الصراعات السياسية تُدخل مجلس القضاء دوامة «الفراغ القاتل»

مرجع قضائي لـ«الشرق الأوسط»: تعطيل التشكيلات علة العلل

TT

الصراعات السياسية تُدخل مجلس القضاء دوامة «الفراغ القاتل»

دخل مجلس القضاء الأعلى في لبنان اعتباراً من اليوم مرحلة «الفراغ القاتل»، بعد أن أدت الصراعات السياسية إلى وضعه خارج الخدمة، جراء انتهاء ولاية ستة من أعضائه وتعذر تعيين بدلاء عنهم، ليبقى فقط الأعضاء الحكميون، أي رئيس مجلس القضاء الحالي القاضي سهيل عبود، النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، ورئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد، بالإضافة إلى القاضي عفيف الحكيم الذي فاز بالتزكية في الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي.
الفراغ الأخطر في عمر القضاء، يعد سابقة في تاريخ مؤسسة العدالة، التي بقيت حتى في أحلك أيام الحرب الأهلية موحدة وفاعلة، وتصدر أحكامها باسم الشعب اللبناني، وتجمع آراء المراجع المعنية على أن السبب الأساس والمباشر لما وصل إليه وضع القضاء «يكمن في تجميد مرسوم التشكيلات القضائية، وامتناع رئيس الجمهورية ميشال عون عن توقيعه رغم مرور سنة وشهرين على إنجازه».
واعتباراً من صباح اليوم، لن تكون هناك سلطة تسير عمل الدوائر القضائية، سواء بملء المراكز التي تشغر في المحاكم أقله بالانتداب، ولا بتوزيع الأعمال، ولا حتى بتوقيع مذكرات إدارية روتينية، ويفترض أن يستمر هذا الشلل إلى حين تعيين أعضاء لمجلس القضاء لينتظم حينها عمل هذه المؤسسة. وعبر مرجع قضائي بارز عن حزنه للواقع الذي أصاب القضاء، ودعا إلى «عدم الإسراف في التفسيرات والتحليلات حيال وصول الأمر إلى هذا الدرك»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الامتناع عن إصدار مرسوم التشكيلات القضائية هو علة العلل، والسبب الأول لما آلت إليه أوضاع القضاء». ورأى أنه «لو حصلت التشكيلات في وقتها لكنا أمام مروحة تعيينات كاملة وانتخاب عضوين في مجلس القضاء الأعلى».
وفي انتقاد ضمني لاذع لوزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، ومرسوم التعيينات الفرعية الذي أعدته لتعيين أربعة أعضاء في مجلس القضاء الأعلى من المحسوبين على التيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل، ذكر المرجع القضائي بأن «التعيينات في القضاء تخضع لمعايير وأصول لا يمكن تجاوزها، وأهمها أخذ رأي رئيس مجلس القضاء بالأسماء المقترحة»، مبدياً أسفه أن «توضع تعيينات الوزيرة (نجم) على الهواء وتصبح قيد المناقشة والتقييم في الإعلام من دون أن يطلع عليها مجلس القضاء». وقال المرجع القضائي «ليس ثمة موقف مسبق من الأسماء المقترحة، لكن ما هي المعايير التي اعتمدتها وزيرة العدل؟».
وكانت وزيرة العدل أعدت الأسبوع الماضي مشروع مرسوم يقضي بتعيين أربعة قضاة كأعضاء في مجلس القضاء الأعلى، وهم: رئيسة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل القاضية جويل فواز (محسوبة على مستشار رئيس الجمهورية سليم جريصاتي)، القاضي سامر يونس (مقرب جداً من باسيل، وسبق لمجلس القضاء أن رفض مرتين متتاليتين اقتراح تعيينه محققاً عدلياً في قضية انفجار مرفأ بيروت)، القاضية رانيا الدحداح (تظهر ولاءها للعهد ولا تتردد في نشر تغريدات تشيد بالقاضية غادة عون وتحدي الأخيرة لقرارات مجلس القضاء الأعلى)، القاضية رولا الحسيني، وهي شيعية لكنها مسماة من فريق العهد، ولم يؤخذ برأي الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) عند تسميتها.
وأوضح مصدر في مجلس القضاء الأعلى لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإمعان في تفكيك مجلس القضاء الأعلى وشله كلياً يقوض مسار العدالة في لبنان». وتحدث عن «خيارات متعددة قيد الدرس حالياً تهدف إلى تأمين استمرارية مرفق العدالة»، مشيراً إلى أن «الرئيس الأول (القاضي سهيل عبود) يدرس الخيارات التي تتيح له تسيير المرفق القضائي، أقله بالقرارات الإدارية الروتينية».
ورفض رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أول من أمس، توقيع المرسوم المقدم من وزيرة العدل لتعيين أربعة قضاة من محاكم البداية والاستئناف أعضاء في مجلس القضاء الأعلى، معللاً ذلك بأن تصريف الأعمال يبقى في الإطار الضيق، ولا يمكن لحكومة مستقيلة إصدار المراسيم. فيما خالفت مصادر وزارة العدل هذا الرأي وأوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن مرسوم التعيينات بمجلس القضاء «يعد من القضايا الملحة التي تستوجب السير بها حتى لا يتعطل المرفق القضائي». ورداً على الاتهامات التي توجه إلى الوزيرة نجم بأنها «اختارت أربعة قضاة محسوبين على العهد وفريقه، من أجل فرملة قرارات مجلس القضاء الأعلى التي تصدر بغالبية سبع أعضاء من أصل عشرة». شددت المصادر على أن «تلك الاتهامات سخيفة ولا تستأهل الرد أو التعليق».
من جهته، اعتبر رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي غالب غانم، أن القضاء اللبناني «يقف على مشارف مرحلة هي الأخطر في تاريخه». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهجمة المستمرة على القضاء تهدف إلى إخضاعه وتطويعه لصالح القوى السياسية المتناحرة، وهذا للأسف يلاقي قبولاً لدى بعض القضاة الذين يتناغمون مع القوى المذكورة». وشدد القاضي غالب غانم على أن «الاعتبارات السياسية والشعبوية عطلت التشكيلات القضائية قبل سنة، وهي نفسها التي تعطل تعيين أعضاء في مجلس القضاء الأعلى»، معتبراً أن «الشغور المؤقت في مجلس القضاء الأعلى قد لا يشكل خطراً استراتيجياً، بل الخطر يتجلى في استهداف مجلس القضاء وما يمثل كرأس للسلطة القضائية وساهر على مسيرة العدالة في لبنان».



إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
TT

إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)

بهدف توحيد الصف اليمني ومساندة الشرعية في بسط نفوذها على التراب الوطني كله، أعلن 22 حزباً ومكوناً سياسياً يمنياً تشكيل تكتل سياسي جديد في البلاد، هدفه استعادة الدولة وتوحيد القوى ضد التمرد، وإنهاء الانقلاب، وحل القضية الجنوبية بوصفها قضيةً رئيسيةً، ووضع إطار خاص لها في الحل النهائي، والحفاظ على النظام الجمهوري في إطار دولة اتحادية.

إعلان التكتل واختيار نائب رئيس حزب «المؤتمر الشعبي» ورئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر رئيساً له، كان حصيلة لقاءات عدة لمختلف الأحزاب والقوى السياسية - قبل مقاطعة المجلس الانتقالي الجنوبي - برعاية «المعهد الوطني الديمقراطي الأميركي»، حيث نصَّ الإعلان على قيام تكتل سياسي وطني طوعي للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، يسعى إلى تحقيق أهدافه الوطنية.

القوى السياسية الموقعة على التكتل اليمني الجديد الداعم للشرعية (إعلام محلي)

ووفق اللائحة التنظيمية للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، ستكون للمجلس قيادة عليا تُسمى «المجلس الأعلى للتكتل» تتبعه الهيئة التنفيذية وسكرتارية المجلس، على أن يكون المقر الرئيسي له في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، وتكون له فروع في بقية المحافظات.

وبحسب اللائحة التنظيمية للتكتل، فإن الأسس والمبادئ التي سيقوم عليها هي الدستور والقوانين النافذة والمرجعيات المتفق عليها وطنياً وإقليمياً ودولياً، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والعدالة، والمواطنة المتساوية، والتوافق والشراكة، والشفافية، والتسامح.

ونصَّ الباب الثالث من اللائحة التنظيمية على أن «يسعى التكتل إلى الحفاظ على سيادة الجمهورية واستقلالها وسلامة أراضيها، والتوافق على رؤية مشتركة لعملية السلام، ودعم سلطات الدولة لتوحيد قرارها وبسط نفوذها على كافة التراب الوطني، وتعزيز علاقة اليمن بدول الجوار، ومحيطه العربي والمجتمع الدولي».

وكان المجلس الانتقالي الجنوبي، الشريك في السلطة الشرعية، شارك في اللقاء التأسيسي للتكتل الجديد، لكنه عاد وقاطعه. وأكد المتحدث الرسمي باسمه، سالم ثابت العولقي، أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتابع نشاط التكتل الذي تعمل عليه مجموعة من الأطراف لإعلانه، ويؤكد عدم مشاركته في هذا التكتل أو الأنشطة الخاصة به، وأنه سيوضح لاحقاً موقفه من مخرجات هذا التكتل.

ومن المقرر أن يحل التكتل الجديد محل «تحالف الأحزاب الداعمة للشرعية»، الذي تأسس منذ سنوات عدة؛ بهدف دعم الحكومة الشرعية في المعركة مع جماعة الحوثي الانقلابية.

ويختلف التكتل الجديد عن سابقه في عدد القوى والأطراف المكونة له، حيث انضم إليه «المكتب السياسي للمقاومة الوطنية» بقيادة العميد طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي، و«مؤتمر حضرموت الجامع»، وغيرهما من القوى التي لم تكن في إطار التحالف السابق.

ووقَّع على الإعلان كل من حزب «المؤتمر الشعبي العام»، وحزب «التجمع اليمني للإصلاح»، و«الحزب الاشتراكي اليمني»، و«التنظيم الناصري»، و«المكتب السياسي للمقاومة الوطنية»، و«الحراك الجنوبي السلمي»، وحزب «الرشاد اليمني»، وحزب «العدالة والبناء».

كما وقَّع عليه «الائتلاف الوطني الجنوبي»، و«حركة النهضة للتغيير السلمي»، وحزب «التضامن الوطني»، و«الحراك الثوري الجنوبي»، وحزب «التجمع الوحدوي»، و«اتحاد القوى الشعبية»، و«مؤتمر حضرموت الجامع»، وحزب «السلم والتنمية»، وحزب «البعث الاشتراكي»، وحزب «البعث القومي»، وحزب «الشعب الديمقراطي»، و«مجلس شبوة الوطني»، و«الحزب الجمهوري»، وحزب «جبهة التحرير».

وذكرت مصادر قيادية في التكتل اليمني الجديد أن قيادته ستكون بالتناوب بين ممثلي القوى السياسية المُشكِّلة للتكتل، كما ستُشكَّل هيئة تنفيذية من مختلف هذه القوى إلى جانب سكرتارية عامة؛ لمتابعة النشاط اليومي في المقر الرئيسي وفي بقية فروعه في المحافظات، على أن يتم تلافي القصور الذي صاحب عمل «تحالف الأحزاب الداعمة للشرعية»، الذي تحوَّل إلى إطار لا يؤثر في أي قرار، ويكتفي بإعلان مواقف في المناسبات فقط.

بن دغر مُطالَب بتقديم نموذج مختلف بعد إخفاق التحالفات اليمنية السابقة (إعلام حكومي)

ووفق مراقبين، فإن نجاح التكتل الجديد سيكون مرهوناً بقدرته على تجاوز مرحلة البيانات وإعلان المواقف، والعمل الفعلي على توحيد مواقف القوى السياسية اليمنية والانفتاح على المعارضين له، وتعزيز سلطة الحكومة الشرعية، ومكافحة الفساد، وتصحيح التقاسم الحزبي للمواقع والوظائف على حساب الكفاءات، والتوصل إلى رؤية موحدة بشأن عملية السلام مع الجماعة الحوثية.