ربطت كثير من نظريات مقاومة جائحة «كوفيد - 19» بين زيادة مناعة الجسم وتناول الزنك على وجه التحديد، بصفته عاملاً فعالاً في الحماية من الأمراض المختلفة، ومقوياً للجهاز المناعي بشكل خاص.
فوائد الزنك
على الرغم من أن الزنك لا يستخدم بشكل روتيني في نزلات البرد مثل فيتامين «سي»، فإن هناك كثيراً من بروتوكولات مقاومة الحالات البسيطة لفيروس كورونا تضمنت وجوده بصفته علاجاً وقائياً في حالات العزل المنزلي في دول كثيرة، منها مصر على سبيل المثال. ويعطى بجرعات 50 مليغراماً (ملغم) يومياً للبالغين عند الشعور بالأعراض البسيطة لـ«كوفيد - 19»، خاصة أنه من الأملاح التي لا يقوم الجسم بتصنيعها، ولا بد من الحصول عليها من مصادر خارجية متمثلة في الغذاء. ويعد البروتين الحيواني أهم مصدر للحصول على الزنك. وفي الدول التي بها ثروة حيوانية كبيرة، يتوافر الزنك في الطعام العادي للأفراد. وعلى الرغم من وجوده بنسب بسيطة في بعض الحبوب والخضراوات، فإنها لا تكون كافية، كما يقدم بشكل أقراص وشراب.
وحديثاً، أوضحت دراسة للمجلة البريطانية للتغذية (British Journal of Nutrition) في أثناء الجائحة أن أي نقص في الزنك، حتى لو كان بسيطاً، يمكن أن يؤدي إلى ضعف في قدرة الجهاز المناعي، كما أنه يزيد من إمكانية حدوث التفاعلات المناعية بالجسم التي يتم فيها تكسير خلايا الجسم نتيجة لتعامل الجهاز المناعي معها كما لو كانت خلايا خارجية.
وكلما كان مستوى الزنك في الجسم أقل، كان عرضه أكثر لنوعية أعنف من الأعراض ربما تستلزم العلاج بالمستشفيات. وما دام أنه لا يوجد علاج شاف حتى الآن، فإن الوقاية عن طريق الغذاء تعد عاملاً فعالاً.
ويلعب الزنك دوراً مهماً في تصنيع بروتينات معينة (adherens junction proteins) تحافظ على سلامة الخلايا في الجسم عن طريق عمل ما يشبه جداراً حولها عن طريق ربط هذه الخلايا، بحيث تكون سوراً يحمى الخلية. وهذه البروتينات تساعد في الحفاظ على سلامة الخلايا المبطنة للحويصلات الهوائية في الجهاز التنفسي (أي المكان الرئيسي للإصابة بفيروس كورونا).
وتناول الأطفال للزنك بشكل وقائي كان مرتبطاً بالحماية من نزلات البرد، سواء من حيث التكرار أو شدة الأعراض. وكلما كان هناك نقص في تلك البروتينات المذكورة، زادت فرص الميكروبات لمهاجمة الجهاز التنفسي، سواء بكتيريا أو فيروس، وإلحاق الأذى به، وتحويل الإصابة من الحالة البسيطة إلى حالة متوسطة أو عنيفة في حالة حدوث الالتهاب الرئوي. ولذلك، فإن نقص معدلات الزنك في الجسم يساعد في دخول الفيروس بسهولة إلى خلايا الجهاز التنفسي.
وقاية الأطفال
هناك دراسات سابقة أوضحت الفوائد المباشرة للزنك في مقاومة الفيروسات المختلفة، مثل الفيروسات المتسببة في الالتهاب الكبدي سي والإيدز والهربس، وذلك عن طريق منع الفيروس من الالتصاق بجدار الخلية، ومنع انتقال البروتين والاستفادة منه داخل خلية الفيروس، ومنعه من التمثيل الغذائي. وأيضاً يؤدي إلى ضعف جدار خلية الفيروس، ومنعه من إطلاق جزيئات منه، وبذلك يقلل من أضراره على الخلية المصابة إلى حد كبير. وتناول الزنك بشكل وقائي في الأطفال يحمي من نزلات البرد، وقد ساهم تناول الزنك في تقليل الوفيات جراء الإصابة بالالتهابات الرئوية بنسبة 15 في المائة، وتحسين زمن الإصابة وفترة العلاج بنسبة 19 في المائة في أطفال الدول النامية.
والزنك مهم جداً لإتمام عمل كثير من الإنزيمات المختلفة، كما أنه يعمل مضاداً للأكسدة (antioxidant) بشكل يحمى الخلايا من تأثير المواد الضارة التي يتعرض لها الجسم باستمرار، وتسبب عجزاً مبكراً لخلايا الجسم، مثل انبعاثات العوادم والتعرض للإشعاعات المختلفة، ومنها الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من أجهزة كثيرة تستخدم بشكل يومي، مثل أجهزة الميكروويف والهواتف المحمولة، وأيضاً يساعد في التمثيل الغذائي للكربوهيدرات والدهون والبروتين، ويسهل عملية الهضم في الأطفال حتى يتمكنوا من الاستفادة من الأطعمة المختلفة، خاصة أن المضغ لا يتم بشكل جيد.
ولا توجد دراسات كافية للجرعة المناسبة للأطفال تحت عمر 6 شهور، ولكن من عمر 6 شهور حتى عمر الرابعة يكفى 3 ملغم يومياً تزيد إلى 5 ملغم حتى عمر الثامنة. ومن التاسعة حتى الثالثة عشر 8 ملغم، تزيد إلى 10 ملغم حتى عمر 18 عاماً (وفي أثناء جائحة كورونا، تناول الأطفال أكبر من عمر 13 عاماً 25 ملغم يومياً على شكل أقراص أو شراب).
وبالنسبة للبالغين كانت الجرعة المقررة قرصين (25 ملغم) يومياً. وتعد الأدوية خياراً جيداً لرفع المناعة في أثناء جائحة كورونا للأطفال الذين لا يتناولون قدراً كافياً من اللحوم أو الأسماك التي تحتوى على كميات من الزنك مثل المحار (Oyster). ومن الدراسات التي تم إجراؤها على مرضى «كوفيد» المحجوزين في المستشفيات الذين يعانون من نقص في مستويات الزنك، تبين زيادة فرص تدهور الحالة بنسبة 21 في المائة، مقارنة بـ5 في المائة فقط من الذين يحتفظون بمستويات صحية من الزنك. كما أن هؤلاء المرضى احتاجوا إلى فترة للتعافي الإكلينكي 3 أضعاف الآخرين من أصحاب المستويات الطبيعية، إلى جانب زيادة حدة الأعراض واحتمالية التعرض للمضاعفات.
وأكدت الدراسة أن نقص معدلات الزنك لا يعنى بالضرورة الإصابة بفيروس كورونا، ولكن من الوارد أن يزيد من فرص حدوثها، خاصة أن المناعة السليمة لا تزال خط الدفاع الأساسي الأول ضد الجائحة. وأوضحت أن الغذاء الصحي المتوازن يعد نوعاً من العلاج البسيط المجاني يمكن أن يحمى الأطفال إلى حين التوصل إلى لقاحات تحت عمر الثانية عشرة عاماً.
* استشاري طب الأطفال