مدير«جنيف للفنون والتاريخ»: يهمني أن يأتي الزائر للمتحف حتى لو كان للسبب الخطأ

مارك - أوليفييه والر (مايك سومر)
مارك - أوليفييه والر (مايك سومر)
TT

مدير«جنيف للفنون والتاريخ»: يهمني أن يأتي الزائر للمتحف حتى لو كان للسبب الخطأ

مارك - أوليفييه والر (مايك سومر)
مارك - أوليفييه والر (مايك سومر)

يتحدث معي عبر «زووم» مارك - أوليفييه والر مدير «متحف جنيف للفنون والتاريخ»، المعين حديثاً، عن خططه لتحديث الطريقة التقليدية للعرض المتحفي. يتحدث عن خطط ونظام عمل قريب إلى الشخص المعاصر، يريد أن يدخل أي شخص للمتحف لأي غرض، حتى «للسبب الخطأ» كما يعلق ضاحكاً، يشرح قائلاً إن صحيفة «الغارديان» البريطانية نشرت تقريراً عن أهم المؤسسات الفنية في الغرب، وجاء «باليه دو طوكيو» بباريس، الذي رأسه والر، على قمة القائمة، لكن السبب لم يكن فنياً، بل اتخذ المعرض موقعه المتقدم بسبب أنه مكان شهير للمواعدة. «لا يهمني أن يأتي الأشخاص للمتحف ليجدوا الحب، المهم أنهم زاروا المكان وربما يجدون أنفسهم يتجولون في أحد أقسامه في إحدى زياراتهم وهذا ما يهمني».
يرى في مكان عمله الجديد إمكانات هائلة، ويعترف أن ذلك كان أول ما شده للعمل فيه، يقول: «هذا المتحف غير معروف في الخارج رغم أنه من أكبر المتاحف في سويسرا ويضم مجموعة مقتنيات يمكن وصفها بأنها موسوعية».
خطة والر تتضمن الاستفادة من مجموعة المتحف الضخمة (أكثر من 650 ألف قطعة) ولكن بطريقة غير تقليدية. «نحاول أن نصل لطريقة مبتكرة لعرض القطع، قطع مثل النقود المعدنية أو القطع الأثرية أو قد تكون ساعة، أريدها كلها أن يكون لها الوقع نفسه». قد تبدو رؤيته غامضة علينا بعض الشيء، لكنه يوضح ضارباً المثل بمعرض يقام حالياً في المتحف يجمع بين القطع الأثرية والمعاصرة، ما بين التمثال الفرعوني وبين صور هوليودية: «منحنا كامل الحرية لمصممة العرض، قد يبدو أن طريقة العرض هذه ترفيهية الطابع ولكن ذلك الطابع يمكن تشبيهه بحصان طروادة، ينجذب الزائر لهذا الجانب ويمكن أن يكون فكرته الخاصة».
هل تلقى ردود فعل من أفراد الجمهور حول ذلك الأسلوب الحديث للعرض؟ يقول: «علق أحد الزوار بجملة أثارت اهتمامي فقد قال (لم أكن أظن أن المتحف يمكن أن يكون مثل ذلك؟) أرى ذلك أمراً يثير الاهتمام، لأن متحفنا هنا يمكن رؤيته على أنه يثير الوجل بسبب جديته، ولهذا إذا جاء شخص وقال لي بأن فكرته عن المتحف كانت مختلفة، فهذا يعني أنه اكتشف شيئاً أعجبه. الأمر هنا يفتح أمامنا أبواباً واسعة من الاحتمالات التي يمكن للمتحف استيعابها. أن نستطيع إقناع الزوار بأن المتحف يمكن أن يكون بصور كثيرة مختلفة عن الرؤية التقليدية. من المهم أن يأتي الناس للمتحف، حتى لو كان ذلك لسبب شخصي، أن يخطو شخص داخل مبنى المتحف أمر مهم حتى لو لم يدخل أحد المعارض».
ضمن خطته لتغيير النمط المعتاد للمتاحف، طور والر نظاماً يضمن وجود معارض جديدة بشكل مستمر طوال العام: «أردنا أن نقدم للزائر باقة من الاحتمالات، خلال أشهر العام نقيم معرضين ضخمين يستمر كل منهما لستة أشهر، وعلى مستوى أقل نقيم معرضاً متوسطاً كل ثلاثة أشهر، ثم معرضاً كل شهر يكون أصغر، وأخيراً نقيم عرضاً مصغراً يوم الخميس من كل أسبوع. بهذا الشكل تكون لدينا عروض مختلفة كل أسبوع وكل شهر وكل 3 أشهر وكل ستة أشهر، نريد أن يرى الزائر أن هناك شيئاً جديداً دائماً في العرض لنحفزه على الزيارة».
تمتد خطة والر لتغيير شكل مرافق المتحف المعتادة مثل شباك التذاكر والمتجر والمقهى، يقول إن دمج بعض تلك الأقسام مع كل عرض ممكن، يستشهد بعرض حالي، حيث يوجد مستودع المعاطف والحقائب في بداية العرض ويليه متجر الهدايا «أريد أن تكون تلك المرافق مدمجة داخل مساحات العرض، فعلى سبيل المثال إذا دخل الزائر إلى معرض يستطيع ترك معطفه في مساحة داخل العرض، حيث توجد منسوجات وملابس من داخل موضوع المعرض، بحيث يشعر الزائر أن معطفه أيضاً يصبح جزءاً من العرض وقطعاً من المعرض القائم».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».