«النباتات الغازية» تقضي على المحلية وتسبب خسائر بالمليارات

نباتات {لانتا كمارا}  -  نباتات يابانية
نباتات {لانتا كمارا} - نباتات يابانية
TT

«النباتات الغازية» تقضي على المحلية وتسبب خسائر بالمليارات

نباتات {لانتا كمارا}  -  نباتات يابانية
نباتات {لانتا كمارا} - نباتات يابانية

قبل ثلاثة عقود، أجمعت 175 دولة على تحديد 20 هدفاً لوقف انقراض الأنواع الحية بحلول سنة 2020. وفيما نجح المجتمع الدولي في إحراز تقدم ملحوظ، لا سيما في مضاعفة مساحة الأراضي المحمية الغنية بالتنوع الحيوي، إلا أن العالم لا يزال متخلفاً كثيراً عن تحقيق الغاية العامة لهذه الأهداف.
ويعتبر تدمير الموائل الطبيعية وانتشار الأنواع الغازية أهم عاملين في فقدان التنوع الحيوي. ورغم تصنيف مساحات واسعة حول العالم على أنها «مناطق محمية»، إلا أن الإدارة داخل هذه المناطق لا تزال غير كافية في كثير من الأحيان. وفي المقابل لا يزال التقدم محدوداً في السيطرة على الأنواع الغازية، وهي حيوانات أو نباتات غريبة جرى إدخالها عن طريق الخطأ أو قصداً إلى بيئة لا توجد فيها عادةً، فانتشرت وأصبحت مدمرةً أو مثيرةً للقلق.
- الأنشطة البشرية تعزز الأنواع الغازية
يخلص بحث نشر في دورية «نيتشر» لشهر مارس (آذار) الماضي إلى أن الأنواع الغازية تسببت بضرر اقتصادي عالمي يقدر بنحو 1.28 تريليون دولار منذ سبعينات القرن الماضي. ويشير البحث إلى أن فاتورة الخسائر الناتجة عن الأنواع الغازية كانت تتضاعف كل ست سنوات، بحيث وصلت إلى 162 مليار دولار سنة 2017. ولا تشمل هذه الأرقام الأضرار التي يتعذر قياسها، مثل انبعاثات الكربون وفقدان خدمات النظام البيئي.
وتلعب المشاريع الضخمة دوراً مؤثراً في نشر الأنواع الغازية، حيث تسبب شق قناة السويس في انتقال مئات الأنواع غير الأصلية من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، من بينها سمكة الأسد السامة. ويعتقد أن بعض الأنواع الغازية تنتقل من مكان إلى آخر بفضل الطيور المهاجرة، مثلما هو الحال بالنسبة إلى شجرة «التبغ الكاذب».
وتعد أميركا الجنوبية الموطن الأصلي لشجرة التبغ الكاذب التي تستعمر الأراضي المهملة وجوانب الطرقات، وتحل مكان الأنواع الأصلية. وهي تتميز بقدرتها السريعة على التعافي من الجفاف، وبنتاجها الضخم من البذور التي تنتقل مع الرياح أو مياه السيول والفيضانات أو الطيور المهاجرة أو مع بذور المحاصيل الزراعية المستوردة. وكان التحذير من هذا النبات انتشر في وسائل الإعلام السعودية قبل أربع سنوات، وبدأ التحذير منه في سورية واليمن خلال هذه السنة.
وتؤدي التجارة بالأنواع الحية إلى تعزيز فرص انتقال الأنواع الغازية إلى موائل جديدة. ولعل طائر المينا الهندي، الذي تسلل إلى بلدان عربية عدة عبر تجارة طيور الزينة، أحد أكثر الأنواع التي لفتت الأنظار خلال السنوات الماضية، بسبب قضائه على الطيور المنافسة وتعديه على المحاصيل الزراعية.
وكثيراً ما يفتح الاهتمام بإكثار الأنواع النباتية الغريبة الباب أمام انتشار الأنواع الغازية. فنبتة «لانتانا كامارا»، على سبيل المثال، هي واحدة من أسوأ 50 نوعاً غازياً حول العالم، حيث تعمل تجمعاتها الكثيفة على الإقلال من التنوع الحيوي، وزيادة مخاطر الحريق في الغابات المطيرة الجافة، وإقلال الإنتاج الزراعي بتداخلها مع المحاصيل، وزيادة الجريان السطحي وتآكل التربة، إلى جانب احتوائها على مواد سامة، وتوفيرها الموئل لحوامل الأمراض مثل البعوض وذبابة «تسي تسي».
ويجري الترويج لنبتة «لانتا كامارا» في العالم العربي حالياً على أنها نبتة زينة تحمل اسم «شجيرة أم كلثوم». ومن الملاحظ أن هذه النبتة أخذت تتسلل إلى الحدائق العامة والأراضي الفارغة بعيداً عن الاهتمام الرسمي، علماً أن بلداناً كثيرة أنفقت مبالغ كبيرة في محاولة وقف انتشارها من دون جدوى، حيث تقدر كلفة السيطرة على هذه النبتة في الهند بنحو 2.6 مليار دولار.
- أخطر النباتات الغازية في العالم العربي
وفق قاعدة البيانات العالمية للأنواع الغازية، يوجد في العالم العربي 225 نوعاً حياً غازياً، من بينها 114 نوعاً نباتياً. ومن ضمن هذه الأنواع النباتية يوجد نوعان يصنفان ضمن قائمة العشرين الأخطر عالمياً هما نبات القصب وطحلب «كوليربا تاكسيفوليا».
وفيما يعد القصب نباتاً أصيلاً في بلاد الشام، فإنه يصنف نباتاً غازياً في البلدان العربية الأخرى. ويتواجد القصب بكثافة على ضفاف الأنهار وضمن المجاري المائية، حيث ينافس الأنواع النباتية المحلية ويزيحها من موطنها. وهو سريع الاشتعال، مما يعزز من فرص اندلاع الحرائق وشدتها، وفي المقابل يتعافى من الحرائق بمعدل 3 إلى 4 مرات أسرع من النباتات المحلية الأخرى، مما يعزز فرص تكاثره وانتشاره.
وتشكل الحصائر الجذرية الليفية الطويلة والمتداخلة للقصب هيكلاً حياً خلف الجسور والقنوات والمنشآت المائية الأخرى، مما يؤثر على وظيفتها ويخل بالنظم البيئية. ونظراً لنموه السريع وتكاثره الخضري، يستطيع القصب غزو مناطق جديدة بسرعة والقضاء على النباتات الأصلية وتقليص موائل الحياة البرية وإحداث تغيير بيئي جذري.
وتغض معظم البلدان العربية النظر عن مخاطر نبات القصب على النظم البيئية والمجاري المائية، بسبب عوائده الاقتصادية الظاهرة. فهو يزرع كسياج في الأراضي الزراعية، كما يستخدم في صناعة الحصائر والأسقف والجدران الخفيفة، ويستفاد منه كوقود للتدفئة والطبخ.
أما «كوليربا تاكسيفوليا» فهو طحلب بحري غاز موطنه الأصلي المحيط الهادئ والبحر الكاريبي، ويستخدم على نطاق واسع كنبات زينة في أحواض السمك. وقد أدخلت سلالة منه تتحمل البرد عن غير قصد إلى البحر المتوسط مع مياه الصرف الصحي من متحف المحيطات في موناكو في ثمانينات القرن الماضي، فأصبح ينتشر على أكثر من 15 ألف هكتار من قاع البحر.
ويوصف هذا النبات على أنه «طحلب قاتل» يخنق الأنواع الأخرى من الطحالب والأعشاب البحرية ومجتمعات اللافقاريات، عن طريق منافستها على الغذاء والضوء أو بسبب تأثيراته السامة. ونظراً لقضائه على موائل الأسماك، يتسبب الطحلب القاتل في تراجع عوائد الصيد. ويؤدي تغذي بعض أنواع الأسماك، مثل سمك الدنيس والشلبة، على هذا الطحلب إلى تراكم السموم فيها مما يجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري.
وتتطلب السيطرة على الأنواع الغازية في كثير من الأحيان استخدام أعداء حيوية من الموطن الأصلي للأنواع الغازية، وينطوي ذلك على إنفاق مبالغ طائلة ودراسات مستفيضة لمخاطر الأعداء الحيوية، وفي معظم الحالات يتعذر الوصول إلى نجاح تام في القضاء على النوع الغازي.
تعتبر عشبة ورد النيل من أخطر النباتات الغازية، وهي انتشرت من موطنها الأصلي في أميركا الجنوبية إلى جميع أنحاء العالم. وتمتلك تلك العشبة، التي تنمو ضمن المسطحات المائية العذبة، القدرة على مضاعفة حجمها خلال 10 أيام، وهي بذلك أسرع النباتات نمواً على وجه الأرض. وتستهلك نبتة ورد النيل الواحدة أربعة ليترات من الماء يومياً، فتؤدي تجمعاتها الضخمة إلى شح المياه في العديد من الأماكن، كما أنها تتسبب في موت الأحياء المائية في الأنهار والبحيرات.
ولا يمكن الاستفادة من نباتات ورد النيل بسبب امتصاصها العناصر الثقيلة السامة، التي تنتقل إلى الحيوانات التي تتغذى عليها أو الأراضي التي تدفن فيها. وتحوي جذورها العديد من العوائل الوسيطة لكثير من الطفيليات، مثل القواقع التي تصاب بطفيل البلهارسيا، كما تستخدمها إناث البعوض لوضع بيضها وتوفر موئلاً لاحتضان يرقاتها.
وينتج ورد النيل أزهاراً جميلة كانت السبب في إدخاله إلى مصر خلال فترة حكم محمد علي لتزيين المسطحات المائية حول القصور الملكية. إلا أنه خرج عن السيطرة وسبب العديد من المشاكل، إلى أن جرى التحكم به في مصر بعد سنة 2000 من خلال إطلاق أنواع من السوس الذي تم استيراده من أميركا الجنوبية. وتمثل التجربة المصرية نموذجاً ناجحاً لبلدان عربية أخرى، مثل سورية ولبنان، للسيطرة على ورد النيل الذي ظهر في مسطحاتها المائية منذ سنوات قليلة.
وتفرض العديد من الدول إجراءات احترازية لمواجهة انتقال الأنواع الغازية، حيث يسعى الاتحاد الأوروبي حالياً إلى اعتماد تشريع يجعل أوروبا أكثر أماناً بيولوجياً عبر مجموعة متنوعة من تدابير الرقابة على الحدود، ومعالجة الأنواع الغريبة التي نجحت في الانتشار، وحشد الجهود للقضاء على الأنواع التي أصبحت مصدر إزعاج. ويمثل التشريع الأوروبي المرتقب مصدر قلق لخبراء البستنة، بسبب الحظر المتوقع على عدد من أنواع النباتات الغريبة التي يقومون بإكثارها.
إن التكاليف الباهظة للأنواع الغازية، والإخفاقات العديدة في التحكم بها وإدارتها، وتزايد فرص انتشار الأنواع الحية وانتقال مواطنها بسبب تغير المناخ، تستوجب اتباع مبدأ «السلامة أولاً»، من خلال الرقابة الحازمة على انتقال الأنواع النباتية والحيوانية عبر الحدود، ورصد انتشار الأنواع الغريبة قبل أن تتحول إلى أنواع غازية تضر بالأنواع الحية الأخرى وتخل بالنظم الطبيعية.


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا أحياء غارقة بكاملها في مدينة نها ترانغ الساحلية بفيتنام جراء الفيضانات (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الوفيات من الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام إلى 43

أعلنت السلطات الفيتنامية، الجمعة، أن الأمطار الموسمية والانهيارات الأرضية الناجمة عنها أسفرت عن وفاة 43 شخصاً في فيتنام منذ مطلع الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (هانوي)
بيئة طحالب خضراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

دراسة: طحالب استطاعت الصمود لمدة 283 يوماً في الفضاء

قال موقع «بوبيلر ساينس» إن الطحالب تمتاز بالقدرة على التكيف حيث إنها تعيش في بيئات قاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
آسيا  فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام (د.ب.أ)

مقتل 15 شخصاً جراء فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام

لقي ما لا يقل عن 15 شخصاً حتفهم وأُصيب 19 آخرون، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في فيتنام، بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية.

«الشرق الأوسط» (هانوي)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.