باسيل يتمايز عن «حزب الله» استعداداً للانتخابات النيابية

نصر الله يرسم للحكومة المستقيلة «خريطة طريق» لتصريف الأعمال

TT

باسيل يتمايز عن «حزب الله» استعداداً للانتخابات النيابية

يحرص «حزب الله» على ضخ جرعة من التفاؤل سادت الاجتماع الثاني المتعلق بتشكيل الحكومة الذي عُقد بين المعاونين السياسيين لرئيس المجلس النيابي النائب علي حسن خليل ولأمينه العام حسين خليل مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، في حضور مسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا. ويراهن الحزب على الاجتماع الثالث الذي يُعقد بينهم في الساعات المقبلة، في ضوء تواصلهم مع رئيسي الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري لعلهم يتمكنون من تذليل آخر العقبات التي تؤخر تشكيلها.
لكن في المقابل، ترى مصادر مواكبة عن كثب للأجواء التي سادت الاجتماع الثاني بين الخليلين وباسيل، أنه لا يمكن الركون إلى التفاؤل النهائي ما لم تؤدّ المشاورات بين الكبار المعنيين بتشكيل الحكومة إلى تذليل آخر العقد المتبقية وأبرزها التفاهم على تسوية الوزيرين المسيحيين، هذا في حال قرر باسيل أن يصرف النظر عن رهانه بأن عدم تشكيل الحكومة من شأنه أن يُضعف الرئيس الحريري في تحضيره لخوض الانتخابات النيابية العامة المقررة في ربيع 2022، بعدما أسقط نصر الله إجراء الانتخابات النيابية المبكرة بالضربة القاضية.
فباسيل - كما تقول المصادر نفسها - بدأ يتصرف على أنه الأقوى مسيحياً، وأنه سيزداد قوة فور جلاء النتائج النهائية للحراك التفاوضي الجاري في الإقليم المتلازم مع استمرار المفاوضات الأميركية - الإيرانية حول الملف النووي، وبالتالي فهو يتعاطى مع نتائجها بأنها ستصب في نهاية المطاف لمصلحته رغم أن تقديره لن يكون في محله.
كما أن باسيل، بحسب المصادر، يعطي الأولوية لخوض الانتخابات النيابية على ما عداها إلا إذا وجد نفسه محشوراً في حال لم يلتفت إلى تشكيل الحكومة كأولوية، لأنه سيتحمل مسؤولية حيال إصراره على رفع سقوفه التي تلقى معارضة من الآخرين وتشكل إحراجاً لحليفه «حزب الله» الذي، وإن كان يتجنّب الضغط عليه، لن يستطيع، في المقابل، توفير الغطاء السياسي له حرصاً منه على إبعاد الشبهة عنه بأنه يعيق تشكيل الحكومة لكنه يتلطى وراء عناد باسيل.
ومع أن جرعة التفاؤل هذه غابت كلياً عن الخطاب الذي ألقاه نصر الله بمناسبة تأسيس محطة «المنار» التابعة لـ«حزب الله»، وإلا لما طالب الحكومة المستقيلة بأن تتحمل المسؤولية، لا سيما أن أزمة تأليف الحكومة طالت وقد تطول، وأناب عن رئيسها حسان دياب والوزراء بدعوته إلى اتباع خريطة الطريق التي رسمها لهم لتصريف الأعمال.
ناهيك بأن نصر الله الذي كان اقترح الاستعانة برئيس المجلس لتسهيل تشكيل الحكومة، لم يتطرق في خطابه أول من أمس (الثلاثاء) إلى ما آل إليه اقتراحه، مع أنه رأى أن الأداء الرسمي الضعيف في كل المجالات هو من الأسباب الأخرى للأزمة، وبالتالي يبقى السؤال ما إذا كانت الاجتماعات الماراثونية التي تعقد بين الخليلين وباسيل ستؤدي إلى نتائج تدفع باتجاه الإسراع بتشكيل الحكومة بخلاف ما توقعه بأن أزمة التأليف قد تطول؟
كما أن نصر الله الذي كرر مطالبته بالتوجه إلى إيران «لنأتي بالبنزين والمازوت وندفع ثمنهما بالليرة اللبنانية شرط أن يقرر لبنان لتتوجه بواخر النفط الإيرانية إلى بيروت»، يدرك جيداً أن العقوبات الأميركية المفروضة على طهران تمنع إبحارها إلى ميناء بيروت.
وفي هذا السياق، علّق رئيس حكومة سابق (فضّل عدم ذكر اسمه) على مطالبة نصر الله، بقوله لـ«الشرق الأوسط»: من الأفضل للبواخر المحمّلة بالنفط بأن تُبحر إلى ميناء اللاذقية في سوريا لتأمين النقص في المحروقات، وعندها تحل مشكلة لبنان بوقف عمليات التهريب للمشتقات النفطية من لبنان إلى سوريا ما تسبب بأزمة ناجمة عن النقص الحاصل في تأمين الاحتياجات اللبنانية للمحروقات، وبالتالي سيرتاح السوق المحلي من جهة ونخفف من الفاتورة المالية المترتبة على دعم الدولة لها.
لذلك، فإن الحراك لتشكيل الحكومة لن يتوقف لكنه لن يبقى إلى الأبد، لأن لبنان لا يتحمل - كما يقول المصدر - استمرار المراوحة بلا جدوى، وباتت هناك حاجة ملحة لإخراجها من التأزّم، خصوصاً أن رئيس المجلس، وإن كان يعطي فرصة للقاءات الخليلين وباسيل، لن ينتظر طويلاً وقد يضطر لتحديد موقفه في حال أيقن بأن هذه اللقاءات ما هي إلا «حركة بلا بركة».
وعليه، فإن باسيل، وعلى خلفية استعداده لخوض الانتخابات، يسعى للتمايز في مواقفه عن «حزب الله» وهو يحاول القيام بدور «الشريك المضارب» لحزب «القوات اللبنانية» في طروحاته السياسية المناوئة لـ«حزب الله»، ويأتي ما قاله في المقابلة التلفزيونية التي أُجريت معه أخيراً في سياق دخوله في هذا، تمايزاً للتعويض عن تراجعه في الشارع المسيحي، رغم أنه يكابر ولا يعترف بكل ما يقال في هذا الخصوص.
فباسيل، على طريق تمايزه عن «حزب الله»، يعترف بأن ورقة التفاهم الناظمة للعلاقة بينهما لم تحقق سوى وأد الفتنة، ولم تنجح في مكافحة الفساد وفي بناء مشروع الدولة، وكأنه يضع اللائمة على حليفه، إضافة إلى تعامله مع سلاحه على أنه وضع استثنائي يجب ألا يستمر لأن لا سلاح خارج الجيش.
وربما يعتقد باسيل أنه بدخوله على ملعب «القوات» يستطيع أن يفتح الباب أمام معاودة الحوار معه من جهة، ويمهّد لتصالحه مع الشارع المسيحي، خصوصاً أنه لا يحرّك ساكناً حيال الحملات التي يقودها فريق الصقور داخل «التيار الوطني» بقيادة النائب زياد أسود والناشط ناجي حايك، وقد انضم إليهما النائب السابق نبيل نقولا متهماً الحزب بتغطية الفساد، إضافة إلى آخرين، ما يعني أنه يغض النظر عن هؤلاء لاسترضاء الشارع المسيحي ومعه السواد الأعظم من المحازبين، وصولاً إلى معاودته لمغازلة واشنطن لعلها ترأف به وترفع عنه العقوبات.
ويبقى السؤال: هل يبادر نصر الله إلى تجاوز الخليلين وباسيل ويضغط على الأخير لتسهيل ولادة الحكومة لأن لا مصلحة له - كما يقول مصدر في «الثنائي الشيعي» لـ«الشرق الأوسط» - بأن ينوب عن الدولة الفاشلة ويتصرف على أنه وحده يدير شؤون البلد، وبالتالي لن يؤخر الانفجار الاجتماعي الذي بلغ ذروته والذي سيضعه في مواجهة مع شارعه والآخرين؟



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».