غلاف الكتاب العربي... معادلة التوازن الصعب بين التسويق والرؤية الفنية

مصممون وكتاب وناشرون مصريون يتحدثون عن تحديات صناعته

غلاف الكتاب العربي... معادلة التوازن الصعب بين التسويق والرؤية الفنية
TT

غلاف الكتاب العربي... معادلة التوازن الصعب بين التسويق والرؤية الفنية

غلاف الكتاب العربي... معادلة التوازن الصعب بين التسويق والرؤية الفنية

يشكل غلاف الكتاب عتبة أساسية في تسويقه، تجذب عين القاري، وتشي بما يحتويه بشكل جذاب. لكن ورغم التقدم الشديد الذي أحرزته صناعة الغلاف في عالمنا العربي، لا تزال هناك الكثير من الأسئلة الحائرة، حول أبرز التحديات التي تواجه مصممي الأغلفة، والمعايير التي يستندون إليها، وهل يتعرضون لضغط من الناشر لضمان الرواج التجاري، وما موقف المؤلف هنا، وهل يتدخل في عمل المصمم؟
في هذا التحقيق، نطرح هذه التساؤلات على أطراف صناعة الغلاف الثلاثة: المصمم والناشر والمؤلف.

حسين جبيل (مصمم أغلفة):
تحكمني طبيعة النص
أنجزت عبر رحلتي في هذا المجال أكثر من ألف غلاف لمعظم مؤلفي العالم العربي، لا سيما في بلدان المغرب العربي. والمحدد الأول الذي يحكمني هو طبيعة النص نفسه بحيث يكون الغلاف معادلاً جمالياً وعتبة بصرية تعبر عن المضمون من حيث مدى رصانته أو حداثيته. الأسهل أن تصمم غلافاً لنص أدبي وليكن رواية، إذ يمكن للمصمم أن يعبر عن المشهد الأساسي في العمل أو الشخصية الرئيسية، في حين تبدو الصعوبة عند تصميم غلاف بكتاب فلسفي أو نقدي تنظيري يتحدث عن أفكار مجردة مثل البنيوية أو السيمائية.
بالطبع أراعي معايير التسويق، بحيث يكون الغلاف جذاباً للقارئ، لكن هناك فارق كبير بين «التسويق» وبين «السوق»، فأنا لا أخضع للذوق السوقي ومهمتي الارتقاء به. حتى أنني أصررت في مرة على رفع اسمي من على تصميم الغلاف حين تعارضت رؤيته الفنية مع نظيرتها التجارية لدى الناشر. أفضل في هذه الحالات الاستثنائية أن أقدم الغلاف دون اسمي كنوع من المجاملة لأنه لم يعد يعبر عني. بالنسبة لمراعاتي رؤية المؤلف، أوضح أن 90 في المائة من الأغلفة التي صممتها تسببت بصدمة لمؤلفيها، حيث جاءت مفارقة لتوقعاتهم المتأثرة برؤى قديمة تقليدية لكنهم سرعان ما يشكرونني بعد أن يستوعبوا العمل الجديد ويشعرون أنه فعلاً يأخذ النص إلى منطقة مختلفة.

هند سمير (مصممة أغلفة):
توازن الجذب والتسويق
اكتسبت خبرة كبيرة ومهمة من خلال خبرتي في تصميم أغلفة معظم إصدارات هيئات وزارة الثقافة المصرية مثل الهيئة العامة للكتاب والمجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة، كما ساعدتني دراستي الأكاديمية التي بها حصلت على درجة الدكتوراه في الإخراج الفني للكتاب، على إحداث نوع من التوازن الفني عند تصميمي لغلاف الكتاب، بحيث يتوفر عنصر الجذب واستيفاء القدر الأكبر من القيم البصرية الجمالية، مثل وضوح التصميم وعلاقته بالمتن والاهتمام بجودة الصورة الطباعية ووضوح بيانات الكتاب من عنوان واسم المؤلف ودار النشر.من خلال كل هذا أراعي متطلبات التسويق التجاري، لكن بالدرجة التي لا تخل بأبجديات التصميم فنياً، إنها معادلة صعبة أحياناً، لكن لا بد من الإقرار بأن الكِتاب في الأخير هو منتج يخضع بشكل ما لآليات السوق.

عمرو الكفراوي (تشكيلي ومصمم أغلفة): المضمون والرؤية
أنتمي إلى الجيل الجديد من مصممي أغلف الكتب في مصر، وسعيد لكوني أصبحت أشكل خياراً مفضلاً لدى عدد من كبريات دور النشر الخاصة التي تثق في رؤيتي. ساعدتني خلفيتي كفنان تشكيلي كثيراً في هذا السياق. ففي بداياتي الأولى كنت أركز أكثر على الشكل الجمالي المختلف، لكن بتراكم سنوات العمل أصبحت أهتم بالمضمون والرؤية الفلسفية لكل من النص والغلاف.
إرضاء المؤلف ليس على قائمة أولوياتي، فالكثير من المؤلفين تكون لديهم تصورات حالمة وغير واقعية تجاه الشكل النهائي لأغلفة كتبهم على نحو يضر بالكتاب بشدة لو تنازل المصمم وحاول مجاراتهم، ومع ذلك أسعد بفرح المؤلف بالغلاف لكن هذا لا يشكل هدفاً بالنسبة لي أثناء العمل.
هدفي النهائي عند تصميم غلاف ما، التعبير عن رؤيتي الفنية للعمل بكل محدداتها الجمالية، وفي الوقت نفسه مراعاة عنصر التسويق، بحيث يكون الغلاف عنصر جذب تجاري ويساعد على زيادة المبيعات.

نورا رشاد (الدار المصرية اللبنانية): يجب مراعاة عنصر الجذب
من خلال خبرتي في عمل المدير التنفيذي للدار المصرية - اللبنانية، أؤكد أن الغلاف أصبح أحد أهم عوامل نجاح الكتاب مثله في ذلك مثل اسم المؤلف وجودة النص. لذلك يجب مراعاة عنصر الجذب عند تصميم الغلاف، فكثيراً ما نرفض تصميمات لأنها مغرقة في الطابع الفني الجمالي وتفتقد لفكرة الجاذبية التسويقية. ورغم تقديرنا الشديد للكتاب كقيمة فكرية، إلا أنه في النهاية منتج تجاري لا نصنعه كي يبقى أسير واجهات العرض.
وبالمناسبة يهمني أن أوضح هنا، أنه كثيراً ما نؤجل صدور كتاب ما لأننا ما زلنا غير راضين عن الغلاف، وحدث ذات مرة أن أجرينا 14 بروفة غلاف لإحدى الروايات حتى وصلنا للشكل الأمثل. هذا لا يعني أننا نتدخل بالكامل في عمل المصمم، وإنما نحتفظ بحقنا في التعبير عن وجهة نظرنا التي تنبع من كم الخبرات والتجارب التي مررنا بها، فضلاً عن مشاركاتنا في مختلف المعارض العربية على مدار العام.

خالد عدلي (دار المثقف):
أتدخل لصالح العمل
رغم حداثة عهد الدار لم نختر الطريق السهل في تصميم الأغلفة، الذي غالباً ما يتم من خلال البحث عن صورة معبرة على الإنترنت ثم معالجتها والاشتغال عليها، وهي آفة كبرى تعاني منهم دور نشر عديدة بعضها يحظى بأسماء راسخة. نراعي أن يكون الغلاف بالكامل إبداعاً فنياً خاصاً بالدار وليس مجرد نتاج لشاب يحترف برامج «الفوتوشوب» فيأتي بصور «لقيطة»، ويطبعها دون مجهود يُذكر.
يهمني أن أوضح هنا أنني أحتفظ بحقي في التدخل في تصميم الغلاف، وذلك لأنني أتعامل مع المصمم باعتباره فناناً لا يلم بالضرورة بالمعايير التجارية، ومن ثم يأتي تدخلي كناشر لأضيف اللمسة التسويقية إلى جانب اللمسة الفنية الإبداعية.
أرحب بفكرة الغلاف القائم على لوحة لفنان تشكيلي حيث يحقق هنا هدفاً مزدوجاً يتمثل في التعبير الفني عن النص الأدبي من ناحية، والإسهام في نشر الفن التشكيلي من ناحية أخرى.

محمد توفيق (دار ريشة):
البحث عن هوية بصرية
من خلال عملي رئيساً للتحرير بدار وليدة متخصصة في إصدارات كتب المذكرات والسير الذاتية، تولي الدار اهتماماً خاصاً بالبحث عن هوية بصرية في تصميم الغلاف. بحيث يتعرف القارئ على مؤلفاتها بمجرد أن تقع عيناه على الغلاف. هذا التحدي يرهق كثيراً الفنان عبد الرحمن الصواف، مصمم أغلفة الدار للحفاظ على هذا الإنجاز الذي تحق بالفعل في فترة. لذلك لا يشغلني أن يكون لدينا أفضل الأغلفة بقدر ما يشغلني أن تكون لدينا الأكثر اختلافاً وخصوصية. وأعتقد أنه يجب أن يكون لكل دار خصوصية ما في هذا المجال، وأرى أن هذا يصب للصالح العام في سوق النشر.

أشرف أبو اليزيد (شاعر وكاتب):
كارثة التصميم الآلي
أرى أن الكلمات المدونة، سواء كانت ديواناً شعرياً، رواية، سيرة أو دراسة، تظل في إطار الأدب، لكنها إذا خرجت لجمهور القراء تتحول إلى منتج أدبي، أو سلعة ثقافية، ويعد غلاف ذلك الإنتاج الأدبي إشهاراً إعلامياً عليه أن يجتذب جمهوره عبر الغلاف، فهو أول ما يخاطب المتلقي، ولا يخرج التعبير الشعبي للمثل الدارج «الكتاب يبان من عنوانه» عن تلك الفكرة؛ فالغلاف يحمل رسالة المحتوى، وبوابة الدخول البصرية للمضمون.
من عيوب صناعة غلاف الكتاب، ومن مشكلاته الأساسية أنها كثيراً ما تجمع بين البهرجة اللونية الشكلية، والثرثرة اللفظية، وكان دخول برامج التصميم الآلي كارثة فنية، إذ يظن مستخدموها خطأ أن اللهو بكل ما تتيحه من ألعاب مجانية يجعل الغلاف فنياً، فهناك عناوين مجسمة ثلاثية الأبعاد، كأنها لافتات محلات، وهناك أكثر من عائلة خطية، فهناك لكل وحدة كتابية خط مختلف، وكأن صانع الغلاف يعز عليه أن يترك بصمة واحدة، بل يجمع خليطاً هجيناً، لا تجد بين سطوره رابطاً. هذا بخلاف «اقتباس» أغلفة وتقليد أخرى، فإن مدرسة التصميم لم تجد كثيرين يتجاوزون أسماء الأفذاذ من فناني صناعة الأغلفة مثل محيي الدين اللباد وحلمي التوني في مصر.

رشا عدلي (روائية):
الوصول للشكل الأجمل
أعتقد أن غلاف العمل يشكل اهتماماً خاصاً للكاتب منذ بداية كتابته له. والأمر يكون أكثر أهمية بالنسبة للروائي الذي له علاقة بالفن التشكيلي كما في حالتي، حيث وقتها تكون أفكاره مختلفة لأنه على دراية أكثر، خصوصاً أن أغلب أعمالي تدور في سياق فني وتاريخي لذلك دائماً ما تكون فكرة الغلاف مختلفة عما يحمله المصمم من أفكار، وحتى لا يحدث اختلاف في الآراء بيني وبينه أقدم له اقتراحات وأرسل له الصور الخاصة التي أريد أن يتضمنها الغلاف، وبناء عليه وعلى قراءته للعمل ومعرفة أحداثه يصمم الغلاف ويعرضه علي. وهكذا حتى نصل للشكل الأجمل، فمثلاً روايتي الجديدة «قطار الليل إلى تل أبيب» أرسلت للمصمم صورة لتذكرة القطار الذي كان يذهب من مدينة القنطرة غرب إلى تل أبيب وهو صمم الغلاف بناء على ذلك.

محمد الكفراوي (شاعر):
الجاذبية والابتكار
من خلال تجربتي عبر أربعة كتب صدرت لي، ثلاثة دواوين شعرية وكتاب قصصي للأطفال، بدأت في التعامل مع الأغلفة، وحين نشر ديواني الأول عام 2006 بعنوان «حلم وردي يرفع الرأس» عن دار «شرقيات» بالقاهرة، لفت انتباهي حرص الدار على طابع مميز في فن الغلاف، يميل إلى الشكل التقليدي الكلاسيكي مع مسحة حداثية أو فكرة غرائبية تعتمد على الظل والنور أحياناً، وعلى قوة الألوان وإيحاءاتها في أحيان أخرى، بلمسات فنانين كبار مثل محي الدين اللباد وجورج البهجوري.
في ديواني «بعد الموتى بقليل»، اعتقدت في البداية أن الغلاف بعيد عن مضمون الديوان، لكن بنقاش موضوعي مع الناشرة سنية البهات اقتنعت أن الغلاف يمكن أن يقدم إبداعاً موازياً للمضمون، ويعبر عن روح النصوص بطريقة غير مباشرة، أما عملي الأخير «مكان مشبوه» الذي صدر عن دار «خطوط وظلال» بالأردن، فقد صمم غلافه الفنان محمد العامري وهو فنان تشكيلي وشاعر وأديب كبير وكان نقيباً للتشكيليين الأردنيين في فترة سابقة، وجاء الغلاف في غاية الإبداع يحمل لوحة تجريدية مبهجة، تمزج بين الجاذبية والإبداع والابتكار. الغلاف برأيي يمثل عنصراً مهماً من الكتاب، فهو العنوان الحقيقي الذي قد يجذب القارئ أو ينفره.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».