انطلاق حملة انتخابات البرلمان الجزائري وسط فتور شعبي

فتور شعبي ميّز حملة انتخابات البرلمان الجزائري التي انطلقت أمس (أ.ب)
فتور شعبي ميّز حملة انتخابات البرلمان الجزائري التي انطلقت أمس (أ.ب)
TT

انطلاق حملة انتخابات البرلمان الجزائري وسط فتور شعبي

فتور شعبي ميّز حملة انتخابات البرلمان الجزائري التي انطلقت أمس (أ.ب)
فتور شعبي ميّز حملة انتخابات البرلمان الجزائري التي انطلقت أمس (أ.ب)

انطلقت، أمس، في الجزائر حملة انتخابات البرلمان، المقررة في 12 من الشهر المقبل، وسط فتور شعبي وجدل أثاره قرار السلطات صرف منحة من المال العام للمترشحين المستقلين، الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة. وبدا من خلال الملصقات أن شعار «التغيير» هو القاسم المشترك بين غالبية المتنافسين، ضمن 1483 لائحة ترشيح. ولاقى قرار تقديم مساعدة مالية (قيمتها 1700 دولار بالعملة المحلية) للمترشحين الشباب انتقاداً شديداً من طرف منافسيهم الحزبيين، الذين رأوا في ذلك تمييزاً بين المترشحين، بينما يفترض، بحسبهم، أن تكون السلطات على نفس المسافة بينهم.
وكان مرشحو الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم» أكثرهم رفضاً لهذا المسعى، حسبما أظهرته ردود أفعالهم بحساباتهم بالمنصات الرقمية، خاصة «فيسبوك»، الذي يعد الفضاء الأكثر استعمالاً في الدعاية الانتخابية لكل المترشحين تقريباً، قبل بدايتها رسمياً.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد تعهد خلال حملة «رئاسية 2019» بمساعدة مالية للشباب، قصد تشجيعهم على الترشح للانتخابات البرلمانية. وتأتي «منحة ترشيحات الشباب»، مع اشتداد الضائقة المالية للخزانة العامة، بفعل تراجع مداخيل المحروقات، وضغط أزمة «كوفيد 19»، التي تسببت في إغلاق عشرات المؤسسات الصغيرة، وإحالة 500 ألف عامل على البطالة، بحسب إحصاءات الحكومة. فيما تشهد البلاد حالياً موجة إضرابات ومطالبات برفع الأجور.
ويخوض معترك الحملة 28 حزباً بـ646 لائحة ترشيح، و837 مترشحاً مستقلاً، مع وجود لافت للإسلاميين في السباق، يتقدمهم حزب «مجتمع السلم»، وناشطون إسلاميون ليس لهم انتماء حزبي، لكنهم يعولون على الولاءات القبلية، والروابط القوية بين العائلات والأطر الدينية في المناطق المحافظة. وسيدوم التنافس على كسب 23 مليون صوت ثلاثة أسابيع، يخضع خلالها المترشحون لشروط صارمة، تضمنها قانون الانتخابات، منها ردع أي هجوم ضد الخصم فيه سب، أو دعوة إلى العنف أو ميز عنصري، أو «استغلال للدين والرموز الوطنية» أثناء الحملة.
وعلى عكس كل المواعيد الانتخابية في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تشارك الأحزاب التي كانت محسوبة على السلطة باحتشام، بعد أن رفض الفريق الذي خلف بوتفليقة في الحكم الاستعانة بخدماتها لتجسيد مشروعاته السياسية. ويتعلق الأمر بـ«جبهة التحرير الوطني»، و«التجمع الوطني الديمقراطي»، صاحبي الأغلبية في البرلمان المنحل في فبراير (شباط) الماضي.
كما تشارك في الحملة أحزاب صغيرة، أعلنت ولاءها للرئيس تبون بعد وصوله إلى الحكم، أبرزها «جيل جديد» و«جبهة المستقبل»، و«جبهة الجزائر الجديدة» و«فجر جديد»، مع غياب لافت لأحزاب المعارضة اليسارية واللائيكية المعارضة، وأهمها «جبهة القوى الاشتراكية» و«حزب العمال»، و«التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية».
وبدت حملة الدعاية لبرامج ووعود المترشحين فاترة في يومها الأول، ميزها إقبال محتشم على التجمعات التي عقدها قادة الأحزاب، والمرشحون البارزون في لوائح المستقلين، الذين خاض بعضهم «مغامرة» اللقاء المباشر مع الناخبين في المقاهي والأحياء الشعبية، في ظل رفض شعبي نسبي للاستحقاق وتذمر من غلاء المعيشة، وتحفظ على أداء النواب، الذين رسمت لهم صورة في المخيال الجماعي، مفادها أنهم باحثون عن أجور مرتفعة، ومكاسب مادية يوفرها البرلمان، الذي يعد جسراً لربط علاقات شخصية مع المسؤولين الحكوميين.
واللافت أن الحملة انطلقت بشكل مكثف في شبكة التواصل الاجتماعي، حيث نشر المترشحون صورهم، وبثوا فيديوهات حول وعودهم وبرامجهم وسيرهم الذاتية. وهذه الطريقة تجنبهم احتمال مواجهة غير مرغوب فيها مع الناخبين في الميدان. كما أن الأماكن المخصصة للدعاية الانتخابية، غابت عنها الملصقات في المدن الكبيرة، أمس، فيما لوحظ على المنشورات الإشهارية ببعض المناطق المحافظة، كمدن الجنوب الكبير، أسماء نساء مرفقة بمراكزهن الاجتماعية من دون صور. وهذه «الخصوصية» مألوفة لدى الأحزاب الإسلامية في جميع الاستحقاقات بهذه المناطق.
وأقر قانون الانتخاب المعدل، مؤخراً، مناصفة بين الرجل والمرأة في لوائح الترشيحات، ما طرح إشكالاً للأحزاب بسبب صعوبة البحث عن مترشحات خارج المدن الكبيرة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.