خبراء: مبادرة مصر لإعادة إعمار قطاع غزة جزء من استعادة دورها الإقليمي

معدات مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (أرشيفية-رويترز)
معدات مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (أرشيفية-رويترز)
TT

خبراء: مبادرة مصر لإعادة إعمار قطاع غزة جزء من استعادة دورها الإقليمي

معدات مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (أرشيفية-رويترز)
معدات مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (أرشيفية-رويترز)

بعد نجاح دبلوماسي في تهدئة التصعيد الأخير بين الفلسطينيين والإسرائيليين الشهر الماضي، يرى محللون أن مصر تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال تقديم 500 مليون دولار للمساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته حرب الأحد عشر يوماً.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «هذا التعهُّد سوف يجعل صوت مصر مسموعاً داخل الصفوف الفلسطينية».
في 18 مايو (أيار)، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تقديم مساعدة قدرها 500 مليون دولار إلى غزة للمساهمة في إعادة إعمار القطاع الذي تدمرت أبنية كثيرة وبنى تحتية فيه بعد قصف إسرائيلي مكثف. وتوصلت إسرائيل والفصائل الفلسطينية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة مصرية دخل حيز التنفيذ فجر 21 مايو.
وخلال النزاع، أصدر السيسي تعليماته إلى السلطات بفتح معبر رفح للسماح للمصابين الفلسطينيين بالعبور لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية. كذلك، أرسلت مصر أطناناً من المساعدات الطبية والغذائية للقطاع الفقير المحاصر. ويعلّق كامل: «بالتأكيد هي (مبادرة إعادة الإعمار) جزء من استعادة مصر لدورها في الإقليم».
وتأتي المبادرة الرئاسية في أعقاب لقاءات واجتماعات خلال الشهرين الماضيين بين دبلوماسيين مصريين ونظرائهم من تركيا وقطر لإعادة العلاقات بين مصر وكل من البلدين.
كذلك جاءت الخطوة المصرية بعد وساطة أخرى قامت بها القاهرة لحل الأوضاع والانقسامات في ليبيا المجاورة الغارقة في الفوضى في أعقاب انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي، وأطاحت بالرئيس السابق معمر القذافي، وبدأت منذ أشهر مساراً سياسياً للحل مع اختيار عبد الحميد الدبيبة رئيساً للوزراء لإدارة مرحلة مؤقتة.
وتسعى مصر إلى استعادة دور إقليمي تاريخي تراجع كثيراً بعد الأزمات المتلاحقة التي شهدتها منذ 2011.
وخلّف التصعيد الأخير بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني 260 قتيلاً فلسطينياً بينهم 66 طفلاً ومقاتلون، وفق الأجهزة التابعة لـ«حماس». وفي الجانب الإسرائيلي قُتل 12 شخصاً، بينهم طفل ومراهقة وجندي، على ما أكدت خدمة الطوارئ والإسعاف.
واندلع التصعيد على خلفية قضية حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، حيث عشرات العائلات الفلسطينية مهددة بإخلاء منازلها لصالح جمعيات استيطانية. ويعتقد السيد أن مبادرة إعادة الإعمار «بعثت برسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن مصر طرف فاعل في الشرق الأوسط».
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن أجرى للمرة الأولى منذ تنصيبه اتصالين الشهر الماضي، وفي أقل من أسبوع، بنظيره المصري، لمتابعة الوضع في غزة. وأوفد كذلك وزير خارجيته أنتوني بلينكن ليلتقي بالسيسي خلال زيارة سريعة إلى القاهرة في إطار جولة له في المنطقة.
ويرى السيد أن مصر «غيّرت نظرتها إلى (حركة) حماس» التي تسيطر على قطاع غزة، في الأعوام الأخيرة، خصوصاً بعد إعلان الحركة عام 2017 فك ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها السلطات المصرية «كياناً إرهابياً».
ويقول: «مساعدات إعادة الإعمار قد تجعل مصر طرفاً مقبولاً لدى (حماس)... وليس ببعيد أن نرى (حماس) تساعد مصر في مسألة تأمين الحدود». وقرر السيسي، حسبما نقلت وسائل الإعلام المحلية، توجيه معدات وأطقم هندسية مصرية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البري للمساهمة في إزالة أنقاض المنازل المهدمة.
ويتوقع رئيس اتحاد مقاولي التشييد والبناء المصري محمد سامي أن «تكون خطة إعادة الإعمار في دور الإعداد حالياً». ويقول: «غزة تمتلك إمكانيات بشرية كبيرة، فلا أعتقد أنهم سيبقون في المنازل ويتركون القادمين من الخارج للعمل»، لكن قطاع البناء المصري قد يستفيد من هذه المبادرة التي «تُعتبر امتداداً للمشروعات القومية من حيث إنتاج وتوريد مواد البناء وتشغيل عمالة هذا القطاع ذات الدخل المنخفض».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم