مصطفى... بطل شعبي لجيل متعب

في سن الـ12 حظي مصطفى باهتمام وسائل الإعلام بفضل الأشعار التي كتبها  حول التحديات التي تواجه المجتمع الذي ينتمي إليه (نيويورك تايمز)
في سن الـ12 حظي مصطفى باهتمام وسائل الإعلام بفضل الأشعار التي كتبها حول التحديات التي تواجه المجتمع الذي ينتمي إليه (نيويورك تايمز)
TT

مصطفى... بطل شعبي لجيل متعب

في سن الـ12 حظي مصطفى باهتمام وسائل الإعلام بفضل الأشعار التي كتبها  حول التحديات التي تواجه المجتمع الذي ينتمي إليه (نيويورك تايمز)
في سن الـ12 حظي مصطفى باهتمام وسائل الإعلام بفضل الأشعار التي كتبها حول التحديات التي تواجه المجتمع الذي ينتمي إليه (نيويورك تايمز)

في قلب أول إصدار غنائي له الذي حمل عنوان: «عندما يتصاعد الدخان» وتميز بقدر مخيف من القوة والتأثير العاطفي، جاء أداء قطعة غنائية بعنوان: «عربة نقل الموتى (ذي هيرس)» مذهلاً، وهي أفكار وتأملات يسردها المغني على امتداد دقيقتين حول فكرة الانتقام بعد مقتل صديق له.
وجاءت كلمات هذا الجزء المميز على النحو التالي: «كنت أتحدث عن السلام/ لم أكن أرغب في المخاطرة بكل شيء/ أوه، وأدرك جيداً ما هو على المحك». ويستمر الغناء بصوت يبدو واضحاً أنه يحاول الحفاظ على رباطة جأشه في مواجهة صدمة كبيرة. ومع ذلك، تتخذ الحالة المزاجية للمغني وللأغنية منعطفاً كئيباً وغير متوقع على النحو التالي: «لكنك جعلت من نفسك شخصاً مميزاً/ أريد أن ألقي بحياتي كلها بعيداً/ من أجلك». وتنتمي الأغنية إلى نمط الأغاني الشعبية يرافقها صوت غيتار مميز وإيقاع جسدي يكاد يكون في حالة غير واعية.
يشدو مصطفى (24 عاماً) بهذه الكلمات بصوت مفعم بالتنهدات كما لو كان يغني لحبيب، وليس لعدو يقف في الجهة المقابلة. ومع ذلك؛ نجد أنها في صورتها النهائية تبدو بطريقة ما أقرب إلى أغنية حب، بجانب أنها مرثية في الوقت ذاته، ولائحة اتهام للنفس وللدولة. كما أنها لا تخلو من وعود مريرة.
عندما بدأ مصطفى كتابة كلمات أغاني قبل سنوات قليلة، لم يسيطر على ذهنه سوى ثقل تجاربه. وفي مقابلة معه هذا الشهر من داخل مسكن مزخرف يتبع «إيربنب» على الجانب الشرقي من لوس أنجليس، قال: «لم أتمكن من الكتابة عن أي شيء آخر. كان ذلك كل ما أتعامل معه واجتاحني تماماً».
وعلى بعد أكثر عن 2.000 ميل من المكان الذي نشأ فيه في «ريجنت بارك»؛ أقدم مشروع سكني في كندا وواحد من أكثر أحياء تورونتو قسوة، بدا مصطفى مسترخياً بينما كان يرتدي بزة رياضية سوداء وكوفية، وتحدث بنبرة سيطر عليها شعور بالسلام الهادئ الذي لا يخلو من حزن بعد سنوات عاصفة.
أما ألبوم «عندما يتصاعد الدخان (وين سموك رايزيز)»، فهو مجموعة من الأغاني الشعبية تدور حول الحياة والموت في مسقط رأس مصطفى. ويشير العنوان ضمناً إلى مطرب الراب سموك دوغ، صديق مصطفى المقرب الذي قتل عام 2018. ويبدو الألبوم في مجمله جوهرة جميلة مفعمة بمشاعر متضاربة من الأمل واليأس، ويبدو أحياناً أقرب إلى صلاة مهيبة من أجل حياة لم يكتب لها تحقيق كامل إمكاناتها، ومحاولة دؤوباً لسرد قصص عن الراحلين بأسلوب لا يخلو من جمال وعناية.
كان مصطفى ـ ولد باسم مصطفى أحمد ـ في حالة تصارع مع ثقل الظلم الذي كابده وذلك منذ أن شجعته شقيقته الكبرى على صياغة أفكاره في صورة قصائد وذلك في منصف العقد الأول من القرن الحالي. كانت أسرة مصطفى قد هاجرت من السودان إلى كندا في نحو عام 1995. وفي سن الـ12؛ حظي مصطفى باهتمام وسائل الإعلام بفضل الأشعار التي كتبها حول التحديات التي تواجه المجتمع الذي ينتمي إليه. وعام 2016، صدر قرار بتعيينه في مجلس الشباب المعاون لرئيس الوزراء.
ورغم ذلك، فإن أياً من ذلك لم يفلح في إحداث تغيير في دورة الدمار الدائرة داخل «ريجنت بارك»، وإن كان مصطفى قد أصبح خبيراً في أخلاقيات المجتمع ومرشداً له، وأصبح يقدم المشورة للعائلات بخصوص كيفية التعامل مع فقدانهم أحباءهم، ومدافعاً قوياً عن المجتمع المسلم داخل كندا. بجانب هذه الأدوار، يضطلع مصطفى بدور الوصي أو الراعي، وذلك تجاه شقيقه الأصغر ياسر ومغني راب صغير في تورونتو يدعى ليل بيريت، واللذين يقيمان معه.
وأثناء المقابلة التي أجريناها معه، اتصلت والدة بيريت به عبر تطبيق «فيس تايم»، وأكد لها مصطفى أن ابنها مواظب على الصلاة يومياً ويرتاد المسجد ولا يدخن التبغ.
وشرح مصطفى أنه «لا يهم كم أنت معاد للمؤسسة أو الإمبريالية؛ المؤكد أنني لن أعاين التغيير المنشود خلال فترة حياتي. وعليه؛ فإن كل ما يمكنني فعله يجري داخلي. واليوم، أحاول إبقاء الناس على قيد الحياة، وأحاول التأكد من أنهم يتمتعون بالحماية الكافية».
وفي الوقت الذي وجد فيه كثير من أقرانه أنفسهم في موسيقى «هيب هوب»، انجذب مصطفى إلى الموسيقى الشعبية والمغنين وكتاب الأغاني الشعبيين، أمثال نيك دريك وريتشي هافنز وجوني ميتشل وليونارد كوهين. وقال مصطفى ضاحكاً: «أتذكر عندما كنت أصغر سناً؛ كان هناك أناس غاضبون ويقولون: (هذا الفتى دوماً عاطفي). لكن الحقيقة أنني كنت أستكشف لغة عاطفية فحسب».
في نهاية المطاف؛ عام 2019 سافر مصطفى إلى لندن للعمل مع المنتج سيمون هيسمان. وفي وقت لاحق، انضم إليهما صديق مصطفى، فرنك ديوكس، الذي سبق له الإنتاج لحساب «بوست مالوني» و«ريهانا» و«ذي ويك إند». كان ديوكس يستكشف مختارات شعبية سودانية ومصرية، والتي انتهى الحال ببعض العينات منها في «عندما يصعد الدخان»؛ الأمر الذي عمل بمثابة جسر يربط بين الماضي وقصص مصطفى المعاصرة. وحرص مصطفى كذلك على أن يتضمن الألبوم مقاطع صوتية لأصدقائه الذين قتلوا وأمه، وذلك في محاولة منه لنقشهم على جدار التاريخ.
يذكر في هذا الصدد أن النسخ الأولى التي وضعها مصطفى لهذه الأغاني تتجه نحو اللون الشعبي الخالص من الغناء. وخلال مقابلة معه داخل مطعم إيطالي في لوس فيليز في المساء التالي، قال ديوكس: «أعتقد أننا عانينا مع الهيكل الإيقاعي للموسيقى لأنه يعتمد على الغيتار».
وساعد الاعتماد على عينات موسيقية من شمال أفريقيا على بناء خلفية غير مزعجة أسهمت في تعميق السرد الذي اضطلع به مصطفى. وعلق ديوكس على هذا بقوله: «أحياناً يستغرق الأمر بعض الوقت للوصول إلى هذه البساطة».
يذكر أن كلاً من جيمس بليك وجيمي إكس إكس ساهما أيضاً في الإنتاج.
كان المزاج السائد في العشاء لطيفاً، لكنه لم يخل من بعض الغيوم التي لاحت من بعيد. كان مصطفى قد قضى وقتاً سابقاً من اليوم في مواجهة متقطعة مع مسؤول تنفيذي لدى شركة «وارنر ريكوردز» عبر موقع «إنستغرام».
ووصف مصطفى المواجهة بأنها «عينة مصغرة لما يحدث عندما تكون داعماً للأرواح الفلسطينية على نحو كامل»، وذلك في إشارة لأعمال العنف التي اشتعلت في الفترة الأخيرة داخل قطاع غزة.
وعلق على الأمر قائلاً: «أحاول استغلال الموسيقى فحسب في فعل الشيء الذي لطالما فعلته»، مشدداً على التداخل الكامل بين حياتيه الشخصية والإبداعية. وكان مصطفى قد عاد لتوه إلى الطاولة التي نجلس إليها بعدما ابتعد لبعض الوقت بحثاً عن مكان هادئ يمكنه الصلاة فيه. وقال مصطفى: «يقول كثير من الناس: (إنه انتقال سلس، فهو يقول بالضبط ما كان يقوله دوماً، ويقف بجانب الأشخاص الذين لطالما وقف إلى جوارهم، وكل ما يفعله هو تمديد هذه الكلمات داخل اللحن».
إلا إن كونك شاعراً يعبر عن فترة زمنية مروعة، وضميراً مبدعاً لمجتمع يعاني الألم، لا يأتي دونما ضريبة.
في وقت لاحق من الليلة، قال مصطفى أثناء استعداده لركوب السيارة للتوجه لمقابلة عدد من أصدقائه الفلسطينيين: «لا أريد كتابة هذه الأغاني، فأنا لا أحب هذه الأغاني. أنا مستاء منها وكل ما يتعلق بها والصورة التي أصبحت عليها. وأكره أنني مضطر لصناعتها».
ومن حديث مصطفى، يتضح أن الموسيقى له مصدر خطر وتوتر، وليست ملاذاً آمناً. وعن ذلك؛ قال: «فقط لأنها مسؤوليتي، لا يعني ذلك أنها تخدمني».
في الوقت الحالي، لا يبدو أن مصطفى واثق بأنه سيشدو بهذه الأغاني في حفل. الآن، يشعر مصطفى بالارتياح لأنه قدم هذه الأغاني للعالم، ويشعر أنه أخيراً أصبح باستطاعته المضي قدماً.
وأضاف: «أتمنى أن يأتي أطفال صغار يوماً ما ويقولون: (أوه؛ هكذا يكون الحزن). فأنا لم أعمد إلى إخفائه؛ وإنما لدفنه».
* خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».