المواطن بترايوس.. من الاستخبارات إلى البورصة والطبقة الراقية

قنوات الاتصال بين الجنرال الأميركي السابق والبيت الأبيض مفتوحة على الرغم من التحقيقات الحالية

الجنرال ديفيد بترايوس بين النخب الراقية في واشنطن (نيويورك تايمز)
الجنرال ديفيد بترايوس بين النخب الراقية في واشنطن (نيويورك تايمز)
TT

المواطن بترايوس.. من الاستخبارات إلى البورصة والطبقة الراقية

الجنرال ديفيد بترايوس بين النخب الراقية في واشنطن (نيويورك تايمز)
الجنرال ديفيد بترايوس بين النخب الراقية في واشنطن (نيويورك تايمز)

بذل الجنرال ديفيد إتش بترايوس، بوصفه أعلى قائد عسكري أميركي كان يشرف على منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا، جهودا مضنية للتودد إلى النخبة السياسية الحاكمة في دولة كازاخستان. ومن بين ذلك كان إلقاؤه لمزحة خلال لقائه مع الرئيس نور سلطان نزارباييف في محاولة منه لتبديد المخاوف حيال خطط الولايات المتحدة الأميركية تجاه مخزون النفط في تلك المنطقة.
قال الجنرال بترايوس: «كان يمكننا شراء كل النفط الموجود في تلك المنطقة ولمائة عام قادمة بما أنفقنا فقط على حرب العراق».
واليوم، صار الجنرال بترايوس المواطن بترايوس، وشريكا جديدا لدى مؤسسة كي كي آر وشركاه، وهي شركة خاصة لإدارة الأوراق المالية والأسهم تتخذ من نيويورك مقرا لها. وعاد السيد بترايوس إلى زيارة كازاخستان خلال الشهر الماضي، ولكن هذه المرة متوددا إلى صفوة رجال الأعمال لدى جامعة نزارباييف، التي أسسها الزعيم الكازاخستاني.
تأتي الزيارة، التي كانت برفقة الملياردير هنري كرافيس، المؤسس المشارك لمؤسسة كي كي آر، كنافذة جديدة على الحياة الراقية التي باتت تنسحب من تحت أقدام الجنرال السابق إثر لائحة اتهامات جنائية قد تناله خلال عامين بسبب علاقة غرامية خاصة خارج نطاق الزواج كلفته فقدان منصب رفيع كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وهو يحاول هذه الأيام البقاء خارج الأضواء في العاصمة الأميركية التي كانت تحتفي به لكونه من أعظم الجنرالات العسكريين بين بني جيله.
يقول السيناتور جون ماكين، النائب الجمهوري عن ولاية أريزونا ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي وأحد حلفاء السيد بترايوس: إنه «يقوم بالكثير من العمل لأجل كرافيس، غير أنه من الواضح أن لائحة الاتهامات المذكورة حالت دون قيامه بالمزيد. لقد صار صوته خفيضا للغاية الآن».
أوصى عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالية مع المدعوين من وزارة العدل الأميركية، بأن السيد بترايوس قد يواجه اتهامات جنائية بشأن الإفصاح على معلومات سرية إلى عشيقته ومؤلفة سيرته الذاتية، السيدة باولا برودويل. ولقد نفى السيد بترايوس تلك الاتهامات بالكامل. ولكن إذا استمر المدعي العام إريك هولدر، أو خليفته، في مواصلة تقديم لائحة الاتهام، فقد ينتهي الأمر فعليا بالسيد بترايوس البالغ من العمر (62 سنة) إلى السجن.
وعلى الرغم من التحقيقات الحالية، لا تزال هناك قناة من المحادثات الهادئة موصولة بينه وبين البيت الأبيض؛ حيث تواصل مجلس الأمن القومي الأميركي مرارا وتكرارا مع المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية منذ الصيف الماضي، على حد تصريح أحد المسؤولين بالإدارة الأميركية، وقد استجاب السيد بترايوس موفرا المشورة والرأي حيال السياسات العراقية وكيفية مواجهة تنظيم داعش.
ظل الجنرال السابق أكثر نشاطا خارج العاصمة واشنطن. فالسيد بترايوس الذي يرفض إجراء المقابلات الشخصية، قد ظهر في يونيو (حزيران) في احتفالية معهد آسبن للأفكار، حيث أخبر بوب شيفر، المذيع لدى وكالة «سي بي إس» أن وظيفته لدى مؤسسة كي كي آر «بمثابة عمله مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، ولكن لصالح مؤسسة مالية عالمية ذات عدد قليل للغاية من الموظفين». ولقد ظهر في الشارع 92 بحي مانهاتن الشهير في نيويورك في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، معاونا لرفيق قديم من رفاق السلاح، السيد جون إيه. ناغل، في الترويج لكتابه الجديد حول العراق. وقضى أسبوعا من نوفمبر (تشرين الثاني) لدى جامعة جنوب كاليفورنيا، حيث التقى هناك مع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وقاد تدريبات مجموعة ضباط الاحتياط في الركض بالصباح الباكر.
ولقد عاد إلى بلدته الشهر الماضي، مشاركا مع زمرة كبيرة من مؤيدي الحزب الجمهوري في حفل العشاء السنوي الكبير لنادي الفالفا، وهي احتفالية اجتماعية - سياسية صاخبة بالعاصمة واشنطن وأبعد ما تكون عن الرسميات.
يقول أصدقاء الجنرال السابق إنه أبعد ما يكون الآن عن حياته السابقة كقائد للقوات الأميركية في العراق وأفغانستان حينما كانت تلك الحروب في أوج زخمها واشتعالها، وكمشرف ومسير للأعمال العسكرية الأميركية بمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى حينما كان يترأس القيادة المركزية الأميركية.
يقول السيد ناغل: «ليس من شك أنه يفتقد كونه جزءا من الحياة العسكرية الشاقة والخشنة وتكريس حياته لقرارات الأمن القومي الأميركية الذكية. وفكرته الشخصية عن الاسترخاء تنبع من احتساء كأس من الشراب مع حديث لطيف حول نقاط الضعف الاستراتيجية لدى تنظيم داعش».
التحق السيد بترايوس بمؤسسة كي كي آر في عام 2013، بعد 6 أشهر من مغادرة منصبه في وكالة الاستخبارات المركزية، إثر إلحاح من السيد كرافيس صاحب المؤسسة. يدير السيد بترايوس، داخل المؤسسة الشهيرة، ما يعرف بأنه قسم صغير للأبحاث: «معهد كي كي أر العالمي»، الذي يعمل على تحليل السياسات العامة والمخاطر الاستراتيجية ويقدم المشورة للمؤسسة حيال قرارات الاستثمار، كما أفاد بذلك زملاؤه في العمل.
لكن خبراء الأسهم الخاصة يقولون إن قيمة الرجل الحقيقية تكمن في أنه يعمل بمثابة «مفكرة للأعمال».
يقول أحد أصدقاء السيد كرافيس الذي أصر على إخفاء هويته إن «بترايوس يفتح أمامك المجالات والأبواب. إذا ساعد بترايوس هنري في إيجاد وسيلة لاستثمار مائة مليون دولار في كازاخستان أو في غيرها، كن متأكدا أنها صفقة جيدة للغاية لكلا الرجلين».
أفسح السيد شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان، المجال لاستقبال السيد بترايوس، أثناء مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة في خريف عام 2013، وانخرط السيد بترايوس حينها في مقابلة مصورة وجيزة مع ديفيد سنو، مؤسس شركة برايف - كاب، التي تعمل على متابعة أعمال شركات الأسهم الخاصة عن كثب، حيث قال السيد بترايوس حينها: «إننا نتابع اقتصادات آبي بشكل وثيق وبمنتهى الوضوح».
عندما أراد السيد سيدني إي. غودفريند، المصرفي المخضرم لدى مجموعة ميريل لينش للاستثمار الذي أسس عقب تقاعده شركة لتوفير الخدمات التعليمية للمتقاعدين، من السيد كلينتون تصوير مادة دعائية للخدمة العامة لصالح شركته، انطلق في طريقه للاجتماع مع الرئيس السابق من واقع تعهده بإحضار السيد بترايوس برفقة السيد كلينتون في تصوير تلك المادة.
وقال السيد غودفريند: «ما كنا لنتمكن من تصوير تلك المادة لولا وجود ديفيد».
في كازاخستان، ترافق السيد بترايوس مع السيد كرافيس، الذي تحدث إلى طلاب الدراسات العليا لإدارة الأعمال في جامعة نزارباييف، وهي الفعالية التي وصفها موقع الكلية بأنها «حضرها علية القوم من دولة كازاخستان من نخبة الطبقة المالية والمصرفية وصناع القرار».
هذا وقد أحجمت مؤسسة «كي كي آر» عن التعليق على الشخصيات التي التقى بها السيدان كرافيس وبترايوس في كازاخستان. لكن كين ميلمان، الرئيس السابق للجنة الوطنية الجمهورية الذي يدير الشؤون العامة العالمية لدى مؤسسة كي كي آر، يقول عن السيد بترايوس «يتمتع ديفيد بشبكة ضخمة من العلاقات الشخصية. ولكن ما يثير الإعجاب بحق بالنسبة لي هو طريقة تفكيره الأصلية والمتباينة التي يطرحها في مجال الأعمال».
* خدمة «نيويورك تايمز»



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.


بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.


واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
TT

واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)

قالت الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء)، إنها ما زالت ترفض اعتبار نيكولاس مادورو الرئيس الشرعي لفنزويلا، وتعترف بسلطة الجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015 بعد أن حلت المعارضة «حكومتها المؤقتة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: «نهجنا تجاه نيكولاس مادورو لا يتغير. إنه ليس الرئيس الشرعي لفنزويلا. نعترف بالجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015»، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
ولدى سؤاله عن الأصول الفنزويلية، ولا سيما شركة النفط الفنزويلية في الولايات المتحدة، قال برايس إن «عقوباتنا الشاملة المتعلقة بفنزويلا والقيود ذات الصلة تبقى سارية. أفهم أن أعضاء الجمعية الوطنية يناقشون كيف سيشرفون على هذه الأصول الخارجية».