قمة باريس البداية لدعم السودان

ماكرون مع البرهان وحمدوك خلال قمة باريس أول من أمس (إ.ب.أ)
ماكرون مع البرهان وحمدوك خلال قمة باريس أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

قمة باريس البداية لدعم السودان

ماكرون مع البرهان وحمدوك خلال قمة باريس أول من أمس (إ.ب.أ)
ماكرون مع البرهان وحمدوك خلال قمة باريس أول من أمس (إ.ب.أ)

أبعد من الوعود بإعفائه من بعض ديونه وتمكينه من الحصول على تمويل دولي، فإن المكسب الأول للسودان من القمة التي دعا إليها الرئيس إيمانويل ماكرون وجير لصالحها صورته الشخصية وعلاقات فرنسا وموقعها على الخريطة الأوروبية والدولية هو تصحيح صورة السودان.
وبالفعل، كانت لحظة مؤثرة أن يستمع قادة ووزراء وحكام أهم المؤسسات والصناديق المالية الدولية لثلاثة شبان وهم «شابتان وشاب» شاركوا في الثورة التي أفضت إلى إزاحة حكم هيمن على البلاد ومقدراتها، وأساء إلى صورتها عبر العالم منذ ثلاثين عاما، ووضعها في عزلة دولية قاسية.
نسرين سالم (ناشطة في مجال البيئة) وآلاء صلاح (ناشطة سياسية) ومحمد ناجي الأصم (عضو تجمع المهنيين الذي قاد الثورة)، كانوا بعد ظهر الثلاثاء صورة السودان الجديد في كلماتهم للقمة. حضور رائع ونهج عقلاني وإرادة للتغيير وإيمان بالمستقبل: هذه شكلت الرباعية التي سحرت الحضور. كذلك، فإن رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، الذي خبر المؤسسات الدولية سابقا، كان بدوره ورقة رابحة للسودان في تقنيته وتمكنه من الملفات وعزمه في السير إلى الأمام.
وليس من نافل الأمور أن الذين تعاقبوا على الكلام طيلة أربع ساعات أتبعت بمؤتمر صحافي للرئيس ماكرون ولرئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان وعبد الله حمدوك، شددوا كلهم على أهمية إنجاح التجربة السودانية الديمقراطية، لا بل إن باريس جعلتها نهجا يمكن السير على هديه للعديد من الدول الأفريقية والعربية، أي النهج السلمي الحواري والديمقراطي الشامل وعمل الجناحين العسكري والمدني معا وبانسجام.
من حق الرئيس الفرنسي أن يشكره السودان حكومة وشعبا. وممثلوه في القمة والمؤتمر الاقتصادي لم يبخلوه حقه. فماكرون كان صاحب مشروع القمة التي وعد بها حمدوك لدى مجيئه إلى باريس في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي وانتظر حتى يرفع اسم السودان من لائحة الدول راعية الإرهاب الأميركية وهو ودبلوماسيته ساهما في ذلك. كذلك انتظر أن يخفت وباء (كوفيد - 19) ليدعو إلى باريس أول قمة حضورية منذ ما يزيد على العام.
وضغط في اللقاءات التمهيدية وداخل القمة للدفع باتجاه تخفيف عبء الديون السودانية وأعطى باسم فرنسا المثال الذي يحتذى بقراره شطب خمسة مليارات دولار من الديون المستحقة لبلاده على السودان إضافة إلى توفير قرض تجسيري بقيمة 1.5 دولار لدفع متأخرات الخرطوم لصندوق النقد الدولي حتى يتمكن من الحصول على تمويل إضافي.
وهكذا، فإن المملكة السعودية وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وآيرلندا والنمسا والسويد وإيطاليا والاتحاد الأوروبي تشاركت لتصفية ديون السودان المتأخرة وتمكينه من الحصول على ملياري دولار من الهبات للأجل القصير. وتمثل المليارات الخمسة الفرنسية أكبر حصة من ديون السودان المستحقة لنادي باريس.
ليست قمة باريس سوى المقدمة. والاستحقاق الثاني سيحل نهاية يونيو (حزيران) القادم، حيث ستعقد اجتماعات مالية منها لنادي باريس للتثبت من أن الخرطوم استوفت الشرطين الموضوعين لدعمها وهما: الإصلاحات المالية والاقتصادية ومنها سعر موحد للعملة الوطنية إزاء العملات الأجنبية وتصفية متأخرات السودان للمؤسسات المالية الثلاث: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي. وعندها سيتم النظر في إعادة هيكلة الديون السودانية المستحقة لأطراف نادي باريس وخفضها. وليس من المراهنة العبثية القول منذ اليوم إن ماكرون سيكون عونا للخرطوم لدفع الدول الدائنة لتخفيف عبء المديونية على السودان، علما بأن موارد السودان الطبيعية «غاز ونفط ومعادن ومنها مناجم الذهب...» وموارده البشرية من شأنهما طمأنة الأطراف الدائنة لقدرة الخرطوم على الإيفاء إذا مكنت من اجتياز الصعوبات والتحديات الراهنة.
بيد أن السودان لا يريد أن يكون عالة أو عبئا على العالم وهذا ما شدد عليه حمدوك أكثر من مرة. رئيس الحكومة الذي يوحي بالثقة للمؤسسات المالية الدولية يريد شراكات رابحة واستثمارات مشتركة في ميادين رئيسية مثل الطاقة والزراعة والاتصالات والصناعات الزراعية. كذلك، فإنه شدد على العمل لتوفير بيئة مناسبة للاستثمار تعتمد الشفافية والتخلص من الفساد وسن قوانين عصرية ومحاكم تجارية وخلافها، فضلا عن البيئة الأمنية. وربما يؤخذ على القمة أنها لم تعر هذه المسألة الأهمية الكافية. فالخلاف المستحكم مع إثيوبيا بشأن سد النهضة والحقوق المائية لدول المصب وهي مصر والسودان أشير إليه بشكل جانبي، واللافت أن مصادر الإليزيه أشارت، في معرض تقديمها للقمة الأسبوع الماضي، أن باريس لا تخطط للغوص في هذا الملف، وأنها تترك المبادرة للولايات المتحدة الأميركية. والحال أن الرئيس ماكرون كان باستطاعته أن يتناول هذه المسألة المعقدة خصوصا أن الأطراف المعنية «مصر والسودان وإثيوبيا ورئاسة الاتحاد الأفريقي» كانت كلها ممثلة على أعلى مستوى في قمة الثلاثاء. لكن يبدو أن الجهة المنظمة فضلت التركيز على المسائل الاقتصادية والمالية وترك المسائل السياسية - الاستراتيجية جانبا.
يبقى أن القمة لم تعف السودان من الجهود الإضافية المطلوبة منه وأولها السير بالمرحلة الانتقالية إلى نهاياتها. وكان ذلك واضحا في البيان النهائي للقمة الصادر عن رئاستها إذ جاء فيه ما يلي: «يمثل الأداء التوافقي للمؤسسات الانتقالية عنصرا جوهريا من أجل التحضير لعقد انتخابات حرة وشفافة في نهاية الفترة الانتقالية، ومن أجل وضع دستور يضمن المساواة في الحقوق لجميع المواطنين وبغية إنشاء حكومة مدنية تتمتع بالشرعية الكاملة».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.