بلينكن يعيد الصلات مع الفلسطينيين بـ«زخم عربي» لأي مفاوضات

إعادة الانخراط الدبلوماسي الواسع لواشنطن في المنطقة

TT

بلينكن يعيد الصلات مع الفلسطينيين بـ«زخم عربي» لأي مفاوضات

اختتم وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، أمس، زيارة هي الأولى لـ«الشرق الأوسط» من مسؤول رفيع في إدارة الرئيس جو بايدن، مما أوحى بإعادة الانخراط الدبلوماسي الواسع للولايات المتحدة في المنطقة، انطلاقاً من تعزيز وقف النار بين إسرائيل وغزة، وإعادة الصلات المشتركة بين واشنطن والفلسطينيين، مع إعطاء زخم للدور العربي في أي جهد لإنعاش عملية السلام المتعثرة على أساس حل الدولتين.
وخلال الأشهر الأولى من عهده، بدا وكأن الرئيس بايدن لا يضع الشرق الأوسط في رأس أولويات إدارته، غير أنه انخرط شخصياً مع بلينكن ومسؤولين آخرين في «دبلوماسية مكثفة ولكن هادئة» ساهمت فيها بصورة خاصة مصر والأردن، من أجل وقف النار في الحرب التي استمرت 11 يوماً بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، لا سيما «حماس» في غزة. وأعلن بايدن خلال هذه الجهود أن «حل الدولتين هو الوحيد» لإنشاء دولة فلسطينية مع الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية». وعدّت زيارة بلينكن «استكشافية» في جانب منها.
وغداة إجرائه محادثات مكثفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزيري الخارجية غابي أشكينازي والدفاع بيني غانتس، وأخيراً الرئيس رؤوفين ريفلين ومن ثم مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء محمد اشتية، توجه بلينكن إلى القاهرة حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. واجتمع كذلك في عمّان مع الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
ورغم أن بلينكن أعلن خلال محادثاته مع الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين أن الولايات المتحدة ليس لديها خطط فورية لمتابعة محادثات السلام بين الجانبين، تعهد «بحشد الدعم الدولي» لإعادة بناء الدمار في غزة، آملاً أيضاً في إيجاد «بيئة أفضل» يمكن أن تؤدي إلى المفاوضات. ووصف مصر والأردن بأنهما لاعبان أساسيان في محاولة إحلال الهدوء في المنطقة. وقال للصحافيين إن «مصر اضطلعت بدور حاسم في المساعدة في التوسط لوقف إطلاق النار، والأردن لطالما كان صوتاً للسلام والاستقرار في المنطقة».
وفي مؤشر انفتاح على الجانب الفلسطيني، أعلن بلينكن خططاً لإعادة فتح مكتب دبلوماسي في القدس يشرف على التواصل مع الفلسطينيين، علماً بأن الرئيس السابق دونالد ترمب كان خفّض تصنيف القنصلية في القدس، عندما نقل السفارة الأميركية إلى المدينة المقدسة عام 2018. وكذلك أعلن بلينكن أن الولايات المتحدة بصدد تقديم أكثر من 360 مليون دولار من المساعدات للشعب الفلسطيني، موضحاً أن ذلك يشمل 38 مليون دولار من المساعدات الجديدة لدعم الجهود الإنسانية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنها نحو 33 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى (الأونروا) لدعم عملياتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، و5.5 مليون دولار إضافية لشركائها في المجال الإنساني. ورأى أن «هذه المساعدة الحاسمة ستدعم المنظمات الإنسانية لتوفير المأوى في حالات الطوارئ، والغذاء، ومواد الإغاثة، والرعاية الصحية، فضلاً عن الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي لأولئك الذين عانوا الصدمات».
وأكد أنه بالإضافة إلى ذلك تعتزم وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية العمل مع «الكونغرس» لتقديم 75 مليون دولار «كمساعدات إنمائية واقتصادية إضافية خلال العام المقبل لدعم الإغاثة والتعافي في الضفة الغربية وقطاع غزة». وقال: «سيؤدي هذا التمويل إلى تعزيز نمو القطاع الخاص والوصول إلى الحاجات والخدمات الأساسية، مثل توفير الرعاية الصحية ومعالجة انعدام الأمن الغذائي»، موضحاً أنه «ريثما يجري الانتهاء من إخطار الكونغرس، فإن 10 ملايين دولار أخرى ستدعم البرامج التي تدعم أعمال المصالحة للحد من التوتر والعنف على المدى الطويل».
وأوضحت وزارة الخارجية الأميركية أن هذه المساعدة تضاف إلى أكثر من 250 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والتنموية والأمنية والإنسانية للشعب الفلسطيني التي أعلنت في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، لتصل المساعدات الأميركية المخطط لها إلى أكثر من 360 مليون دولار.
وشدد على أن «كل هذه الأموال ستدار بطريقة تعود بالنفع على الشعب الفلسطيني - وليس (حماس) التي جلبت البؤس واليأس إلى غزة». وأعلن بلينكن «التزام الحكومة الأميركية بشكل راسخ ضمان تقديم كل مساعداتها بما يتفق مع القانون الأميركي المعمول به، بما في ذلك قانون تايلور فورس».
ولفت إلى أن المساعدة الخارجية الأميركية للشعب الفلسطيني «تخدم مصالح وقيماً أميركية مهمة»، لأنها «توفر الإغاثة الحاسمة لمن هم في أمسّ الحاجة إليها، وتعزز التنمية الاقتصادية، وتدعم التفاهم الإسرائيلي الفلسطيني، والتنسيق الأمني، والاستقرار»، فضلاً عن أنها «تتوافق مع قيم ومصالح حلفائنا وشركائنا».
وكرر بلينكن أنه من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها. لكنه دعا كل الأطراف إلى رسم «مسار أفضل»، أملاً في وضع الأساس لمحادثات سلام تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.