الكشف عن هوية «سفاح داعش» يسلط الضوء على التطرف في الجامعات البريطانية

تيار خفي من التشدد يموج تحت السطح في قاعات الدرس العصرية النابضة بالحياة

بثت قناة «سكاي نيوز» أول صورة لمحمد الموازي، سفاح «داعش»، عندما كان طالبا في السادسة والعشرين من عمره، وظهر فيها معتمراً قبعة سوداء عليها شعار يشبه شعار فريق «بيتسبرغ بايرتس» وهو فريق مهم في دوري البيسبول الأميركي («الشرق الأوسط»)
بثت قناة «سكاي نيوز» أول صورة لمحمد الموازي، سفاح «داعش»، عندما كان طالبا في السادسة والعشرين من عمره، وظهر فيها معتمراً قبعة سوداء عليها شعار يشبه شعار فريق «بيتسبرغ بايرتس» وهو فريق مهم في دوري البيسبول الأميركي («الشرق الأوسط»)
TT

الكشف عن هوية «سفاح داعش» يسلط الضوء على التطرف في الجامعات البريطانية

بثت قناة «سكاي نيوز» أول صورة لمحمد الموازي، سفاح «داعش»، عندما كان طالبا في السادسة والعشرين من عمره، وظهر فيها معتمراً قبعة سوداء عليها شعار يشبه شعار فريق «بيتسبرغ بايرتس» وهو فريق مهم في دوري البيسبول الأميركي («الشرق الأوسط»)
بثت قناة «سكاي نيوز» أول صورة لمحمد الموازي، سفاح «داعش»، عندما كان طالبا في السادسة والعشرين من عمره، وظهر فيها معتمراً قبعة سوداء عليها شعار يشبه شعار فريق «بيتسبرغ بايرتس» وهو فريق مهم في دوري البيسبول الأميركي («الشرق الأوسط»)

في اليوم الذي تم الكشف فيه عن هوية «المتشدد جون»، عضو تنظيم داعش سيئ الذكر، وتبين أنه خريج جامعة ويستمنستر في لندن، كان من المقرر أن تستضيف جامعته داعية متطرفا دعا إلى محو إسرائيل، ووصف المثليين بأنهم «مثيرون للمشاكل». وتم تأجيل خطاب الداعية الذي كان مقررا يوم الخميس على نحو مفاجئ بعدما كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن هوية محمد الموازي (26 عاما). ومع ذلك توضح الفاعلية ما يرى طلبة، وأساتذة جامعيون، وصانعو سياسات، ومحللون، أنه تيار خفي من التطرف يموج تحت السطح في الجامعات البريطانية خاصة جامعة ويستمنستر.
ورغم أنه لم يتضح بعد على وجه الدقة كيف ومتى اتخذ الموازي هذا النهج المتطرف، فإنه لم يكن يحتاج إلى الابتعاد كثيرا عن قاعات الدرس العصرية النابضة بالحياة في الجامعة في قلب مدينة لندن من أجل العثور على مصدر إلهام، حيث ترعى الجامعة بانتظام زيارات يقوم بها محاضرون يتردد في خطبهم وتصريحاتهم فكر تنظيم داعش، وتنتشر داخل الحرم الجامعي مجموعات تعرف بتسهيلها جلب مقاتلين إلى سوريا.
منذ أربعة أعوام، أي قبل تخرج الموازي عام 2009 بفترة قصيرة، انتخب اتحاد الطلبة رئيسا ونائب رئيس على صلة بمجموعة تدعم استعادة «الخلافة»، التي تمثل هدف تنظيم داعش. وقال هاريس رفيق، المدير التنفيذي لمؤسسة «كويليام» المناهضة للتطرف ومقرها لندن، والتي شارك في تأسيسها طالب جامعي كان متطرفا في السابق «لا ينبغي أن يفاجئنا ذلك، فلطالما كانت الجامعات مركزا لمثل هذه الآراء». وكان عدد من الإرهابيين البارزين بالفعل طلبة في جامعات بريطانية؛ فقد كان عمر الفاروق عبد المطلب، الرجل الذي حاول تفجير نفسه في طائرة ركاب متجهة إلى ديترويت بقنبلة أخفاها في ملابسه الداخلية، رئيس «الجماعة الإسلامية» بجامعة لندن. والتقى مايكل أديب أولاجو بمايكل أديب أوولي، وهما طالبان في جامعة غرينويتش، واتخذا قرارا بعدم استكمال الدراسة ونفذا معا عملية قتل جندي بريطاني باستخدام ساطور في أحد شوارع لندن منذ عامين. ومثل الموازي، انضم عدد من الطلبة، الذين درسوا في جامعات بريطانية، إلى تنظيم داعش وجماعات مسلحة أخرى في سوريا.
وتشير الخلفية الجامعية للكثير من البريطانيين، الذين تورطوا في أعمال إرهابية، إلى تزايد تركيز الجماعات المتطرفة على استقطاب وتجنيد الشباب المتعلم المنتمي إلى الطبقة الوسطى من أبناء المهاجرين الذين نشأوا في المملكة المتحدة. وانتقلت أسرة الموازي إلى لندن قادمة من الكويت عندما كان صبيا، ونشأ في أحد أحياء غرب لندن الراقية التي تتسم بالتنوع العرقي، ودرس تكنولوجيا المعلومات وإدارة الأعمال في جامعة ويستمنستر، وكان يُعرف بين أقرانه بتحفظه.
ونشر موقع «سكاي نيوز» يوم الجمعة ما زعم أنه أول صورة للموازي كشاب، وذكر أن الصورة كانت مدرجة في ملفه بجامعة ويستمنستر. ويظهر الموازي في الصورة بلحية خفيفة وهو يرتدي قبعة «بيسبول» خاصة بفريق «بيتسبيرغ بايرتس». وبعد أسابيع قليلة من تخرج الموازي في الجامعة، سافر مع صديقين له إلى تنزانيا في رحلة سفاري كما زعم. مع ذلك اعترضت أجهزة الأمن طريقه، وأخبر منظمة حقوقية لاحقا بأن جهاز الاستخبارات الداخلي البريطاني كانت يشتبه في محاولته السفر إلى الصومال للانضمام إلى جماعة مسلحة.
ولدى الجامعة التي أنشئت قبل 175 عاما مساكن جامعية في أماكن متفرقة يقيم بها ألفا طالب من 150 دولة أو أكثر. ويمكن للمرء تبين لهجات من مختلف أنحاء العالم في الحرم الجامعي، الذي درس به الموازي، وسط صخب الطلبة الذين يهرولون من وإلى قاعات الدرس.
وأصدرت الجامعة بيانا يوم الخميس تعرب فيه عن صدمتها من كون «سفاح داعش» واحدا من طلبتها السابقين. كذلك ذكر البيان أن الجامعة كانت «تعمل من أجل تنفيذ الاستراتيجية الوقائية التي تتبناها الحكومة في التعامل مع التطرف». وتم تأجيل المحاضرة التي كان من المقرر أن يلقيها هيثم الحداد، الداعية المثير للجدل والذي يعد من ضمن من تتم دعوتهم باستمرار لإلقاء محاضرات في بريطانيا، بعد ساعات قليلة من الكشف عن هوية الموازي. وأشارت الجامعة إلى أن السبب وراء ذلك هو «الحساسية المفرطة والمخاوف الأمنية». وظل بعض الطلبة يطالبون لأسابيع بإلغاء دعوة الحداد بسبب موقفه المناهض للمثليين، وتعليقاته المعادية للسامية. كذلك طالب الحداد بسن قوانين تجرم المثلية الجنسية، ودعا اليهود إلى مغادرة إسرائيل، وتحدث عن «الطريقة المناسبة» لإجراء عملية ختان الإناث. ودافع الحداد عن نفسه بقوله إنه تم اجتزاء كلماته من السياق.
على الجانب الآخر، أوضح عدد من الطلبة المسلمين في الحرم الجامعي يوم الجمعة أنهم لا يعتقدون أن الجامعة تعاني من مشكلة تطرف. وقال طفيل بشار، وهو طالب يدرس علوم الكومبيوتر «كل الطلبة طبيعيون، ونحن جميعا ندرس هذا المجال الذي لا علاقة له بالتطرف». ووصف الطالب البالغ من العمر 20 عاما الهجوم على زيارة الحداد بأنه «رد فعل مبالغ فيه». وأوضح أن «ويستمنستر» مكان «يتوافق فيه الجميع سواء كانوا من ذوي البشرة البيضاء، أو السوداء، أو من الآسيويين». مع ذلك قال بعض حديثي التخرج إن الجامعة قد تصبح مكانا مرعبا لمن لا يتبنون الآراء المتطرفة، التي يتبناها قطاع من السكان الذين يهيمنون على مؤسسات تعليمية عديدة.
وقال كريس دين، الذي تخرج في الجامعة عام 2011 واختلط بالموازي لمدة عام، إنه كان مهتما بالمشاركة في مجموعات النقاش الطلابية في البداية، لكنه أوضح أن المناخ لم يكن مشجعا. وأضاف قائلا «إنهم لا يريدون الجدل بالمعنى الأكاديمي للكلمة. إنهم يريدون التمسك بآرائهم ونشرها». ووصف دين آراءه بأنها معتدلة تجنح إلى الليبرالية.
ومن المتوقع أن يقر البرلمان البريطاني تشريعا يمنح الجامعات مسؤولية أكبر ومزيدا من الصلاحيات في مجابهة التطرف. ويتطلب هذا الإجراء الالتزام بالتحقق من الشخصيات التي تتم دعوتها لإلقاء محاضرات، ويلقي هذا على كاهل الجامعة مسؤولية العمل من أجل منع انقياد الطلبة نحو الإرهاب. على الجانب الآخر، وقّع أكثر من 500 أستاذ جامعي خلال الشهر الحالي على خطاب يشير إلى أن «انتهاك حقوق الأكاديميين والطلبة لن يحقق أهداف الحكومة». مع ذلك قال روبرت ساتون، رئيس جماعة «حقوق الطلبة» المناهضة للتطرف، إنه من واجبات الجامعات حماية الطلبة من استقطاب الجماعات المسلحة التي تستهدف تجنيد الشباب سهل الانقياد. وأضاف قائلا «تنتشر فكرة أن الانفتاح على الآراء المتطرفة أمر ينبغي أن يكون متاحا في الحرم الجامعي. وللأسف استغل المتطرفون هذا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



وفاة جان ماري لوبن الشخصية التاريخية لليمين المتطرف الفرنسي

جان ماري لوبن في عام 2022 (أ.ف.ب)
جان ماري لوبن في عام 2022 (أ.ف.ب)
TT

وفاة جان ماري لوبن الشخصية التاريخية لليمين المتطرف الفرنسي

جان ماري لوبن في عام 2022 (أ.ف.ب)
جان ماري لوبن في عام 2022 (أ.ف.ب)

توفي جان ماري لوبن، الشخصية التاريخية لليمين المتطرّف الفرنسي، الذي وصل إلى نهائيات الانتخابات الرئاسية عام 2002، الثلاثاء، عن عمر يناهز 96 عاماً في منطقة باريس، بمستشفى نقل إليه قبل أسابيع.

وقالت عائلته في بيان تلقّته «وكالة الصحافة الفرنسية»: «إنّ جان ماري لوبن توفي ظهر الثلاثاء، محاطاً بأفراد الأسرة».

جان ماري لوبن (رويترز)

وأعلن قصر الإليزيه في بيان أن لوبن كان «شخصية تاريخية لليمين المتطرف» الفرنسي، وأصبح «دوره في الحياة العامة لبلادنا منذ نحو 70 عاماً... جزءاً من التاريخ».

وكانت ابنته مارين لوبن على متن طائرة ظهر الثلاثاء عائدة إلى باريس من أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي، الذي زارته تضامناً بعد مرور الإعصار «تشيدو» المدمر.

وانسحب مؤسس الجبهة الوطنية، التي سُميت فيما بعد التجمع الوطني، تدريجياً من الحياة السياسية، بداية من عام 2011، عندما توّلت ابنته مارين لوبن رئاسة الحزب.

وضعفت حال جان ماري لوبن بعد تعرضه لعدة انتكاسات صحية. وفي يونيو (حزيران) كشف تقرير طبي «تدهوراً كبيراً» في حالته الجسدية والنفسية، صار معه عاجزاً عن «حضور» أو «التحضير لدفاعه» في قضية مساعدي نواب الجبهة الوطنية الأوروبيين، التي جرت في باريس بين سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو يفحص علبة حلوى داخل متجر «هايبركاشر» اليهودي في باريس (أ.ف.ب)

ومنتصف نوفمبر أُدخل جان ماري لوبن إلى المستشفى، ثم إلى عيادة متخصصة في غارش غرب باريس، قرب منزله في رواي مالميزون. وأعلنت وفاته بينما كان قسم من الطبقة السياسية الفرنسية حاضراً، الثلاثاء، أمام متجر يهودي في بورت دو فينسين في باريس، بعد 10 سنوات من هجمات يناير (كانون الثاني) 2015.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته خلال إحياء ذكرى مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إبدو» (أ.ب)

وكان جان ماري لوبن خطيباً مفوَّهاً ومحرضاً مثيراً للجدل في قضايا الهجرة واليهود، والأب الروحي الذي واجه منغصات بسبب المقربين منه، لكنه نجح في إخراج اليمين المتطرف الفرنسي من التهميش.

«الجبهة الجمهورية»

لكنه لم ينجح في تحقيق طموحه بأن يصبح رئيساً، رغم أنه أحدث مفاجأة في 21 أبريل (نيسان) 2002، عندما كان عمره 73 عاماً بتأهله للدورة الثانية من الانتخابات. وكان لهذا الانتصار جانب سلبي؛ فعلى مدار أسبوعين، شارك الملايين في مسيرة ضد العنصرية وتجسيدها السياسي، قبل إعادة انتخاب عدوه اللدود جاك شيراك بسهولة.

لم يُعبر الرجل المتصلب مطلقاً عن أي ندم على زلاته المتكررة، سواء كانت عن قصد أو عن غير قصد، والتي أدين بسببها أمام القضاء؛ بدءاً من عدم اعترافه بجسامة المحرقة اليهودية، وعدم المساواة بين الأعراق؛ مروراً بالتخفيف من شأن الاحتلال الألماني لفرنسا.

وبعد 22 عاماً، ففي حين فاز حزب «التجمع» الوطني في الانتخابات الأوروبية، أعطى قرار حل البرلمان الذي اتخذه الرئيس إيمانويل ماكرون ابنته مارين لوبن إمكانية انضمام اليمين المتطرف إلى السلطة، وهو حلم ظن أنه تحقق أخيراً، لكنّه تحطّم على صخرة «الجبهة الجمهورية».

كان جان ماري لوبن متزوجاً من بيريت لالان، والدة بناته ماري كارولين ويان ومارين، ثم تزوج مجدداً من جاني لوبن. ورأى سيباستيان شينو نائب رئيس الجبهة الوطنية أن «وفاة جان ماري لوبن يعني غياب شخصية وطنية عظيمة، صاحب رؤية وشجاع».

وحيّاه رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا لأنه «خدم فرنسا ودافع عن هويتها وسيادتها» عندما خدم في الجيش الفرنسي في «الهند الصينية» والجزائر، وعبّر «عن صوت الشعب في الجمعية الوطنية والبرلمان الأوروبي».

لكن زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلينشون كتب على منصة «إكس»: «إن احترام كرامة الموتى وحزن أحبائهم لا يحجب الحق في الحكم على أفعالهم. تظل أفعال جان ماري لوبن غير مقبولة. لقد انتهت المعركة ضد ذاك الرجل، لكن المعركة مستمرة ضد الكراهية والعنصرية وكراهية الإسلام ومعاداة السامية التي روَّج لها».

وقال رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو إن جان ماري لوبن، و«بعيداً عن الجدل الذي كان سلاحه المفضل والمواجهات حول الجوهر... عرفنا فيه شخصية المقاتل عندما واجهناه».