بعد ولايتي جورجيا وآيوا، تقترب تكساس من تبني قانون يفرض قيوداً على الاقتراع ما يضيق قاعدة الناخبين ويضمن فوز الجمهوريين في أي انتخابات مقبلة، بحسب ما يأمل هؤلاء.
فوز الديمقراطيين في جورجيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ونجاحهم في إيصال عضوين منهم إلى مجلس الشيوخ في انتخابات الإعادة التي جرت في يناير (كانون الثاني) الماضي، ما ساهم في حصول الحزب الديمقراطي على أكثرية ولو ضئيلة في المجلس المذكور، شكلت كلها عناصر إزعاج وضيق للجمهوريين الذين رأوا في تحول ناخبي جورجيا خطيئة لا تغتفر ولا يمكنهم القبول بها. ولايات فلوريدا وآيوا وجورجيا وتكساس التي تعد حصوناً تقليدية للجمهوريين وسبع عشرة ولاية أخرى، باشرت فور فوز الرئيس جو بايدن في الإعداد لتغيير قوانينها الانتخابية للحيلولة دون المزيد من الهزائم في الانتخابات النصفية العام المقبل.
في الظاهر، تحض القيود الجديدة على ممارسات أكثر انضباطاً أثناء الاقتراع فتشدد على إلغاء شبه كامل لصناديق الاقتراع مقابل الاعتماد إلى الحد الأقصى على آلات التصويت الإلكترونية. وتحظر على مؤيدي المرشحين تقديم الماء والطعام للناخبين المنتظرين في صفوف خارج مراكز الاقتراع. كما تمنع موظفي الانتخابات الرسميين من توجيه رسائل أو استمارات فارغة للناخبين المتغيبين، وتشترط أن يسجل هؤلاء أنفسهم مسبقاً. كما تجعل من العسير الإدلاء المبكر بالأصوات وسوى ذلك من القيود كتقليص صلاحيات المشرفين الرسميين على الانتخاب في طرد المراقبين التابعين للمرشحين إذا أساء هؤلاء السلوك فيما ازدادت حقوق المراقبين في التدقيق بهوية الناخب.
مشاريع القوانين التي أقرت نهائياً في جورجيا وآيوا وتنتظر موافقة مجلس شيوخ تكساس وما زالت قيد النقاش في فلوريدا، أسقطت العديد من المواد التي اعتبرها الأفرو - أميركيون موجهة مباشرة ضدهم من مثل حظر الانتخاب أيام الأحاد التي تشهد اجتماعات حاشدة لرعايا كنائس الأفارقة الأميركيين. يضاف إلى ذلك بعض التغييرات في إجراءات التثبت من الهوية والجهة التي تصدر بطاقة التعريف بالمواطن وما شاكل ذلك. كما سقطت اقتراحات بالسماح لمندوبي المرشحين بتصوير الناخبين الذي رأى معارضوه انتهاكاً فاضحاً للخصوصية.
الأرجح أن توجه الديمقراطيين إلى إصدار قانون فيدرالي يُبطل القيود الجديدة في الولايات، لن ينجح في تخطي العقبات التي تنتظره في مجلس الشيوخ بغض النظر عن تمريره في مجلس النواب. وأن الولايات التي يسيطر الجمهوريون على مجالسها التشريعية وعلى مناصب الحاكم فيها، ستمضي في محاولاتها تقليص القاعدة التي يحق لها الإدلاء بأصواتها والتشبث بمواقعها الحالية.
تفسير الاندفاع الجمهوري إلى تأييد القيود الجديدة، يحتاج إلى النظر في المناخ النفسي الذي رافق انتخابات 2020 الرئاسية وهزيمة الرئيس السابق دونالد ترمب فيها. مقولة «سرقة الديمقراطيين للانتخابات» ما زال ستون في المائة من الجمهوريين مقتنعاً بها، وأن النتائج الحالية، حتى لو أقرتها المحكمة العليا التي يتولى قضاة من اليمين الجمهوري أكثرية مناصبها، هي نتائج غير منصفة بل مزورة. يصعب التعامل مع قناعات باتت راسخة عند قسم عريض من الأميركيين الذين أيدوا ترمب، وبغض النظر عن الأسباب وعن الحملات الدعائية التي ركزت على «تزوير» شاب الانتخابات ولم يثبت حصوله. بل إن السياسيين الجمهوريين يراهنون على القناعات هذه لجذب المزيد من الناخبين، خصوصاً من أوساط البيض لمنع انهيار سيطرة الجمهوريين على ولايات هي في حكم المعاقل القديمة لهم.
يتعين بالإضافة إلى ذلك القول إن ولايتي جورجيا تكساس على وجه الخصوص تشهدان عملية تغيير ديمغرافي وسياسي مستمرة منذ عقد على الأقل. فالكثير من سكان كاليفورنيا على سبيل المثال يغادرونها ويقصدون ولايات أخرى. علة ذلك أن الإقامة في «الولاية الذهبية» باتت مرتفعة الكلفة إلى حد لا يطاق تحديداً بالنسبة إلى السكن والضرائب. زد على ذلك قلة فرص العمل فيها مقارنة بتكساس. وفيما لا تشكل الهجرة من كاليفورنيا إلى ولايات ديمقراطية مثل أوريغون، على سبيل المثال، موضوع قلق للجمهوريين، إلا أنها بدأت تكتسب أبعاداً سياسية إذا أخذت في الحسبان أن قسماً وازناً من تاركي كاليفورنيا هم من الناخبين الديمقراطيين، من البيض والسود.
ولا مفر من المرور على البعد العرقي الكامن بين أسباب الإسراع في تقييد الانتخابات، وخلاصته أن قسماً مهماً من البيض ينظر بريبة إلى الإحصاءات الدالة على تقلص الهامش بين البيض وبين الهسبانيين في الدرجة الأولى، فيما تبقى نسبة الأفرو - أميركيين على حالها من أعداد السكان. عليه يخشى البيض من تحولهم أقلية في العقود القليلة المقبلة ما سيفتح باباً واسعاً في إعادة النظر في تاريخ الولايات المتحدة وعلاقات مكوناتها ببعضها البعض وتقاسم السلطة والثروة.
تقييد الاقتراع في أميركا: وجهات نظر سياسية وقانونية (تحليل)
تقييد الاقتراع في أميركا: وجهات نظر سياسية وقانونية (تحليل)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة