الأزمة الاقتصادية والهجرة تدفعان اللبنانيين إلى التخلي عن حيواناتهم الأليفة

تكلفة الواحد منها باتت تتجاوز ما يحتاجه فرد من العائلة

الأزمة الاقتصادية والهجرة تدفعان اللبنانيين إلى التخلي عن حيواناتهم الأليفة
TT

الأزمة الاقتصادية والهجرة تدفعان اللبنانيين إلى التخلي عن حيواناتهم الأليفة

الأزمة الاقتصادية والهجرة تدفعان اللبنانيين إلى التخلي عن حيواناتهم الأليفة

بعد أن طالت الأزمة الاقتصادية المستفحلة كل القطاعات، وأدق تفاصيل حياة اللبنانيين، وفي حين أن قسماً كبيراً منهم يعمد إلى تربية حيوانات أليفة في منازله وحدائقه، تفاقمت أخيراً ظاهرة التخلي عن هذه الحيوانات، نظراً لصعوبة تأمين الأموال لإطعامها والاهتمام بها.
وحسب جمعية «بيتا» التي تعنى بالحيوانات في لبنان، فإن كثيراً من اللبنانيين يتخلون عن حيواناتهم لعدة أسباب، وبالأخص لأنهم لم يعودوا يستطيعون إطعامها، أو لأنهم يغادرون البلد ويهاجرون، موضحة أنه قبل سنوات لم يكن يصلهم كلاب «أصيلة»، أما اليوم فيصلهم كل أنواع الكلاب.
وقالت نائب رئيسة الجمعية، هيلينا حسيني، في تصريح صحافي مصور، إنه خلال العامين الماضيين، ارتفعت أعداد الكلاب التي تصلهم بشكل كبير، وفي المقابل تراجع الطلب، فـ«بعد أن كنا نستقبل كلبين أو ثلاثة في الأسبوع، أصبحنا الآن لا نتوقف عن استقبال الكلاب بشكل يومي».
وتشير ليا كرم (31 عاماً) التي تربي كلب «لابرادور» إلى أن سعر كيس طعامه الذي يكفيه لشهر واحد ارتفع من 50 ألف ليرة لبنانية قبل انهيار سعر الصرف إلى 250 ألف ليرة بعد الأزمة، كما أن الطعوم التي يتلقاها خلال عام واحد ارتفع سعرها من 145 ألف ليرة إلى 500 ألف ليرة.
وتؤكد الشابة الثلاثينية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الكلب الذي تعتني به مريض، لذلك تضطر أن تعطيه دواء بشكل متواصل يبلغ سعره 150 دولاراً أميركياً «أي أنني بعدما كنت أدفع ما ثمنه 225 ألف ليرة لبنانية، بت أدفع مليون و875 ألف ليرة لبنانية»، وتضيف: «مصاريفه ازدادت بشكل مخيف، وبت أخصص الجزء الأكبر من راتبي لتأمين احتياجاته... أنا متعلقة به كثيراً، وآمل ألا أضطر للتخلي عنه».
أما جو حلو (26 عاماً)، فيسرد لـ«الشرق الأوسط» حادثة حصلت معه قبل أسابيع، حيث صادف خلال وجوده لدى البيطري الذي يعتني بكلبته صبيتين تبكيان بعدما أصيب كلبهما بالشلل، وكان يحتاج لعملية جراحية تتطلب تأمين مبلغ 20 مليون ليرة لبنانية «وهو مبلغ ليستا قادرتين على تأمينه، ما جعلهما تفكران بأن تعطيانه دواء معيناً ينهي حياته كي لا تستمر آلامه».
ويشير الحلو إلى أن العاملين في المكان الذي يزوره لتأمين استحمام كلبه أبلغوه بأن كثيراً من الزبائن الذين كانوا يزورونهم مرة كل أسبوعين، باتوا لا يأتون بكلابهم للاستحمام إلا مرة كل 3 أشهر.
وتبدو الرفوف التي تحوي ألعاباً وحلوى للحيوانات في أحد المحال التي تؤمن مختلف أنواع العناية بالحيوانات الأليفة في بيروت ممتلئة. وتوضح كارولين شبلي، مالكة المحل، أن معظم الزبائن باتوا لا يشترون سوى الأساسيات لحيواناتهم؛ أي الطعام والدواء، أما ما عدا ذلك فلم يعودوا يسألون أصلاً عن سعره.
وتشير شبلي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «ظاهرة التخلي عن الحيوانات في لبنان بدأت بشكل خاص مع تفشي ظاهرة (كورونا)، حيث تخوف كثيرون في بداية الأزمة الصحية من أن تنقل الكلاب والقطط الفيروس للإنسان. وقد تفاقمت هذه الظاهرة مع انهيار سعر صرف الليرة، وانعدام القدرة الشرائية لدى كثير من اللبنانيين».
وتضيف: «أصبح سعر كيس الطعام الذي يبلغ 50 دولاراً أميركياً يساوي 625 ألف ليرة لبنانية، بعد أن كان يساوي 75 ألفاً، وهنا نتحدث عن أرخص الأنواع. وهو مبلغ شهري يجب أن يدفعه الشخص الذي يعتني بحيوان، كما أن هناك أصنافاً أخرى بلغ سعر الكيس الواحد منها مليون و500 ألف ليرة لبنانية».
وتلفت شبلي إلى أن كثيراً من الزبائن، خاصة مع ارتفاع سعر صرف الدولار الواحد من 8 آلاف إلى ما يقارب 13 ألف ليرة لبنانية، أبلغوها بنيتهم التخلي عن حيواناتهم الأليفة، بعدما أصبحت تكلفة إطعامهم تتجاوز تكلفة مأكل فرد من العائلة، مشيرة إلى أن «عدد الكلاب التي تأتي بها الجمعيات التي تعنى بالحيوانات إلينا لتأمين خدمات طبية معينة ارتفع بشكل كبير، علماً بأن قسماً كبيراً منها يُرحل إلى كندا، حيث تنشط عمليات تبني الحيوانات».
وتختم شبلي: «نحن خفضنا نسبة الربح في المحل، لنشجع من يعتنون بحيوانات بمنازلهم على مواصلة الاهتمام بهم، لأننا نعتقد أنها أزمة وستمر. ونأمل من بعض الأطباء البيطريين أن يحذوا حذونا لتمرير المرحلة بأقل الأضرار الممكنة».



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».