«داعش» يحطم آثارًا آشورية مهمة في متحف الموصل معتبراً أنها «أوثان»

وزارة الآثار العراقية: التنظيم الإرهابي باع قسمًا كبيرًا من آثار الموصل لإسرائيل

لقطات من تسجيل فيديو بثه تنظيم داعش لعناصره  وهم يحطمون آثارا آشورية في متحف الموصل أمس (أ.ب)
لقطات من تسجيل فيديو بثه تنظيم داعش لعناصره وهم يحطمون آثارا آشورية في متحف الموصل أمس (أ.ب)
TT

«داعش» يحطم آثارًا آشورية مهمة في متحف الموصل معتبراً أنها «أوثان»

لقطات من تسجيل فيديو بثه تنظيم داعش لعناصره  وهم يحطمون آثارا آشورية في متحف الموصل أمس (أ.ب)
لقطات من تسجيل فيديو بثه تنظيم داعش لعناصره وهم يحطمون آثارا آشورية في متحف الموصل أمس (أ.ب)

وصف آثاريون مختصون وإعلاميون عراقيون، تحطيم تنظيم «داعش» الإرهابي، لمجموعة كبيرة من التماثيل والآثار تعود للحضارة الآشورية التي سادت في العراق في القرن السابع قبل الميلاد بـ(الجريمة الصادمة والمروعة) لتأريخ الإنسانية كلها وطالبوا الحكومة العراقية والمنظمات الدولية بوضع حد لتلك الجرائم التي يراد منها تهشيم ذاكرة وتاريخ شعب له حضارة موغلة في القدم.
وأفادت مصادر عراقية في الموصل أمس بأن تنظيم (داعش) قام بهدم متحف الموصل والنمرود الذي يضم قطعا أثرية تعود لآلاف السنين في محافظة نينوى (400 كم شمالي بغداد).
وقالت المصادر لوكالة الأنباء الألمانية إن عناصر داعش أقدمت اليوم (أمس) على ارتكاب جريمة شنيعة تمثلت بهدم معالم نينوى الأثرية وتخريبها في أبشع هجمة تتعرض لها المعالم الأثرية بالمحافظة في التاريخ الحديث منذ سيطرة التنظيم على الموصل والمحافظة بشكل عام في العاشر من يونيو (حزيران) الماضي وقام بتدمير آثار النمرود جنوب شرقي الموصل.
وأوضحت أن التنظيم دمر بوابة (نركال) بأكملها التي تعود للفترة الآشورية منذ آلاف السنين وتماثيل للملك سنحاريب تعود لحضارات الآشوريين والسومريين والأكديين بالمتحف والتي يتم شرحها لطلبة قسم الآثار في جامعة الموصل. وذكرت أن ما تم تدميره اليوم يعد كنوزا تراثية وآثارية في مدينة الموصل التي باتت اليوم تفقد أكبر معالمها وصروحها الحضارية على يد تنظيم داعش.
وقال بيتر ميجلاس، الأستاذ في جامعة هايدلبرغ والخبير في الحضارات العراقية: «هي قطع تاريخية مهمة جدا.. عندما أرى هذه القطع على الأرض، وهي محطمة، من الصعب جدا استعادتها».
وقال ماركوس هيلجيرت مدير متحف الشرق الأدنى في برلين «الأمر يبدو كما لو أنك دمرت أبو الهول في مصر»، واصفا ما حدث في العراق بأنه كارثة.
وكانت بعض القطع كبيرة، وطولها أكثر من 4 أمتار. وشغلت أجزاء من قصور الآلهة وجدران المدينة، واكتشف علماء الآثار البريطانيون الكثير منها في القرن 19. وأضاف ميجلاس «هذه بعض أبرز الحصون الهامة في العالم القديم».
وقال ميجلاس إنه يوجد هناك بعض النقوش والتماثيل المماثلة في المتاحف بلندن وباريس، ولكن «كل قطعة فريدة من نوعها»، وخسارتها لا تعوض. وأضاف: «هذه أكثر الآثار الآشورية أهمية».
ودعا ظافر صبحي مدير عام دائرة صيانة في وزارة السياحة وآثار إلى أهمية تظاهر أهالي المنطقة لأجل حماية ما تبقى من الآثار، ومنع تهريب القطع المهمة منها، مطالبا «المنظمات الدولية المختصة إلى أخذ دور أكبر لأجل تعميم صور تلك القطع ومنع تهريبها والمتاجرة بها».
بدوره أكد وكيل وزارة السياحة والآثار العراقية قيس حسن حسين في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: إن «جريمة تحطيم داعش للآثار والتماثيل في متحفي الموصل والنمرود وحرق آلاف المخطوطات المهمة تؤكد بشاعة هذا التنظيم الذي يريد محو حضارة وادي الرافدين عبر سلسلة استهدافه للمتاحف والمواقع الآثارية» مشيرا إلى أن «عصابات داعش سبق أن هربت جزءا كبيرا من آثار مدينة الموصل إلى إسرائيل ودول أخرى، لأجل تمويل عملياتهم الإرهابية» مبينًا أن «عصابات داعش الإرهابية تسيطر على 1791 موقعًا أثريا ودينيًا في الموصل، ودمرت أكثر من 30 موقعا منذ يونيو 2014».
وأظهر شريط مصور نشره تنظيم داعش أمس، قيام عناصره بتحطيم تماثيل وقطع أثرية يعود تاريخ بعضها إلى آلاف السنين، في مدينة الموصل في شمال العراق.
ويظهر الشريط الذي يحمل شعار «المكتب الإعلامي لولاية نينوى» وتداولته حسابات موالية على مواقع التواصل الاجتماعي، عناصر من التنظيم ينزعون أغلفة من النايلون عن تماثيل متفاوتة الحجم، بعضها على قاعدة رخامية ضخمة ويبلغ ارتفاعه نحو مترين، وأخرى عبارة عن تماثيل نصفية أو وجوه أثرية معلقة على الجدران.
وقام العناصر برمي التماثيل أرضا وتحطيمها، واستخدام المطرقات لتكسير بعضها. كما استخدموا آلة ثقب كهربائية لتدمير تمثال ضخم يجسد ثورا مجنحا، يعود إلى الفترة الآشورية.
ويظهر في الشريط عنصر ملتح من التنظيم أمام تمثال ضخم، وهو يقول: «أيها المسلمون، إن هذه الآثار التي ورائي إنما هي أصنام وأوثان لأقوام في القرون السابقة كانت تعبد من دون الله عز وجل. إنما ما يسمى بالآشوريين والأكاديين وغيرهم كانوا يتخذون آلهة للمطر وآلهة للزرع وآلهة للحرب، يشركون بالله عز وجل ويتقربون إليها بشتى أنواع القرابين». وأضاف: «النبي (محمد) أزال الأصنام وطمسها بيده الشريفة عندما فتح مكة».
وقال خبراء بأن الآثار المدمرة تشمل قطعا أصلية، وأخرى أعيد بناؤها من قطع مبعثرة، إضافة إلى نسخ عن قطع أصلية موجودة في متاحف أخرى. وتشمل القطع آثارا من الحقبتين الآشورية والبارثية، وتعود بعضها إلى فترة ما قبل ميلاد المسيح.
وعبر الدكتور ظافر صبحي مدير عام دائرة صيانة الآثار في وزارة السياحة والآثار العراقية عن صدمته بهذا الخبر، وقال لقد «تألمنا كثيرًا لمنظر التحطيم، هي بالفعل جريمة كبيرة، وخسارة لا تعوض، وبرغم كون معظم القطع المحطمة، جبسية ومقلدة للقطع الأصلية، لكن هناك جهد كبير لأجل تأهيلها، بذل على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهناك أيضا بعض القطع الأصلية».
الباحث التراثي المعروف باسم عبد الحميد حمودي أكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن مشاهد تحطيم الآثار بتلك الصور المؤلمة التي نقلت لنا، شكلت صدمة وفاجعة كبيرة لكل الأوساط الثقافية والاجتماعية والتاريخية في البلاد، مبينًا أن «تأثيرها مروع لكل مثقف وهي تدل على عقلية قوى الظلام والشر وكيفية تفكيرها لأجل هدم جزء مهم من الحضارة العراقية القديمة واغتيال تأريخ حضاري شكل على مدى قرون علامة فارقة بين تواريخ الشعوب العربية».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم