حزب «الخضر» الألماني

أحد أنجح القوى السياسية البيئية في أوروبا

يوشكا فيشر
يوشكا فيشر
TT

حزب «الخضر» الألماني

يوشكا فيشر
يوشكا فيشر

حقق حزب «الخضر»/ تحالف 90 في ألمانيا صعوداً سياسياً غير مسبوق خلال الأشهر القليلة الماضية، مستفيداً من نقمة الألمان على الحزبين الحاكمين تقليدياً: حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي يقود الحكومة الاتحادية برئاسة زعيمته المستشارة أنجيلا ميركل، والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي)، الشريك الأصغر في الحكومة.
والواقع أن أشهر الإقفال الطويلة والخسائر الاقتصادية الموجعة وصراع العائلات بين العمل والتعليم من المنزل، ممزوجاً ببطء عملية التلقيح الجارية في ألمانيا ضد فيروس «كوفيد - 19»، كلها عوامل قلصت ثقة الألمان بالائتلاف الحاكم. ومن ثم، انعكس هذا الأمر خسائر كبيرة للحزبين التقليديين في استطلاعات الرأي لصالح تقدّم غير مسبوق لحزب «الخضر»/تحالف 90... الذي حلّ حتى في واحد من الاستطلاعات قبل أسبوعين، في الطليعة.
حسب آخر استطلاعات الرأي، فإن حزب المستشارة أنجيلا ميركل (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) يحلّ في الطليعة، وإن بتقدم بسيط عن «الخضر»؛ إذ يحظى بنسبة 25 في المائة من الأصوات، يليه حزب «الخضر» ثانياً بفارق ضئيل جداً بحصوله على 24 في المائة من الأصوات، في حين لا تتعدى نسبة تأييد اشتراكيي الحزب الديمقراطي الاجتماعي الـ15 في المائة، وهو مؤشر كارثي لأقدم حزب سياسي في تاريخ ألمانيا.
وفق الاستطلاعات الأخيرة، يتبين أن حزب «الخضر» يحقق صعوداً صاروخياً مقارنة بالنتائج التي حققها في انتخابات عام 2017 التي لم يحصل فيها على نسبة أعلى من 9 في المائة من أصوات الناخبين. ومع هذا الصعود السريع يجد «الخضر» أنفسهم الآن أمام فرصة حقيقية للمشاركة في الحكم مرة جديدة بعد التجربة السابقة لهم كشريك صغير للاشتراكيين في حكومة غيرهارد شرودر عام 1998. ولكن هذه المرة قد تكون حظوظ «الخضر» في دخول الحكومة إلى جانب الاشتراكيين ضعيفة جداً بسبب التراجع الكبير في التأييد الذي يحظى به الحزب الديمقراطي الاجتماعي. وقد يضطر «الخضر» هذه المرة لدخول الحكومة مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي يرأسه الآن أرمين لاشيت، الذي ترشح هو نفسه لمنصب المستشارية على أمل أن يخلف أنجيلا ميركل التي تتقاعد في نهاية عهدها.
ويقول محلّلون، إن التحالف الذي كان مستبعداً في الماضي كون حزب «الخضر» أقرب إلى اليسار، لم يعد مستحيلاً اليوم لأن الحزبين تغيّرا. وفي حين أصبح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أكثر اعتدالاً في ظل حكومة ميركل وتبنّى حتى سياسات بيئية خارجة عن سياساته التقليدية، يبدو حزب «الخضر» اليوم حزباً أكثر واقعية وقريباً من الوسطية. ورغم أن سياساته الأساسية لم تتغيّر، مثل التزامات البيئية ومعارضته للتوسّع العسكري، فإنه بات أقل تطرفاً وأكثر ليونة حتى في تلك السياسات... ففي برنامجه الانتخابي، يقول حزب «الخضر» إنه «لا يعارض بشكل أساسي المهمات الخارجية للجيش الألماني، ولكن لدينا معايير صارمة لذلك».
من جهة أخرى، يعارض «الخضر» إنفاق 2 في المائة من الناتج الإجمالي على الدفاع، كما يوصي حلف شمال الأطلسي (ناتو) الدول الأعضاء، ويقول إن «الخطوات المدنية» أهم مثل الوساطات الدبلوماسية والترويج للإصلاحات. ويدعو «الخضر» لسياسة خارجية مبينة على حقوق الإنسان، لا سيما، فيما يتعلق بروسيا والصين. أيضاً يدعو «الخضر» ويؤيد سياسة هجرة جديدة تسهّل على اللاجئين الاندماج أسرع والتقديم لطلب الجنسية خلال فترة أقل من السنوات الثماني المحدّدة حالياً. ويعتبر «الخضر»، أن ألمانيا «مجتمع هرم»، ويجب الاستفادة من المهاجرين واللاجئين الشباب الذين يصلون إلى البلاد.



انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
TT

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات البرلمان المحلي. واصطف الناخبون في طوابير طويلة، خارج مراكز الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم. وأفادت لجنة الانتخابات الهندية بأن نسبة المشاركة في التصويت تجاوزت 61 في المائة، ما يشكل أعلى نسبة منذ 35 سنة. ويذكر أن الصراع في كشمير، الذي يعود بجذوره إلى تقسيم الهند وباكستان عام 1947، مستعر منذ أكثر من سبعة عقود. ولذا بدا مشهد طابور المقترعين عَصياً على التصديق، بالنظر إلى تاريخ منطقة كشمير الطبيعية العنيف لأكثر عن ثلاثة عقود. ويُذكر أن كلاً من الهند وباكستان تدعي أحقيتها بالسيادة الكاملة على كشمير الطبيعية، إلا أن كلاً منهما تسيطر على جزء من الإقليم، في عداء مستحكم زاد عمره على 75 سنة شهد توتراً ومجابهات عسكرية بين الجارتين النوويتين، منذ استقلالهما عن الحكم الاستعماري البريطاني عام 1947.

كانت أول انتخابات برلمانية في جامو وكشمير قد أجريت مارس (آذار) ويونيو (حزيران) 1957، ودار التنافس حينذاك على 75 مقعداً، بموجب الدستور الخاص بالإقليم. أما الانتخابات التشريعية الحالية، فتُعدّ الأولى منذ إلغاء حكومة ناريندرا مودي، الهندية اليمينية المتشددة، المادة 370 عام 2019، وخفض الوضع القانوني لما كان ولاية جامو وكشمير – وهو أعلى التقسيمات الإدارية في الهند – إلى مجرد «إقليم اتحادي» ووضعه تحت الحكم المباشر من العاصمة دلهي. ومعروف أن وضع «الولاية» أعطى جامو وكشمير دستورها وقوانينها وخدماتها الإدارية الخاصة... لكن اليمين القوي الهندوسي لا يريد ذلك.

تحوّل عند المقاطعين؟

تفيد جهات محسوبة على حكومة مودي بأن الناخبين الذين قاطعوا الانتخابات طوال السنوات الـ34 الماضية، أظهروا «تحولاً لافتاً» نحو الديمقراطية التشاركية، وتوجّهوا إلى صناديق الاقتراع لخوض تجربة التصويت الأولى لهم، ولم يكن هناك خوف من العنف المسلح أو الإكراه من أي جانب.

وتاريخياً، لطالما كانت مشاركة الناخبين في كشمير ضعيفة بسبب قوة النزعة الاستقلالية. إلا أنه للمرة الأولى منذ 30 سنة، لم تسجل هذه المرة دعوة لمقاطعة الانتخابات من قِبل الاستقلاليين، الذين أقبل بعضهم على الترشح للانتخابات بالوكالة. وبينما بدا التغيير واضحاً للبعض، فإن هذا لا يعني أن الإقليم تحوّل فردوس سلام، وأن القلق تلاشى إلى الأبد؛ إذ لا تزال الأرضية السياسية مضطربة جراء التغييرات الحاسمة التي شهدها العقد الماضي.

في هذا الصدد، علق المحلل السياسي والصحافي الكشميري المخضرم زاهور مالك، قائلاً: «لحسن الحظ، يجري نقل الجدال إلى صناديق الاقتراع وسط مشاركة جماهيرية. وما سيخرج من هذا التفويض يحمل أهم ختم داخل دولة ديمقراطية: إرادة الشعب». وأردف: «تشكل هذه الانتخابات الاختبار الرئيسي للتحولات السياسية بالمنطقة بعد انتهاء الوضع الخاص لجامو وكشمير، وهي ستكون مؤشراً رئيسياً على المزاج السياسي في منطقة شهدت تغييرات جذرية على امتداد العقد الماضي».

الاستقلاليون والانتخابات

كما سبقت الإشارة، لأول مرة، شارك عدد كبير من الاستقلاليين السابقين إلى الانتخابات، بما في ذلك أعضاء سابقون في جماعات محظورة. من بين هذه الشخصيات سرجان أحمد واغاي، وهو رجل دين بارز كانت له مواقف معادية للهند. لكن واغاي يترشح اليوم، من داخل السجن في دائرتين انتخابيتين بوسط كشمير، هما غاندربال وبيرواه.

وهناك أيضاً حافظ محمد سكندر مالك، القيادي المتمرد، الذي كان أول من تقدّم بأوراق ترشحه مرشحاً مستقلاً، مع أنه لا يزال مصفّداً بجهاز تتّبع في رجليه يعمل بتكنولوجيا «جي بي إس». وكان مالك قد اعتقل عام 2019، وجرى احتجازه مرتين بموجب قانون السلامة العامة.

كذلك، سيار أحمد ريشي (42 سنة) زعيم «الجماعة الإسلامية» المحظورة السابق والمرشح المستقل اليوم، الذي كان يروّج لآيديولوجية انفصالية، ارتأى على ما يبدو أن الاقتراع أفضل من الرصاص لمواجهة الظلم، وهو يتولى تنظيم حملته الانتخابية عبر التنقّل والتفاعل مع الناخبين من باب إلى باب. وللعلم، كانت «الجماعة الإسلامية» من مكوّنات «مؤتمر الحريات»، الذي هو مزيج من الأحزاب السياسية الاستقلالية في كشمير، وقد سبق له دعم دعوات مقاطعة الانتخابات بعد عام 1987.

وأيضاً التحق القيادي الاستقلالي السابق سليم جيلاني بركب المشاركين بعد 35 سنة من العمل الدؤوب في جبهة الاستقلاليين. وبرّر الرجل تغييره موقفه برغبته «في إنجاز التنمية الاقتصادية لكشمير، وحلّ وضع كشمير داخل الهند... ثم كيف يمكنني أن أنكر حقيقة أنني أحمل جواز سفر هندياً وأستخدم العملة الهندية؟».

سرّ التحول المفاجئ

المحلل السياسي مزمّل مقبول، يرى أن كثيرين ممّن عارضوا لفترة طويلة اندماج كشمير مع الهند غيّروا مواقفهم منذ إلغاء صفة الحكم الذاتي الخاص بالإقليم عام 2019. وبالمثل، قال الصحافي إشفاق سلام، الذي عمل على الأرض في كشمير على مدى العقدين الماضيين: «إن نجاح الزعيم الاستقلالي الشيخ عبد الرشيد، الذي فاز بمقعد في البرلمان أثناء الانتخابات الوطنية في وقت سابق من العام، بينما هو يقبع داخل سجن تيهار في نيودلهي، أعاد ثقة الناس في نزاهة الانتخابات. وجاء نجاحه بمثابة تعبير عن إحباط الناخبين تجاه الأحزاب السياسية القائمة، علاوة على كون ذلك بمثابة تصويت ضد نيودلهي». ويُذكر أن عبد الرشيد خرج من السجن بكفالة مؤقتة، وهو يتولّى حالياً تنظيم حملة قوية لصالح مرشحي حزبه السياسي البالغ عددهم 34 مرشحاً. وقد ألهم العديد من الاستقلاليين للانضمام إلى المعركة؛ ما أدى إلى زيادة المشاركة العامة في المؤتمرات الانتخابية.

انزعاج الأحزاب الرئيسية

من جهة ثانية، أثار العدد الكبير من المرشحين الذين خاضوا هذه الانتخابات من المرتبطين سابقاً بالتيارات الاستقلالية، القلق والشكوك في صفوف أقوى حزبين سياسيين تقليديين في كشمير، أي «المؤتمر الوطني» و«حزب الشعب الديمقراطي».

وفي هذا السياق، تساءل عمر عبد الله، رئيس وزراء جامو وكشمير السابق، الذي تعرّض للهزيمة أمام عبد الرشيد، عن مصدر الأموال التي يحصل عليها هؤلاء المرشحون - الذين صنّفتهم نيودلهي فيما مضى باعتبارهم «مسلحين» - ما مكّنهم من خوض الانتخابات، وأيضاً «السر» وراء التغيير المفاجئ في آرائهم. واتهم عمر هؤلاء بأنهم «فريق مرشحي الاحتياط» لحزب «بهاراتيا جاناتا» اليميني الحاكم بزعامة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

وهنا نشير إلى أنه من الناحية الرسمية ليس لحزب «بهاراتيا جاناتا» (هندوسي قومي متشدد) أي وجود يذكر في إقليم كشمير ذي الغالبية المسلمة. فنظراً لتوقعه الخسارة، لم يدفع الحزب الحاكم في الهند تحت اسمه بأي مرشح في الانتخابات الوطنية بالإقليم في وقت سابق من 2024، وهذا رغم ادعائه أنه عزّز هيكله ورفع عضويته إلى 700 ألف داخل الإقليم، على امتداد العقد الماضي.

أهمية الانتخابات

يقول مراقبون إن انتخابات كشمير هذه ذات أهمية خاصة لأكثر من سبب، أبرزها أنها أول انتخابات تشريعية بعد إلغاء حكومة مودي المادة 370. وبجانب ذلك، يظهر أن لحكومة مودي وحزبه «بهاراتيا جاناتا»، مع هذه الانتخابات ما يشكّل «لحظة حساب». وحقاً، يُعد إلغاء المادة 370، التي منحت وضعاً خاصاً لجامو وكشمير، أخطر خطوة اتخذتها أي حكومة هندية منذ عام 1952. وترى الحكومة الهندية أن تغيير الوضع السابق يساعدها في تشكيل الحكومة بمفردها داخل جامو وكشمير، وأن هذا سيكون كافياً لمحو جميع أخطائها السابق. للمرة الأولى منذ 30 سنة لم تسجل هذه المرة دعوة لمقاطعة الانتخابات من قِبل الاستقلاليين الذين أقبل بعضهم على الترشح للانتخابات بالوكالة