هل يؤثر «تعزيز الخصوصية» على سوق الإعلانات الرقمية؟

هل يؤثر «تعزيز الخصوصية» على سوق الإعلانات الرقمية؟
TT

هل يؤثر «تعزيز الخصوصية» على سوق الإعلانات الرقمية؟

هل يؤثر «تعزيز الخصوصية» على سوق الإعلانات الرقمية؟

يتساءل العاملون في مجال الإعلانات عن تأثير اتجاه «غوغل» و«آبل» للتوقف عن تتبع بيانات المستخدمين لـ«تعزيز الخصوصية»، عبر ما يسمى بـ«الكوكيز» أو «ملفات ارتباط الطرف الثالث». ويأتي هذا التساؤل وسط مخاوف من «احتمالية أن يمتد تأثير هذا التوجه للناشرين من صحف ومواقع الإلكترونية تعتمد بشكل أساسي على عائدات الإعلانات الرقمية خاصة إعلانات غوغل».
خبراء إعلاميون يرون أنه مع تزايد الجدل بشأن جمع بيانات المستخدمين، بات من الضروري وضع قوانين جديدة تحمي المستخدمين وبياناتهم، وهذه القوانين ستسهم في تراجع الاعتماد على الإعلانات الرقمية.
وحسب الخبراء فإن الناشرين في منطقة الشرق الأوسط قد يواجهون تحدياً كبيراً بسبب تراجع عائدات الإعلانات الرقمية. ولذا فهم يحثون على تنويع مصادر الدخل وتطوير المحتوى لمواجهة هذه التحديات.
شركة «غوغل» كانت في يناير (كانون الثاني) 2020 قد أعلنت اعتزامها التوقف عن استخدام ملفات ارتباط الطرف الثالث بحلول عام 2022، وهي الملفات المسؤولة عن جمع البيانات الديموغرافية عن مستخدمي الإنترنت مثل: العمر، والنوع، وتفضيلات المنتجات، ومعلومات عن تاريخ عمليات البحث التي قام بها المستخدم، وتستخدم هذه البيانات في الإعلانات، لاستهداف شريحة معينة من الجمهور. وللعلم، ليس «غوغل كروم» وحده في هذا الشأن، إذ سبقه متصفحات أخرى مثل «فاير فوكس» الذي باشر الحد من تتبع البيانات منذ عام 2013، ومتصفح «سفاري» التابع لـ«آبل» الذي بدأ منع تتبع البيانات منذ عام 2017، إلا أن تأثير «غوغل» أكبر لأنه يتحكم بثلثي سوق متصفّحي الإنترنت، وذلك حسب دراسة نشرها موقع «ستاتيستا» المتخصّص في دراسات سوق الإنترنت، خلال مارس (آذار) الماضي. ووفق «ستاتيستا» فإن «80 في المائة من المسوّقين يعتمدون على ملفات ارتباط الطرف الثالث، وينفق نحو 19.7 مليار دولار على هذا النوع من البيانات، بينما يُنفق 4 مليارات دولار على حلول بديلة للإعلانات.
في هذا الشأن، تؤكد سامية عايش، الصحافية الفلسطينية والمدربة في مجال الإعلام الرقمي، في حوار مع «الشرق الأوسط» أنه «مع تزايد الجدل بشأن جمع بيانات المستخدمين وتتبع سلوكهم على المواقع المختلفة، أصبح من الضروري وضع قوانين جديدة تحمي المستخدمين وبياناتهم. وهذه القوانين الجديدة بالتأكيد ستسهم في تراجع الاعتماد على الإعلانات الرقمية ومحاولة إيجاد البديل». وأضافت أن «سوق الإعلانات الرقمية بدأت تشهد تراجعاً منذ فترة، نظراً لتغير سلوكيات المستخدمين عبر المواقع الإلكترونية، وتركيزهم على زيارة المواقع الاجتماعية، إضافة إلى الوعي المتزايد بشأن جمع بياناتهم»، مشيرة إلى أن «عائدات الإعلانات في هبوط، وهذا أمر طبيعي، وسيدفع هذه المواقع إلى ابتكار طرق جديدة للحصول على عائدات».
ويتفق مع هذا خالد البرماوي، وهو صحافي مصري وخبير في الإعلام الرقمي، قائلاً إن «هذه السياسات ستؤثر بشكل كبير على سوق الإعلانات الرقمية». وتابع موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «شركات التكنولوجيا كانت مجبرة على تعزيز الخصوصية تحت ضغوط الاتحاد الأوروبي والحملات الأخيرة. وبالفعل اتخذت شركات مثل غوغل وأمازون إجراءات للحد من تتبع بيانات المستخدمين، وإن كانت فيسبوك لم تتخذ إجراءات فعلية حتى الآن». وأردف أن «المشكلة في منطقة الشرق الأوسط ستكون في مدى تواؤم المواقع الإلكترونية مع السياسات الجديدة، لا سيما أن بعضها يتيح جميع البيانات دون استئذان».
بدوره يرى عاصم البصال، المدير التنفيذي لـ«مباشر ميديا»، وهي مجموعة سعودية متخصصة في الأسواق المالية ولها فروع في 14 دولة، أن «التأثير على الناشرين وسوق الإعلانات الرقمية حدث بالفعل قبل حتى قرارات وقف تتبع البيانات الأخيرة». وأضاف البصال لـ«الشرق الأوسط» أن «المواقع الإلكترونية وصناعة النشر تأثرت بسبب ظهور غوغل وفيسبوك في عالم الإعلانات الرقمية، وجرى تخفيض سعر الإعلان بشكل كبير ليصبح 1 في المائة، مما كان عليه في السابق، وهو ما أثر على عائدات الناشرين». واستطرد أنه «ربما كان هذا أحد الأسباب التي دفعت غوغل للإعلان عن مشروع لدعم الناشرين بـ120 ألف دولار، بينما دخلت فيسبوك لتقديم دعم للصحافيين كأفراد».
عودة إلى دراسة موقع «ستاتيستا» فإنها أشارت إلى «تراجع تقديرات عائدات الإعلانات الرقمية للمواقع الإعلامية بنسبة 5.8 في المائة عام 2020 مقارنة بعام 2019 لتقدر العائدات بنحو 578 مليار دولار». وتوقعت أن «تنمو بنسبة 12 في المائة العام الجاري مع التعافي من تأثيرات جائحة (كوفيد – 19)». وكانت دراسة أخرى لـ«ستاتيستا» في مايو (أيار) الماضي قد بينت «تراجع العائدات بسبب جائحة (كوفيد - 19)... وتوقّع المسوّقين تراجعاً آخر بسبب غياب الكوكيز، حيث يعتقد 69 في المائة من المسوّقين، أن تقنين ملفات ارتباط الطرف الثالث سيؤثر على الإعلانات الرقمية؛ لكنه لن يساعد المستخدمين في تعزيز خصوصيته وفقاً لـ62 في المائة من المسوّقين». وأيضاً بحسب موقع «ستاتيستا»، و«كحل لغياب ملفات ارتباط الطرف الثالث بدأ المسوقون البحث عن حلول تسويقية بديلة تعتمد على ملفات ارتباط الطرف الأول، والبريد الإلكتروني، والهوية الرقمية العالمية، ويعتقد 60 في المائة من المسوّقين أن الحلول المعتمدة على الهويات المتعددة ستكون ضرورية، كما ضاعف 38 في المائة من المسوقين من إنفاقهم على الحلول البديلة».
البصال برى أن الناشرين في أوروبا وأميركا «استغلوا (كوفيد - 19) رقمياً في تسريع تحولهم الرقمي، لأنهم يعتمدون على الاشتراكات بشكل أكبر كمصدر للدخل، وعلى بيع الإعلانات بشكل مباشر، لذلك ليس لديهم أزمة». ويؤكد أن «من بين عيوب إعلانات غوغل التي تعتمد عليها المواقع، هو العجز عن السيطرة على نوعية الإعلانات التي تظهر للقارئ. وبالتالي، قد تظهر إعلانات لا تتماشى مع السياسة التحريرية للمؤسسة أو حتى مع المجتمع». ومن ثم يوضح أن «السعي وراء الترافيك دمّر المحتوى، كما دمر الصناعة التي كانت مرشحة أن تتجاوز التلفزيون؛ لكنها للأسف تراجعت بسبب غوغل وفيسبوك».
أما سامية عايش فترى أن «الناشر لا يدرك أن المؤسسات التقنية باتت تستغل المحتوى الذي يقدمه لاجتذاب الجمهور، وكل ما تقدمه هذه الشركات هو المنصة، بينما الجوهر الحقيقي، هو المحتوى الذي يقدمه الناشر مجاناً. لذلك بات ضرورياً أن يحصل صانع المحتوى على ما يستحقه من عائدات مالية مقابل المحتوى، مع الحفاظ على أمان المستخدم الرقمي، بحيث لا يتحول إلى منتج في نهاية المطاف».
ووفق عايش «على المؤسسات الإعلامية ألا يكون مصدر دخلها من جهة واحدة لا تملك السيطرة عليها... فماذا لو حدث أي تغيير على سياسة الإعلانات؟». وتضيف «هذا بالتأكيد سيؤثر سلباً على الناشرين... الذين يجب أن يملكوا مصادر دخلهم 100 في المائة، أو بنسبة كبيرة. وهناك طرق أخرى كثيرة للحصول على العائدات، بدأت مؤسسات مختلفة حول العالم باستخدامها، مثل الاشتراكات، والعضويات، والتبرعات، وإقامة النشاطات وغيرها».
وتعتقد عايش أن «المحتوى الجيد القادر على الصمود واجتذاب القارئ، يمكن أن يشجع الناس على أن يدفعوا في مقابله. وعلى الناشر ألا يطلب اشتراكات كبيرة، فهو يرغب في أن يصبح الجمهور مستعداً للدفع تماماً مثل الاشتراك في منصات الأفلام، والمباريات، وألعاب الفيديو وغيرها». وتتابع «ثقافة الدفع موجودة؛ لكن ما ينقص هو المحتوى الجيد... أما السعي وراء الترافيك وعدد الزيارات، وكل هذه المعايير الكمية، فكانت سبباً أساسياً في تدهور المحتوى، إذ أصبحت المواقع تبحث عن السهل، وتنشر ما تعتقد أن الجمهور يبحث عنه، وهذه مغالطة كبيرة».
وفي حين يقترح البرماوي أن «تعتمد الصحف والمواقع نظاما إعلانيا خاصا وشراكات إقليمية لتكوين شبكة خاصة للإعلانات بعيداً عن شبكة غوغل، إضافة إلى بيع الإعلانات مباشرة للمعلن»، يحث البصال المواقع الإلكترونية «على تنويع مصادر الدخل، من خلال تقديم محتوى يمكن أن يدفع المستهلك للحصول عليه، والتعامل المباشر مع المعلنين من خلال وكالات الإعلانات، وإقناع المعلن أن الإعلان في الموقع جزء من تسويق اسمه وسمعته». ويشير البصال في هذا الصدد إلى أن «سوق الإعلانات الرقمية اختلفت، فالمعلن لم يعد يرغب في عدد مشاهدات؛ بل في أن يؤدي الإعلان إلى عملية بيع أو شراء، وهذه مشكلة في منطقة الشرق الأوسط، حيث لا يتفاعل المستخدم بشكل كبير مع الإعلانات». ثم يقول إن «المشكلة في منطقة الشرق الأوسط، هو عدم وجود كيان يجمع الناشرين معاً، ليشكّلوا تكتلاً يستطيع التفاوض مع عمالقة التكنولوجيا كما يحدث في فرنسا وأستراليا. مثل هذا الكيان لو شُكّل سيجبر غوغل، وغيرها، أن تدفع للناشرين لقاء المحتوى الذي تنشره لديها مجاناً».


مقالات ذات صلة

وفاة «أيقونة التعليق العربي» ميمي الشربيني

رياضة عربية المعلق التلفزيوني الشهير ميمي الشربيني (وسائل إعلام مصرية)

وفاة «أيقونة التعليق العربي» ميمي الشربيني

نعى النادي الأهلي أكثر الأندية المصرية تتويجاً بالألقاب في كرة القدم وفاة لاعبه السابق والمعلق التلفزيوني الشهير ميمي الشربيني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا متفاعلة عند وصولها إلى منزلها في روما بعد إطلاق سراحها من الاحتجاز بإيران يوم 8 يناير 2025 (رويترز)

صحافية إيطالية كانت معتقلة بإيران تشيد بدور ماسك في إطلاق سراحها

قالت صحافية إيطالية، كانت محتجزة في إيران، إن اتصال صديقها بإيلون ماسك ربما كان عاملاً «جوهرياً» في إطلاق سراحها.

«الشرق الأوسط» (روما)
خاص مدير القنوات في «MBC» علي جابر يروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل عودته من المرض والغيبوبة (علي جابر)

خاص علي جابر «العائد من الموت» يروي ما رأى على «الضفة الأخرى»

جراحة فاشلة في العنق، ساقٌ مكسورة، نزيف في الأمعاء، ذبحات قلبيّة متتالية، ودخول في الغيبوبة... هكذا أمضى علي جابر عام 2024 ليختمه إنساناً جديداً عائداً من الموت

كريستين حبيب (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

الإعلام الأميركي يستعد لـ«الجولة» الثانية من «النزال» مع ترمب

سيتوجّب على الإعلام الأميركي التعامل مجدّداً مع رئيس خارج عن المألوف ومثير للانقسام ساهم في توسيع جمهور الوسائل الإخبارية... وفي تنامي التهديدات لحرّية الإعلام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024 (أرشيفية)

360 صحافياً مسجونون في العالم... والصين وإسرائيل في صدارة القائمة السوداء

أعلنت لجنة حماية الصحافيين، الخميس، أنّ عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية 2024، حيث احتلّت إسرائيل المرتبة الثانية في سجن الصحافيين، بعد الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.