أحزاب ليبية تنتظر «القاعدة الدستورية» لخوض الانتخابات

وسط تشكيك في قدرتها على المنافسة والوصول إلى المواطنين

TT

أحزاب ليبية تنتظر «القاعدة الدستورية» لخوض الانتخابات

مع اقتراب الموعد المحدد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية في نهاية العام الحالي، قالت بعض الأحزاب السياسية التي تسعى إلى تجميع صفوفها إنها تنتظر الآليات القانونية التي ستدير هذا الاستحقاق كي يتسنى لها خوض غماره على مستوى البرلمان، لكن هناك من يشكك في قدرتها على المنافسة أو الوصول حتى إلى المواطنين في الشارع.
وقال رئيس الهيئة العليا لـ«تحالف القوى الوطنية»، توفيق الشهيبي، إنه يجري الآن التنسيق مع «تكتلات مدنية» بهدف الضغط لإجراء هذه الانتخابات في موعدها، نظراً لحالة التباطؤ في تهيئة الأجواء الملائمة، وما يتعلق بها من توفير الأمن اللازم، مشيراً إلى تأخر فتح الطريق الساحلي، وإخراج المرتزقة من البلاد، وهي أمور تؤثر على المناخ العام لعملية التصويت.
وأضاف الشهيبي لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في انتظار جلسة الملتقى السياسي الليبي التي ستنعقد نهاية الأسبوع الحالي برعاية أممية، لإقرار القاعدة الدستورية المقترحة، ومن ثم إصدار القانون الذي سيحدد شكل النظام الانتخابي، سواء اعتماد الترشح الفردي أو المختلط الذي يسمح للأحزاب بالمشاركة في قوائم إلى جانب المستقلين».
وفي كل الأحوال، وفقاً للشهيبي، فإنه «سيتم الدفع بعناصر من الحزب أو قريبة منه لخوض السباق، وعدم ترك الساحة خاوية أمام ممثلي تيار الإسلام السياسي»، مستدركاً: «إذا ما تم اعتماد النظام الفردي، سيتحتم على الأحزاب الدفع بشخصيات من داخل صفوفها أو قريبة من توجهاتها الفكرية والسياسية للترشح بشكل مستقل، وبالطبع هذا قد يصعب عليها مستقبلياً ضبط توجهات تلك الشخصيات، فقد تعمل بعد استحواذها على المقعد البرلماني وفقاً لمصالحها، وليس لتوجهات الحزب».
وحذر من أن «العزوف عن التصويت في الانتخابات البرلمانية يعني تزايد فرص تيار الإسلام السياسي في الاستحواذ على عدد كبير من المقاعد»، لما وصفه بـ«قدرته على تنظيم صفوفه، والتزام أعضائه، على الرغم من ضعف شعبيته في الشارع».
وتعد الانتخابات المرتقبة في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل هي الاستحقاق الثالث الذي سيختار عبره الليبيون ممثليهم في البرلمان بعد إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، حيث سبق أن انتخبوا في عام 2012 أعضاء المؤتمر الوطني العام، كما انتخبوا في عام 2014 مجلس النواب الحالي، فيما تعد هذه هي تجربتهم الأولى في انتخاب رئيس للبلاد.
ولم يبتعد رئيس حزب «الائتلاف الجمهوري»، عز الدين عقيل، عن الطرح السابق، ولمح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «وجود اتجاه داخل الحزب للمشاركة في الانتخابات، حتى لو بدعم بعض المستقلين، إن لم يكن هناك مرشحون من داخل الحزب».
ورأى عقيل أن «العامل الرئيسي في حسم قرار حزبه بالمشاركة من عدمها سيظل مرتبطاً بتوجهات عملية التقييم الداخلي، وإمكانية إيجاد تحالف كبير بين القوى المدنية يكون قادراً على حصد كتلة مؤثرة من المقاعد تحت قبة البرلمان، ليتمكن من خلالها من التأثير في صناعة القرار السياسي».
وتحدث عن «العراقيل التي تواجه كثيراً من الأحزاب المدنية، ومنها نقص التمويل بسبب عزوف رجال الأعمال الليبيين عن دعمها، كون بعضها يعارض تيار الإسلام السياسي، وتخوفهم من الاعتداء عليهم من قبل أنصار وميليشيات هذا التيار، فضلاً عن تطلع أصحاب الأموال لتوجيه دعمهم لأحزاب كبيرة، ليضمنوا رد عوائد مساهمتهم بأشكال عدة، كالمناصب الوزارية التي تمنح لأقاربهم أو الصفقات».
ورأى عقيل أن «تحالفاً يضم تيار الإسلام السياسي وجماعات جهوية تستعد لخوض معركة شرسة في هذه الجولة الانتخابية لضمان عدم إفلات السلطة التي يقبض عليها منذ عام 2011 من بين يديه». وتوقع لجوء هذا التيار «إلى أشكال العنف السياسي كافة الذي يرافق الانتخابات، من اغتيالات لشخصيات معارضة له، أو مداهمة وتدمير التجمعات والخيام الانتخابية لبعض المرشحين، وسيساعده على ذلك عدم وجود أي منظومة أمنية».
وفي مقابل ذلك، رفض رئيس حزب «التغيير»، جمعة القماطي، المقرب من تركيا، الحديث عن وجود صراع بين التيارات السياسية بمختلف توجهاتها في ليبيا، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نعد حزبنا جزءاً من التيار المدني، ولكننا لا نؤمن بوجود صراع بين التيارات جميعاً، إذا ما التزمت بأسس الدولة المدنية والديمقراطية، واحترمت نتائج صندوق الاقتراع، بعيداً عن استخدام السلاح والانقلاب على السلطة».
وأشار إلى أن حزبه الذي سبق أن قاطع الاستحقاقات السابقة «حسم قراره بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، وبدأت لجانه منذ العام الماضي في الاستعداد لخوض المعركة بجميع الدوائر الانتخابية»، لافتاً إلى أنه في حال تم إقرار النظام الفردي، فإن الحزب «سيترك لأعضائه الحرية للمشاركة بصفتهم مستقلين».
أما الكاتب المحلل السياسي سليمان البيوضي، فشكك في قدرة الأحزاب المدنية على الظهور أو تنظيم الصفوف استعداداً للتنافس بالانتخابات. وتساءل البيوضي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هل لدى هؤلاء قدرة على التواصل مع المواطنين والتعامل معهم وفهم ديناميكية الوعي الجمعي؟ وهل يوجد في ليبيا حياة حزبية أصلاً؟».
وتابع أن «شكل النظام الانتخابي لم يتحدد بعد، ولكننا نفضل أن تجرى وفقاً للنظام الفردي، بعيداً عن نظام القوائم ومشاركة الأحزاب والكيانات، لأنها غير موجودة أصلاً، وإن وجدت فهي لا تعبر عن الديمقراطية بوجهها الحداثي».
واختتم البيوضي بالتأكيد على أن «المشكلة في ليبيا أكثر تعقيداً من كونها قواعد وقوانين، إذ إن الأمر مرتبط أيضاً بقناعة الشارع، ويتبقى السؤال: هل سيقبل المواطنون على الانخراط في الانتخابات، أم أنهم سيفضلون المقاطعة، وبالتالي تكون النتيجة إنتاج شرعيات مهلهلة؟».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.