هل تنجح باريس في منع لبنان من «السقوط النهائي»؟

TT

هل تنجح باريس في منع لبنان من «السقوط النهائي»؟

يقول مصدر سياسي إن باريس تعطي الأولوية لتشكيل حكومة لبنانية جديدة وعلى جدول أعمالها بندان: الأول بدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي لتأجيل الانفجار الاجتماعي لقطع الطريق على إغراق لبنان في فلتان أمني يصعب السيطرة عليه والتحضير لإجراء انتخابات نيابية عامة في موعدها لإعادة إنتاج السلطة السياسية لمنع إقحامه في فراغ قاتل، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن أعضاء خلية الأزمة الخاصة بلبنان التي شكلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يركزون في لقاءاتهم مع السياسيين اللبنانيين على أن مهمة الحكومة العتيدة يجب أن تبقى محصورة بهذين البندين.
ويلفت المصدر السياسي إلى أن استقبال ماكرون لقائد الجيش العماد جوزف عون يأتي في سياق حرص باريس على الاستثمار في الأمن باعتبار أن المؤسسة العسكرية إلى جانب القوى الأمنية الأخرى أحسنت التصرف في تعاطيها مع انتفاضة الشعب اللبناني في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وما تبعها من تحركات احتجاجية، ويقول إن هناك ضرورة لتوفير كل أشكال الدعم لها باعتبارها صمام الأمان للحفاظ على الاستقرار شرط أن يتلازم مع انصراف الحكومة الجديدة لتأمين المستلزمات الضرورية لتحصين الأمن الاجتماعي، وهذا ما يمكن أن يوفره صندوق النقد.
ويرى أن لبنان يقترب من السقوط النهائي مع ارتفاع منسوب الفقر، وهذا ما تخشاه باريس في حال حصول اضطرابات أمنية تدفع باتجاه تعميم الفوضى في ظل غياب الحلول التي أدت إلى طلاق سياسي بين المنظومة الحاكمة الغائبة عن السمع ولا تزال تتلهى بالمهاترات والحرتقات وبين السواد الأعظم من اللبنانيين.
ويعتبر أن هناك صعوبة في إجراء الانتخابات العامة في ربيع 2022 ما لم يتأمن الحد الأدنى من الشروط التي تبقي اللبنانيين على قيد الحياة وتتيح لقوى الأمن توفير المناخ المطلوب لحماية العملية الأمنية بعيداً عن الضغوط، وهذا لن يتحقق إلا بتشكيل الحكومة اليوم قبل الغد لتباشر المفاوضات مع صندوق النقد لأن من دونها لا يمكن الحصول على جرعة من الأكسجين لتأخير الانفجار الذي يقف حالياً على الأبواب وتؤدي إلى رفع المعاناة ولو على مراحل عن اللبنانيين.
ويؤكد أن تمديد الأزمة سيأخذ البلد إلى المجهول، وهذا ما يعيق إجراء الانتخابات التي بات إنجازها يحظى بإجماع دولي لعلها تضع لبنان على سكة التغيير من جهة وتمنع إقحامه في فراغ مديد يمكن أن يتخذ منه رئيس الجمهورية ميشال عون ذريعة بعدم مغادرة بعبدا فور انتهاء ولايته، خصوصا أنه سبق له أن أعاق انتخاب رئيس جديد فور انتهاء ولايته.
ويضيف المصدر السياسي أن باريس ليست في وارد الموافقة على تشكيل حكومة بأي ثمن، ويعزو السبب إلى أن حكومة من هذا القبيل ستولد ميتة ولن تكون قادرة على التفاوض مع صندوق النقد ما لم تتشكل بحسب المواصفات التي أوردها ماكرون في مبادرته لإنقاذ لبنان لأنها الممر الإلزامي لطلب مساعدات دولية وعربية، وإلا فإن التواصل مع الجهات الداعمة سيبقى مقطوعاً، ويستبعد إجراء انتخابات مبكرة، ويعزو السبب إلى أن هناك صعوبة في إتمامها في ظل تصاعد الاحتقان الشعبي بغياب الحلول الجدية للانتقال بالبلد من التأزم إلى الانفراج، لأن بقاء الوضع على حاله قد يولّد خضات أمنية يصعب السيطرة عليها، إضافة إلى أن الظروف الراهنة لا تسمح بها مع حلول الصيف الذي يراهن عليه بقدوم اللبنانيين من الخارج لتمضية العطلة الصيفية بعد أن فاقت الحجوزات في الفنادق والمنتجعات ما كان متوقعاً. وبالتالي لم يعد من مبرر لها ما دام أن موعد الانتخابات العامة محدد في مايو (أيار) المقبل.
فالانتخابات المبكرة بحسب المصدر ستفوّت على اللبنانيين فرصة لالتقاط الأنفاس تتيح للبد بأن يتجاوز حالة الركود المسيطرة عليه، إضافة إلى أنه تم ترحيل الانتخابات الفرعية لملء الشغور النيابي باستقالة 8 نواب وبوفاة اثنين بقرار من عون بامتناعه عن توقيع المرسوم بدعوة الهيئات الناخبة للاشتراك فيها رافضاً الإفراج عنه، وهذا ما يشكل خرقاً للدستور، وبالتالي كيف يمكن إجراء انتخابات مبكرة فيما عُلّقت الفرعية، مع أن الأجواء السياسية لم تتبدّل وباقية على حالها.
كما أن الانتخابات المبكرة في ظل انسداد الأفق أمام تشكيل حكومة جديدة يبقى في إطار التهويل والابتزاز لغياب الاتفاق على القانون، وأن طرحها يهدف للالتفاف على مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فيما يصر الرئيس المكلف سعد الحريري على التنسيق معه في الملف الانتخابي، وهذا ما ينسحب أيضاً على جنبلاط، وبالتالي إذا كان رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل جاداً بالاستقالة من البرلمان فما المانع أن يتقدم بها بدلاً من أن يتبع سياسة تهبيط الحيطان؟
ولذلك فإن أولى الأولويات لدى عون تكمن في إعادة إنتاج باسيل لتعويمه سياسيا وإخراجه من عقدة «العقوبات» الأميركية المفروضة عليه، وهذا ما كشفه مصدر نيابي بارز بقوله لـ«الشرق الأوسط» إن عون رضوخاً لطلب باسيل ليس في وارد التعاون مع الحريري لتشكيل الحكومة لأنه يتحسب منذ الآن لاحتمال حصول فراغ في السلطة يتمدد رئاسيا، وبالتالي لا مصلحة له بأن يتولى الحريري إدارة هذا الفراغ في الوقت الذي يرفض الانصياع للضغوط بإعطاء الثلث الضامن الذي يتيح لوريثه السياسي استخدامه لتأمين الإرث السياسي لعون، خصوصاً أنه لم يعد له من وهج سياسي يمكنه الإفادة منه لإعادة تعويم نفسه.
ويؤكد المصدر أن دعوة باسيل لطاولة حوار برئاسة عون تصب في خانة إعادة إنتاجه سياسيا بجلوسه إلى جانب أبرز المكونات السياسية الرئيسية، كحال الدعوة لتشكيل حكومة أقطاب تؤدي حتماً للإطاحة بالمبادرة الفرنسية التي تترنح حالياً تحت ضغط تصاعد الحملات السياسية بين الحريري وعون الذي لا يمكن مقارنته بالرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي كان له دور في وأد فتنة عام 1958 يوم كان قائداً للجيش قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية افتتح عهده بتشكيل حكومة أقطاب رباعية.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.