نذر «معركة استنزاف» بين الحكومة ونشطاء الحراك في الجزائر

قوات الأمن تمنع مئات المتظاهرين من الوصول إلى قلب العاصمة للتظاهر (أ.ب)
قوات الأمن تمنع مئات المتظاهرين من الوصول إلى قلب العاصمة للتظاهر (أ.ب)
TT

نذر «معركة استنزاف» بين الحكومة ونشطاء الحراك في الجزائر

قوات الأمن تمنع مئات المتظاهرين من الوصول إلى قلب العاصمة للتظاهر (أ.ب)
قوات الأمن تمنع مئات المتظاهرين من الوصول إلى قلب العاصمة للتظاهر (أ.ب)

هل تمكنت السلطة في الجزائر من القضاء على الحراك الشعبي نهائياً، بعد منع المظاهرات للجمعة الثانية؟
هذا السؤال بدأ يثيره غالبية مراقبي المشهد السياسي في البلاد، وهو يعكس واقعاً جديداً في الميدان يثير قلق نشطاء الحراك. فقد أظهرت الحكومة، أول من أمس، خلال احتجاجات الأسبوع 118 التي لم تتم، حزماً وصرامة غير مسبوقين في التعامل مع الحراك الشعبي، رغم تصريحات رئيس البلاد بأن استمراره لا يزعجه. لكن ذلك لم يمنع عدداً من المتظاهرين من التأكيد على عزمهم مواصلة الحراك، وتحدي السلطات.
واعتقلت قوات الأمن، أول من أمس، مئات «الحراكيين» في 10 محافظات على الأقل، بما في ذلك محافظتا القبائل العصيتان على الحكومة، تيزي وزو وبجاية. علماً بأن السلطات تتحاشى في المنطقتين الدخول في مواجهة مع المتظاهرين، الذين ينزلون بأعداد كبيرة إلى الشوارع كل أسبوع، خشية وقوع مشادات. لكن في نسخة 118 من الحراك، زاد عدد رجال الأمن بالزي العسكري والمدني، وتضاعف حجم العتاد الأمني، من أسلحة حربية وشاحنات مكافحة الشغب في الولايتين القبائليتين، كما كان الحال في كل البلاد، وخاصة في العاصمة.
ولفت وجود فصائل أمنية مختصة في معارك الشوارع، تابعة لمديرية الأمن الوطني بالعاصمة، عمل عناصرها على تفتيش حقائب المارة بـ«شارع حسيبة بن بوعلي» بدقة، وصادروا هواتف أشخاص لتصويرهم مشاهد التعزيزات الأمنية. كما انتشرت شرطيات بزي عسكري ومدني بـ«ساحة أودان» و«شارع ديدوش مراد»، واعترضن طريق المتظاهرات لمنعهن من اللحاق بفضاءات المتظاهرات. فيما سمعت إحداهن تقول لصحافية: «ممنوع عليك تغطية مظاهرة لم ترخص لها الحكومة... ألا تعلمين هذا؟». ودخلت الصحافية في جدل معها، وحاولت عبثاً إقناعها بأن وسائل الإعلام يجب أن تؤدي دورها في إبلاغ المتلقي بتطورات الحراك، سواء نظم نشطاؤه مظاهرة أم منعتهم قوات الأمن.
وقدر مراقبون عدد رجال الأمن، الذين انتشروا بالعاصمة الجمعة بـ60 ألفاً، وأمام الغِلظة التي بدت على تصرفاتهم للأسبوع الثاني على التوالي، فضل أبرز ناشطي الحراك عدم الوقوع في «فخ الصدام» حتى لا يتعرضوا للاعتقال. وقال أحدهم لـ«الشرق الأوسط»، سبق أن تم سجنه بسبب نشاطه، رافضاً الكشف عن اسمه، إن الوجود الأمني المكثف بالعاصمة وبقية الولايات، «دليل اضطراب تشعر به السلطة، وهو أمر في صالحنا. الحراك يتعامل بذكاء مع الظروف الصعبة، وأعضاؤه يعرفون كيف يتحينون الفرصة للعودة بأكثر قوة، بعد توقف ظرفي اضطراري. نحن مقبلون على معركة استنزاف، الخاسر فيها السلطة من دون شك».
يشار إلى أن «حراك طلاب الجامعات»، الذي ينظم كل يوم ثلاثاء، تم منعه للأسبوع الرابع باستعمال القوة. وكتب الصحافي نصر الدين قاسم، أحد «كتاب الحراك»: «صحيح أن السلطة الفعلية نجحت في تشتيت المسيرات في العاصمة، والتضييق عليها في شوارع متفرقة، وقمعها في أماكن أخرى بتسخير القوة العمومية، وبعنف لا يوصف، لكنها لم تثبت أن الأمور على ما يرام، ولم تلمع صورتها كسلطة قمع وانتهاك للحقوق ومصادرة الحريات، بل أثبتت عكس ذلك وأكثر».
مبرزاً أن «قمع المسيرات في الجمعة الثامنة عشرة بعد المائة، كان انتصاراً آخر بأسلوب آخر للحراك الشعبي، أعطى نفساً جديداً للحراك السلمي، وزاده تصميماً على المضي نحو تحقيق الهدف المنشود عملياً، لأن الحراك الشعبي ثورة، والثورة فعل متواصل في الزمان والمكان، بين كر وفر يترسخ رويداً رويداً في الأذهان، ويتجسد في الواقع يوماً بعد يوم ويتطور، وقد يتخذ أشكالاً مختلفة على ضوء التطورات وردود الفعل».
وأضاف قاسم موضحاً أن الحراك «فعل ملموس وليس مجرد فكرة كما يشاع، لأن الفكرة وإن كانت لا تموت فعلاً، إلا أنها صورة ذهنية، وتدبر عقلي قد يظل نظرة تتخمر وتراود أصحابها، أو حلماً سرمدياً جميلاً تتوارثه الأجيال دون أن يتحقق، مثل جمهورية أفلاطون أو مدينة الفارابي الفاضلة. أما الثورة فهي فعل مضارع مرفوع بالإرادة الشعبية التي لا تُقهر، ومشفوع بحتمية الانتصار، فلم يشهد العالم ثورة شعبية لم تنتصر».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.