرب أوغندا، في أغسطس (آب) 2018، وإطلاق السيسي في مارس (آذار) 2019 مبادرات صحية لعلاج مليون أفريقي، والتوجيه في سبتمبر (أيلول) 2020 بإرسال مساعدات عاجلة إلى 30 دولة أفريقية، بقيمة 4 ملايين دولار لمواجهة فيروس «كورونا».

زيارة رئيس المخابرات المصرية السابق ووزير الخارجية إلى أسمرة ولقاء الرئيس الإريتري (الخارجية المصرية)

إضافة إلى تنفيذ مشروع «سد روفيجي» في تنزانيا، الذي بدأ ملؤه في 2022، و«تدشين الخط المباشر للطيران بين مصر وجيبوتي والصومال»، في يوليو (تموز) 2024، بخلاف قرار مصري حديث بالبدء في خطوات إنشاء صندوق للاستثمار في دول حوض النيل، تنفيذاً لتوجيه رئاسي، بعد تفعيل اتفاقية «عنتيبي» التي تمس حقوق مصر المائية.

وترى السفيرة منى عمر أن «الدور المصري الكبير، عبر تعزيز التعاون مع دول القارة هو التزام بأسس سياسة مصر الخارجية تجاه أفريقيا، وتأكيد حضورها غير المسبوق»، مشددة على أن ذلك التعاون شاهد على أن سياسة مصر المتوازنة بأفريقيا قائمة على التنمية.

ويعتقد الخبير المختص بالشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «مصر أظهرت قدرات فائقة» خلال السنوات الماضية في مضمار العمل الدبلوماسي الدؤوب داخل القارة السمراء، وهو الأمر الذي تمت معه «فتوحات هائلة» على مستوى تعزيز التعاون المشترك، والتفاهمات والاتفاقات على كل الأصعدة داخل دول عدة بالقارة السمراء.

الرئيس المصري يستقبل في القاهرة رئيس جنوب السودان سيلفا كير ميارديت (الرئاسة المصرية)

كما كان مسار بناء التحالفات حاضراً في السياسة المصرية الأفريقية، وفق الحاج، لموازنة السلوك السياسي الإثيوبي واحتوائه، ومجابهة المخاطر والتهديدات، التي ترى القاهرة أبرزها بناء «سد النهضة» الإثيوبي منذ 2010، واتهام أديس أبابا بـ«عرقلة» إبرام اتفاق يؤمن مخاوف مصر من «السد» على حصتها المائية التاريخية (55.5 مليار متر مكعب)، فضلاً عن عقد إثيوبيا اتفاقاً أولياً مع إقليم أرض الصومال، يتيح لها استخدام ميناء مطل على البحر الأحمر، وهو ما رفضته مقديشو، ودعمتها القاهرة خشية على أمنها القومي.

ومن إثيوبيا إلى السودان، ورغم العلاقات القوية بين القاهرة والخرطوم، برزت في الآونة الأخيرة خلافات مع «قوات الدعم السريع» التي تحارب الجيش السوداني منذ أبريل (نيسان) 2023؛ حيث اتهمت القاهرة بـ«التدخل في الحرب الدائرة منذ أكثر من عام، ودعم الجيش السوداني»، وهو ما نفته «الخارجية المصرية»، وعدّتها «مزاعم».

وعقدت مصر بروتوكولات للتعاون العسكري بالعام 2021، أبرزها مع السودان، واتفاقية استخباراتية أمنية مع أوغندا، وأخرى عبر تعاون عسكري مع بوروندي، واتفاقية تعاون دفاعي مع كينيا، بخلاف توقيع مذكرة تعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين مصر ونيجيريا في سبتمبر (أيلول) الماضي.

كما قام الرئيس المصري بين 2014 و2020 بـ27 زيارة لأفريقيا، بخلاف لقاءات واجتماعات الرئيس بالقادة الأفارقة، الذين استقبلهم في مصر، إذ يزيد عدد هذه اللقاءات على 150 زيارة منذ عام 2014 حتى منتصف عام 2021، وفق تقديرات صحيفة «الأهرام» الحكومية، كان أبرزها زيارته لجيبوتي جارة إثيوبيا، التي تعد الأولى من نوعها لرئيس مصري، في مايو (أيار) 2021.

ودعم ذلك المسار حديثاً، زيارات لرئيس المخابرات المصرية السابق اللواء عباس كامل، أولاها للسودان في أغسطس (آب) الماضي، ولإريتريا ولتشاد في سبتمبر الماضي، بحث خلالها التحديات وتطورات القرن الأفريقي، ويضاف لذلك تولي مصر رئاسة مجلس الأمن والسلم الأفريقي خلال أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، تأكيداً «للحضور القوي فى القارة السمراء على كل المستويات»، وفق ما ذكرته «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية في مصر.

الدعم المصري للصومال تحوّل من رفض اتفاقية قد تُهدد أمن مصر على البحر الأحمر، إلى بروتوكول تعاون عسكري أغسطس الماضي، واتفاق على إرسال قوات مصرية للمشاركة في قوات حفظ السلام بمقديشو يناير (كانون الثاني) 2025، بخلاف إعلان «الخارجية المصرية» في سبتمبر الماضي عن إرسال شحنة عسكرية للقوات الصومالية لدعمها، وسط تحفظ متكرر إثيوبي في أكثر من بيان لـ«الخارجية الإثيوبية»، وتحذير من «اتخاذ جهات خطوات لزعزعة استقرار المنطقة». ورغم إقرار الخبير الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، بعودة «بصمات مصر» في أفريقيا، والتي عرفت بها في عهود سابقة، يتطلع أن «تلعب القاهرة دوراً إيجابياً مع رئاستها لمجلس الأمن والسلم الأفريقي خلال أكتوبر الحالي»، وأن «تُغير نظرتها الأمنية، خصوصاً المرتبطة بتهديد أديس أبابا لأمنها المائي».

ومن التعاون إلى بناء التحالفات، عقدت قمة ثلاثية في أسمرة بين قادة مصر والصومال وإريتريا، في 10 أكتوبر الحالي، وإعلان الرئيس المصري في المؤتمر الصحافي أن «القمة بهدف التشاور والاستفادة من تبادل الرؤى إزاء سُبل التصدي لمخططات وتحركات تستهدف زعزعة الاستقرار، وتفكيك دول المنطقة، وتقويض الجهود الدؤوبة التوّاقة للسلام والاستقرار والرخاء».

السيسي يستقبل موهوزي موسيفيني قائد قوات الدفاع الشعبية بجمهورية أوغندا في القاهرة (الرئاسة المصرية)

ويقرأ عبد الناصر الحاج هذا الحضور المصري الكبير داخل القارة الأفريقية، على كل المستويات، لا سيما بمحوري بناء التحالفات ومجابهة التهديدات خلال السنوات العشر الماضية، بأنه يحمل «بُعداً استراتيجياً» لمفهوم السياسة الخارجية للدولة المصرية المرتبطة بحماية الأمن القومي المصري، وكذلك يحمل «بُعداً ذا طبيعة وقائية» تحسباً لتأثيرات قيام «سد النهضة» الإثيوبي في حال جرى تجاهل الموقف المصري الاستراتيجي من قيام السد.

وبرأي الحاج، فإن التحركات المصرية لا تنفك عن كونها «مجابهة لتهديد التعنت الإثيوبي» في قيام «سد النهضة» وتفعيل اتفاقية «عنتيبي» على خلاف رغبة القاهرة، من دون مراعاة حقيقة المهددات الأمنية الوجودية بالنسبة للدولة المصرية، أو الحضور عبر منفذ مائي مهدد بالبحر الأحمر، لافتاً إلى أن «مصر تتفوق على إثيوبيا في مهارة ترسيم حضورها المهم والملهم لعدد من الدول الأفريقية، بحسبان الخبرة الكبيرة التي تمتلكها مصر في إدارة الأزمات، فضلاً عن روابط مصر التاريخية مع جميع الدول الكبرى المؤثرة في المنطقة الأفريقية».

ذلك التفوق المصري يدفع الخبير المختص بالشؤون الأفريقية إلى «ترجيح أن تنجح مصر في مسار مواجهة الأزمات، لا سيما السد الإثيوبي»، عبر مساري الحضور المتجلي لمصر في أفريقيا هذه الفترة، سواء بمسار الدور السياسي الدبلوماسي الكبير لمصر في كل الأزمات التي تعيشها منطقة القرن الأفريقي، أو من خلال المسار العسكري المتمظهر على أشكال معاهدات واتفاقات تعاون عسكري، مثلما حدث مع الصومال وعقد تحالفات تشمل إريتريا.

ووفق أبو إدريس، فإن مصر ستستخدم قطعاً هذه التحركات لتحقيق مصالحها بـ«الضغط على إثيوبيا» عبر الوجود في الصومال، وتعزيز الحضور في إريتريا لتحقيق مكاسب في حال استؤنفت مفاوضات «سد إثيوبيا».

وبرأي عبد الشكور عبد الصمد، فإن مصر أمام تحدٍّ كبير للتوصل لتفاهم مشترك، مع إثيوبيا، وبحاجة للتغلب على هاجسها الأمني، والسعي للشراكة، وألا «يكون تحقيق مصالحها -ليس بالضرورة- عبر استهداف دول أخرى»، لافتاً إلى أن «أديس أبابا من حقها أخذ احتياطاتها أيضاً».

فيما أكدت السفيرة منى عمر أن «مصر ليست ضد التنمية، ولا تسعى لاستهداف أحد»، وقدمت مبادرات لحل أزمة السد، لكن «النظام الإثيوبي لم يقبلها، ولا تزال دولته مفككة بين عدة قوميات ولديها مشاكل مع جيرانها في كينيا والصومال وإريتريا»، معوّلةً على «عدم استمرار النظام الحالي، وأن يخلفه آخر قادر على شراكة وتعاون مع مصر».

السيسي خلال استقبال رئيس إريتريا أسياس أفورقي في القاهرة (الرئاسة المصرية)

حقائق

أبرز المحطات في علاقات القاهرة مع القارة السمراء

أولاً: عهد عبد الناصر

1961

- افتتاح مصر مكتباً إعلامياً بمقدیشو لدعم قضایا التحرر الوطني

- استضافة القاهرة مؤتمر الشعوب الأفریقیة الثالث الداعم للحركات التحررية

1963

- مساهمة مصر في إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية

1964

- مصر تتولى رئاسة منظمة الوحدة


ثانياً: عهد السادات

1970

- مساعٍ مصرية داعمة لاستقلال جیبوتى وتم ذلك في 1975

1977

- إنشاء مصر معهد تدريب للإعلاميين والإذاعيين الأفارقة

1980 - إنشاء الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا


ثالثاً: عهد مبارك

1989

- مصر تترأس منظمة الوحدة الأفریقیة

1993 - مصر تترأس المنظمة وتستقبل قيادات فصائل صومالیة لدعم المصالحة الداخلية

1995

- محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا وبدء التراجع المصري أفريقياً

1997- القاهرة تستضيف تأسيس مؤتمر القمة «العربي - الأفريقي» الأول

2000

- القاهرة تستضيف أول مؤتمر قمة بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي

- مصر تسهم في تأسيس هيكل الاتحاد الأفريقي

2001- مصر تترأس قمة «الكوميسا»


رابعاً: الفترة من 25 يناير 2011 إلى يونيو 2014

- غياب لافت عن الحضور بأفريقيا


خامساً: عهد السيسي

2014

- إنهاء تجميد عضوية مصر بالاتحاد الأفريقي

2015

- استضافة شرم الشيخ قمة التجمعات الاقتصادية الإقليمية الثلاثة (الكوميسا - السادك - الإياك)

2016

- إقامة «منتدى أفريقيا» بشرم الشيخ الذي تلته قمم مماثلة في 2017 و2018

2018

- تنفيذ مصري لمشروع درء مخاطر الفيضان بغرب أوغندا

- إنشاء المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لدول تجمع الساحل والصحراء

2019

- ترؤس مصر الاتحاد الأفريقي وإطلاقها منطقة التجارة الحرة بالقارة

- إطلاق مبادرات صحية لعلاج مليون أفريقي

- استضافة مصر وكالة الفضاء الأفريقية

2020

- مصر تتسلم رئاسة مجلس السلم والأمن الأفريقي لمدة شهر

2021

- توقيع مصر اتفافية عسكرية واستخباراتية ودفاعية مع السودان وأوغندا وبوروندي وكينيا

- عقد منتدى الاستثمار في أفريقيا بشرم الشيخ

- تسلمت مصر رئاسة الكوميسا

2022

- بدء ملء سد ومحطة جوليوس نيريري الكهرومائية بتنزانيا اللذين أسستهما شركات مصرية

2023

- جولة للرئيس المصري إلى أنجولا وزامبيا وموزمبيق تضاف لجولات وزيارات غير مسبوقة منذ 2014

2024

- تدشين الخط المباشر للطيران بين مصر وجيبوتي والصومال

- توقيع اتفاق عسكري ودفاعي مع الصومال ونيجيريا وإرسال القاهرة شحنة عسكرية لدعم الجيش الصومالي

- إعلان رئاسة مصر لمجلس الأمن والسلم الأفريقي لمدة شهر

- عقد قمة في أسمرة بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا

- مصر تقرر البدء في خطوات إنشاء «صندوق للاستثمار» بحوض النيل


مقالات ذات صلة

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».