اضطراب الهوية الجنسية... مزيج من الخلل الهرموني والنفسي والجيني

لعدم توافق نفسية المراهقين مع أجسادهم

اضطراب الهوية الجنسية... مزيج من الخلل الهرموني والنفسي والجيني
TT

اضطراب الهوية الجنسية... مزيج من الخلل الهرموني والنفسي والجيني

اضطراب الهوية الجنسية... مزيج من الخلل الهرموني والنفسي والجيني

أشارت دراسة أميركية حديثة عن احتمالية أن تكون الأعداد الحقيقية للمراهقين الذين يعانون من اضطراب الهوية الجنسية gender identity disorder أكبر بكثير من المتوقع.

توافق النفس والجسد
ومعنى هذا المصطلح يشرح الإشكالية التي تواجه المراهق أو المراهقة، حيث يتحول جسم الطفل أو الطفلة بعد ظهور علامات البلوغ، إلى جنس معين ظاهريا وجسديا، بينما ينتمي صاحبه إلى جنس آخر نفسيا. وهي مشكلة بالغة التعقيد خاصة في المجتمعات المحافظة، وتصاحبها دائما ضغوط نفسية مدمرة لعدم توافق المراهق مع جسده ولا المجتمع الذي ينتمي إليه بحسب الشكل الخارجي.
الدراسة قام بها باحثون من مستشفى الأطفال في بيتسبرغ في الولايات المتحدة تم إجراؤها على 3200 من الطلاب في عدة مدارس ثانوية في إحدى المقاطعات الأميركية. وقد أوضحت أن نسبة منهم بلغت تقريبا عشر العينة لديهم اضطراب في تحديد جنسهم خلافا للجنس المسجل في شهادات ميلادهم. وفي السابق كان هؤلاء يتم التعامل معهم باعتبار أنهم متحولون جنسيا transgender (حتى قبل أن يتحولوا جراحيا) ولكن الآن أصبح هناك أفراد فئة أخرى غير قادرين على تحديد حتى رغبتهم النفسية في التحول من جنس إلى آخر وتم تصنيفهم على أنهم غير محددي الجنس أو محايدين (لا ذكور ولا أناث nonbinary). وتعتبر نسبة هؤلاء الطلاب نسبة كبيرة جداً حتى بالمقاييس الغربية. وفي دراسة أميركية سابقة من 4 سنوات فقط كانت نسبة الطلاب المتحولين 1.8 في المائة فقط. قام الباحثون بالطلب من الأطفال تحديد هويتهم الجنسية من بين عدة اختيارات (ذكر - أنثى - ذكر متحول - أنثى متحولة - غير محدد الجنس) وكانت هناك نسبة منهم بلغت 9 في المائة غير قادرين على تحديد جنس مماثل لهيئتهم أو شهادة ميلادهم وهي مشكلة كبيرة بالطبع. ورغم أن هذه الفئات لا توجد في المجتمع العربي بشكل واضح، فإن وجودها مرصود وفي ازدياد بسبب ثورة التواصل التكنولوجي، فضلاً عن زيادة الوعي بالمشكلة نتيجة لدراسة أعداد كبيرة من الشباب العربي في البلدان الغربية.

تحول جنسي
ويجب معرفة الفرق بين المثلية الجنسية التي يميل فيها المراهق أو المراهقة جنسيا إلى فرد من نفس جنسه (ولكنه يدري هويته الجنسية تماما ولا يريد تغييرها)، وبين التحول الجنسي الذي يميل فيه المراهق جنسيا أيضا إلى نفس الجنس ولكن لأنه يعتبر نفسه جنسا مغايرا لما يبدو عليه باعتبار أن وجوده في هذا الجسد الذكري أو الأنثوي مرحلة مؤقتة.
ومن هذه العينة (9 في المائة) كانت هناك نسبة بلغت أكثر من الثلث قليلا 39 في المائة أعربوا عن رغبتهم في التحول إلى إناث وثلث آخر أعربوا عن رغبتهم في التحول إلى ذكور، بينما الثلث الأخير لم يحدد رغبة معينة، والأمر الذي لفت نظر الباحثين أن هذه العينة كانت لأطفال ليسوا من أصحاب البشرة البيضاء خلافا للمتوقع وكانت نسبة 14 في المائة منهم من ذوي الأصول اللاتينية و10 في المائة منهم من ذوي البشرة السمراء و7 في المائة فقط من البيض.
تعتبر نتائج الدراسة شديدة الأهمية في إدراك مشكلة الهوية الجنسية، وأنها غير قاصرة على المجتمعات المتقدمة ذات الرفاهية البالغة، بل إن أفراد الأقليات أيضا يمكن أن يعانوا من مثل هذا الأضطراب الذي يكون مزيجا من الخلل الهرموني والنفسي والجيني أيضا. ويجب أن يتم التعامل مع هذه الحالات بجدية وبتعاطف بدلاً من الإدانة والإنكار.
ويجب أن يشمل العلاج عدة محاور منها العلاج الدوائي عن طريق الهرمونات، والتثبيط أو التنشيط على حسب الهوية النفسية للمراهق، ولذلك يجب أن يكون العلاج النفسي أساسيا في هذه الاضطرابات بجانب العلاج العضوي خاصة في المجتمعات المحافظة؛ لأن المراهق يتعرض لضغوط نفسية واستنكار ولوم طوال الوقت في المنزل أو المدرسة بين الأقران، فضلا عن التنمر والإيذاء البدني.

نصائح صحية
أوضحت الدراسة التي تم نشرها في منتصف شهر مايو (أيار) من العام الجاري في مجلة طب الأطفال the journal Pediatrics أن أطفال الأقليات سواء الإسبان أو السود خصوصا المتحولين إلى إناث في الأغلب يواجهون العنف المجتمعي والرفض، فضلا عن كونهم أكثر عرضة للاكتئاب والقلق المزمن والإقدام على الانتحار، وهو الأمر الذي يمكن أن ينطبق على المجتمعات الأقل تحررا مما يعرض هؤلاء الأطفال إلى العديد من الاضطرابات النفسية والجسدية والفكرية أيضا كرد فعل للإحساس بالذنب نتيجة لرغباتهم في التحول لجنس آخر.
نصحت الدراسة بضرورة تقديم المساعدة لهؤلاء الأطفال وتشجيعهم على الإفصاح عن رغباتهم الحقيقية ومحاولة علاجها نفسيا أولا حتى يمكن للمراهق أن يقرر التحول إلى الجنس الذي يريده بعد البلوغ وبعد التأكد تماما من استحالة التعايش في الجنس المولود به.
وهناك العديد من المراهقين المتحولين جنسيا يقدمون على الانتحار بعد التحول الجراحي لأنهم لم يتكيفوا مع هويتهم الجنسية الجديدة حتى في حالة تقبل المجتمع لهذا التحول، ولذلك يجب تأخير الإجراء الجراحي كلما أمكن وعدم التسرع في الإقدام على التغيير لمجرد الرغبة، ولكن بعد دراسة نفسية مطولة.
وحذرت الدراسة من لجوء الآباء إلى عقاب الطفل أو المراهق الذي يشعر بعدم الانتماء إلى جنس الولادة. وفي المقابل طالبت الآباء بإظهار الدعم غير المشروط لطفلهم، والتأكيد على أن حبهم لن يتغير بتغير الجنس الذي يشعر المراهق أنه ينتمي نفسيا إليه بشرط أن تكون هذه الرغبة حقيقية وليست تحت تأثيرات نفسية مؤقتة. وحتى يستطيع المراهق التوصل إلى هذا القرار لا بد من العلاج النفسي في البداية.
*استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

صحتك المشي اليومي يسهم في تعزيز الصحة ودعم الحالة النفسية (رويترز)

6 فوائد صحية للمشي اليومي

أكدت كثير من الدراسات أهمية المشي اليومي في تعزيز الصحة، ودعم الحالتين النفسية والجسدية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك زيوت البذور يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون (رويترز)

للوقاية من سرطان القولون... تجنب استخدام هذه الزيوت في طهي الطعام

حذَّرت دراسة من أن زيوت البذور -وهي زيوت نباتية تستخدم في طهي الطعام، مثل زيوت عباد الشمس والذرة وفول الصويا- يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)

كيف تتغلب على كثرة التفكير وقت النوم؟

يعاني كثير من الأشخاص من كثرة التفكير ليلاً؛ الأمر الذي يؤرِّقهم ويتسبب في اضطرابات شديدة بنومهم، وقد يؤثر سلباً على حالتهم النفسية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».