كولومبيا: الحكم اليميني يتصدى للاحتجاجات الشعبية بلغة المواجهة

جائحة «كوفيد ـ 19» فاقمت تراكمات سياسية وطبقية وعرقية عديدة

كولومبيا: الحكم اليميني يتصدى للاحتجاجات الشعبية بلغة المواجهة
TT

كولومبيا: الحكم اليميني يتصدى للاحتجاجات الشعبية بلغة المواجهة

كولومبيا: الحكم اليميني يتصدى للاحتجاجات الشعبية بلغة المواجهة

طوال خمسة عقود تصدّرت كولومبيا بلدان العالم من حيث معدّلات العنف والاغتيالات، التي كانت تتوزّع بين المنظمات الإجرامية لتجارة المخدرات، والنزاع المسلّح بين الجيش النظامي وحركة مقاتلي «القوى الثورية المسلحة» التي كانت تسيطر على مناطق شاسعة في البلاد.
إلا أنه في عام 2016 وقّعت الحكومة الكولومبية، برئاسة خوان مانويل كامبوس، الذي حاز يومها جائزة نوبل للسلام، اتفاقاً تاريخياً مع الثوار اليساريين أنهى النزاع الذي كان بدأ مطلع ستينات القرن الماضي. وهذا، بينما كانت كولومبيا تفقد «زعامتها» العالمية كمنصّة لإنتاج المخدرات والاتجار بها، وتبدأ مسيرة واعدة نحو السلم الأهلي والاستقرار وتسجّل معدّلات إقليمية قياسية في النمو الاقتصادي. ولكن في نهاية أبريل (نيسان) الفائت اندلعت موجة من الاضطرابات الاجتماعية احتجاجاً على قانون الإصلاح الضريبي، سرعان ما عمّت جميع المناطق. وأسفرت هذه الاضطرابات عن مواجهات عنيفة جداً بين المتظاهرين وأجهزة الأمن... أوقعت حتى الآن ما يزيد على 50 قتيلاً وآلاف الجرحى والمفقودين، ووضعت البلاد على شفا حرب أهلية مفتوحة.

منذ بداية الاحتجاجات الشعبية الأخيرة يوم أبريل في كولومبيا – ثاني كبرى دول أميركا الجنوبية من حيث عدد السكان – لم تتوقّف الصدامات العنيفة التي انطلقت شرارتها مع المظاهرات الحاشدة المطالبة بإلغاء قانون الإصلاح الضريبي. هذا القانون كان الرئيس اليميني إيفان دوكي قد جعل منه الشعار الرئيسي لولايته، وكان يهدف من ورائه عن طريق زيادة الضرائب، إلى تخفيف أعباء الدين العام الذي تراكم بسبب من جائحة «كوفيد - 19»، وكذلك توجيه رسالة إلى أسواق المال لاستقطاب الاستثمارات الخارجية إلى البلاد.
غير أن النتيجة جاءت عكس المقصود تماماً، واشتعل بركان الرفض لسياسة الحكومة في أوسع احتجاجات شهدتها كولومبيا منذ سبعين سنة. وفي غضون أقل من شهر واحد استقال وزيرا المال والخارجية والمفوّض السامي لاتفاق السلام، وخسرت كولومبيا شرف التصفيات النهائية لبطولة «كأس أميركا» لكرة القدم. بل، أكثر من هذا، أخذت الشركات الأجنبية تلغي مشاريعها الاستثمارية في البلاد التي تقطّعت أوصالها بفعل احتجاجات شعبية ضخمة أدت إلى شلل حركة المواصلات الداخلية، واختناق الاقتصاد، في حين كانت الشرطة والأجهزة الأمنية تمارس قمعاً وحشيّاً ضد المتظاهرين؛ الأمر الذي أدّى إلى تأجيج الصدامات واستدعاء الجيش للحفاظ على الأمن في المدن الكبرى.
بين ليلة وضحاها كانت كولومبيا تحاول النهوض من نزاع داخلي مديد ودموي، إلا أنها استفاقت لتجد نفسها داخل نفق مظلم أعاد إليها أشباح الماضي الذي ظنّ كثيرون أنها طوت صفحته. ومن ناحية أخرى، لئن كانت الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المتفجّر ما زالت موضع نقاش، فإن ثمّة توافقاً على أن تداعيات الجائحة التي رفعت معدّلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، كانت هي الصاعق الذي اشعل فتيل الاحتجاجات في هشيم اجتماعي راكم الإحباط طوال عقود.

- الوضع مفتوح على كل الاحتمالات
المراقبون داخل كولومبيا وخارجها يجدون راهناً صعوبة كبيرة في التنبؤ بمسار هذه الأزمة المفتوحة على كل الاحتمالات. بل ثمّة من يحذّر من تكرارها قريباً في بلدان أخرى، وبين هؤلاء رئيس الجمهورية الذي يرى نفسه محاصراً من كل الجهات. فمن ناحية، الأسرة الدولية تؤنبه على الإفراط في استخدام العنف ضد المتظاهرين. ومن ناحية مقابلة، يلومه معسكره السياسي على ما يراه «ليونة» في قمع الاحتجاجات... وهذا، بينما تتهمه المعارضة اليسارية بالعجز عن فتح قنوات الحوار لإنهاء النزاع.
حقيقة الأمر، أن دوكي يواجه صعوبة كبيرة في استعادة زمام المبادرة ومحاولة فكّ هذا الحصار السياسي الذي يتعرّض له من كل الجهات في أخطر أزمة عرفتها كولومبيا منذ عقود. والحال، أنه بعدما طلبت الأمم المتحدة فتح تحقيق حول أداء الشرطة والأجهزة الأمنية، والأنباء عن مواكبة عناصرها لمسلّحين مدنيين كانوا يطلقون النار على المتظاهرين، أوفد الرئيس دوكي وزير الخارجية الجديدة مارتا راميريز إلى العاصمة الأميركية واشنطن سعياً وراء احتواء الضرر الدبلوماسي والحصول على دعم الإدارة الأميركية. بيد أن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، الذي سبق له أن أعرب عن قلقه من الخسائر البشرية التي وقعت في المواجهات وقدّم تعازيه لأسر الضحايا، شدّد في نهاية لقائه مع نظيرته الكولومبية على «الحق الثابت للمواطنين في التظاهر سلميّاً وعدم التعرّض للعنف على يد الأجهزة الأمنية». وتجدر الإشارة أن الرئيس الكولومبي اليميني كان قد راهن على إعادة انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب؛ هو ما أدى إلى استياء واسع في معسكر الحزب الديمقراطي الأميركي الذي انتقدت قياداته في الآونة الأخيرة أداء الحكومة الكولومبية في مواجهة الاحتجاجات. ثم إن بعض الساسة الديمقراطيين طالبوا صراحة بوقف المساعدات السخيّة التي تقدّمها واشنطن إلى كولومبيا التي تعتبر إحدى الركائز الأساسية لسياستها في القارة الأميركية.
على صعيد متصل، كان الرئيس دوكي قد توجّه إلى مدينة كالي، ثالث كبرى المدن الكولومبية، بعد العاصمة بوغوتا والمدينة الثانية ميديجين. وكان قد سقط في كالي بنهاية الأسبوع الماضي 14 قتيلاً، وأصيب 98 بجراح، منهم 54 تعرضوا لإصابات بعيارات نارية. ومن ثم، أعلن نشر 7 آلاف من عناصر القوات المسلّحة للحفاظ على الأمن في تلك المدينة التي تحوّلت إلى البؤرة الرئيسة للاحتجاجات. وقال دوكي، إن الدولة «لا يمكن أن تسمح بوجود جُزرٍ في البلاد تعمّها الفوضى». وتعهد بأن «القوات المسلحة ستمنع أعمال التخريب والشغب التي تهدد الأمن والاستقرار»، رافضاً التفاوض مع المتظاهرين حول فتح «معابر إنسانية» وإعادة فتح الطرقات. وأكد بلهجة تصعيدية «إن الحكومة ستلجأ إلى كل الوسائل المتاحة لإنهاء هذا الوضع الذي يشكّل تهديداً لكل المواطنين ويشلّ الحركة الاقتصادية ويدمّر فرص العمل».

- تشخيص الحكومة للأزمة
في تشخيص الحكومة اليمينية للأزمة ومسبباتها تأتي في المقام الأول محاولة المعارضة استغلال الظروف المعيشية الصعبة لتحقيق مكاسب سياسية على أبواب الانتخابات المرتقبة في العام المقبل. وفي هذا الإطار، ينبّه دوكي بأن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة «كوفيد - 19»، «أدّت إلى ظهور حركات شعبوية ومتطرفة وديماغوجية في العديد من البلدان». وبالتالي، حذّر من أن هذه الانفجارات الاجتماعية لن تلبث أن تصل إلى العالم اجمع. وأردف قائلاً «اليوم كان دورنا، لكن في الأشهر والسنوات المقبلة سنشهد حالات مماثلة في بلدان أخرى. لذلك؛ وجب علينا معرفة اين أخطأنا التصرّف، ولكن التردد في تحمّل المسؤولية لهو بمثابة قنبلة موقوتة لن تتأخر في الانفجار».
هذا، كما سبق تشخيص الحكومة، إلا أن القراءة الموضوعية للمشهد الاحتجاجي الكولومبي، الذي أشعل هذه الأزمة، تستدعي استحضار عوامل ومعطيات أخرى لمنع الانزلاق الأخير نحو الفوضى، وعودة المنظمات الإجرامية والمغامرات السياسية المشبوهة التي سيطرت على البلاد في العقود الماضية. إن النداء الذي صدر أواخر أبريل الفائت عن اللجنة المعترضة على الإصلاح الضريبي - والتي تضمّ بشكل أساسي التنظيمات النقابية - سرعان ما أدى إلى تعبئة واسعة بين الشباب والمنظمات الاجتماعية للمتحدّرين من أصول أفريقية وشعوب أصليّة (هنود حمر) لها مطالبها التاريخية الخاصة. وكان لهذه المنظمات والتنظيمات الطلابية الدور الأساسي في ضرب الحصار الاجتماعي الواسع على الحكومة، وإجبارها على سحب مشروع الإصلاح الضريبي من البرلمان، أن هذه الجماعات هي التي دفعت الثمن الأعلى من الضحايا والجرحى في المواجهات العنيفة مع القوى الأمنية.
وثمة شبه إجماع على أن الشرطة كانت أفرطت باستعمال العنف لمواجهة المتظاهرين؛ الأمر الذي أدّى إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ومن ثم، إلى اتساع دائرة الاحتجاجات التي شملت كل أنحاء البلاد، وتصاعد الانتقادات الشديدة للحكومة... التي وجدت نفسها في عزلة شبه تامة، رغم تراجعها عن مشروع الإصلاحات، وإعلانها مُجبرة القبول بفتح حوار مع المتظاهرين.
وعلى الرغم من أن اللجنة المعترضة على الإصلاحات قد دعت إلى التظاهر وراء مطالب اجتماعية واقتصادية محددة، مثل ضمان دخل أساس لكل المواطنين، وإنهاء التمييز العرقي، وتعزيز مؤسسات الرقابة على الأجهزة الأمنية، فاقم الوضع موقف الحكومة. إذ أصرّت الحكومة اليمينية على تحميل المعارضة السياسية مسؤولية إذكاء نار الاحتجاجات ودفعها نحو أعمال العنف والشغب، متجاهلة مفعول القمع الوحشي الذي مارسته القوى الأمنية المعروفة بانحرافاتها إلى جانب التنظيمات اليمينية المسلّحة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه التنظيمات كانت لعبت دوراً بارزاً وخطيراً في قمع الحركات الثورية واحتجاجات السكّان الأصليين، بتغطية من القوات المسلحة ومن دون أي محاسبة قانونية.

- شرائح المعترضين الواسعة
على صعيد آخر، يتبيّن بوضوح في آلاف المظاهرات التي تعمّ جميع أنحاء كولومبيا أن مشاركة شرائح واسعة ومتنوّعة من الشباب والعاطلين عن العمل والنساء والشعوب الأصلية والجماعات المتحدّرة من أصول أفريقية، لا تعكس فحسب صورة المشهد السياسي أو الانتخابي، بل هي أيضاً نسخة مطابقة ومعبّرة لمشهد الفقر والإحباط والبطالة الذي يخيّم على كولومبيا.
هذا المشهد تفاقم بفعل جائحة «كوفيد - 19»؛ إذ تدلّ الإحصاءات الأخيرة التي أجرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية وحوض البحر الكاريبي على أن نسبة 42 في المائة من سكان كولومبيا يعانون الجوع، وأن نسبة البطالة بين الشباب تجاوزت 25 في المائة. ويضاف إلى ذلك كله، أن اتفاق السلام يتعثّر تنفيذه منذ توقيعه في عام 2016؛ ما يؤدي إلى انفجارات متواصلة لحالات التوتّر الكامنة التي يهدف هذا الاتفاق، أصلاً، إلى معالجتها.
واليوم، يخشى المراقبون الدوليّون - المساهمون في دعم اتفاق السلام التاريخي الذي أنهى أطول نزاع أهلي مسلّح في أميركا اللاتينية – جدياً من أن يؤدي انسداد أفق الخروج من هذه الأزمة إلى انهيار الاتفاق الذي تسعى الأمم المتحدة والقوى الإقليمية للبناء عليه باتفاقات مشابهة في المنطقة.
وحقاً، يحذّر المحللون من عواقب تجريم الاحتجاجات وحصرها في خانة الشغب والتطرّف العبثي والفوضى. أيضاً يحذّرون من عواقب تجاهل المطالب المحقّة التي تهدف إلى تغيير اجتماعي حقيقي بعد عقود طويلة من الإحباط وآلاف الاتفاقات والوعود التي لم تنفّذ. ومن هذا المنطلق، فإنهم يدعون إلى خطة إنقاذ عاجلة تلبّي بعض مطالب المتظاهرين... الذين بات من الواضح أن الحوار وحده ما عاد كافياً لسحبهم من الشوارع. وحول هذه النقطة، تقول كلوديا لوبيز، رئيسة بلدية العاصمة بوغوتا، أن «على الحكومة أن تفتح قنوات الحوار الفعلي سريعا مع الشباب الذين ينزلون كل يوم إلى الشوارع؛ لأن الغالبية بينهم لا تدرس ولا تعمل... وهي التي تتألم وتشعر بالإحباط أمام انسداد آفاق المستقبل ولا تجد من يصغي إليها».
إلا أن رئيس الجمهورية إيفان دوكي، من ناحيته، يجد صعوبة كبيرة في اتخاذ موقف على المسافة ذاتها بين المتظاهرين الذين يعترف بأن معظم مطالبهم محقّ ويعرب عن استعداده للحوار معهم، وبين معسكره السياسي اليميني - المدعوم من قيادات الأجهزة الأمنية والقوات المسلّحة - الذي يدعو إلى التشدّد في قمع الاحتجاجات كونه يرى فيها محاولة من المعارضة والقوى اليسارية لقلب النظام. كذلك، من الصعوبات الإضافية التي يجد دوكي نفسه مضطراً إلى التعامل معها الموقف المعلن لزعيم حزبه الرئيس الأسبق آلفارو اوريبي الذي صرّح أخيراً بأنه «من حق الأجهزة الأمنية والجيش استخدام الأسلحة في مواجهة الاحتجاجات».
ووسط هذه المعمعة، يطالب المتظاهرون منذ أسابيع باستقالة وزير الدفاع دييغو مولانو الذين يحمّلونه المسؤولية الأساسية في القمع الوحشي الذي تعرضت له الاحتجاجات، وفي عشرات الاغتيالات التي طالت العديد من القيادات النقابية والطلابية. وبالتالي، ويشترطون خروجه من الحكومة قبل الجلوس إلى طاولة الحوار. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن الشرطة والأجهزة الأمنية في كولومبيا تخضع لسلطة وزير الدفاع لا وزير الداخلية. ولكن بعد استقالة وزيري المال والخارجية والمفوّض السامي لاتفاق السلام، سارع وزير الدفاع، مدعوماً من القيادات العسكرية، إلى الإعلان عن أنه ليس مستعداً للاستقالة، قاطعاً الطريق أمام رئيس الجمهورية لإقالته وافتعال أزمة مع القوات المسلحة وحزبه قبل أشهر من الانتخابات المقبلة.
ثم أن مولانو دافع بشدة عن تدابيره وسياساته عندما مثُل أمام البرلمان في جلسة الثقة التي دعت إليها المعارضة، وقال بنبرة تحدٍ «لن نتساهل مع العنف وفرض الأمر الواقع؛ لأنه مع رماية الحجر الأول تنتهي المظاهرة السلمية». وتابع، محاطاً بالقيادات العسكرية والأمنية بعد رفض البرلمان طلب سحب الثقة «اعتبر هذا القرار بأنه منح ثقة للمؤسسة العسكرية ووزارة الدفاع والأجهزة الأمنية».
ولكن، بينما رأت أوساط أن تأكيد البرلمان على ثقته بوزير الدفاع يخفّف من شدّة الضغط السياسي الذي تخضع له الحكومة منذ بداية الأزمة، يخشى آخرون أن يؤدي القرار إلى تعميق مشاعر الاستنكار والغضب بين المواطنين بسبب وحشيّة القمع الأمني للاحتجاجات، وأن يقضي أيضاً على الآمال الضئيلة بمخرج تفاوضي سريع من الأزمة.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.