مسؤول فلسطيني: سنستخدم نتائج التحقيق الدولي لدعم ملفات المحكمة الجنائية

دمار جراء الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
دمار جراء الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

مسؤول فلسطيني: سنستخدم نتائج التحقيق الدولي لدعم ملفات المحكمة الجنائية

دمار جراء الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
دمار جراء الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

أكد مسؤول فلسطيني أن الفلسطينيين سيستخدمون نتائج لجنة التحقيق الدولية المرتقب تشكيلها بقرار من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لدعم الملفات المقدمة في محكمة الجنايات الدولية.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صالح رأفت، إنه يجب البناء على قرار مجلس حقوق الإنسان لصالح تشكيل لجنة تحقيق دولية في انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، مضيفاً «أن القرار في غاية الأهمية، وأنه بالإمكان الاستناد إلى نتائج التحقيق للذهاب بها إلى محكمة الجنايات الدولية، والتي من المفترض أن تفتح ملفات للجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق شعبنا».
وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة صوت مساء الخميس لصالح فتح تحقيق دولي في الجرائم التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينية والإسرائيلية خلال الصراع الذي استمر 11 يوماً بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.
وصدر قرار المجلس المؤلف من 47 دولة عضواً، بتأييد 24 صوتاً من بينها الصين والسودان والبحرين، ورفض 9 أصوات من بينها بريطانيا والولايات المتحدة والنمسا، وامتناع 14 بما في ذلك إيطاليا وهولندا وفرنسا واليابان، وذلك خلال جلسة طارئة للمجلس بناء على طلب باكستان، بوصفها منسقاً لمنظمة التعاون الإسلامي، والسلطة الفلسطينية.
ويتخطى نطاق القرار النزاع الأخير، وينص على تشكيل لجنة تحقيق دولية موسعة للنظر في «كل الانتهاكات المفترضة للقانون الدولي الإنساني وكل الانتهاكات والتجاوزات المفترضة للقانون الدولي لحقوق الإنسان» التي أدت إلى المواجهات الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين.
وسيتركز التحقيق على «إثبات الوقائع» و«جمع الأدلة على هذه الانتهاكات والتجاوزات وتحليلها» و«تحديد المسؤولين عنها قدر الإمكان بهدف التأكد من أن مرتكبي الانتهاكات يخضعون للمحاسبة»، في تطور وصفه مندوب فلسطين في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في سويسرا، سفير دولة فلسطين لدى جنيف إبراهيم خريشي، بأنه مهم ونوعي لأنه يتطرق للمرة الأولى إلى «التمييز الممنهج الذي تتبعه حكومة الاحتلال على أساس العرق، والدين والانتماء».
وفيما رحب الفلسطينيون أشد ترحيب بالقرار شجبه الإسرائيليون بشدة.
وقال وزير العدل الفلسطينية محمد الشلالدة إن القرار «يعد انتصاراً لصالح الضحايا المدنيين، وللقضية الفلسطينية ولأبناء شعبنا، لأن تشكيل لجنة تحقيق دولية هو تأكيد بأن هناك جرائم ارتكبت بحق شعبنا، وهذه اللجنة ستقوم بالتحقيق في كافة الانتهاكات الجسيمة وفقاً للقانون الدولي الإنساني، خاصةً اتفاقيات جنيف الأربعة، واتفاقيات حقوق الإنسان».
وأكد أن القرار هو «انحياز للقانون الدولي أيضاً، وترسيخ لمبادئ العدالة والإنصاف، ومساءلة وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام القضاء الدولي وأمام المحكمة الجنائية الدولية، لأن تقرير لجنة التحقيق والتي تستند بالدرجة الأولى لتقارير من منظمات حقوق الإنسان العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وكذلك تقارير المفوضين الساميين كلها تكون أدلة جنائية وإثبات قانوني أمام المحاكم الدولية».
لكن في إسرائيل قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان «إن القرار المخزي الذي تبناه المجلس هو مثال آخر على هوسه الصارخ المناهض لإسرائيل»، مضيفاً: «مرة أخرى، تقوم أغلبية تلقائية غير أخلاقية في المجلس بتبييض وجه منظمة إرهابية تسعى لارتكاب إبادة جماعية وتستهدف عمداً المدنيين الإسرائيليين وتحول في نفس الوقت المدنيين في غزة إلى دروع بشرية».
ورد المتحدث باسم حركة «حماس» حازم قاسم قائلاً إن «الجرائم التي ارتكبها الاحتلال واضحة، وإن الأرقام والوقائع تؤكد حجم هذه الجرائم من خلال عدد الأطفال والنساء الذين قتلوا خلال العدوان على قطاع غزة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.