عقدة تشكيل الحكومة اللبنانية عالقة في «المبادئ» قبل مرحلة التفاصيل

TT

عقدة تشكيل الحكومة اللبنانية عالقة في «المبادئ» قبل مرحلة التفاصيل

لم تتخطَ الإيجابية التي أحاطت بالمحادثات الآيلة لتذليل العقد أمام تأليف الحكومة اللبنانية، إطار فتح قنوات واستئناف الاتصالات التي فعلها «الثنائي الشيعي» المتمثل بـ«حركة أمل» و«حزب الله»، فيما لا تزال عقدة تشكيل الحكومة عالقة في «المبادئ» وليس «في التفاصيل»، بحسب ما تقول مصادر مطلعة على موقف «الثنائي الشيعي».
وعقد النائب علي حسن خليل، المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وحسين خليل، المعاون السياسي لأمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، ووفيق صفا، مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب، اجتماعاً ليل الثلاثاء مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل. وقالت مصادر مطلعة على اللقاء إنه «إيجابي، وبحث في الحقائب والعقد التي تحول دون تشكيل الحكومة»، فيما تحدثت مصادر «التيار الوطني الحر» عن أن باسيل أبدى مرونة لتسهيل المباحثات. وكان من المفترض أن يحمل النائب خليل أجواء اللقاء إلى الرئيس المكلف سعد الحريري مساء أمس الأربعاء واستكمال المحادثات معه.
وتتمثل العقد الأساسية في تسمية الوزيرين المسيحيين في الحكومة، وإعطاء «التيار الوطني الحر» الثقة لحكومة الحريري في البرلمان، إضافة إلى عقد أخرى مثل توزيع الحقائب الوزارية، ومن ضمنها حقيبة الطاقة التي رفض باسيل أن تكون من حصة تيار «المردة» الذي يتزعمه النائب السابق سليمان فرنجية، وهو ما تنظر إليه المصادر على أنه «تفاصيل يمكن تجاوزها بمداورة الحقائب»، لكنها جزمت بأنها ليست العقدة الرئيسية. وأوضحت المصادر المطلعة على موقف «الثنائي الشيعي» أن «العقدة ليست بالتفاصيل الحكومية بل بالمبادئ»، قائلة: «متى انحلت المبادئ، يبقى تعيين الوزراء وتوزيع الحقائب، وهي مهمة سهلة ولن تكون عقدة كبيرة». وقالت المصادر إن الإيجابية تتمثل في «أهمية تفعيل الاتصالات والإبقاء على مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري قائمة»، مشددة على أن «القطيعة ستنعكس سلباً على أي جهود، وهو ما يحاول الثنائي الشيعي تجنبيه للبلاد للإبقاء على الحوار قائماً، لذلك تنبثق الإيجابية من مجرد انعقاد اللقاء»، ولو أنها أقرت بأن العقد الرئيسية «لا تزال عالقة من دون حل».
وتحدثت المصادر عن «نية وعزم لدى (حزب الله) لتفعيل الاتصالات بين الطرفين المعنيين بالتأليف» (في إشارة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري)، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك إيجابية على خط التجاوب مع المساعي»، ولافتة إلى أن «الأمور لا تزال تحتاج إلى إنضاج أكبر». وقالت إن «الرئيس بري يصر على الاستمرار بمساعيه لإنضاج حكومة تنقذ لبنان لأن البلاد لم تعد قادرة على التحمل»، لافتة إلى أن «هناك مسعى جديا لإنضاج تسوية لا تنتقص من دور أي من المعنيين دستورياً بالتأليف من موقعهما» (عون والحريري).
ويتمثل التحدي اليوم في أن يصل الأفرقاء إلى حل ينهي أزمة تشكيل الحكومة العالقة منذ تكليف الحريري في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وسط تقديرات لدى تيار «المستقبل» بأن العقد القائمة «لا تزال مستمرة»، قائلة إن باسيل «يختلق الأعذار والعقد تلو الأخرى لأنه يريد الحصول على ثلث معطل في الحكومة».
ولا يرى عضو كتلة «المستقبل» النائب محمد الحجار إيجابية في المساعي القائمة حتى الآن، بالنظر إلى أن «عون وباسيل يصران على عدم الموافقة على حكومة لا تتضمن ثلثاً معطلاً»، مشدداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن «اعتراضهما على تسمية الحريري للوزيرين المسيحيين هو مخالفة للدستور كون الرئيس المكلف، وفق الدستور، هو من يعرض أسماء الوزراء، بينما يحق لرئيس الجمهورية الاعتراض أو الموافقة». وقال: «يحاول التيار الوطني الحر فرض أعراف جديدة، بذريعة أن الرئيس السني لا يسمي الوزراء المسيحيين، علما بأن العكس سيكون خرقاً للصلاحيات الدستورية»، مذكراً أنه في حكومة الرئيس الحريري الأخيرة «سمّى الحريري الوزير غطاس خوري من حصته، بينما سمى عون الوزير طارق الخطيب من حصته».
ورأى الحجار أن «باسيل بات يتصرف كما لو كان رئيس الظل، ويريد أن يحتكر لنفسه اتخاذ القرارات، وهو يبحث عن مستقبله السياسي من خلال هذه الحكومة حتى لو كان ثمن ذلك الإطاحة بالبلد»، مضيفاً أن «الأمور تتجه نحو تكريس واقع رافض للحريري في سدة رئاسة الحكومة، بالحديث عن حقوق المسيحيين وصلاحيات الرئاسة». ووصف ما يجري بأنه «ادعاءات وذرائع لتجميد الجهود الفعلية الآيلة إلى تشكيل حكومة، رفضاً للحريري رئيساً لها».
وإذ ذكّر بموقف الرئيس بري المؤيد للتشكيلة الحكومية التي وضعها الحريري وعرضها عليه لجهة توزيع الحقائب على الطوائف، قال إن رفض باسيل لها «يثبت ما ينويه تجاه رفض الحريري». وأكد أن الحريري «لن يرضى باستباحة الدستور، وهو طرح الخيارات الأخرى على الطاولة في حال فشل المحادثات، لأن باسيل وتياره ينوون توجيه البلاد نحو الانهيار الكامل وتضييعها، بينما يسعى الحريري للاستفادة من آخر فرصة للإنقاذ عبر المبادرة الفرنسية». وإذ وصف مبادرة بري بأنها «الفرصة الأخيرة»، قال إنه إذا لم تتألف الحكومة «فالبلد يتجه إلى الانهيار». ودعا «حزب الله» إلى ممارسة المزيد من الضغوط على حليفه للوصول إلى تشكيل الحكومة.



ما تداعيات التشريع الإسرائيلي الجديد بشأن وكالة «الأونروا»؟

الغموض يخيم على مستقبل نشاط «الأونروا» غداة تصويت الكنيست الإسرائيلي على حظر أنشطتها داخل إسرائيل (إ.ب.أ)
الغموض يخيم على مستقبل نشاط «الأونروا» غداة تصويت الكنيست الإسرائيلي على حظر أنشطتها داخل إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

ما تداعيات التشريع الإسرائيلي الجديد بشأن وكالة «الأونروا»؟

الغموض يخيم على مستقبل نشاط «الأونروا» غداة تصويت الكنيست الإسرائيلي على حظر أنشطتها داخل إسرائيل (إ.ب.أ)
الغموض يخيم على مستقبل نشاط «الأونروا» غداة تصويت الكنيست الإسرائيلي على حظر أنشطتها داخل إسرائيل (إ.ب.أ)

يخيم الغموض على مستقبل نشاط وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الثلاثاء، غداة تصويت الكنيست الإسرائيلي على حظر أنشطتها داخل إسرائيل بما يشمل القدس الشرقية المحتلة.

يعد التشريعان اللذان أقرهما الكنيست انتصاراً سياسياً لمن يتهمون موظفين في «الأونروا» بالمشاركة في هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ما يثير قلق آلاف المستفيدين من الوكالة في الأراضي الفلسطينية.

ماذا سيحدث؟

تعمل «الأونروا» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تقدم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، خصوصاً في مجالي التعليم والصحة.

ويحظر التشريعان على المسؤولين الإسرائيليين العمل مع «الأونروا»، ويمنعها من العمل داخل إسرائيل بما يشمل القدس الشرقية التي احتلتها عام 1967، ثم أعلنت ضمها.

من المقرر أن يدخل التشريعان حيز التنفيذ خلال 3 أشهر.

ويشير الباحث ريكس برينين المتخصص في شؤون اللاجئين الفلسطينيين إلى أنه «في المستقبل القريب، قد يجعل هذا استمرار عمليات (الأونروا) في القدس الشرقية صعباً للغاية»، مذكّراً بأن الوكالة تعمل في مخيم شعفاط للاجئين في القدس الشرقية.

لكن المتحدث باسم الوكالة جوناثان فاولر يؤكد أن «هناك تداعيات تتجاوز ما تعده إسرائيل إقليمها السيادي؛ لأن انتهاء التنسيق مع السلطات الإسرائيلية سيشكل ضربة قوية للعمليات في غزة التي نمثل نحن عمودها الفقري».

وفي قطاع غزة الذي دمرته الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، توظف الوكالة 13 ألف شخص، وتدير الاستجابة الإنسانية لمنظمات أخرى، وهي على اتصال منتظم مع السلطات الإسرائيلية، خصوصاً فيما يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية.

كما سيجعل حظر التنسيق مع إسرائيل من الصعب على «الأونروا» العمل في الضفة الغربية المحتلة، حيث تخدم وفق برينين 900 ألف لاجئ، وتدير 43 مركزاً صحياً وما يقرب من 100 مدرسة.

ورداً على سؤال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، لم ترغب «الأونروا» في تقديم تفاصيل، لكنها أشارت إلى أن اتصالاتها مع الهيئة الإسرائيلية المشرفة على الشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (كوغات) تتعلق بتنقلات موظفيها بشكل خاص.

ما الدافع من التشريع؟

يرى ريكس برينين أن هذا التشريع هو نتيجة «غضب الإسرائيليين» من الوكالة التي يربطونها بهجوم «حماس» في 7 أكتوبر 2023، ولكنه أيضاً نتيجة «الجهود التي بذلتها الحكومة الإسرائيلية وكثير من النواب مع مرور الوقت لإضعاف (الأونروا) من أجل تهميش قضية اللاجئين الفلسطينيين».

وأحد الوجوه التي تقف وراء ذلك النائبةُ السابقة عينات ويلف التي تنتقد الوكالة على خلفية حق العودة للاجئين، وترى أن أقلية من اللاجئين المسجلين لدى (الأونروا) هم لاجئون «وفقاً للمعايير الدولية».

تنص لوائح الأمم المتحدة على أن الأشخاص يعدون لاجئين «حتى يجري حلّ الأزمة (التي تسببت في وضعهم)»، كما تقول الباحثة البريطانية في شؤون اللاجئين آن عرفان.

وتوضح عرفان: «إنها سياسة موحدة».

وترى الباحثة أن الحظر المفروض على «الأونروا» يعكس «تغييراً كبيراً» في السياسة الإسرائيلية تجاه الاحتلال؛ لأن إسرائيل في السابق انتقدت، ولكنها لم تشكك في «الأونروا» التي يؤدي عملها إلى «خفض تكلفة الاحتلال».

منذ التصويت، واجهت إسرائيل انتقادات دولية، ويُرجع جوناثان فاولر ذلك إلى توجيهها «ضربة لتعددية الأطراف» عبر استعراض القوة في مواجهة نظام «قرارات الأمم المتحدة وأحكام المحاكم الدولية».

من يمكن أن يعوض «الأونروا»؟

منذ ما يقرب من 75 عاماً على تأسيس «الأونروا»، فشلت محاولات العثور على بدائل «فشلاً ذريعاً»، حسبما تؤكد المتحدثة باسم الوكالة جولييت توما.

ويذكّر فاولر أنه «بموجب القانون الدولي الإنساني، تقع على عاتق قوة الاحتلال مسؤولية ضمان رعاية... السكان الخاضعين للاحتلال»، مشيراً إلى مسؤولية إسرائيل في حال توقف أنشطة «الأونروا».

يقترح البعض أن تتولى دول أجنبية أو وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة مهام «الأونروا»، لكن مايكل دامبر المتخصص في شؤون الشرق الأوسط يؤكد أن «أي محاولة لتقييد دور (الأونروا) سيُنظر إليها على أنها تقويض لالتزام المجتمع الدولي بحق تقرير المصير (للفلسطينيين)».

وقالت كوغات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تشجع وكالات الأمم المتحدة الأخرى في غزة، ولكن فاولر يلفت إلى أن تلك الوكالات «لا تعمل على النطاق نفسه».

أما السلطة الفلسطينية التي تسيطر جزئياً على الضفة الغربية، ومن الممكن أن تستعيد السلطة في قطاع غزة، فإنها تواجه مشكلات مالية خطيرة، وبالتالي لن تكون قادرة على تولي مهام «الأونروا».