الفيلسوفة باربرا ستيغلر و14 مثقفاً فرنسياً: الديمقراطية الغربية في خطر

علاج «كوفيد ـ 19» يحتاج إلى مشاركة جماعية في صنع القرارات

باربرا ستيغلر
باربرا ستيغلر
TT

الفيلسوفة باربرا ستيغلر و14 مثقفاً فرنسياً: الديمقراطية الغربية في خطر

باربرا ستيغلر
باربرا ستيغلر

فتحت الجائحة باب الأسئلة على مصراعيه حول مستقبل الديمقراطية وصيرورتها، في فرنسا والغرب كله. من يقرأ البيان الطويل الذي نشرته «دار غاليمار» في كتاب، مؤخراً، من حوالي 50 صفحة، موقعاً باسم الفيلسوفة باربرا ستيغلر وهو خلاصة حوارات ومشاركات بين 14 باحثاً وعالماً وأكاديمياً في مختلف الاختصاصات، يدرك أن سوء إدارة الأزمة في فرنسا والغرب عموماً أثناء الوباء، والتأخر في اتخاذ الإجراءات، كما المقارنات المستمرة بين نجاح الصين في السيطرة على الفيروس سريعاً ومبكراً، وإخفاق الدول الأوروبية، ترك أثراً عميقاً، ليس على الاقتصاد وحسب، بل على الإيمان بثبات الديمقراطيات من قبل المفكرين، أمام تمجيد نموذج ديكتاتوري.
تنطلق ستيغلر التي لها دراسات فلسفية حول الليبرالية وتطورها، من رأي أطلقه رئيس تحرير مجلة «لانسيت» البحثية الطبية المرموقة ريتشارد هورتون، بأن الفيروس قاتل بطبيعة الحال، لكن الخطورة الأكبر هي ما بعد الهجوم الفيروسي، حيث تبين أن النتائج الوخيمة سببها مشاكل سابقة عليه، مثل التفاوت الطبقي والأزمات البيئية، وضعف النظام الاستشفائي. فقد نتج عن الجائحة والحجر، مضاعفات كثيرة، ومشاكل صحية متفاقمة. ومواجهة كوفيد - 19 ليست أمراً طبياً بحتاً يعالج في المستشفيات والمختبرات، بل تحتاج تغييراً جذرياً في النموذج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لتفادي تكرار الإخفاقات.
البيان الفلسفي، يحمل عنوان «من الديمقراطية إلى الوباء»، ويرى فيه ناشره أنطوان غاليمار، بأنه شبيه بـ«المنشورات» التي كان يصدرها المثقفون في ثلاثينات القرن الماضي مثل أندريه جيد، جول رومان، توماس مان وجان جيونو. ويضيف غاليمار في مقدمته التي كتبها للبيان: «عندما تصبح الأمور موضع شك، هناك موقفان محتملان: خيبة الأمل والتخلي، أو تجدد الاهتمام، وإعادة تنشيط النقاش الوطني. فحريتنا في التفكير، هي مثل كل الحريات، لا يمكن ممارستها خارج إرادتنا لإدراك ما يدور حولنا».
أرادت ستيغلر الأستاذة في جامعة بوردو مونتين بالاشتراك مع باحثين في علوم اللغة والتاريخ السياسي، والقانون، كسر الصمت، وإثارة نقاش معرفي وفلسفي حول الطريقة القاصرة التي أديرت بها الأزمة. لذلك جاء البيان مليئاً بالغضب مما حصل، والخوف على مستقبل، لم يعد آمناً. فقد تلخصت الإجراءات أمام الوباء بتعطيل جزء كبير من النشاط الاقتصادي والاجتماعي، نتج عنه ركود وبطالة كبيران، وتعليق عدد كبير من الحريات العامة والحقوق الأساسية، ومنع التحرك والتجمع. «مما تسبب بالنسبة للديمقراطيين الغربيين، بصدمة غير مسبوقة، تهز ركيزتيهما الأساسيتين: الرأسمالية والليبرالية». وبذلك وضعت الديمقراطية على المحك. ومن واجب الجامعات والأكاديميين والمفكرين والحال كذلك، إطلاق حوار والبحث عن حلول، بدلاً من البقاء في دائرة الارتباك، فهذا هو السبيل الوحيد للحفاظ على الديمقراطية.
ويتأتى القلق بالنسبة لهؤلاء الباحثين، من مهاجمة مبادئ تأسيسية للديمقراطية خلال الأزمة، والإحالة بشكل متكرر إلى نجاعة ما يحدث في الصين. وانتهاك الحريات باسم الحفاظ على حياة الناس. وغالباً ما تم ذلك بموجب تشريعات الطوارئ. وهي قرارات لا تخلو من التباس.
وحين يقال إن قيمة الحياة هي العليا، يتبين عند الممارسة أن الحيوات ليست كلها متساوية، فهناك من طبّق عليه الحجر، وآخرون أرسلوا إلى العمل.
المجتمعات الديمقراطية لم يختلف حال مساجينها عن دول أخرى. فالمساجين فئة كانت معرضة للخطر إلى حد كبير، باسم القانون. وما بدا مستحيلاً لعقود من الزمن تم تحقيقه بعد ذلك في ثلاثة أشهر: انخفض عدد السجناء بمقدار 13.700 شخص، أو ما يقرب الخمس، في فرنسا. أما في أميركا التي يقبع في سجونها ربع محتجزي العالم، فقلة من تم الإفراج عنهم. وإذا أخذنا سجن نيوجرسي مثلاً، فنسبة السود المحتجزين هناك هي 12 مرة أكثر من نسبتهم بين عدد السكان، وقد تركوا نهباً للمرض، ومات منهم عدد كبير، ولم يفرج عنهم.
يعود البيان ليسترجع انتهاكات لحقوق الإنسان، سبقت الجائحة، في المجتمعات الغربية، منها ما كان باسم الحفاظ على الأمن، أو مواجهة الإرهاب، أو حماية المجتمع من متظاهرين عنيفين. «وهكذا نشهد ظهور سلطوية تدعي أنها ديمقراطية، لكنها لا تستجيب لمتطلبات سيادة القانون». ومع حلول الجائحة أعطيت لرجال الشرطة سلطة «جعلت كل شخص مشتبهاً به، على اعتبار أنه قد يكون حاملاً للفيروس».
نقل سلطات كبيرة وتعسفية لرجال الشرطة، بحجج مختلفة، هو نوع من الاستبداد لأن هذه الإجراءات تحد أو تلغي الحريات الأساسية، مثل احترام الحياة الخاصة، والحق في الحرية أو التظاهر. ويعلق الفيلسوف الفرنسي جان كلود مونود بالقول: «إن الديمقراطيات الليبرالية، أعطت عن نفسها في الآونة الأخيرة، صورة متدهورة».
يشرح البيان أن هذا التدهور قد يكون ناتجاً عن الانطباع باستيلاء الأوليغارشية على السلطة، أو خضوع السياسة للمصالح الاقتصادية المهيمنة، أو حتى إلغاء الضوابط البيئية والاجتماعية. قبل الوباء، اندلعت ثورات في جميع أنحاء العالم ضد هذا الانجراف للديمقراطيات. ومع الأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، شهدت العديد من الدول الديمقراطية الليبرالية إجراءات متناقضة، مضطربة وغير متسقة أثرت على ثقة الناس.
فقد باتت المجتمعات الغربية تعاني من شعور البعض، بأن الانتخابات باتت شبيهة بـ«حفلات تنكرية»، وأن ألعاباً تحدث باستمرار وراء الكواليس، وقوى مالية هي التي تتحكم بالسلطة. المشكلة تكمن في التوجهات المتزايدة صوب «الليبرالية الاستبدادية الجديدة». وهو ما يبدو أقل حدة في شمال أوروبا أو بعض من دول آسيا، مثل نيوزيلندا، تايوان، وكوريا الجنوبية، وأيسلندا، وفنلندا، والنرويج، حيث عولجت الأزمة من دون اللجوء إلى الاستبدادية، والقرارات القمعية.
ويهاجم البيان اليمين المتطرف الذي لم يفلح بدوره بإدارة الأزمة، فنموذج ترمب أو بولسونارو، لم يكونا ناجعين، ويشدد على الحاجة إلى الفكر النقدي والمشاركة العامة في صنع القرار والمداولات، «وعدم الاستسلام لصفارات الاستبداد، وكتم الأصوات المعترضة».
يعود البيان إلى ميشيل فوكو الذي يرى «أن المجتمعات الغربية تم تنظيمها، منذ القرن التاسع عشر، على الأقل، حول السياسة الحيوية، أو سياسة الحياة». لذلك فإن المطلوب ليس فقط تحسين المعايير البيولوجية أو درجات الرفاهية، بقدر ما يتعلق الأمر بمنح كل مواطن حق المشاركة الجماعية لصنع القرارات في اللحظات الحاسمة. وهو ما تم افتقاده بشكل كبير.
ترى ستيغلر ومن خلفها الباحثون الذين شاركوها تدبيج هذا النص الاعتراضي، أن القرارات التي رافقت الأزمة اتسمت باللاعقلانية وعدم الاتساق، بحيث أصبح الخوف المحرك الوحيد للتخلي عن الديمقراطية، وهو ما يتأتى عنه «انهيار للحياة الاجتماعية، وتحد لإنسانيتها».
نص البيان/ الكتاب، يتحدث عن أزمة غربية عميقة، وإحساس بأن الديمقراطية في خطر فعلي، وأن السكوت يغلب الاحتجاج، وإن كان من دور لا بد منه، فهو دور المثقف الذي يجب أن يعلي الصوت، وهذا ما حدث. يبقى السؤال بعد قراءة النص، هل تمكن المحتجون من رسم خارطة طريق مقنعة، يمكنها أن تحل مكان الارتباك القائم، على الأرجح لا. لكن يبقى لهؤلاء فضيلة المحاولة، والأمل في مراكمة بناءة لبيانات أخرى، كما أشار الناشر «غاليمار» في مقدمته.



مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي
TT

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

صدر العدد الجديد (الحادي عشر من مجلة «الأديب الثقافية» - شتاء 2025)، وهي مجلة ثقافية تُعنى بقضايا الحداثة والحداثة البعدية يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم.

تناولت افتتاحية العدد التي كتبها رئيس التحرير «مدن المستقبل: يوتوبية أم سوسيوتكنولوجية؟».

كما تبنى العدد محور «نحو يسار عربي جديد»، وقد تضمّن مقدمة كتاب «نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي» للمفكر اللبناني الراحل الدكتور كريم مروة، وفيها دعوة جديدة لنهوض اليسار العربي بعد هزائم وانكسارات ونكبات كبرى أعقبت تفكّك الاتحاد السوفياتي وانهيار الاشتراكية في العالم، وقد عدَّت مجلة «الأديب الثقافية» - المقدمة نواة لمشروع نهضوي جديد لمستقبل اليسار العربي، بعد أن تجمّد عند حدود معينة من موته شبه السريري.

وأسهم في هذا المحور السياسي والطبيب المغترب الدكتور ماجد الياسري، بدراسة هي مزيج من التحليل والتجربة السياسية والانطباع الشخصي بعنوان «اليسار العربي - ما له وما عليه»، وقدّم الناقد علي حسن الفوّاز مراجعة نقدية بعنوان «اليسار العربي: سيرة الجمر والرماد»، تناول فيها علاقة اليسار العربي بالتاريخ، وطبيعة السياسات التي ارتبطت بهذا التاريخ، وبالمفاهيم التي صاغت ما هو آيديولوجي وما هو ثوري.

أما الكاتب والناقد عباس عبد جاسم، فقد كتب دراسة بعنوان «إشكاليات اليسار العربي ما بعد الكولونيالية»، قدم فيها رؤية نقدية وانتقادية لأخطاء اليسار العربي وانحراف الأحزاب الشيوعية باتجاه عبادة ماركس، وكيف صار المنهج الماركسي الشيوعي لفهم الطبقة والرأسمالية في القرن الحادي والعشرين بلا اتجاه ديالكتيكي، كما وضع اليسار في مساءلة جديدة: هل لا تزال الماركسية صالحة لتفسير العالم وتغييره؟ وما أسباب انهيار الفكر الشيوعي (أو الماركسي) بعد عام 1989؟ وهل نحن نعيش «في وهم اللاجماهير» بعصر ما بعد الجماهير؟ وفي حقل «بحوث»، قدّمت الناقدة والأكاديمية هيام عريعر موضوعة إشكالية مثيرة لجدل جندري متعدّد المستويات بعنوان «العبور الجنسي وحيازة النموذج»، وتضمَّن «قراءة في التزاحم الجمالي بين الجنسين».

ثم ناقشت الناقدة قضايا الهوية المنغلقة والأحادية، وقامت بتشخيص وتحليل الأعطاب الجسدية للأنوثة أولاً، وعملت على تفكيك الهيمنة الذكورية برؤية علمية صادمة للذائقة السائدة، وذلك من خلال تفويض سلطة الخطاب الذكوري.

وقدّم الدكتور سلمان كاصد مقاربة بصيغة المداخلة بين كاوباتا الياباني وماركيز الكولومبي، من خلال روايتين: «الجميلات النائمات»، و«ذكريات غانياتي الحزينات» برؤية نقدية معمّقة.

واشتغل الدكتور رشيد هارون موضوعة جديدة بعنوان «الاغتيال الثقافي»، في ضوء «رسالة التربيع والتدوير للجاحظ مثالاً»، وذلك من منطلق أن «الاغتيال الثقافي هو عملية تقييد أديب ما عن أداء دوره الثقافي وإقعاده عن المضي في ذلك الدور، عن طريق وسائل غير ثقافية»، وقد بحث فيها «الأسباب التي دفعت الجاحظ المتصدي إلى أحمد عبد الوهاب الذي أطاح به في عصره والعصور التالية كضرب من الاغتيال الثقافي». وهناك بحوث أخرى، منها: «فن العمارة بتافيلالت: دراسة سيمائية - تاريخية»، للباحث المغربي الدكتور إبراهيم البوعبدلاوي، و«مستقبل الحركة النسوية الغربية»، للباحث الدكتور إسماعيل عمر حميد. أما الدكتورة رغد محمد جمال؛ فقد أسهمت في بحث بعنوان «الأنساق الإيكولوجية وسؤال الأخلاق»، وقدمت فيه «قراءة في رواية - السيد والحشرة».

وفي حقل «ثقافة عالمية» قدّم الشاعر والناقد والمترجم عبد الكريم كاصد ترجمة لثماني قصائد للفنان كاندنسكي بعنوان «أصوات». وفي حقل «قراءات» شارك الدكتور فاضل عبود التميمي بقراءة ثقافية لرواية «وجوه حجر النرد» للروائي حسن كريم عاتي. وفي حقل «نصوص» قدَّم الشاعر الفلسطيني سعد الدين شاهين قصيدة بعنوان: «السجدة الأخيرة».

وفي نقطة «ابتداء» كتبت الناقدة والأكاديمية، وسن عبد المنعم مقاربة بعنوان «ثقافة الاوهام - نقد مركب النقص الثقافي».

تصدر المجلة بصيغتين: الطبعة الورقية الملوَّنة، والطبعة الإلكترونية.