مشروع مصري لإحياء عمارة حسن فتحي التاريخية غرب الأقصر

للحفاظ على ما تبقى من تراث معماري وإنساني في منطقة القرنة

بعض مباني قرية حسن فتحي التي تعرضت للإهمال
بعض مباني قرية حسن فتحي التي تعرضت للإهمال
TT

مشروع مصري لإحياء عمارة حسن فتحي التاريخية غرب الأقصر

بعض مباني قرية حسن فتحي التي تعرضت للإهمال
بعض مباني قرية حسن فتحي التي تعرضت للإهمال

شرعت سلطات محافظة الأقصر بصعيد مصر في إعداد مشروع لإحياء عمارة حسن فتحي التاريخية في غرب المدينة.
ويهدف المشروع إلى الحفاظ على ما تبقى من تراث معماري وإنساني بالقرية التي شيدها المهندس المصري العالمي الراحل حسن فتحي في منطقة القرنة، حيث يسهم في وضع المشروع وتنفيذه نخبة من خبراء العمارة التاريخية في كل من مصر وفرنسا.
وفى هذا الإطار، استقبل محافظ الأقصر محمد بدر فريقا من كبار المعماريين ضم الدكتور فكري حسن أستاذ العمارة المصري والدكتورة ماري جريفري مديرة معهد بحوث الدراسات العليا بجامعة السوربون، حيث اصطحبهم المحافظ في جولة بقرية حسن فتحي للبدء في وضع محاور مشروع أحيائها وحماية ما تبقى من معالمها، وإحياء الاتفاق الموقع مع مركز التراث بمنظمة اليونيسكو بهذا الشأن.
وشدد محافظ الأقصر خلال الجولة على ضرورة بدء العمل الفوري في إحياء مشروع التطوير الذي كان سيتم تنفيذه بالتعاون مع منظمة اليونيسكو، خاصة بعد حالة التدهور التي أصابت المنشآت الرئيسية في القرية، مثل المسجد التاريخي والخان ومبنى بيت الثقافة ومنزل المهندس حسن فتحي الذي كان يقيم به في القرية، ويحتوي على بعض متعلقاته الشخصية، والإسراع في الحفاظ على المباني المتبقية من تراث حسن فتحي المعماري، وفي مقدمتها 18 منزلا لم تنلهم يد الهدم والإهمال.
وأشار إلى أن المشروع يأتي بعد تعالي الأصوات المطالبة بإنقاذ ما تبقى من معالم قرية حسن فتحي المقامة غرب مدينة الأقصر التي تضم مسجدا وبيتا للثقافة وخانا شعبيا، بجانب منزل المهندس الراحل حسن فتحي الذي يطالب البعض بتحويله إلى متحف يعرض مقتنيات المعماري الكبير ويروى مسيرته في التأسيس لنمط معماري متفرد.
وتقول نجلاء عبد العال الصادق الباحثة بمركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية إن ما تبقى من معالم القرية بات في خطر، ويحتاج إلى تحرك وطني عاجل للحفاظ على معالم يفد الآلاف من السياح ودارسي فنون العمارة في العالم لزيارتها، وأن منزل حسن فتحي الذي بناه وأقام به المعماري المصري العالمي بقرية القرنة الجديدة غرب الأقصر، ويعد تراثا معماريا لمصر وللإنسانية جمعاء، بات مهددا بالزوال بعد أن تآكلت جدرانه، وتشققت أسقفه ومالت حوائطه ونال منه الإهمال.
وترجع قصة إقامة قرية حسن فتحي إلى عدة عقود مضت حين كان يوجد ما يزيد على 7 آلاف مواطن كانوا يعيشون في منطقة القرنة الأثرية الغنية بمئات المقابر الفرعونية، واحتشدوا في 5 مجموعات من البيوت المبنية فوق وحول هذه المقابر، وكان من الطبيعي أن تحدث عشرات من السرقات لمحتويات تلك المقابر الفرعونية.
ويُعد أكثر هذه الأحداث تهورا هو سرقة نقش صخري - مشهور - ومصنف بالكامل من أحد القبور الفرعونية، بعدها قفزت فكرة ترحيل سكان القرية لمكان آخر إلى أذهان عدد من المسؤولين الذين قاموا بالاتصال بحسن فتحي، لبدء مشروع القرنة الجديدة تسبقه سمعة كبيرة وإنجازات منها تصميمه لبيوت الملكية الزراعية والهلال الأحمر، وتأثر المسؤولون بإمكانات مادة البناء التي استخدمها ورخص تكاليف إقامتها.
لم يتجاهل حسن فتحي التراث المعماري الخاص بالقرنة القديمة، وعمل على وجود أبراج الحمام (مثلا) و«المزيرة» مكان توضع فيه جرة المياه «الزير» والأقبية التي توفر ظلالا قاتمة، وأضاف إلى هذه التنظيمات حلى مفرغة أشبه بمشربيات من الطوب اللبن لتعمل كمرشح طبيعي للهواء.
ويعد المعماري المصري الراحل الدكتور حسن فتحي أحد أبرز وجوه الهندسة المعمارية العالمية الحديثة، وصاحب رؤية خاصة اقتربت من النظرية المتكاملة في التفاعل مع البيئة المحيطة وجمعت تصميماته بين الجمال الفني واقتصاد التكاليف. وكان اعتماده على الخامات المحلية في البناء فكان الطمي (الطين) هو المادة الخام الأساسية لقدرته على احتواء قسوة التغيرات المناخية صيفا وشتاء، كما حرص على إضافة القباب والأقبية ذات التهوية الجيدة في مبانيه.
ورغم نشأة حسن فتحي في أسرة ثرية، فقد كرس كل عبقريته وفنه وحياته في العمل على أن يتمكن أفقر الفقراء في الريف من الحصول على مسكن صحي رخيص مع الحرص على أن يكون هذا المسكن متينا وواسعا وفوق ذلك جميلا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».