البنك الدولي يتوقع أقوى تعافٍ اقتصادي منذ الحرب العالمية

رفع توقعاته للنمو... ونظرة محبطة للدول الفقيرة

رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس (رويترز)
رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس (رويترز)
TT

البنك الدولي يتوقع أقوى تعافٍ اقتصادي منذ الحرب العالمية

رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس (رويترز)
رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس (رويترز)

رفع البنك الدولي الثلاثاء توقعاته للنمو العالمي لعام 2021 إلى 5.6 في المائة، وهو ما يمثل أقوى تعاف من ركود في 80 عاما، بفضل إنفاق تحفيزي في الولايات المتحدة ونمو أسرع في الصين، لكن يعطله وصول «غير متكافئ بدرجة كبيرة» إلى لقاحات (كوفيد - 19) وبالتالي فإن الدول الفقيرة التي لا تزال تنقصها اللقاحات المضادة لفيروس «كورونا»، سيبقى أداؤها ضعيفا.
وأضاف البنك أنه رغم النمو الفائق، فإن إجمالي الناتج المحلي قد يبقى أقل بنسبة 2 في المائة مقارنة بما كان سيكون إذا لم تقع جائحة «كورونا»، ولم يتم فرض القيود لاحتواء الفيروس.
ويظهر أحدث تقرير للبنك بشأن التوقعات الاقتصادية العالمية زيادة قدرها 1.5 نقطة مئوية عن توقعاته التي صدرت في يناير (كانون الثاني) الماضي قبل أن تتولى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة وتنفذ حزمة مساعدات ضخمة للتعافي من (كوفيد - 19) بقيمة 1.9 تريليون دولار. وزاد البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي بمقدار 3.3 نقطة مئوية من يناير إلى 6.8 في المائة، وهي أسرع وتيرة منذ عام 1984، وذلك بفضل الدعم الاقتصادي الذي وصفه البنك بأنه «لم يسبق له مثيل في زمن السلم». ورفع أيضا توقعاته للنمو في منطقة اليورو بمقدار 0.6 نقطة مئوية إلى 4.2 في المائة، كما زاد تقديراته للنمو في الصين بنفس القدر إلى 8.5 في المائة.
في المقابل ستسجل الاقتصادات الناشئة والنامية نموا نسبته 6 في المائة. وقال أيهان كوسي نائب رئيس البنك الدولي خلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية إنه «نظريا... هذه نسبة لافتة نسبيا. لكن الصين تلعب دورا كبيرا فيها» مع نمو متوقع نسبته 8، 5 في المائة.
ويتوقع البنك الدولي الآن أن تسجل الأسواق الناشئة، مع استبعاد الصين، نموا بنسبة 4.4 في المائة في 2021. وهي توقعات مرتفعة نقطة مئوية واحدة منذ يناير الماضي. وفي حال أخذت في الحسبان الدول المتدنية الدخل، فإن النمو سيتراجع إلى 2 في المائة على ما أوضح المحلل الاقتصادي. ولخص الوضع بالقول إن «الاقتصادات المتقدمة تعيش أفضل أيامها... والدول الضعيفة الدخل تعيش أسوأ أيامها».
وحذر البنك من أنه رغم أن انتعاش الطلب يمكن أن يؤدي لنمو الاقتصادات الكبرى، فإنه سيتعين على الدول الأصغر والأفقر الانتظار حتى العام المقبل لتعويض خسائر الدخل للفرد، مما يعني أن النمو العالمي سوف يكون «متفاوتا». وأوضح البنك أن دخول الأفراد في الكثير من اقتصادات الأسواق الناشئة من المتوقع أن «تبقى أقل من مستويات ما قبل جائحة (كورونا)، مما كان من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم سوء حالات الحرمان المرتبطة بالصحة والتعليم ومستوى المعيشة».
ويتوقع أن تستعيد 90 في المائة من الاقتصادات المتقدمة مستويات الدخل الفردي التي كانت سائدة قبل انتشار الوباء بحلول العام 2022، لكن ثلث الدول النامية والناشئة تقريبا سيتمكن من تحقيق ذلك. ونتيجة لذلك، سيبقى الفارق في الدخل الفردي بين الاقتصادات المتقدمة وأفقر دول العالم على حاله؛ لا بل سيزداد.
وجاءت توقعات البنك مشابهة للتوقعات التي أطلقتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأسبوع الماضي التي ذكرت أن نمو الاقتصاد العالمي هذا العام سيكون بنسبة 5.8 في المائة، وهو النمو الذي حذرت من أنه سيكون «متفاوتا» في الوقت الذي تكافح فيه الاقتصادات الناشئة لمواجهة جائحة «كورونا».
وقال البنك الدولي إن «التعافي في الكثير من الاقتصادات يواجه عراقيل بسبب ارتفاع حالات الإصابة بفيروس (كورونا) مجددا»، بالإضافة إلى «سحب سياسة الدعم في بعض الحالات».
وأوضح كوسي: «نرى أن تسارع التضخم سيكون مؤقتا». لكن الدول المتدنية الدخل تشهد في الوقت الراهن ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية التي تشكل حوالي نصف استهلاك الأسر ما يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي بشكل متزايد في هذه الدول بحسب تقرير البنك الدولي.
وشدد كوسي على أن البنك الدولي يراقب هذا المؤشر «خصوصا إن كان التضخم غير مؤقت وإن تفاعلت المصارف المركزية (برفع نسب الفائدة) فسيكون لذلك عواقب على الاقتصادات الناشئة». ومع حصول انتعاش اقتصادي غير متزامن في العالم، قد يؤدي رفع سريع لنسب الفائدة وخصوصا في الولايات المتحدة، إلى تراجع وضع هذه الدول التي ستواجه عندها زيادة في تكلفة إعادة تمويل الدين.
وأشار رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس إلى أنه قبل الجائحة كان نصف الدول المتدنية الدخل يواجه صعوبات في تسديد الدين أو «احتمالات عالية» بالتخلف عن سدادها. ودعا مالباس إلى «تعاون عالمي متواصل» ومشاركة للقطاع الخاص لتخفيف عبء الدين لدى أفقر دول العالم.
ومن خلال مجموعة العشرين دعم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مبادرة تعليق خدمة الدين لعشرات الدول متدنية الدخل. إلا أن العمل بهذه الآلية يتوقف في نهاية السنة الحالية.
لكن في ذات الوقت، قال مالباس إن البنك لا يدعم التنازل عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات (كوفيد - 19) خوفا من أن يقوض ذلك الابتكار في قطاع الأدوية. وردا على سؤال، خلال مكالمة إعلامية، عما إذا كان يدعم مفاوضات منظمة التجارة العالمية بشأن التخلي عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات، قال مالباس: «نحن لا نؤيد ذلك، لأنه من شأنه أن يؤدي لخطر تقليل الابتكار والبحث والتطوير في هذا القطاع».



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».