إسماعيل غيلة... «رجل الاستقرار» في محيط إقليمي مضطرب

يتولى السلطة في جيبوتي منذ 22 سنة... ويبدأ ولاية خامسة «أخيرة»

إسماعيل غيلة... «رجل الاستقرار» في محيط إقليمي مضطرب
TT

إسماعيل غيلة... «رجل الاستقرار» في محيط إقليمي مضطرب

إسماعيل غيلة... «رجل الاستقرار» في محيط إقليمي مضطرب

وسط محيط إقليمي مضطرب للغاية، يقف رئيس جيبوتي إسماعيل عمر غيلة، مستعرضاً إنجازه الأبرز المتمثل بخلق حالة استقرار في بلاده، تبدو غريبة إذا ما قورنت بجواره المشتعل في القرن الأفريقي.
فعلى مدار 22 سنة أمضاها في السلطة، نجح غيلة في بسط سيطرته على هذا البلد الساحلي الصغير بـ«قبضة من حديد»، مستغلاً موقعه الاستراتيجي على حدود أفريقيا الشرقية وشبه الجزيرة العربية، وعلاقاته المتشعبة والمتنوعة، لكسب دعم دولي واسع، ساعده في الفوز بولاية رئاسية جديدة وأخيرة تمتد حتى عام 2026. فلقد أعيد انتخاب غيلة (73 سنة)، مطلع أبريل (نيسان) الماضي، رئيساً لجيبوتي لولاية خامسة، بعد حصوله على 97.44 في المائة من الأصوات، محققاً أعلى نسبة تأييد منذ دخوله المعترك الرئاسي عام 1999. عندما تولى المنصب، ثاني رئيس للبلاد، خلفاً لسلفه حسن غوليد أبتيدون، أول رئيس بعد إنهاء الاحتلال الفرنسي.
ووفق مراقبين، فإن دور غيلة مهم في رفع مكانة جيبوتي في منطقة القرن الأفريقي، ووجود تأييد دولي يريد الحفاظ على استقرارها، لما لها من موقع استراتيجي مهم؛ أسهم بجانب ضعف المعارضة الداخلية في استمراره بالحكم طوال تلك المدة، حتى غدا أحد أطول الحكام حكماً في القارة الأفريقية. ومعلومٌ أن جيبوتي، التي يجاورها أكثر بؤر العالم اشتعالاً، بينها اليمن والصومال، تستضيف قواعد عسكرية أجنبية للولايات المتحدة وفرنسا واليابان، وأخيراً الصين.

يتميز الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيلة بخلفية تنوع ثقافي واسع، إذ ولد يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947 في ديره داوا، إحدى كبرى مدن إثيوبيا؛ حيث كان والده يعمل في شركة السكك الحديدية الفرنسية - الإثيوبية (CFE)، وهي الشركة التي بنت خطاً يربط بين جيبوتي وأديس أبابا، وكان مكتبها الرئيس في ديره داوا.
ومن ثم، تلقى غيلة تعليمه في المعهد الديني في إثيوبيا، وعام 1960 انتقل إلى جيبوتي قبل أن ينهي دراسته الثانوية. بعدها، في عام 1964 بدأ العمل في دائرة الإعلام العام لإقليم العفر والعيسى الفرنسي، كونه يتكلّم اللغات الأمهرية والصومالية والعربية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية، قبل أن يلتحق بالشرطة الفرنسية حيث وصل إلى رتبة مفتش.
ومع اتساع أفقه السياسي، ترك غيلة الشرطة الفرنسية، وانخرط في حزب «الرابطة الشعبية الأفريقية من أجل الاستقلال» (LPAI) برئاسة قريبه حسن غوليد أبتيدون، الذي يناضل من أجل الاستقلال. وبعد استقلال جيبوتي، أصبح رئيساً للشرطة السرية ورئيساً لمجلس الوزراء في حكومة غوليد.
وفي أعقاب اندماج «حركة استقلال الشعب الأفريقي» مع أحزاب أخرى، ولد حزب «التجمع الشعبي للتقدم» عام 1979. وخلال العام 1983 انتخب للجنة المركزية للحزب وترأس اللجنة الثقافية للحزب في باريس، وعام 1996 انتخب للمرة الثالثة نائباً لرئيس الحزب. وما يُذكر هنا، أنه مُنح «وسام بادما فيبهوشان»، ثاني أعلى جائزة مدنية في الهند في 25 يناير (كانون الثاني) 2019 لدوره في الإجلاء الآمن للمواطنين الهنود من اليمن.

- رئاسة جيبوتي
في 4 فبراير (شباط) 1999، أعلن الرئيس غوليد أبتيدون، الذي حكم جيبوتي منذ استقلالها عام 1977، إحجامه عن خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، واختار المؤتمر الاستثنائي لحزبه «التجمع الشعبي من أجل التقدم» الحاكم، غيلة مرشحاً رئاسياً بديلاً، بصفته المرشح المشترك عن «حزب العمال التقدمي» والجناح المعتدل لـ«جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية» (FRUD). وبالفعل، فاز غيلة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 9 أبريل من العام نفسه جامعاً أكثر من 70 في المائة من الأصوات، ومتغلباً على منافسه الوحيد، المرشح المستقل موسى إدريس.
بعدها كان المرشح الوحيد في الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 8 أبريل 2005، وفاز بنسبة 100 في المائة من الأصوات المدلى بها وأدى اليمين لولاية ثانية مدتها 6 سنوات، قال إنها ستكون الأخيرة له. إلا أنه مع ذلك، في عام 2010، أقنع غيلة الجمعية الوطنية في جيبوتي بتعديل دستور البلاد، ما يسمح له بالترشح أكثر من مرتين. وقوبلت هذه الخطوة باحتجاجات كبيرة عام 2010 على غرار «الربيع العربي»، ولكن أمكن إخمادها بسرعة. ولاحقاً، بعد التعديل قاطعت أحزاب المعارضة انتخابات 2011. ولم يتبق سوى مرشح واحد غير معروف ضد غيلة في الاقتراع، ما سمح له بالفوز بولاية ثالثة بما يقرب من 80 في المائة من الأصوات.
كذلك، عام 2016، كان غيلة الفائز أيضاً في الانتخابات الرئاسية حاصلاً على نحو 87 في المائة من الأصوات الشعبية، قبل أن يعاد انتخابه لولاية خامسة، العام الحالي.
وبموجب الدستور، الذي لا يسمح لمن تجاوز الخامسة والسبعين من العمر الترشح للانتخابات، يُفترض أن يكون هذا الاقتراع الأخير للرئيس غيلة الذي سيكون قد تجاوز هذا السن بحلول العام 2026.
ولكن، في أي حال، تقول منظمات حقوقية إن الولايات الأربع الأولى للرئيس غيلة لم يفسح فيها أي مجال للاحتجاج أو حرية الصحافة. إلا أنها في المقابل، تميّزت بتحسن الاقتصاد مع تطوير الموانئ والبنى اللوجستية. ثم إن غيلة ساهم في جعل هذه المنطقة شبه الصحراوية، مفترق طرق تجارياً يمرّ من خلاله معظم البضائع المستوردة من قبل «الجارة» الكبيرة إثيوبيا التي لا تملك أي منفذ على البحر. وهذا، بينما تقع جيبوتي على أحد أكثر طرق التجارة ازدحاماً في العالم، وهو خليج عدن، مما يعطيها موقعاً استراتيجياً.

- انتخابات أخيرة محسومة
كما سبقت الإشارة، لم يواجه الرئيس إسماعيل غيلة خلال انتخابات 2021 سوى منافس واحد فقط، هو الوافد الجديد نسبياً رجل الأعمال زكريا إسماعيل فرح (56 سنة). وهذا المنافس رجل أعمال ضعيف الشعبية بدأ العمل السياسي متأخراً، في ظل مقاطعة معظم قوى المعارضة، على رأسها «تحالف الإنقاذ الوطني» (USN)، و«التجمع من أجل العمل والديمقراطية والتنمية البيئية» (RADDE). إذ أعلنت هذه القوى في فبراير الماضي أنها لن تقدّم مرشحاً للانتخابات الرئاسية، مدعية أن العملية الانتخابات لا تلبِّي الشروط والمعايير التي تريدها المعارضة. لكنها مع ذلك لم تَدْعُ الشعب إلى مقاطعة التصويت.
البيانات الانتخابية الرسمية بيّنت حصول فرح على نسبة 2.48 في المائة فقط من أصوات 215 ألف ناخب جيبوتي صوتوا في الانتخابات. هنا نشير إلى أن تعداد سكان جيبوتي يبلغ 900 ألف نسمة. وأجريت العملية الانتخابية تحت رقابة عدد من البعثات الدولية؛ بينها بعثات للاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيجاد)، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي.
وفي حين رحّب غيلة بهذه النتيجة، وألقى خطاب شكر للشعب على تجديد الثقة له، شكّك فرح في صدقية النتائج، ووصف الانتخابات بـ«غير الحقيقية»، مدّعياً أن «مندوبيه لم يكونوا حاضرين في مراكز الاقتراع».
فوز غيلة قوبل بترحيب إقليمي دولي، إذ تلقى برقيات التهنئة من قادة الدول المجاورة، رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورئيس الصومال محمد عبد الله فرماجو، والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بجانب عدد من الرؤساء والملوك العرب، بينهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل المغربي الملك محمد السادس، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. كذلك أعربت الولايات المتحدة عن تطلعها إلى العمل مع حكومة الرئيس غيلة وشعب جيبوتي لتعزيز مصالحهما المشتركة بعد الانتخابات الرئاسية، وتقديرها لعمل بعثات مراقبة الانتخابات.
سياسياً، ثمة مجموعة من العوامل سهَّلت فوز الرئيس غيلة بالانتخابات، تتمثل وفق الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد الجزّار، في الدعم القوي من تحالف «الاتحاد من أجل الغالبية الرئاسية»، إذ إنه ما يزال محافظاً على وحدته حتى الآن منذ تأسيسه، وتولّى اختيار الرئيس ليكون مرشحاً له في الانتخابات. وهذا إضافة إلى مقاطعة المعارضة للانتخابات، وانقسامها، وتبنّيها استراتيجيات غير فاعلة.
على صعيد متصل، فإن العامل الأهم، هو حالة الاستقرار السياسي التي تعيشها جيبوتي في ظل محيط إقليمي مضطرب، ذلك أن دول جوار جيبوتي تشهد صراعات وحروباً داخلية. فلو نظرنا إلى إثيوبيا نجد أنها تشهد أزمات داخلية وصراعات إثنية في إقليم التيغراي وإقليم بني شنقول، وأزمات خارجية تتمثل في أزمة «سد النهضة» مع مصر والسودان، والحرب على الحدود مع السودان. وبينما تواجه الصومال أزمة انتخابات رئاسية، ونشاطات الجماعات الإرهابية، تعيش إريتريا في أزمات اقتصادية، وتوترات بسبب الحرب في إقليم التيغراي الإثيوبي. ثم على الساحل الآخر من البحر الأحمر، نجد الأزمة اليمنية أنهكت البلاد وما زالت مستمرة حتى الآن.
فضلاً عن كل ذلك، فإن غيلة يحظى بتأييد دولي يريد الحفاظ على استقرار جيبوتي، لما لها من موقع استراتيجي مهم. إذ يهم القوى الدولية استقرار البلاد لضمان حماية مضيق باب المندب وخليج عدن، الذي يمر عبره 40 في المائة من الحركة البحرية العالمية، بما في ذلك 6.2 مليون برميل من النفط الخام يومياً، والحفاظ على حركة التجارة العالمية وحمايتها من القراصنة من خلال القواعد العسكرية الموجودة في جيبوتي.
ثم إن جيبوتي تبنَّت «نموذج التنمية بالعسكرة» من خلال استضافة قواعد عسكرية أجنبية توفّر لها موارد مالية تساعدها على تنفيذ المشروعات التي تطمح إليها في ظل ندرة الموارد الاقتصادية الكبير. إذ تعد إيرادات هذه القواعد العسكرية جنباً إلى جنب مع إيرادات ميناء جيبوتي هي المصادر الرئيسة للدخل، وبالتالي، تنظر القوى الدولية إلى استمرارية الرئيس غيلة على أنها إحدى طرق ضمان الاستقرار في المنطقة.

- رؤية منفتحة
من ناحية أخرى، يتمتع الرئيس غيلة برؤية منفتحة على العالم، معتمداً على سياسة فتح مجال التعاون العربي والأفريقي والدولي على الصعيد الاقتصادي والأمني والعسكري. ويقول الرئيس الجيبوتي إن بلاده لا تخشى من تنافس عسكري بين الدول الكبرى فوق الأراضي الجيبوتية، لأن وجودها موجه في المقام الأول لمكافحة الإرهاب وضد القرصنة البحرية ولحماية الملاحة الدولية في هذا الموقع الاستراتيجي المهم.
أيضاً يعتبر غيلة الصراعات الدائرة من حوله في الصومال واليمن والقرصنة البحرية والإرهاب من التحديات الرئيسة التي تعاني منها منطقة القرن الأفريقي على الصعيدين الأمني والتنموي. وكان في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» قد قال إن جيبوتي «تضطلع بدور طليعي في الجهود المبذولة لمواجهة هذه التحديات وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، لينعكس ذلك إيجاباً على التكامل والتضامن الاقتصادي وتعزيز فرص العيش الكريم لشعوبها».
وهو يرى أن الوجود العسكري للدول الكبرى في جيبوتي هو «مصالح مشتركة... فهو ليس استقطاباً أو تنافساً بين هذه الدول على مصالح اقتصادية واستراتيجية في المنطقة، بل هو موجه في المقام الأول لمكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية وحماية الملاحة الدولية في هذا الموقع الاستراتيجي المهم من العالم». وعليه، فإنه يسعى إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار والتنمية في بلاده على وجه الخصوص وفي المنطقة على وجه العموم.
وبالفعل، نجح غيلة في رفع مكانة جيبوتي من خلال سعيه لجعلها دولة محورية في منطقة القرن الأفريقي. ويتضح هذا من تدخل جيبوتي لتسوية الأزمة الأخيرة بين كينيا والصومال، واستضافة المباحثات بين الصومال وأرض الصومال، ومحاولة تسوية الأزمة الحدودية بين إثيوبيا والسودان.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد استطاع غيلة قيادة جيبوتي لتحقيق نجاح لافت على المستوى الاقتصادي. إذ نما الناتج المحلي الإجمالي لجيبوتي 7 مرات، ليصل إلى ما يقرب من 3.3 مليار دولار عام 2020. كما أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في جيبوتي يبلغ نحو 3500 دولار، وهو معدل أعلى من معدلات معظم دول أفريقيا، جنوب الصحراء، وفقاً لتقارير البنك الدولي. وفضلاً عن ذلك، أُطلقت مجموعة من المشروعات في البلاد بتمويل أجنبي، وخاصة من الصين، بينها بناء خط سكة حديدية يربط جيبوتي بأديس أبابا دشّن عام 2017. كما أطلقت البلاد المرحلة الأولى من مشروع أكبر منطقة تجارة حرة في أفريقيا.
وأخيراً، على الصعيد الأمني، نجح في الحفاظ على أمن البلاد ووقايتها من خطر انتشار الحركات والتيارات الإرهابية المنتشرة في المنطقة، خاصة الصومال.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.