ليبيا لتعزيز معايير حقوق الإنسان في سجونها

في ظل الترتيبات التي تجريها السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، عادت قضية السجون، وما تشهده من «تراجع في معايير حقوق الإنسان»، إلى واجهة الأحداث، ما دفع السلطة القضائية في البلاد لبحث أوضاعها مجدداً، بهدف تحسين أوضاع المحكومين.
وقال مكتب النائب العام، أول من أمس، إن المستشار الصديق الصور، التقى وزيرة العدل بحكومة «الوحدة الوطنية»، حليمة عبد الرحمن، لمناقشة أفضل السبل لتعزيز المعايير الوطنية والدولية بحقوق الإنسان، بما في ذلك المعايير الخاصة بـ«سجون» مؤسسات الإصلاح والتأهيل ونزلائها، وتقييم مدى الالتزام في تسييرها وفق التشريعات الناظمة لعملها، ومقتضيات الصكوك الدولية المصادق عليها من دولة ليبيا.
والسجون في غرب ليبيا أنواع، ولكل واحد منها اسم معين، رسمي وآخر غير رسمي، ويعد أشدها قسوة سجن عين زارة (الرويمي) بجناحيه، ويقع في ضواحي جنوب شرقي طرابلس. وترصد منظمات حقوقية أنه منذ إسقاط القذافي عام 2011، شهد هذا السجن انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وتديره وتسيّره الميليشيات المسلحة كيفما تشاء، لكن وزارة العدل، التي يتبعها السجن، تقول إن الأوضاع ماضية في التحسن، على عكس الفترة الماضية.
وتطرق اجتماع النائب العام ووزيرة العدل إلى معالجة إشكالات عرض النزلاء على السلطة القضائية، ودور كل من سلطات إنفاذ القانون، وجهاز الشرطة القضائية، والإشراف القضائي حيال ذلك، مشددين على أهمية توفير الإمكانات اللازمة لسير العمل في النيابات.
وكان مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، قد رصد مخالفات قانونية وإنسانية عدة في تقرير سابق، جاء تحت عنوان «تجاوزات خلف القضبان»، وقال إنه «لا تتوفر أرقام دقيقة عن عدد المحتجزين، ومراكز الاحتجاز الموجودة في ليبيا. كما أنه لا توجد إحصاءات بشأن مراكز الاحتجاز، التابعة شكلياً لوزارتي الداخلية والدفاع، ولا تلك التي تديرها المجموعات المسلحة مباشرة».
في السياق ذاته، بحث معهد الولايات المتحدة للسلام مع وزارة العدل الليبية كيفية تقديم الدعم اللازم لتطوير السجون، وذلك في لقاء عقد بمقر ديوان الوزارة، مساء أول من أمس، حضره المدير الإقليمي للمعهد الدكتور إيلي أبو عون.
وقالت الوزارة، في بيانها، إنه «تماشياً مع كون المصارحة والمصالحة منهجاً وأسس عمل وزارة العدل، تمهيداً للوصول للاستحقاقات الوطنية، فقد تطرق الاجتماع إلى دعم الوزارة في مجال العدالة الانتقالية بالاتفاق على وضع حزمة من البرامج والأنشطة، يتم تنفيذها من طرف المعهد، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال».
ومعهد الولايات المتحدة هو معهد مستقل (مقره في واشنطن)، أسسه الكونغرس الأميركي عام 1984 بهدف منع وحل النزاع الدولي، وتعزيز الاستقرار والتنمية بعد انتهاء النزاع، وتعزيز القدرات على بناء السلام.
كما بحث الاجتماع أيضاً البرامج، التي ينفذها المعهد لصالح جهاز الشرطة القضائية والأنشطة، التي سيتم تنفيذها خلال السنة الحالية، وفق أولويات وزارة العدل وجهاز الشرطة القضائية؛ حيث تم الاتفاق على عقد كثير من اللقاءات «لصياغة حزمة من الأنشطة، وفق أولويات الوزارة في مجالات العدالة الانتقالية، وتطوير مؤسسات الإصلاح والتأهيل».
في سياق متصل، قالت وزارة العدل إنها تواصل حملة تطعيم نزلاء (مؤسسات الإصلاح والتأهيل) ضد فيروس «كورونا»، تنفيذاً للحملة الوطنية للتطعيم التي تستهدف في مرحلتها الأولى النزلاء، ممن يعانون أمراضاً مزمنة داخل مؤسسات الإصلاح والتأهيل، مشيرة إلى أن الحملة «ستستمر تباعاً لجميع مؤسسات الإصلاح والتأهيل، وصولاً إلى القضاء على هذا الوباء».
واستعرض تقرير أممي سابق وضعية مراكز الاحتجاز الخاضعة لسيطرة الدولة بمستويات مختلفة، وصنّفها إلى مراكز احتجاز خاضعة شكلياً لسيطرة المؤسسات الوطنية، غير أنها تخضع لسيطرة جزئية أو كاملة للمجموعات المسلحة، التي كانت تديرها قبل دمجها شكلياً في الوزارات المعنية، وتشمل سجون الشرطة القضائية التابعة لوزارة العدل، والمستخدمة في احتجاز فئات مختلفة من المعتقلين، بمن فيهم المتهمون أو المدانون بارتكاب جرائم عادية، والمحتجزون لأسباب أمنية أو سياسية.
والمراكز التابعة لوزارة الداخلية، مثل مركز الاحتجاز التابع لـ«قوة الردع الخاصة» في معيتيقة، ومركز الاحتجاز التابع للأمن المركزي في أبو سليم، يقتضي القانون أن يتم احتجاز المعتقلين فيها لفترات قصيرة فقط؛ غير أن فترات الاعتقال تمتد في الواقع لفترات مطولة، بجانب السجون التابعة لوزارة الدفاع، مثل سجن «السكت» في مصراتة، المستخدم لاحتجاز العسكريين، وكذلك المدنيون، المسلوبة حريتهم لأسباب ذات صلة بالنزاع أو الأمن القومي.
ووعدت وزيرة العدل فور توليها المسؤولية بإنهاء الحبس خارج إطار القانون، معلنة عزمها وقف حالات الاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري كافة، وموضحة أن «احترام حقوق الإنسان يقع في صلب اهتمام وزارتها».