مأزق السلطة في الجزائر!

وضع اقتصادي صعب ورفض شعبي للانتخابات

مأزق السلطة في الجزائر!
TT

مأزق السلطة في الجزائر!

مأزق السلطة في الجزائر!

تنظم الجزائر، في 12 يونيو (حزيران) المقبل، انتخابات برلمانية مبكّرة، في أعقاب حل البرلمان في فبراير (شباط) 2021، وسط رفض شعبي لافت؛ إذ توجد قناعة راسخة لدى الملايين، بأن النظام يسعى من خلال الانتخابات إلى فرض غالبية موالية للرئيس عبد المجيد تبون، لتسهيل تنفيذ خريطة الطريق التي وضعها رئيس أركان الجيش سابقاً الماريشال أحمد قايد صالح، المتوفي بسكتة قلبية نهاية 2019. وتتمثل هذه الخطة في الحفاظ على مكانة الجيش في دواليب الدولة، وإبقاء سيطرة جهاز الأمن الداخلي القوي على الحياة العامة. في المقابل، يصار إلى إطلاق بعض العمليات التي تبدو في ظاهرها أنها تلبي مطالب الحراك، كحلّ البرلمان الذي كان قد شاب انتخابه التزوير إبان فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
هذا، ويُعدّ سجن رموز حكم بوتفليقة، بالنسبة للسلطة، بمثابة تجاوب مع مطالب الشعب الذي ثار ضد الفساد؛ إذ أنزل القضاء، بإيعاز من جهات نافذة في السلطة، عقوبات شديدة برئيسي الوزراء سابقاً أحمد أويحيى وعبد المالك سلال (السجن 12 سنة لكل منهما). وعدد كبير من الوزراء السابقين ورجال الأعمال، تعرضوا للسجن بتهم اختلاس مال عام وسوء تسيير الاقتصاد والاستثمارات. ويطلق على هذه المجموعة وصف «العصابة».
«دولة مدنية لا عسكرية»... شعار جرى ترديده كل يوم جمعة على مدى أكثر من سنتين، من طرف آلاف الجزائريين في شوارع الجزائر العاصمة وأهم المدن الكبيرة، تأكيداً على أن أهم المطالب التي رفعوها عند اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير 2019 ما زالت قائمة، لأن الجيش وأذرعه الأمنية المسيطرة على الحكم المدني يرفضون التجاوب معها.
واليوم، تبدو السلطة عازمة على إكمال خطتها بتنظيم الانتخابات التشريعية، غير أنها تواجه وضعاً مقلقاً جداً بالنسبة لها، وعلى جميع الأصعدة؛ فعلى الصعيد السياسي، هناك رئيس منتخب بيد أنه يفتقر إلى الشرعية، بحسب منتقدين، إذ لم تكن الانتخابات التي أُجريت يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019 مقبولة من العديد من الجزائريين، وأظهرت نسبة المشاركة المتدنية في هذه الانتخابات ذلك؛ إذ تجنّب ستة من كل عشرة جزائريين صناديق الاقتراع، بل قاطَعَ سكان منطقة القبائل (شرق الجزائر) الناطقين بالأمازيغية الاقتراع بشكل كامل. كذلك شهد استفتاء تعديل الدستور في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 غياباً كبيراً للناخبين، وكان ذلك دالاً على رفض شعبي لمشاريع السلطة.
وفي إجراء تصعيدي مقابل، هددت الحكومة بعقوبة تصل إلى 20 سنة سجناً، ضد أي شخص تثبت ضده تهمة «إتلاف أو نزع صندوق الاقتراع أو الإخلال بالاقتراع أو بتعكير صفو عمليات التصويت»، وذلك تحسباً للاستحقاق التشريعي المقبل. ويبدو هذا الوعيد موجهاً أساسا إلى منطقة القبائل (شرق العاصمة)، حيث أظهر قطاع من سكانها، خصوصاً نشطاء تنظيم انفصالي يسمى «حركة استقلال القبائل»، عزمهم على «إفشال عرس السلطة» المتمثل في الانتخابات التي اعتبروها «غير شرعية وحيلة للالتفاف على مطلب الحراك الشعبي الأساسي، وهو تغيير النظام جذرياً».
الجيش... اللاعب البارز في السياسة
الدكتورة داليا غانم، الباحثة الجزائرية في «مركز كارنيغي للسلام في الشرق الأوسط»، تذكر في إحدى دراساتها حول الوضع في الجزائر: «يبدو النظام بواجهتيه العسكرية والمدنية منسجماً في مواجهة الحراك الشعبي. هناك فصائل وتوترات داخل أجنحة الحكم، وكان هذا هو الحال طوال تاريخ الجزائر الحديث. لكن إذا عدنا إلى أحداث سياسية عاشتها البلاد سنرى أنه حتى لو كانت هناك تشنّجات بين فصيل في الجيش والمؤسسة السياسية، يبقى الجيش الوطني الشعبي المؤسسة الأقوى في البلاد، ولاعباً بارزاً في المشهد السياسي الجزائري لطالما فرض سلطته على البلاد، إنما من دون أن يحكمها بشكل مباشر، وسيستمر الوضع على هذا المنوال. ورغم الصراع الداخلي في صفوف المؤسسة العسكرية، يدرك الجيش كيف يتصرف بتماسك دفاعاً عن مصالحه وعن استقرار منظومة الحكم التي يعد عمودها الفقري».
وبجانب هذه المعطيات، تقول الباحثة غانم: «هناك الحالة الصحية للرئيس؛ فالسرّيّة المحيطة بمرضه جعلت الجزائريين لا يثقون به، ولا يؤمنون بأن أي تغيير حصل منذ عزل بوتفليقة يوم 2 أبريل (نيسان) 2019. فقد أمضى تبون، العام الماضي، 3 أشهر في المصحات بألمانيا للعلاج من إصابة بفيروس (كوفيد - 19). وأعاد ذلك إلى الأذهان حالة بوتفليقة في عام 2013، وغياباته المتتالية بسبب مرضه. ولقد تسبب هذا وسيستمر في تعميق الهوة بين الجزائريين في رئيسهم وقادتهم».
وضع اقتصادي مأزوم
على الصعيد الاقتصادي أيضاً، الوضع سيئ للغاية؛ فالجزائريون يواجهون تحديات خطيرة، أولاً بسبب النمو السكاني السريع، وثانياً بسبب الفقر المتزايد، وثالثاً بسبب انتشار البطالة بين الشباب... حيث ليس لدى القوة العاملة المتزايدة أي منظور في قطاع عام مشبع وقطاع خاص لم يولد بعد. وحقاً، تعيش الجزائر حالياً على صفيح ساخن بنتيجة إضرابات عمال قطاعات الصحة والبريد والتعليم والدفاع المدني، الذين يطالبون برفع الأجور، إثر ارتفاع فاحش لأسعار السلع والخدمات، في ظل غياب خطة اقتصادية ناجعة لحل المشاكل المتراكمة.
وبالتالي، يتوقع الخبراء تفاقم الأزمة الاقتصادية للبلاد وزيادة التضخم وانخفاض قيمة الدينار. وفي ظل الافتقار إلى الشرعية سيكون من الصعب على القيادة الجزائرية الحصول على موافقة المواطنين، وإقناعهم بتحملهم الإجراءات التقشفية من أجل إصلاح القطاع الاقتصادي.
ثم إن إدمان الجزائر للهيدروكربونات سيئ ولا بدائل؛ إذ بينما كان الرئيس تبّون يتحدث عن الغاز الصخري في الجنوب، يرجح مراقبون أن يؤدي ذلك إلى صراع، لأن سكان الجنوب لديهم مخاوف بيئية بشأن هذا الاستغلال. ومن ثم هذا ما يعتبره المراقبون نهاية الدولة الريعية، مع أن القيادة السياسية لم تفكر في ذلك، ولا بدائل لديها. أما قضية تنويع الاقتصاد التي يتحدث عنها تبّون، فهي بالنسبة لمنتقديه مجرد بلاغات لا أكثر.
بالإضافة إلى كل ذلك، في هذا الوضع الصعب، ومع ذوبان مخزون العملة الصعبة، ثمة حاجة متزايدة للإنفاق لمواجهة جائحة «كوفيد - 19». ومع أكثر من 3500 حالة وفاة ونحو 130 ألف حالة مؤكدة، الجزائر تعاني من تحدٍ صحّي خطير. وراهناً، تعتمد الحكومة في إدارة الأزمة الصحية وتعويض الانخفاض الحاد في عائدات تصدير النفط، على احتياطاتها الأجنبية، ومن المرجح أن تستمر في فعل ذلك مع استمرار الجائحة. وما يُذكر أنه على مدى السنوات الست الماضية استنفدت الاحتياطيات بشكل كبير وخطير، إذ انخفضت بمقدار 132 مليار دولار أميركي من 194 مليار دولار في عام 2013 إلى 62 مليار دولار فقط في عام 2020. وحسب الخبراء الاقتصاديين، فستختفي احتياطيات الجزائر بمنتصف عام 2021.
الدكتورة غانم توضح أنه «على مدى عقدين من الزمن، ومنذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1999، كان الجزائريون يأملون في النجاة من الأعمال الإرهابية، لكنهم اليوم يطالبون بالديمقراطية. لم يعودوا مستعدين للتسامح مع الواجهة الديمقراطية المتميزة بانتخاباتها المُنظّم والهيمنة العسكرية على السياسة. ولا يمكن اليوم الحفاظ على العقد الاجتماعي الذي استمر خلال سنوات طويلة، بفضل الخوف وشراء السلم. إن الانتقال إلى نظام يضمن السيادة الشعبية بالجزائر، سيستغرق وقتاً أطول، وسيتطلب إقامة علاقة جديدة بين المدنيين والعسكريين».
إضافة إلى هذا، هناك تحديات إقليمية كبيرة. فالجزائر لا تزال نقطة ساخنة محتملة في موقع استراتيجي للغاية؛ إذ إنها محاطة بليبيا ومالي، وعبر البحر الأبيض المتوسط من أوروبا. وكثيراً ما لوّحت السلطة بـ«المخاطر الخارجية» لتبرير رفضها أي تغيير داخلي، ولا تتردد في اتهام المطالبين بالتغيير بأنهم «عملاء لليد الأجنبية التي تسعى للعبث بالجزائر»، وجعلت من ذلك غطاء لسجن عدد كبير من خصومها، خاصة نشطاء الحراك.

مراقبة آليات حقوق الإنسان الدولية

وبالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي يزداد صعوبة، تواجه الجزائر انتقادات شديدة من طرف تنظيمات حقوق الإنسان الدولية، خصوصاً المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بسبب حدّة تعاملها مع المظاهرات؛ إذ أكد المتحدث باسم المفوضية روبرت كولفيل يوم 11 مايو (أيار) الحالي، أنه منذ استئناف مسيرات الحراك الأسبوعية المناهضة للنظام في الجزائر في 13 فبراير (شباط) الماضي، تلقت الأمم المتحدة تقارير «عن استخدام مفرط للقوة ضد المتظاهرين السلميين، فضلاً عن استمرار الاعتقالات». وأردف: «إننا نحث السلطات الجزائرية على الكف عن استخدام العنف لتفريق المظاهرات السلمية، ووضع حد للاعتقالات التعسفية واحتجاز الأشخاص الذين مارسوا حقهم في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي».
كذلك أوضح المتحدث أنه «في أربع مناسبات في أبريل ومايو، مُنعت المسيرات الطالبية؛ فواصلت السلطات منع الوصول إلى نقاط التجمع في المظاهرات واعتُقل تعسفياً مئات المتظاهرين أو أي شخص تشتبه فيه الشرطة بأنه متظاهر». وأضاف أن «بعض المتظاهرين اعتقلوا، ثم أفرج عنهم بعد إجبارهم على التوقيع على وثيقة تعهد بعدم المشاركة في المظاهرات».
ثم أكد كولفيل أنه «على مدى شهري مارس وأبريل استمرت الملاحقات القضائية ضد النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والطلاب والصحافيين والمدونين والمواطنين العاديين... وتجري مقاضاتهم على أساس قوانين فضفاضة للغاية، حتى بعد الإعلان عن عفو رئاسي في فبراير من هذا العام».
وحقاً، وفق «اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين»، وهي جمعية تساعد معتقلي الحراك، فإن أكثر من 800 شخص اعتُقِلوا في الأسبوعين الماضيين، خلال مظاهرات الحراك. وجرى اتهام وسجن العديد منهم، وفيما أُفرج عن آخرين، فقد أبقتهم النيابة قيد الملاحقة القضائية.
وعلى مدى الأسابيع الماضية، تعرّض أعضاء الحراك لقمع شديد في العاصمة والمدن الكبرى. ونقلت الفضائيات الأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد الهراوات التي تنهال على رؤوس المتظاهرين، وتعنيف صحافيين واعتقالهم لمنعهم من نقل أخبار الحراك وصوره. وبات رجال الشرطة محل سخط كبير من طرف المتظاهرين، بعدما «رافقوا» مسيرات الحراك شهوراً طويلة بشكل سلمي. وكتب المحلل السياسي محمد هناد، حول «التشدد الأمني» تجاه الحراك: «رغم تواصل المسيرات منذ أكثر من سنتين، وما قد يسمعه أعوان الأمن تارة من عبارات طائشة نتيجة سخط دفين، من المفروض أن يتصرفوا بحسب ما تمليه عليهم الوظيفة والقَسَم الذي أدوه وشعار (الشرطة في خدمتكم)، وكذا روح المواطنة، لأن الشرطة تعمل، أصلاً، بتفويض من الجماعة الوطنية وليس ضدها. معنى ذلك أن قيادات قوات الشرطة بقدر ما تركز على العمل الأمني، يجب أن تركز أيضاً على هذا الجانب، أي من دون قسوة ومع وجوب تفادي إعطاء الانطباع وكأنهم مجرد ميليشيا للسلطة الحالية. هنا، لا بد من لفت انتباه أعوان الشرطة بالزي المدني بوجه خاص: الحق أحقّ بأن يقال، عندما نرى تصرفات بعض أفرادكم تجاه المتظاهرين السلميين يخال لنا وكأننا أمام (بلطجية)»!
قمع المظاهرات السلمية
وبحسب هناد «مع مرور الزمن وتواصل الحراك، ظهر أن قيادة قوات الأمن بدأت تنسى أنها تتعامل مع متظاهرين سلميين يرفضون المواجهة، وأننا في عصر صار التظاهر السلمي من الخصائص الأساسية للمواطنة. لقد ولّى ذلك العهد الذي كان المواطن، أحياناً، يُصفع فيه أمام الملأ، بل وأمام زوجته وأولاده لأتفه الأسباب. من المفروض أن يدرك قادة الشرطة بوصفهم مواطنين أن الحراك عندما يطالب بدولة (مدنية ماشي عسكرية) معناه أنه يرفض دولة القهر مهما كان الشكل الذي قد تتخذه. لذلك، لو استمرت الأمور على هذا الحال، من المحتمل أن يظهر شعار آخر يطالب بدولة (مدنية ماشي بوليسية). بطبيعة الحال، مطلب التعامل مع المتظاهرين باحترافية وإنسانية ووطنية أيضاً، لا يمكن تحقيقه إلا إذا كان جهاز الشرطة مستقلاً في اتخاذ تدابيره وليس خاضعاً، بشكل ما، إلى أجهزة أمنية أخرى».
ثم أضاف هناد: «مؤكد أن مسيرات الحراك المتواصلة بعزم قد أعيت أعوان الأمن كثيراً؛ فهم بشر. ومع ذلك، يجب أن يدرك هؤلاء جيداً أن هذه المسيرات ليست هي سبب معاناتهم، بل تعنّت السلطة ومُضيُّها في فرض أجندتها من دون اعتبار جادٍّ لمطالب الحراك الشعبي السلمي. لذلك، عوض أن يصبَّ أعوان الشرطة جام غضبهم على الحراك الشعبي، الأحرى بهم أن يتصرّفوا بوصفهم مهنيين ومواطنين أيضاً، ويطالبوا قيادتهم بإيصال معاناتهم إلى السلطة. هذا، وسيكون من شأن مثل هذه المبادرة أن تسهم، هي الأخرى، في ممارسة الضغط على هذه السلطة كي تجد حلاً حقيقياً للأزمة التي ستكون عواقبها وخيمة على الجميع، إن هي طالت».
واختتم بالقول: «مشكلة السلطة الحالية أنها تأبى أن ترى في الحراك الشعبي منعطفاً تاريخياً حاسماً في حياة الأمة الجزائرية، غايته إصلاح منظومة الحكم عندنا في العمق، بعدما استشرى الفساد في جميع أوصالها».

أرقام حول انتخابات البرلمان

> يخوض 25416 مرشحاً انتخابات البرلمان المقررة في 12 يونيو (حزيران) المقبل، ضمن 1500 لائحة ترشيح، منهم 12854 ينتمون لأحزاب و12562 مستقلون، سيتنافسون على 407 مقاعد نيابية، وهو عدد أقل من مقاعد البرلمان السابق، البالغ 462 مقعداً.
هذا، وبلغ عدد اللوائح المترشحة في البداية 2490، رفضت «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات» عدداً كبيراً منها، على أساس أن المبعدين محل شبهة «ارتباط بأوساط المال الفاسد». وهذه تهمة تضمنتها فقرة في المادة 200 من القانون العضوي للانتخابات المعدّل في مارس الماضي، بعد أقل من شهر من حلّ «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى).
وطال الإقصاء من الترشح، عدداً كبيراً من كوادر أحزاب شديدة الولاء للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أشهرها «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي» اللذان كان يملكان الأغلبية في البرلمان السابق.
وبين أبرز من رُفض ترشحهم: أبو الفضل بعجي الأمين العام لـ«جبهة التحرير»، بسبب «عدم أدائه الخدمة العسكرية». ولقد درس القضاء طعوناً تقدمت بها 700 لائحة، وفصل في معظمها لصالح الجهة التي رفضت الترشحات، وهي «سلطة الانتخابات» التي تطعن المعارضة في مصداقيتها، بحجة أنها «خاضعة لإملاءات وزارة الداخلية».
ويتضمن قانون الانتخابات إلزامية المناصفة بين النساء والرجال في اللوائح الانتخابية، مع ضرورة أن يكون سن نصف عدد المرشحين أقل من 40 سنة. وما يلفت في الترشحات كثرة عدد الصحافيين في اللوائح. كما يتضمن القانون حق المعارضة في تشكيل حكومة إذا فازت بالغالبية، من دون أن يتدخل رئيس الدولة في اختيار الشخصية التي تقودها.
وفي المقابل، يشهد الاستحقاق الانتخابي، مقاطعة أحزاب بارزة في المعارضة، هي: «جبهة القوى الاشتراكية» (أقدم حزب معارض أسسه رجل الثورة الراحل حسين آيت أحمد)، و«حزب العمال» بزعامة مرشحة الرئاسة سابقاً لويزة حنون، و«التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» برئاسة محسن بلعباس.
وترى هذه الأحزاب أن شروط المشاركة في الانتخابات غير متوافرة، وأنها «لا تشكل حلاً للأزمة السياسية».
في المقابل، تشارك الأحزاب الإسلامية بقوة في المنافسة، أهمها «حركة مجتمع السلم» بقيادة عبد الرزاق مقري، و«جبهة العدالة والتنمية» برئاسة الشيخ عبد الله جاب الله.



روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
TT

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)

مطلع الشهر الماضي ذهب الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، فيما أجمعت الآراء على وصفها بأنها أهمّ انتخابات في تاريخ الاتحاد، الذي منذ أكثر من سنتين تشتعل حرب على تخومه وتهدد باتساع دائرتها وإيقاظ أشباح الماضي الذي قام المشروع الأوروبي بهدف وأده، وهذا بينما تتنامى داخل حدوده القوى التي منذ ثمانية عقود أفرزت أقسى الحروب التي شهدتها القارة في الأزمنة الحديثة. ولقد جاءت النتائج لتؤكد الصعود المطّرد للموجة اليمينية المتطرفة التي كانت قد أمسكت بزمام الحكم منذ سنتين في إحدى الدول الأعضاء الكبرى المؤسسة، إيطاليا، وأصبحت قاب قوسين من الوصول إلى سدّة الرئاسة الفرنسية... فيما بدت جذورها راسخة في العديد من البلدان الأعضاء الأخرى. ولكن، على الرغم من الصاعقة التي ضربت الصرح السياسي الفرنسي، ظل صعود هذه الموجة دون منسوب الطوفان الذي كانت تنذر به الاستطلاعات ويهدد - وفقاً لأفضل الاحتمالات - بجنوح المركب الأوروبي عن مساره التأسيسي. أمام هذا المشهد المعقد، كان القرار الأول الذي اتخذه البرلمان الجديد في جلسته الافتتاحية يوم الثلاثاء الفائت بعد انتخاب رئيسة له، تأكيد الدعم لأوكرانيا وترسيخ الانقسام الحاد بين الكتل السياسية الذي لم يشهد له مثيلاً منذ تأسيسه في عام 1979.

صور بارديلا مرفوعة خلال حملة الانتخابات الفرنسية (إيبا/شاترستوك)

يتّسم البرلمان الأوروبي الجديد الذي افتتح ولايته الاشتراعية العاشرة هذا الأسبوع في العاصمة البلجيكية بروكسل بكونه الأكثر تشرذماً، على صعيد الكتل التي تشكلت داخله بعد انتخابات التاسع من الشهر الماضي، والأكثر جنوحاً نحو اليمين. إذ أصبح أكثر من نصف أعضائه ينضوون تحت الرايات اليمينية المحافظة واليمينية المتطرفة. بيد أن عجز القوى المتطرفة عن الانصهار ضمن كتلة واحدة، أدّى إلى تشكيل 8 كتل سياسية، للمرة الأولى منذ عشرين سنة، تتصدرها كتلة الحزب الشعبي الأوروبي الذي يضمّ 26 في المائة من الأعضاء. وحقاً، ينذر هذا التشرذم بولاية يتخلّلها المزيد من النقاش الحاد، يصعب فيها التوازن عند الاستحقاقات الحسّاسة ويتعذّر الاتفاق، ذلك أن القوى المعتدلة التي كانت تشكل مجتمعة 70 في المائة من أعضاء البرلمان الأول عام 1979، ما عادت تمثّل اليوم أكثر من 45 في المائة فقط.

أهمية الاستقرار السياسي

تعدّ هذه الولاية على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للاستقرار السياسي داخل الاتحاد، خاصةً بعد صعود اليمين المتطرف والزلزال الذي نجم عن الانتخابات الأخيرة في فرنسا، حيث لا يزال المخاض مستمراً لتشكيل حكومة جديدة. وفي حين تجهد القوى المعتدلة للتأكيد بأنها تمكّنت من صدّ الموجة اليمينية المتطرفة - مع خشية كثيرين من أن تكون هذه آخر فرصة لقطع الطريق أمام الانقلاب السياسي الكبير - تكثّف هذه القوى مساعيها لفرض حظر على التعامل مع بعض القوى اليمينية المتطرفة التي تصنّفها قريبة من روسيا، وتعمل على منعها من تولّي مناصب حساسة في المؤسسات الأوروبية.

كتلة الحزب الشعبي الأوروبي تضم اليوم في البرلمان الجديد 188 عضواً، تليها كتلة الحزب الاشتراكي التي تتكوّن من 136 عضواً لا يتجاوزون نسبة 20 في المائة من المجموع للمرة الأولى منذ انطلاق البرلمان. وتأتي في المرتبة الثالثة كتلة «وطنيون من أجل أوروبا» اليمينية المتطرفة بـ84 عضواً، التي يقودها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وزعيمة «التجمّع الوطني» الفرنسي مارين لوبان، ثم تأتي في المرتبة الرابعة الكتلة اليمينية الأخرى التي تتزعمها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وتضمّ 87 عضواً تحت شعار «المحافظون والديمقراطيون من أجل أوروبا»... التي فشلت حتى الآن كل محاولات ضمّها إلى كتلة الحزب الشعبي الأوروبي. أما الكتلة الأخيرة التي تتجاوز بقليل 10 في المائة من مجموع أعضاء البرلمان، فهي الكتلة الليبرالية الوسطية، التي كانت أكبر الخاسرين في الانتخابات الأخيرة بعدما فقدت المرتبة الثالثة التي كانت تحتلها عادةً بين الكتل السياسية في البرلمان الأوروبي.

"تشكّك أوساط برلمانية أوروبية في قدرة الكتلة اليمينية المتطرفة الجديدة على التأثير داخل البرلمان"

البرلمان الأكثر جنوحاً نحو اليمين

بذلك يكون هذا البرلمان الجديد الأكثر جنوحاً نحو اليمين في تاريخ الاتحاد الأوروبي. ويبقى الذكور يشكلون فيه أكثرية الأعضاء (60 في المائة)، مع أن بعض البلدان، مثل قبرص، لم تنتخب أي رجل للبرلمان الجديد، بينما تشكّل النساء ثلث الأعضاء المنتخبين في كلٍ من ألمانيا وإيطاليا.

من ناحية أخرى، كان التطور اللافت والمفاجئ في المعسكر اليميني المتطرف نجاح رئيس الوزراء المجري أوربان في لمّ شمل القوى اليمينية المتطرفة القريبة من موسكو ضمن كتلة برلمانية جديدة «وطنيون من أجل أوروبا». ولقد قامت هذه الكتلة على أنقاض كتلة «الهوية والديمقراطية»، وتضمّ كلاً من الحزب الليبرالي النمساوي و«التحالف المدني» الذي يقوده رئيس الوزراء التشيكي السابق أندريه بابيس، إلى جانب حزب «فوكس» الإسباني، وحزب «الرابطة» الإيطالي بزعامة ماتّيو سالفيني، واليمين الهولندي المتطرف، وحزب «التجمع الوطني» الفرنسي بزعامة مارين لوبان.

ويعود الفضل في تشكيل هذه الكتلة الجديدة، التي تعمّدت تهميش رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إلى أوربان وحلفائه في أوروبا الشرقية. ويهدف هذا التجمع الجديد إلى التأثير في سياسات البرلمان الأوروبي وعرقلة مشروع الاندماج الذي يتجه نحو توسعة جديدة للاتحاد تشمل دول البلقان وبعض بلدان القوقاز، إلى جانب أوكرانيا.

رئيس الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني (رويترز)

دور فيكتور أوربان

وتأتي هذه الخطوة أيضاً، وسط تزايد القلق بين الشركاء الأوروبيين من الدور الذي يلعبه فيكتور أوربان في الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد، وجولاته على كييف وموسكو وبكين في «مهمة سلام» لم تكلفه بها الدول الأعضاء التي وجهت إليه انتقادات شديدة واتهمته بخدمة مصالح الكرملين، وبدأت أخيراً بمقاطعة الاجتماعات الوزارية التي تنظمها الرئاسة المجرية.

هذا، وكان «التجمّع الوطني» الفرنسي الذي تقوده لوبان، والذي يشكّل القوة الرئيسية في هذه الكتلة الجديدة بعد حصوله على 30 مقعداً في انتخابات الشهر الماضي، قد تريّث في الإعلان عن انضمامه إلى الكتلة في انتظار نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الاشتراعية الفرنسية التي كان يأمل أن يحصل فيها على الغالبية المطلقة ويكلّف نجمه الصاعد الشاب جوردان بارديلا تشكيل الحكومة الجديدة. إلا أنه بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات الفرنسية وتراجع «التجمع الوطني» إلى المرتبة الثالثة، صرّح بارديلا - الذي كان قد انتُخب عضواً في البرلمان الأوروبي – بـ«أن أعضاء (التجمع الوطني) في البرلمان الأوروبي الجديد سيلعبون دورهم كاملاً ضمن كتلة كبيرة سيكون لها تأثير واضح على موازين السلطة ومعادلاتها في أوروبا». وتعهّد بارديلا، بالتالي، مواصلة العمل من أجل «منع إغراق بلدان الاتحاد بالمهاجرين، ورفض السياسات البيئية المتطرفة، ومصادرة السيادة الوطنية».

وما يُذكر أنه على الرغم من تغيّب بارديلا عن الاجتماع التأسيسي للكتلة الجديدة، فإنه انتُخب رئيساً لها بالإجماع، يعاونه ستة نواب للرئيس، تبرز من بينهم المجرية كينغا غال كنائبة أولى.

تشكيك بإمكانية توحيد اليمين

في أي حال، تشكّك أوساط برلمانية أوروبية في قدرة هذه الكتلة اليمينية المتطرفة الجديدة على التأثير داخل البرلمان الجديد، وتستبعد نجاحها في العمل بتوجيهات موحدة في ضوء اختلاف مصالحها وأهدافها الخاصة. وكانت الكتلة السابقة «الهوية والديمقراطية»، التي قامت على أنقاضها الكتلة الجديدة، وكان ينتمي إليها حزب «البديل من أجل ألمانيا» - الذي طُرد منها بسبب التصريحات النازية لزعيمه - دائماً معزولة من القوى البرلمانية الأخرى، بما فيها الكتلة التي تتزعمها ميلوني. وهنا نشير إلى أنه رغم الانسجام العريض بين مواقف ميلوني ومواقف أوربان من معظم الملفات الأوروبية، فإن الزعيمين يختلفان بوضوح حول الحرب الدائرة في أوكرانيا؛ إذ تصطف ميلوني ضمن الموقف الرسمي للاتحاد، بعكس حليفها اللدود في الائتلاف الحكومي الذي ينافسها على زعامة المعسكر اليميني المتطرف في إيطاليا، زعيم حزب «الرابطة» ماتيو سالفيني.

جدير بالذكر، أن البرلمان الأوروبي الجديد انتخب في جلسته الافتتاحية يوم الثلاثاء الماضي المالطية روبرتا متسولا، من الحزب الشعبي، رئيسة لنصف الولاية الاشتراعية حتى مطلع عام 2027. ونالت متسولا، التي كانت ترأس البرلمان السابق منذ وفاة الإيطالي دافيد ساسولي، 562 صوتاً من أصل 720، وهذا رقم قياسي لم يحصل عليه أي من الرؤساء السابقين؛ الأمر الذي يدلّ على أنها حصلت أيضاً على تأييد عدد من نواب اليمين المتطرف بجانب تأييد الكتلتين الكبريين اللتين تتوافقان عادة على توزيع المناصب القيادية في مؤسسات الاتحاد.

ولقد قالت متسولا في كلمتها قبل البدء بالاقتراع السري: «أدعوكم إلى التمسك والالتزام بمبادئنا وقيمنا التأسيسية، والدفاع عن سيادة القانون، وعن الإنسانية في الشرق الأوسط ورفض اجتياح أوكرانيا». وشددت، كما فعلت عند انتخابها للمرة الأولى، على إعطاء البرلمان الأوروبي صلاحية اقتراح التشريعات المقصورة حالياً على المفوضية.