توصية علمية بتعزيز الخدمات الصحية الأولية استعداداً لـ«جائحة مقبلة»

غيبريسوس ينتقد «أبرتهايد اللقاحات»

مدير منظمة الصحة العالمية يتحدث عن «أبرتهايد اللقاح»... (رويترز)
مدير منظمة الصحة العالمية يتحدث عن «أبرتهايد اللقاح»... (رويترز)
TT

توصية علمية بتعزيز الخدمات الصحية الأولية استعداداً لـ«جائحة مقبلة»

مدير منظمة الصحة العالمية يتحدث عن «أبرتهايد اللقاح»... (رويترز)
مدير منظمة الصحة العالمية يتحدث عن «أبرتهايد اللقاح»... (رويترز)

بعد ساعات قليلة من نداء الاستغاثة الذي وجّهه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدحانوم غيبريسوس، من «منتدى السلام» في باريس، إلى الدول الغنيّة لتوزيع الفائض من لقاحاتها المضادة لفيروس «كورونا» على البلدان الفقيرة وعدم تردده في توصيف الوضع بأنه «أبرتهايد لقاحات»، كان الرئيس الأميركي جون بايدن يعلن بنفسه من البيت الأبيض أن الولايات المتحدة سترسل 20 مليون جرعة من لقاحات «فايزر» و«موديرنا» و«جونسون» إلى الخارج بحلول نهاية الشهر المقبل، مكرراً الشعار الذي رفعته المنظمة الدولية والأوساط العلمية منذ بداية الوباء بأن أحداً لن يكون بأمان منه حتى يحصل الجميع على اللقاح.
في غضون ذلك، كانت منظمة الصحة تكشف عن نتائج الدراسات والبحوث التي أجرتها مجموعة من الخبراء المستقلين كلّفتها النظر في استجابات الحكومات لوباء «كوفيد19»، والتي من المقرر أن تنشرها مجلة «Nature Medecine» في عددها المقبل، ويستفاد منها أن الدول التي نجحت أكثر من غيرها في مواجهة الجائحة هي التي استندت في خططها وتدابيرها إلى القرائن العلمية وركّزت على حماية طواقمها الطبية بهدف تعزيز أنظمتها الصحية، وأبعدت دائرة القرار لإدارة الأزمة عن الضغوط الاقتصادية والتجاذبات السياسية.
وتقول خبيرة الصحة العامة، هيلين كيغلي، التي أشرفت على قسم من هذه البحوث: «الدراسات التي أجريناها بيّنت أنه لا يوجد تدبير واحد أو حل سحري لمواجهة الوباء، بل لا بد من مجموعة تدابير في مجالات عدة، منسّقة جيداً بينها، وآليات فاعلة تضمن تنفيذها». وشملت هذه الدراسات 28 بلداً موزّعة على 3 فئات وفقاً لنسبة الوفيّات من عدد السكان، حيث حلّت فيتنام وتايلاند في الصدارة بأفضل النتائج، وجاءت الولايات المتحدة والبرازيل والمملكة المتحدة والمكسيك في الفئة الثالثة، بينما حلّت بلدان مثل اليابان وسنغافورة في المرتبة الوسطى. وبيّنت الدراسة أن بلدان المجموعة الأولى هي التي تصرّفت حكوماتها بتنسيق تام بين الأجهزة والمؤسسات وتوافق بين القوى السياسية، وتحرّكت بسرعة لتخصيص موارد مالية إضافية وبشرية للمنظومات الصحية العامة.
وتبرز البحوث التي أجراها الخبراء بشكل خاص دور العامل البشري؛ حيث تبيّن أن أنجح التجارب اعتمدت على طواقم صحية مؤهلة على درجة عالية من الدربة، تعزّزت قدراتها بفضل مزيد من الدعم المالي والاجتماعي وتدابير الحماية، مثل التعاقد مع أطباء وممرضين إضافيين، واللجوء إلى المتقاعدين والطلاب، وتوفير فترات كافية لراحة الطواقم الصحية في مساكن قرب المستشفيات لحماية اسرهم والعناية بأولادهم، والاهتمام بصحتهم النفسية والجسدية.
وتقول كيغلي؛ التي تشرف على «معهد الطب الاستوائي» في لندن، إن «الدعم المالي والاجتماعي والنفسي للطواقم الصحية كان حاسماً في تأدية الدور المشرق الذي لعبوه في مواجهة الوباء رغم الظروف القاسية جداً التي كانوا يعملون فيها». لكنها تحذّر من أن «هذه الطواقم ما زالت إلى اليوم تعاني من تداعيات تلك الظروف»، وأن كثيراً من الذين تحدّث إليهم الباحثون يقاسون إرهاقاً نفسيّاً كبيراً ويفكّرون في التخلّي عن مهنتهم.
أما بالنسبة للبنى التحتية للعناية بالمصابين، فقد بيّنت الدراسة أن جميع البلدان لجأت إلى التدابير الثلاثة نفسها لتوسعتها بسرعة: بناء مستشفيات جديدة، وتحويل أماكن عامة إلى مشافٍ، وتعديل التوزيع الداخلي في المنشآت الموجودة لتخصيص مساحات أوسع لمرضى «كوفيد19». وتلاحظ الدراسة أن فاعلية هذه التدابير تتوقّف بشكل حصري على كفاءة الموارد البشرية المخصصة لإدارتها وخدمتها وكفايتها.
ومن الاستنتاجات التي تشدّد عليها الدراسة بشكل خاص أنه لا توجد قاعدة واحدة تقوم عليها فاعلية المنظومات الصحية وقدرتها على مواجهة الأزمات الكبرى مثل «كوفيد19»؛ بل هناك مجموعة من المواصفات المشتركة بين الدول التي حققت أفضل النتائج؛ أبرزها القدرة على التكيّف مع التطورات والقرائن التي كان يفرزها الوضع الوبائي. يضاف إلى ذلك؛ أن البلدان التي سبق أن واجهت أوبئة مثل «إيبولا» أو «سارس»، كانت منظوماتها الصحية مدرّبة على التصدي للوباء أكثر من غيرها. وتشير الدراسة أيضاً إلى أن البلدان التي طبّقت تدابير تقشّفية على قطاع الخدمات الصحية الأساسية في السنوات الأخيرة، وبينها العديد من البلدان الغنية التي لديها منظومات صحية متطورة، واجهت صعوبات كبيرة في مراحل ذروة الموجات الوبائية بسبب من النقص في الموارد البشرية والأقسام المخصصة للعناية الأولية. وتذكر الدراسة أن بلداناً مثل إيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة دفعت ثمناً باهظاً في المراحل الأولى من الجائحة بسبب من السياسات التقشفية التي طبقتها في السنوات الأخيرة على منظوماتها الصحية المعروفة بكفاءتها العالية.
وتسلّط الدراسة في استنتاجاتها الضوء على مواطن الضعف في منظومات الصحة العامة، وتدعو إلى تعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة الأزمات، وتأهيل الموارد البشرية الكافية، ومعالجة التفاوت والإجحاف في الخدمات الصحية، منبّهة إلى أن ظهور الجائحات في المستقبل بات من المسلّمات العلمية، وأن الاستعداد لها يجب أن يكون في طليعة الأولويات الدولية. ويشدّد الخبراء على حيوية العناية الصحية الأوليّة وضرورة تخصيص الاستثمارات الكافية لتعزيزها، فهي تشكّل خط الدفاع الأول في وجه الوباء والضمانة الأكيدة لتنظيم حملات التلقيح بسرعة وفاعلية.


مقالات ذات صلة

الصحة العالمية: نزوح مليون شخص منذ بدء هجوم المعارضة في سوريا

المشرق العربي سوريون ينتظرون في طابور للعبور إلى سوريا من تركيا في منطقة ريحانلي في هاتاي بتركيا في 10 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

الصحة العالمية: نزوح مليون شخص منذ بدء هجوم المعارضة في سوريا

قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الثلاثاء، إن نحو مليون شخص نزحوا منذ بدء هجوم المعارضة في سوريا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أن قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مصر تستعرض تجربتها في علاج الوافدين من «فيروس سي» خلال ورشة عمل بالتعاون مع المركز الأوروبي لعلاج الأمراض والأوبئة (وزارة الصحة المصرية)

مصر تعالج الوافدين ضمن مبادرات قومية رغم «ضغوط» إقامتهم

لم تمنع الضغوط والأعباء المادية الكبيرة التي تتكلفها مصر جراء استضافة ملايين الوافدين، من علاج الآلاف منهم من «فيروس سي»، ضمن مبادرة رئاسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب بجميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«الجمعية العامة» تطالب بأغلبية ساحقة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة

من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)
من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

«الجمعية العامة» تطالب بأغلبية ساحقة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة

من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)
من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)

دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار غير ملزم صدر بغالبية ساحقة وصوّتت ضدّه خصوصا الولايات المتحدة وإسرائيل إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة.

والقرار الذي صدر بغالبية 158 دولة مؤيدة في مقابل 9 دول صوّتت ضدّه و13 دولة امتنعت عن التصويت، يدعو إلى "وقف لإطلاق النار فوري وغير مشروط ودائم" وكذلك أيضا إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن"، وهي صيغة مشابهة لتلك التي وردت في مشروع قرار استخدمت ضدّه واشنطن في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الفيتو في مجلس الأمن الدولي.

واستخدمت الولايات المتحدة يومها حق النقض لحماية إسرائيل التي تشن منذ أكثر من سنة هجوما عسكريا في قطاع غزة ردا على هجوم غير مسبوق نفذته حركة حماس على جنوب الدولة العبرية. وعطّل الأميركيون في حينها صدور قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق نار "فوري وغير مشروط ودائم" في غزة، مشترطين من أجل إقرار أي هدنة إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في القطاع منذ هجوم حماس.

وقبيل التصويت على النصّ، قال نائب السفيرة الأميركية في الأمم المتّحدة روبرت وود إنّه سيكون من "المخزي" تبنّي مشروع القرار لأنّه "قد يوجّه إلى حماس رسالة خطرة مفادها أنّ لا حاجة للتفاوض أو لإطلاق سراح الرهائن"، في وقت تحدّثت فيه وزارة الدفاع الإسرائيلية عن "فرصة" لإبرام اتفاق لاستعادة الرهائن.

بدوره قال السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون إنّ "تصويت اليوم ليس تصويت رحمة، بل هو تصويت تواطؤ" و"خيانة" و"تخلّ" عن الرهائن المحتجزين في القطاع الفلسطيني.