«طقوس العودة»... معالجة غنائية لدراما الحب المهزوم

مسرحية مصرية تستعيد قصة «حسن ونعيمة» الفولكلورية

لقطة من مسرحية «طقوس العودة» (الشرق الأوسط)
لقطة من مسرحية «طقوس العودة» (الشرق الأوسط)
TT

«طقوس العودة»... معالجة غنائية لدراما الحب المهزوم

لقطة من مسرحية «طقوس العودة» (الشرق الأوسط)
لقطة من مسرحية «طقوس العودة» (الشرق الأوسط)

تعد قصة «حسن ونعيمة» واحدة من أشهر تجليات الفولكلور المصري في قصص الحب الشعبية التي تستند إلى أساس واقعي وأحداث حقيقية، لكن تعدد رواتها وتبدل أحداثها من راوٍ إلى آخر جعلها في النهاية ملكية عامة تخص الوجدان الشعبي والذاكرة الجماعية، شأنها في ذلك شأن «ناعسة وأيوب»، و«شفيقة ومتولي»، وغيرهما من القصص التي استفزت كتاب الأدب والدراما من مختلف الأجيال، فاستلهموا خيط القصة الأساسي واشتغلوا عليه في معالجات جديدة يختلط فيها «الأصل الواقعي» بالخيال.
تأتي مسرحية «طقوس العودة» التي تعرض حالياً على مسرح «الطليعة» بحي العتبة في القاهرة، باعتبارها أحدث حلقة في سلسلة طويلة من الأعمال الفنية التي تستلهم تلك القصة، ولكن في إطار غنائي موسيقي شامل يطل فيه التمثيل على استحياء وسط لوحات من الاستعراض الهادئ الخجول.
مثل معظم قصص الفولكلور المصري، تجرى وقائع قصتنا في الريف بالنصف الأول من القرن العشرين، حيث يعمل «حسن» الشاب صغير السن مطرباً أو بالتعبير الريفي آنذاك «مغنواتي» ينشد المواويل في الموالد الشعبية والأفراح، بينما «نعيمة» فتاة رقيقة حالمة لا تعبأ بأموال أبيها الإقطاعي الثري «متولي»، فهي لا تنشد سوى الحب ولا شيء غيره.
وفي إحدى الليالي المقمرة، تقع «نعيمة» في حب «حسن»، امتثالاً لحكمة قديمة تقول: «الأذن تعشق قبل العين أحياناً». تغرم بصوته أولاً ثم يخطف الفتي الخجول الوسيم قلبها بعد عدة لقاءات قصيرة يتخللها الغزل العفيف والمشاعر البريئة. يطرق «حسن» «البيت من بابه»، ويتقدم طالباً يد حبيبته، لكن أباها يرفض متعجباً من جرأة الفتى الفقير، رقيق الحال، الذي يعمل بمهنة كانت محل احتقار اجتماعي آنذاك.
يتقدم «عطوة» ابن عم «نعيمة» لطلب يدها فيوافق أبوها، لكنها ترفض حين تعلم أن تلك الزيجة ليست سوى صفقة يضمن بها الأب بقاء ثروته ضمن العائلة، بينما يطمح العريس الشاب لزيادة أملاكه بمصاهرة عمه. تهرب «نعيمة» لتتزوج من حبيبها رغم أنف التقاليد، فيتظاهر الأب بالموافقة ويطلب مهلة، لكنه يضمر في نفسه أمراً آخر، فيستدرج «حسن» إلى منطقة مهجورة حيث يذبحه «عطوة» ويلقي جثته في النيل! وتتحطم قصة الحب على صخرة الثأر والتعصب والانتقام.
حين أرادت السينما المصرية تقديم عمل يستلهم هذه القصة، غيّر المؤلف عبد الرحمن الخميسي، والمخرج هنري بركات، النهاية الحقيقية المأساوية إلى أخرى سعيدة، إذ يتزوج العاشقان ويتحلى المجتمع بفضيلة التسامح في فيلم «حسن ونعيمة» الذي أُنتج عام 1959، وكان من بطولة سعاد حسني ومحرم فؤاد.
بين الأصل الواقعي المفرط في مأساويته والنهاية المتخيلة المفرطة في تفاؤلها، يبدو أن صناع «طقوس العودة» يقفون في منطقة وسطى، فليس غايتهم التفاؤل أو التشاؤم بل الحفر عميقاً تحت جلد موروث اجتماعي يقمع المرأة ويصادر المشاعر الطبيعية لجيل جديد يبحث عن مساحته الخاصة، هنا تتحول قصة الحب إلى نافذة لمساءلة المجتمع والتشديد على حق تقرير المصير للأجيال الجديدة في اختيار نوعية الحياة التي يرغبونها، فضلاً عن إدانة جميع أشكال الاستعلاء الطبقي بين مكونات المجتمع. هذا ما تبرزه المعالجة الفنية التي اختارها مؤلف ومخرج العمل سعيد سليمان، واكتملت على يد الشاعر مسعود شومان وألحان أحمد الحجار، في حين نجحت نورهان سعيد مصممة الديكور والملابس في جعل المتلقي يعايش أجواء العمل ويلمس صدقه وبساطته.
وهنا لا بد من التوقف أمام نجلاء يونس وماهر محمود في تجسيدهما للقصة تمثيلاً وطرباً، إذ اتسم أداؤهما بالصدق والبساطة معاً، فلم يقعا في فخ المبالغات الميلودرامية.
من جانبه، يؤكد الشاعر مسعود شومان أنه حاول تقديم نصوص شعرية تدفع بالقصة للأمام كتنويعة جديدة في موروث شجي وحميم يتجسد بشكل خاص في «موال حسن ونعيمة»، الذي أبدع في تقديمه الراوي الشعبي وكبار مطربي هذا اللون من الغناء، مثل محمد طه ومصطفى مرسي وعبد الغفار رمضان.
ويضيف شومان في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، «حاولت أن تتماشى أشعاري مع سياق الفكرة العامة للعمل التي تقوم على فرضية عودة حسن من الغياب الناتج عن مقتله إلى الواقع الحياتي، وكيف ستتعامل معه نعيمة، وما هي الطقوس والإشارات التي تتضمنها تلك الفرضية».


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.