تقوم استراتيجية «التيار الوطني الحر»، الحزب الحاكم (شكلياً) في لبنان على دعامتين: عدم السماح لسعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة، وضمان تولي رئيس التيار جبران باسيل رئاسة الجمهورية بعد نهاية الولاية الدستورية للرئيس ميشال عون العام المقبل.
المهمتان صعبتان ومترابطتان. ذلك أن محاولات انتزاع التكليف النيابي الذي حصل الحريري عليه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فشلت مرات عدة كان آخرها الجلسة التي عقدها مجلس النواب للاستماع إلى رسالة ميشال عون حول الأزمة الحكومية. وعلى الرغم من تشديد التيار الوطني الحر على عدم حصول الرئيس المكلف على دعم عربي يخوّله وقف الانهيار الحالي واضمحلال المبادرة الفرنسية التي عوّل الحريري عليها كباب لدخول المساعدات الأوروبية والدولية لحكومته العتيدة، فإن الحريري ما زال يتمتع بدعم قوى سياسية وزانة تعارض تصورات فريق رئيس الجمهورية لكيفية إدارة ما تبقى من مدة رئاسية.
التلويح بتقديم النواب العونيين استقالاتهم والضغط على كتلة نواب «القوات اللبنانية» للقيام بخطوة مشابهة بهدف إسقاط «ميثاقية» البرلمان عبر خروج الكتلتين المسيحيتين منه، على ما تروّج وسائل الإعلام الموالية لجبران باسيل، لا يضمن حصول حل المجلس أو عدم الدعوة إلى انتخابات فرعية لملء الشواغر. وهذا ما لا يريده باسيل الذي يخشى تقلص كتلته النيابية بعد الأداء الكارثي لحزبه في الأعوام الماضية بحيث أُصيب الجمهور المسيحي بأضرار لا تقل خطراً جراء سياسات «الوطني الحرّ» عمّا لحق بالطوائف الأخرى خصوصاً بعد تفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب).
الخيار الثاني في هذا الجانب هو عرقلة إجراء الانتخابات النيابية في يونيو (حزيران) المقبل بذريعة وباء «كورونا» والأوضاع الاجتماعية المتوترة وما يدخل في هذا الباب مثل افتعال إشكالات أمنية في المناطق المعروفة بحساسياتها الطائفية. لكن، ولسوء حظ التيار الوطني الحر، يصعب التكهن بنسب المؤيدين لانتخاب جبران في المجلس الحالي حيث لا يحظى اليوم إلا بتأييد كتلته فيما يعيد الثنائي الشيعي حساباته بعد العهد – الفضيحة الذي مثّله حُكم ميشال عون الذي أيّده «حزب الله» واضطرت حركة «أمل» لانتخابه على مضض.
عليه، ثمة مَن يشيع أن مستشاري رئيس الجمهورية والحلقة المحيطة به التي تتولى صوغ السياسات اليومية، باتوا أقرب إلى «خيار شمشون»، إذا جاز التعبير. فالتنحي عن السلطة في خريف 2022 من دون التأكد من دخول جبران باسيل إلى القصر الجمهوري في ذات يوم خروج ميشال عون منه، ليس خياراً مطروحاً. فباسيل لم يجد سبيلاً بعد إلى تسويق نفسه عربياً وإبعاد تهمة التبعية لـ«حزب الله» ورفع العقوبات الأميركية عنه. وهذه مهمة شبه مستحيلة لراغب بتولي رئاسة الجمهورية اللبنانية. ويصر بعض أنصار رئيس الجمهورية على أنه باقٍ في منصبه إلى أن يحقق «برنامجه» الخيالي وبقية أوهامه عن عهده الذهبي الذي أعاد للبنان ألقه الآفل واستعاد حقوق المسيحيين التي سرقها منهم اتفاق الطائف، على ما يشيع أنصاره.
وعلى جاري العادة في السياسات اللبنانية التي تصر أطرافها على تبنّي أسوأ السياسات والسير بعيون مفتوحة إلى الهاوية، تتردد هذه الأيام أفكار عن عدم نية مستشاري الرئيس وصهره الرضوخ لرغبة الحريري في تشكيل حكومة من 24 وزيراً غير حزبي يتولى هو وعون اختيار الأسماء المشاركة فيها وتسوية مسألة تعيين وزيرين مسيحيين (وهذا اقتراح يسوّق له رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي حذّر من أن الحكومة إما تتشكل خلال أسبوعين وإما لن تتشكل).
يبقى «خيار شمشون» الذي يتلخص بعدم إجراء انتخابات نيابية وعدم تشكيل حكومة وتولي ميشال عون الحكم مباشرةً عبر أداة تنفيذية من خارج الحكومة يُرَجِّح بعض المراقبين أن تكون مجلس الدفاع الأعلى الذي يضم ممثلين عن الجيش والأجهزة الأمنية وعدد من الوزارات السيادية. وستمتد مدة حكم هذه السلطة إلى أجل غير مسمى وستبقى ما بقيت الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد. غنيٌّ عن البيان أن سلوكاً كهذا سيعرّض بقايا الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان لزلزال عنيف. خصوصاً أن الوضع الاجتماعي يتدهور بمرور الساعات وليس الأيام.
ولا تتسم بكبير أهمية صحة هذا الخيار أو عدمها أو حتى صدوره عن جهات تسعى إلى إضفاء مزيد من الفوضى لتبرير فشلها التام ولو من خلال الفقاعات الاختبارية، حيث ينام لبنان كل يوم على كذبة ويستيقظ على وهم. وفي كل ساعة تُطلق أقوال ما أنزل الله بها من سلطان. بل إن المهم في السياق هذا هو اعتقاد التيار الوطني الحر ورئيسه بقدرتهما على الاحتفاظ بالسلطة إلى ما لا نهاية ما دامت القوى الأخرى –المشاركة في دفع لبنان إلى الهوّة التي يقبع فيها اليوم- مشغولة بحساباتها وبحصر خسائرها. والأهم أن اللبنانيين سيدفعون أثمان كل الخسائر المقبلة.
التيار الوطني الحر... البقاء في الحكم مهما كلف الأمر (تحليل إخباري)
التيار الوطني الحر... البقاء في الحكم مهما كلف الأمر (تحليل إخباري)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة