بعد مرور 6 أشهر على وقف الحرب.. غزة لا تزال تعيش أوضاعا كارثية

مليون فلسطيني يعتمدون على المساعدات.. و80 % يعيشون تحت خط الفقر

عائلة من غزة تقيم داخل إحدى المدارس المخصصة للإيواء بعد أن دمرت القوات الإسرائيلية منزلها (أ.ف.ب)
عائلة من غزة تقيم داخل إحدى المدارس المخصصة للإيواء بعد أن دمرت القوات الإسرائيلية منزلها (أ.ف.ب)
TT

بعد مرور 6 أشهر على وقف الحرب.. غزة لا تزال تعيش أوضاعا كارثية

عائلة من غزة تقيم داخل إحدى المدارس المخصصة للإيواء بعد أن دمرت القوات الإسرائيلية منزلها (أ.ف.ب)
عائلة من غزة تقيم داخل إحدى المدارس المخصصة للإيواء بعد أن دمرت القوات الإسرائيلية منزلها (أ.ف.ب)

بعد 6 أشهر على وقف إطلاق النار، يعود سكان قطاع غزة إلى المربع الذي سبق الحرب، والذي طغت عليه المطالبة بحرية الحركة والصيد، وفتح المعابر وإقامة ميناء ومطار، لكن بعض هذه الأحلام تراجع كثيرا، مع حضور الطلب الأكثر إلحاحا وأهمية بالنسبة للفلسطينيين، وهو إعادة إعمار ما خلفته الحرب الإسرائيلية الدامية على القطاع.
وحسب مراقبين ومحللين سياسيين، فإنه منذ انتهاء الحرب لم تتحقق على الأرض أي من المكاسب التي أعلن الفلسطينيون حصدها، فيما لم تتوقف حركة حماس عن إعادة بناء الأنفاق التي أعلن الإسرائيليون ردمها بالكامل، وما زالت خلافات الحرب تشعل حربا أخرى بين المسؤولين الإسرائيليين. وبهذا الخصوص قال القيادي الفلسطيني قيس أبو ليلي، عضو الوفد الفلسطيني المفاوض حول غزة، إنه لا توجد آفاق لاتفاق قريب مع إسرائيل، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن احتمالات استئناف المفاوضات تعد ضئيلة جدا بسبب الوضع القائم في سيناء، وبسبب العلاقات المصرية مع حماس.
وحذر أبو ليلى من أن الوضع المتدهور، الذي يتسارع بشدة، يمكن أن يخرج عن السيطرة، داعيا إلى اتفاق فلسطيني - فلسطيني فوري لحل مشكلات القطاع.
ومنذ وقف الحرب يسعى الفلسطينيون إلى اتفاق على حرية حركة الأفراد والبضائع، وإعادة تشغيل المطار، وبناء ميناء، وتوسيع الصيد البحري، وإزالة الشريط العازل، فيما يريد الإسرائيليون فرض رقابة صارمة على عملية إعادة الإعمار، ومراقبة الأموال، ومنع دخول وتطوير وتصنيع أسلحة في غزة، ويربطون تلبية بعض المطالب بتحقيق تقدم في الهدوء، فيما يرفضون مطالب أخرى.
ويقول أبو ليلى إن «أيا من الاتفاقات لم يطبق على الأرض نهائيا». لكن مطلب إعادة الإعمار تحديدا، يعتبر من القضايا العاجلة والملحة بالنسبة للفلسطينيين، لكن تعوقه الآن مسائل أخرى غير الاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي. وبهذا الخصوص قال وزير الأشغال العامة والإسكان في حكومة الوفاق الوطني مفيد الحساينة، أمس: «إن عدم تسلم الحكومة لإدارة معابر قطاع غزة يعد من أهم الأسباب التي أفضت إلى بطء شديد في عملية إعادة الإعمار»، وأضاف خلال مؤتمر صحافي في رام الله، أن «الحكومة بحاجة إلى وجود فعلي على الأرض في غزة حتى تتمكن من القيام بمسؤولياتها على أكمل وجه».
لكن الحكومة الفلسطينية تتهم حركة حماس بمنعها من تسلم المعابر، وفرض سيطرتها على الأرض، فيما تتهم حماس الحكومة بالتقاعس في غزة، إذ قال موسى أبو مرزوق، القيادي في حركة حماس، أمس، إنه يجب تشكيل حكومة وحدة وطنية، يشارك فيها رؤوس الفصائل وأعيانها، من أجل حل مشكلات غزة، بما فيها إعادة الإعمار.
وكانت هذه الخلافات سببا مباشرا في عدم تحويل الدول المانحة للأموال التي تعهدت بها خلال مؤتمر الإعمار في القاهرة. وأقر الحساينة بأن الأموال «تصل بشكل بطيء جدا، وكذلك إدخال مواد البناء، بحيث لا تتناسب الكميات التي دخلت القطاع مع جزء بسيط من احتياجات المواطنين ضحايا العدوان الإسرائيلي».
وبعد وقف إطلاق النار قبل 6 أشهر أصبحت آلاف الأسر تعيش في مدارس تابعة للأونروا بسبب عدم تعويضهم، فيما تعاني أسر أخرى من تراكم الالتزامات بسبب استئجارهم بيوتا بديلة لمنازلهم المدمرة. وبسبب هذا الوضع تظاهر عدد من المتضررين مرارا ضد حكومة التوافق والفصائل في محاولة للضغط من أجل إطلاق عملية إعمار جادة وسريعة.
وقالت منظمة أوكسفام البريطانية أمس إن إعادة إعمار قطاع غزة قد يستغرق مائة سنة حسب المعدلات الحالية، إن لم يتم رفع الحصار الإسرائيلي، إذ أوضحت كاثرين إيسويان، المدير الإقليمي للمنظمة الإغاثية «أوكسفام»، أن ما وصل إلى قطاع غزة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من مواد مخصصة للإعمار يعد أقل من ربع في المائة من مجموع الشاحنات المحملة بمواد البناء الأساسية والضرورية، وقالت إن كل يوم يمر دون قدرة السكان على البناء، وتزايد التوتر داخل حكومة الوحدة الفلسطينية، من شأنه أن يفاقم الوضع في غزة. وهذا الوضع دفع حركة حماس إلى التهديد بانفجار جديد.
وحذرت 30 وكالة إغاثة دولية أمس من «استئناف العمليات القتالية حتما إذا لم يحرز تقدم، وإذا لم تتم معالجة الأسباب الجذرية للصراع». وحملت الوكالات الإغاثية في بيان مشترك إسرائيل، باعتبارها قوة احتلالية، المسؤولية الكاملة عن آثار هذا الحصار، مطالبة إياها بإنهاء الحصار بشكل كامل ضمن الإطار الذي حدده قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1860، الصادر سنة 2009. ووصف البيان الوضع في قطاع غزة بأنه «متدهور إلى حد كبير».
من جهته، عبر النائب جمال الخضري، رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، عن الوضع في غزة بقوله إنه «مرعب وكارثي سواء على صعيد الوضع الإنساني أو الاقتصادي أو الصحي أو البيئي، أو التعليمي أو الاجتماعي». وأضاف أنه «منذ انتهاء العدوان لم يبن منزل واحد من البيوت التي تم تدميرها.. هناك مليون إنسان يعيشون على المساعدات، ومتوسط دخل الفرد دولار واحد يوميا، فيما 80 في المائة يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة البطالة تصل إلى أكثر من 60 في المائة، بالإضافة إلى أن 95 في المائة من المياه غير صالحة للشرب، وآلاف الناس ما زالوا يقيمون في كرفانات (بيوت متنقلة) ومراكز إيواء تابعة لوكالة الأونروا».
لكن إسرائيل التي تقف موقفا متفرجا ويهدد قادتها بجولة قتال لاحقة، ترفض الاتهامات بالمسؤولية عن تدهور القطاع، إذ قال منسق نشاطات الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية الجنرال يؤاف مردخاي، إن تأخر عملية إعادة الإعمار ينبع من مشكلتين رئيسيتين، وهما عدم وصول أموال المتبرعين، والصراع الداخلي بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس.
الآن وبعد مرور 6 أشهر على الحرب ما زال الطرفان يقيمان ميزان الربح والخسارة، فيما تحولت الحرب على غزة إلى مادة انتخابية في إسرائيل، إذ تبادل الوزراء الاتهامات بالفشل في كبح جماح حماس. وفي هذا الشأن يقول أبو ليلى إنه «في حين انتهت المواجهة العسكرية بالتعادل، فإن الاعتبارات السياسية الكثيرة التي تدخل في الحسابات، ليست لصالح الفلسطينيين الآن».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.