«تسوية» لإطلاق قيادي «الحشد»... ومقتل عقيد المخابرات يخلط الأوراق

غضب في الأوساط الأمنية العراقية خشية وجود خطط لتصفية ضباط كبار

مصطفى الكاظمي أكد أن حكومته نجحت في إبعاد شبح الحرب عن العراق (أ.ف.ب)
مصطفى الكاظمي أكد أن حكومته نجحت في إبعاد شبح الحرب عن العراق (أ.ف.ب)
TT

«تسوية» لإطلاق قيادي «الحشد»... ومقتل عقيد المخابرات يخلط الأوراق

مصطفى الكاظمي أكد أن حكومته نجحت في إبعاد شبح الحرب عن العراق (أ.ف.ب)
مصطفى الكاظمي أكد أن حكومته نجحت في إبعاد شبح الحرب عن العراق (أ.ف.ب)

أكدت مصادر رفيعة لـ«الشرق الأوسط»، توصل الحكومة والفصائل المسلحة، لتسوية في قضية أزمة اعتقال قيادي كبير في هيئة «الحشد الشعبي»، تقضي بإطلاق سراحه مقابل وقف التصعيد، فيما خلط اغتيال ضابط المخابرات في بغداد، أول من أمس، أوراق المشهد وقد يفتح حرب تصفيات أمنية.
وقالت مصادر مقربة من هيئة «الحشد»، إن القضاء «أفرج عن مصلح لعدم كفاية الأدلة»، لكن مسؤولاً حكومياً أبلغ «الشرق الأوسط» أن «القرار لم يصدر بعد... ربما خلال أيام»، دون أن ينفي صحة إطلاق السراح.
وفيما عادت مصادر «الحشد» بالتأكيد على استعدادهم لاستقبال القيادي المفرج عنه، في مدينة كربلاء، تحدثت مصادر أخرى إلى وقوع شجار بين قيادات عليا في الحكومة وأطراف في «الحشد» «أجّلت» عملية إطلاق سراح القيادي لوقت لاحق.
وحتى ساعة متأخرة من مساء أمس، لم تصدر الحكومة أو السلطة القضائية تعليقاً رسمياً بشأن مصلح، كما لم تبث منصات «الحشد»، كما اعتادت، صوراً لمصلح حراً طليقاً.
وقال مستشار سياسي لأحد الزعامات العراقية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجميع بدأ يتعامل مع حرب مفتوحة بين الجانبين»، مشيراً إلى أن «الجهد السياسي لعدد من القادة كان منصباً على إعادة الأزمة إلى ما قبل لحظة اعتقال مصلح، حين كان التوتر محسوباً بقواعد اشتباك».
وكشفت مصادر «الشرق الأوسط» أن ما تحدث عنه المستشار قاد إلى «تسوية سياسية بين الطرفين، مدفوعة بطلب إيراني عاجل للتهدئة».
وقالت المصادر إن «التسوية تفرض على (الحشد) التوقف تماماً عن اقتحام القصور والمنشآت الحكومية، فيما يتراجع الكاظمي عن استهداف القيادات الشيعية الكبيرة».
وخلال هذه المضاربات، نشطت وسائط الإعلام والتفاعل الممولة من قبل الفصائل المسلحة في بث أخبار عاجلة وصور لخبر إطلاق سراح مصلح.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتحكم فيها ماكينة الفصائل بالرأي العام ومسارات تدفق الأخبار، على حساب الرواية الرسمية للحكومة.
وتعكس هذه المضاربات بين المؤسستين المتصارعتين في العراق، حكومة الكاظمي والفصائل المسلحة، حجم التنافس بفرض الإرادة، وبينما تحاول الحكومة إلزام «الحشد الشعبي» بالولاء لها، تبذل الفصائل ما بوسعها لإثبات العكس.
وقاد اعتقال مصلح التنافس إلى ذروته عندما اقتحم مسلحون موالون للفصائل المنطقة الخضراء، ويومها قالت مصادر ميدانية إن عدداً منهم وصلوا منزل الكاظمي، مدججين بالسلاح.
وقال مستشار سياسي لأحد الزعامات العراقية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجميع بدأ يتعامل مع حرب مفتوحة بين الجانبين»، مشيرين إلى أن «الجهد السياسي لعدد من القادة كان منصباً على إعادة الأزمة إلى ما قبل لحظة اعتقال مصلح، حين كان التوتر محسوباً بقواعد اشتباك».
وكشفت مصادر «الشرق الأوسط»، أن ما تحدث عنه المستشار قاد إلى «تسوية سياسية بين الطرفين، مدفوعة بطلب إيراني عاجل للتهدئة». وقالت المصادر إن «التسوية تفرض على (الحشد) التوقف تماماً عن اقتحام القصور والمنشآت الحكومية، فيما يتراجع الكاظمي عن استهداف القيادات الشيعية الكبيرة».
وأوضحت المصادر أن «القوى السياسية المؤيدة لحكومة الكاظمي مقتنعة بالتسوية، لقلقها البالغ من انفلات الوضع في البلاد»، لكنها خلال حوارات مع قادة الفصائل، أرسلت إشارات إلى الإيرانيين، مفادها: «إن كنتم تنقلبون على الكاظمي، فعليكم كفصائل مسلحة تقديم بديل يمثلكم يتعامل مع المجتمع الدولي والمنطقة العربية». وتضيف المصادر: «الإيرانيون فهموا الرسالة ووجدوا في التهدئة مع الكاظمي صيغة آمنة، على الأقل الآن». لكن التهدئة ضربت في صباح يوم 7 من الشهر الحالي، عندما أطلق مجهولون النار على ضابط كبير في جهاز المخابرات العراقي، وأردوه قتيلاً.
وضابط المخابرات، وهو العقيد نبراس فرمان، عضو محوري في الجهاز، إذ ساهم في اختراق خلايا «تنظيم داعش»، كما تمكن من تحرير 3 لبنانيين اختطفوا في بغداد عام 2017.
وعلق مسؤول أمني رفيع إن «العقيد نبراس كان أحد أهم مصادر لجنة مكافحة الفساد، التي اعتقلت في الشهور الماضية مسؤولين سياسيين وتنفيذيين لتورطهم بتهريب الأموال»، ويضيف: «التحقيق الحكومي جارٍ في اغتيال الضابط».
وإلى حين إعلان الجهة المسؤولة عن اغتيال عقيد المخابرات، تسود حالة من الغضب الأوساط الأمنية، خشية وصول تداعيات مصلح إلى حرب لتصفية كبار الضباط، وأن التسوية تمت مع طرف واحد من الفصائل، فيما البقية تريد الرد على اعتقال مصلح حتى مع أنباء إطلاق سراحه.
وتنوي الفصائل المسلحة استغلال كل الفرص التي أتاحتها الأزمة الراهنة، حتى مع وجود تقاطعات داخل منظومة «الحشد» على ذلك.
من جهة ثانية، تستعد فصائل «الحشد الشعبي» لتنظيم استعراض عسكري في بغداد منتصف الشهر الحالي بمناسبة الذكرى السنوية لفتوى المرجع الديني علي السيستاني لمحاربة «تنظيم داعش». وبحسب مصادر أمنية، فإن الاستعراض سيشمل 70 لواءً تابعاً لـ«الحشد» ترافقهم مدرعات ودبابات روسية طوّرتها إيران. والحال أن إطلاق سراح القيادي في «الحشد» قاسم مصلح قبل الاستعراض سيتحول إلى انتصار سياسي لـ«الحشد» أمام الحكومة.
ميدانياً، تنشغل المؤسسات العسكرية من جانبي الحكومة و«الحشد» لتأمين الاستعراض، متأثرة بمناخ التوتر بينهما. وتقول مصادر أمنية عراقية إنه تم الاتفاق على برتوكول الاستعراض، بما في ذلك المنصة التي سيحضرها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس هيئة «الحشد الشعبي» فالح الفياض، ورئيس أركانه عبد العزيز المحمداوي الملقب بـ«أبو فدك».
ورغم الاتفاق على صيغة البرتوكول، فإن أزمة مصلح وأجواء اقتحام «الخضراء» انعكست على خطة تأمين الاستعراض، إذ لم تعمل أجهزة الحكومة و«الحشد» سوياً عليها، عدا مشاركة بعض التفاصيل العامة، كما يقول ضابط عراقي رفيع.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».