فيصل الشهيل... ترك الناصرية وتوقف في الموانئ وعبر سكك الحديد السعودية

فيصل الشهيل... ترك الناصرية وتوقف في الموانئ  وعبر سكك الحديد السعودية
TT

فيصل الشهيل... ترك الناصرية وتوقف في الموانئ وعبر سكك الحديد السعودية

فيصل الشهيل... ترك الناصرية وتوقف في الموانئ  وعبر سكك الحديد السعودية

برحيل الشيخ فيصل بن محمد الشهيل الذي غيبه الموت أمس، انتهت رحلة طويلة لأحد أبرز الشخصيات العامة في السعودية، ركض خلالها في مضامير مختلفة وتوقف في محطات متعددة ومتباينة، وتقلد مناصب مختلفة، حقق فيها النجاح والتفرد والريادة، وسجل حضورا محلياً وعربياً وعالمياً.
محطات سبع توقف بها فيصل بن محمد بن عبد العزيز الشهيل ومر بها في رحلته مع الحياة والعمل هي: المزاحمية (غرب الرياض)، ومنها تتحدر أسرة الشهيل، حيث ولد والده محمد بن عبد العزيز الشهيل، وكان أحد القياديين في مراحل تكوين الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز، وتولى إمارة 6 مناطق فيها، والمحطة الثانية في حياة فيصل الشهيل هي الطائف حيث ولد، عندما كان والده أميرا عليها، وكانت بغداد محطة الشهيل الثالثة التي درس بها المرحلة المتوسطة لينتقل إلى لبنان ليكمل دراسته بالمرحلة الثانوية، وليلتحق بعدها بالجامعة الأميركية في بيروت ويحصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والمال؛ ليحمل حقائبه بعدها إلى الولايات المتحدة ويحصل فيها على درجة الماجستير في إدارة الأعمال. وعد بذلك من أول الدارسين السعوديين في الخارج، ليعود إلى بلاده ويتولى مناصب عدة بتعيينه أول مدير عام للموانئ من ثم وكيل مساعد في وزارة المواصلات للطرق والموانئ، فرئيسا عاما لمؤسسة السكك الحديدية برتبة وزير لمدة عقدين ليتقاعد بعدها من العمل الحكومي.
دخل الشهيل مجال الإعلام بقوة وعشق، وسجل حضوراً فيه، فقد كان من المؤسسين لصحيفة الجزيرة وشغل منصب المشرف على التحرير والإدارة، وعضو في مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، كما أسس جريدة الرياضي، وعمل عضوا في مجلس إدارة دار اليوم للإعلام، والمشرف العام على التحرير بجريدة اليوم، كما كان أحد مؤسسي مؤسسة عسير للصحافة والنشر التي تصدر عنها جريدة الوطن، ودخل مجال الرياضة في بلاده من خلال نيابته لرئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، وتوليه رئاسة نادي الهلال، ورئيسا لنادي النهضة، ونائبا لرئيس الاتحاد السعودي لسلاح المبارزة، وعضو اللجنة الأولمبية السعودية، ورئيس اللجنة الأهلية لتكريم الرياضيين.
عاصر الشهيل مختلف التيارات الفكرية التي ازدحمت في العالم العربي خلال الخمسينات والستينات، وعبر عن آرائه التي لا تخلو من إشكال، ولعل أبرزها والتي أحدثت جدلا اصطدامه مع عبد الرحمن الراشد بشأن موقف الإعلام العربي من حرب العراق، وقد كشف عن ذلك خلال حوار مع «الشرق الأوسط» أجراه الزميل ميرزا الخويلدي عام 2004، وأفصح فيه أنه كان في فترة من الفترات يميل إلى الناصرية وقد تركها لأسباب شرحها خلال الحوار. ونعى الدكتور فهد العرابي الحارثي الإعلامي السعودي المعروف رئيس تحرير مجلة اليمامة السابق، ورئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام، الشهيل وقال لـ«الشرق الأوسط أمس: «رحم الله معالي الشيخ فيصل الشهيل رجل الدولة الذي ترك بصمات واضحة في الإدارة في الدولة، وفي الإعلام، وفي الرياضة، وفي الإحسان وأعمال الخير، فيصل الشهيل الذي يعرفه الناس بأنه واحد من القلائل الذين يغادرون هذه الدنيا وليس لهم عليها خصم واحد، هو الرجل الذي عاش حياته بلا خلافات مع أي أحد في هذه الحياة، ليس لأنه لم يواجه بعض التحديات أو بعض المعضلات، ولكن لأنه كان دائماً شديد التسامح، وعظيم الكبرياء، وكريم النفس، وكرم النفس هو الذي يعالج الغضب.
الشهيل بالنسبة للأقربين من أهله ليس فقط الأخ الأكبر ولكنه فوق ذلك الأب والراعي المسؤول عن رعيته، وهو دائماً موجود معهم في السراء والضراء يمنح كبارهم الحب وينعم على صغارهم بالعطف والحنان، الكل يلجأ إلى فيصل، والكل يتفقدهم فيصل بسؤاله ومتابعته ورعايته. ويجب أن يعلموا جميعهم اليوم بأنه ليس فقيدهم وحدهم بل هو فقيد أصدقائه ومحبيه، وفقيد وطنه، وفقيد كل الناس». وختم: «غفر الله لأبي منصور وأسكنه جنات النعيم».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».