هل يغيّر الأسد أولوياته ويبدي «مرونة» في ولايته الجديدة؟

TT

هل يغيّر الأسد أولوياته ويبدي «مرونة» في ولايته الجديدة؟

أعلنت دمشق فوز الرئيس السوري بشار الأسد، كما كان متوقعاً، بولاية رابعة، رغم تشكيك قوى غربية ومعارضيه بـ«نزاهة» الانتخابات. فما الرسالة التي يوجّهها فوزه بعد عقد من نزاع مدمر؟ وما أبرز أولوياته في المرحلة المقبلة؟
وجاء في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية أمس، أنه لم تكن إعادة انتخاب الأسد (55 عاماً) مفاجئة لمؤيديه وخصومه. ومع أن النتائج كانت محسومة سلفاً، احتشد عشرات الآلاف في مدن عدّة، مستبقين إعلانها، في مؤشر على الأهمية التي توليها دمشق لاستحقاقٍ هو الثاني منذ اندلاع النزاع قبل عشر سنوات.
وعنونت صحيفة «الوطن» المقربة من السلطات على صفحتها الأولى أمس (الجمعة): «95,1% من السوريين قالوا كلمتهم: بشار الأسد رئيساً للجمهورية»، في دلالة على «مبايعة» الأسد، فيما لم يدلِ ملايين المواطنين، ممن شرّدتهم الحرب داخل البلاد أو باتوا لاجئين خارجها، بأصواتهم.
ويقول الباحث في معهد «نيولاينز» نيكولاس هيراس، لوكالة الصحافة الفرنسية: «يرسل الأسد إشارة إلى كلٍّ من المعارضة السورية وخصومه الأجانب بأن أحلامهم في الإطاحة به قد ماتت».
خلال السنوات الأخيرة، راهن المجتمع الدولي على تسوية سياسية تُحدث تغييراً في بنية النظام قبل الانتخابات، بعدما تخلّت قوى غربية وعربية عدة عن مطلب تنحي الأسد.
ويرى هيراس أن «الانتخابات بتفويضها الأسد بنسبة 95,1% من الأصوات، شكّلت المسمار الأخير في نعش الجهد الدبلوماسي الدولي لتحقيق الإصلاح» في سوريا. كما يرى أن روسيا وإيران، حليفتا دمشق، وجّهتا «رسالة كبرى إلى واشنطن وشركائها بأنه لا مستقبل لسوريا من دون الأسد».
اتّخذ الأسد عبارة «الأمل بالعمل» شعاراً لحملته الانتخابية. وما إن صدرت نتائج الانتخابات، وشارك فيها -وفق السلطات- أكثر من 14 مليون سوري من إجمالي 18 مليوناً يحقّ لهم الاقتراع داخل سوريا وخارجها، حتى أعلن الأسد «بداية مرحلة العمل» لـ«بناء سوريا كما يجب أن تكون».
وفاق عدد الناخبين، الذي أعلنته السلطات، توقعات المحللين، خصوصاً أن الانتخابات جرت في مناطق سيطرة القوات الحكومية، التي يقطنها نحو 11 مليون شخص.
وسلّطت الحملة الانتخابية للأسد، وفق هيراس، الضوء على دور الأسد «كرجل انتصر في الحرب ولديه أفكار هائلة لإعادة إعمار سوريا، عدا عن كونه الوحيد القادر على إعادة النظام بعد فوضى النزاع» الذي استنزف مقدرات البلاد واقتصادها، وأودى بحياة أكثر من 388 ألف نسمة. وفيما يدرك الأسد أن الحصول على أموال المجتمع الدولي لإعادة الإعمار لا يمكن أن يحصل خارج تسوية سياسية تحت مظلة الأمم المتحدة، يعمل ومن خلفه حلفاؤه على جذب «مانحين محتملين» على رأسهم دول الخليج، وسط انهيار اقتصادي غير مسبوق. وتعمّد مسؤولون سوريون قبل الانتخابات تسريب معلومات عن «تغيير كبير» مرتقب في العلاقات مع دول عربية وعن قنوات اتصال مفتوحة خصوصاً مع بعضها، سيتمّ الإفصاح عن تفاصيله بعد الانتخابات.
وقالت المستشارة الخاصة في الرئاسة بثينة شعبان، لإذاعة «شام إف إم» المحلية الخميس: «هناك جهود تُبذل لعلاقات أفضل بين دمشق والرياض وقد نشهد في قادم الأيام نتائج في هذا الموضوع».
وبرز التفاؤل ذاته على لسان وزير الخارجية فيصل المقداد، الذي رأى قبل يومين أن «الخطاب السياسي قد اختلف ولو قليلاً، وهذا سيمهّد الطريق من أجل تطورات جديدة في المنطقة».
بعد سنوات من القطيعة وتجميد مقعد سوريا في جامعة الدول العربية إثر اندلاع النزاع، برزت مؤشرات عدّة على انفتاح عربي، بدأت مع إعادة فتح الإمارات سفارتها في دمشق وإرسالها مساعدات طبية، ثم تأكيد وزير خارجيتها في مارس (آذار) أن «عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في مصلحتها ومصلحة البلدان الأخرى في المنطقة».
ويقول الباحث السوري شادي أحمد، إنّ «العلاقات مع الدول العربية وإن مرت بخصومات وأحياناً عداوات أو اشتباكات مباشرة، إلا أن ذلك يُعدّ في سياق التاريخ أمراً طبيعياً». وتوقع أن يُصار في المرحلة المقبلة إلى «التأسيس لعلاقات جديدة قائمة على معايير تضمن استعادة بناء الثقة بين الطرفين».
رغم تشكيك معارضي الأسد وقوى غربية بـ«نزاهة» الانتخابات، وتأكيد الأمم المتحدة أن الانتخابات «ليست جزءاً من العملية السياسية» التي «تشمل انتخابات حرة ونزيهة بموجب دستور جديد» تحت إشرافها، فإنّ هامش المناورة محدود.
ولطالما كرر الأسد عزمه على استعادة المناطق الخارجة عن سيطرته عبر التفاوض أو القوة، لكنّ اتفاقات تهدئة تركية روسية في إدلب ومحيطها (شمال غرب)، ووجود قوات أميركية في مناطق الأكراد (شمال شرق)، أعاقت مضيّه في الخيار العسكري.
ومع فوزه بولاية جديدة، تضيق خيارات معارضيه. ويقول الباحث السياسي كريم بيطار: «لقد وصفوا الانتخابات عن حقّ بأنها صورية ومهزلة... لكن بجانب هذا الوصف، فإن تأثيرهم محدود جداً، باستثناء ربما الاستمرار في إثارة قضيتهم على الساحة الدولية، وإشراك بقية القوى العظمى» المنخرطة في النزاع.
ومع أنّ المعارضة ما زالت بعيدة عن رؤية الضوء في نهاية النفق، فإنّه يتعين على الأسد، وفق بيطار، في مرحلة ما أن «يُبدي المزيد من المرونة»، موضحاً: «قد يستغرق الأمر بعض الوقت، لكن عاجلاً أم آجلاً ستتغير اللعبة».
ويضيف: «يمكنك أن تربح الحرب باستخدام القوة الغاشمة، كما فعل الأسد في سوريا، لكن لا يمكن أن تحكم دولة باستخدام القوة الغاشمة».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».