«الاشتراكات المدفوعة» تثير التساؤلات عن مستقبل الصحافة الرقمية

«الاشتراكات المدفوعة» تثير التساؤلات عن مستقبل الصحافة الرقمية
TT

«الاشتراكات المدفوعة» تثير التساؤلات عن مستقبل الصحافة الرقمية

«الاشتراكات المدفوعة» تثير التساؤلات عن مستقبل الصحافة الرقمية

في خطوة تثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل الصحافة الرقمية، قررت وكالة «رويترز» منتصف أبريل (نيسان) الماضي، إطلاق خدمة مدفوعة، تتوجه مباشرة للقارئ المتخصص، لتكون بذلك هي المرة الأولى منذ تأسيس الوكالة عام 1851 التي تغير فيها نموذج العمل الخاص بها.
ويرى متخصصون في استراتيجية «رويترز» المستحدثة جملة من الدلالات والمؤشرات حول مستقبل الصحافة الرقمية، أهمها أن «وكالات الأنباء ما عادت تعتمد كلياً على الكيانات الصحافية أو غرف الأخبار لتكون المستهلك الوحيد لمنتجاتها الصحافية، لا سيما وسط الأزمات المادية التي تعاني منها الصحافة منذ ظهور منصات التواصل الاجتماعي».
«رويترز» كشفت عن استراتيجيتها الجديدة في بيان نشر على موقعها الرسمي فأعلنت أنها «تعتزم تقديم خدمة صحافية راقية تستهدف قارئاً متخصصاً يتوق إلى معلومات وبيانات دقيقة، ولذا سيكون على استعداد لدفع مبلغ 34.99 دولار شهرياً».
مقارنة بالخدمات الصحافية المدفوعة، يعد هذا المبلغ كبيراً نسبياً، فمثلاً، لا يتخطى الاشتراك في خدمة «آبل» للأخبار، الذي يضم عدداً كبيراً من الصحف والمواقع والمجلات البارزة 10 دولارات. لكن «رويترز» تبرر قيمة الاشتراك وتشدد على أن الغاية «جذب قارئ متخصص يسعى للحصول على مستوى أعمق من التغطية والبيانات الخاصة بقطاعات الصناعة، التي تشمل القانون والأعمال المستدامة والرعاية الصحية والسيارات».
فتحي أبو حطب، المدير العام السابق لصحيفة «المصري اليوم» اليومية الخاصة بمصر، يرى أنه «جرت العادة على أن يسير نموذج العمل الصحافي، أو نموذج نقل الأخبار، من وكالات الأنباء إلى الصحف ثم إلى القارئ، وبالفعل ظلت لسنوات وكالات الأنباء لا تتعامل مباشرة مع القارئ، حتى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي. وحينذاك بدأ يلوح في الأفق منافس جديد، وربما محرك مستحدث دخيل على نموذج عملية نقل الأخبار».
ويضيف أبو حطب لـ«الشرق الأوسط» أنه «حتى بعد دخول الصحف في أزمات مالية، بسبب انخفاض التوزيع، وارتباك حركة الإعلانات التي باتت دخل شريك فيها المنصات الرقمية، كانت وكالات الأنباء بعيدة عن التهديد؛ بل دعونا نقول إن الوكالات العالمية حصدت نتاج ارتباك الصحف، لأنها كانت البديل العملي والموثوق فيه للصحافي». ويتابع «هنا، أتذكر كيف تمكنت وكالة مثل (رويترز) أن تتحلى بالمرونة في التعامل مع الموقف، وتقديم محتوى أكثر تنوعاً، شمل الصحة والمنوعات والترفيه، بعدما كانت السياسة واجهتها الأبرز».
من جهة ثانية، يقول مراقبون إن «(رويترز) اتجهت نحو القارئ، ربما لتحميه من ارتباك المشهد، أو لاستقطابه كمستهلك مباشر للمحتوى». وفي عام 2011 أطلقت «رويترز» مشروع «أصوات مصرية» للصحافة الرقمية. ووفق أبو حطب فإن «تجربة أصوات مصرية تستحق كل التقدير، كما أن دخول (رويترز) في إنتاج المحتوى كان قراراً شديد الذكاء. ولكن دعونا نبقى على يقين من أن المؤسسات الدولية لا تأخذ أي خطوة اعتباطاً، ودائماً ما تكون خُطاها حلقة ضمن رؤية موسعة، ومن هنا أتصور أن (رويترز) في ذلك الوقت كانت تتقرب للقارئ مباشرة، لأنها ترى فيه ملاذها إن لم تتمكن الصحف من حل أزماتها».
حسب المراقبين فإن «مشروع (رويترز) في الصحافة المباشرة - أي (أصوات مصرية) - انتهى عام 2017؛ لكن المؤكد أنها حققت الغرض ولمست نبض السوق من خلالها».
أبو حطب يشير إلى أن «قرار إنتاج المحتوى منذ 11 سنة، كان تمهيداً للتحول الذي نتابعه الآن... تقديم خدمة مدفوعة للقارئ مباشرة، هو تغيير في الخطة وليس تراجعا، فبذلك أصبحت الوكالة أكثر استجابة لاتجاهات السوق الصحافية».
عودة إلى بيان «رويترز» الذي يعلن عن جعل خدمتها مقابل اشتراك شهري، فإنه يوضح أن «المحتوى الجديد سيُتاح للقارئ بالمجان عند تصفح 5 قصص إخبارية، ثم يتعين عليه ترك بياناته للاشتراك إذا كان يريد الاستمرار». وهنا يعتبر الخبراء والمتخصصون أن «هذا النموذج كقيمة مالية، له دلالات، لأن (رويترز) بقرارها هذا وتحديد قيمة اشتراكها حددت منافسيها». ويقول أبو حطب إن «(رويترز) لا تخطط لأن تصبح ناشراً تقليدياً، وإلا أصبحت منافساً للصحف، وليس شريكاً في عملية نقل الأخبار... إنها تضع جميع الاحتمالات للاستمرار؛ بل وتصنف الخدمة المدفوعة التي تقدمها بالجودة والتميز، إذ تنافس نموذجي خدمتي (بلومبرغ) و(وول ستريت جورنال) اللتين لهما قيمة الاشتراك نفسها تقريباً».
في السياق ذاته دللت «رويترز» على هذا التحليل؛ بل وذكرته نصاً من خلال البيان الذي أعلنت من خلاله تفاصيل الخدمة المدفوعة. وقال جوش لندن، كبير مسؤولي التسويق في «رويترز»، رئيس قسم المتخصصين في الوكالة، إن «ما يحدث الآن هو أكبر تحول رقمي في (رويترز) منذ عقد من الزمان». في حين علق الصحافي الهولندي، يوست شخفرس، مراسل «نيدرلاندز داغبلات» Nederlands Dagblad الهولندية، والصحافي الرقمي المتخصص في الوسائط المتعددة لدى صحيفة «تروف» Trouw لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «عدداً من الوكالات الدولية تقدم بالفعل أخبارا مجانية للقارئ على شاكلة (رويترز) و(إيه بي)؛ لكن بالطبع لا تتيح جميع منتجاتها الصحافية. الشيء الوحيد الذي يتغير الآن، هو أنه بالنسبة لجماهير المحددة، سيقدمون خدمات ببيانات إضافية مدفوعة»، موضحاً أنه «لا ينصب تركيز الوكالة التي تغطي العالم بخدماتها الإخبارية على القارئ العادي، ويتضح ذلك من السعر المخصص للخدمة، نظراً لأن الاشتراك عبر الإنترنت في صحيفة مثل (نيويورك تايمز) أو (واشنطن بوست) أو أي صحيفة بارزة تقدم خدمة رقمية مدفوعة بمقابل أقل بكثير من ذلك، لذلك لا أرى فيما يحدث منافسة مهددة للصحف».
ثم يربط الصحافي الهولندي بين محاولة «رويترز» استقطاب قارئ متخصص بتقديم محتوى مباشر، وبين سيطرة الصحافة الرقمية، بقوله: «تغيير نموذج العمل بات ضرورة... فلن تستمر المؤسسات، سواء كانت وكالة أو صحيفة، إلا إذا وجدت لنفسها مساحة فعالة وسط العالم الرقمي. هذا العالم يمثل اليوم الدخل الأكبر، سواء على مستوى الجماهيرية وعدد القراء، أو حتى الإعلانات. وشئنا أم أبينا فإن النسخ المطبوعة في طريقها للاندثار، وهذا الحال سمح للوكالات، بأن تكون شريكاً ولو جزئياً في تقديم المحتوى للقارئ». في السياق نفسه، عن ثقة القارئ في الوكالة مقارنة بالصحف. يرى شخفرس أن «الأمر متساو نوعاً ما، ومن الصعب مقارنته، نظراً لأنهما يقدمان مصادر مختلفة». غير أن أبو حطب يخالفه الرأي، قائلاً: «الأمر لا يتعلق بالثقة بقدر ما يشير إلى أن وكالات الأنباء ناقل جاف للخبر، على عكس الصحف التي يربطها بالقارئ التزامات تاريخية وآيديولوجية. ذلك أن العلاقة التي تربط (رويترز) بالصحافة علاقة تقنية، فالوكالة تقوم بإنتاج ونقل المحتوى لزبائنها من الشركات عبر وسائط، وبالتالي لا تتحمل الوكالة مسؤوليات تاريخية أو آيديولوجية مثل الموجودة في وسائل الإعلام. (رويترز) تنقل المحتوى للجميع الآن براحة وثقة أكبر من كل من سبق لهم التعامل مع القارئ مباشرة»، مضيفاً أن «المشهد الحالي يشير إلى أن (رويترز) وغيرها من الوكالات العالمية جادة في الاستفادة من تقنيات التكنولوجيا. والدليل ليس بخطوة تقديم محتوى رقمي مدفوع فحسب؛ بل تقدم (رويترز) نشرة أخبار عبر أجهزة تلفزيون آبل، بتقنيات عالية الجودة وتتميز بالمرونة لتناسب كل قارئ».
حول الجمهور المستهدف من قبل «رويترز». يشرح شخفرس فيقول إن «(رويترز) تستهدف جمهوراً محدوداً لكنه صاحب قوة شرائية، على شاكلة قراء (بلومبرغ) و(فاينانشال تايمز)، لكنها مستمرة في نموذج العمل الخاص بها سواء بتقديم الخدمات الإخبارية للصحف وغرف الأخبار، أو إتاحة جزء محدود من خدماتها الرقمية بالمجان».
من جانبه، يؤكد أبو حطب أن «(رويترز) تدخل سوق النشر الموجه للأفراد باشتراكات ولديها عدد من مصادر القوة، أهمها: سجل صحافي نظيف بالنسبة لغالبية مستهلكي الأخبار. إذ إن الوكالة لم تتورط مع السكان المحليين في الدول العربية في تقديم أخبار مفبركة لهم، وساعدها دورها كوكالة أنباء أن تتعامل مباشرة مع وسائل الإعلام، تاركة هذه الوسائل لتتحمل مسؤولية النشر، وما يطرأ على خبر الوكالة الأصلي من تعديلات». ويضيف أنه «نظراً للعدد الكبير للعاملين في الوكالة، تعمل (رويترز) وفق كتاب أسلوب style book يقدم أسلوب تحرير واضحاً، وهو ما يجعل من فريق صحافيي ومصوري (رويترز) من الأفضل والأكبر كشبكة إنتاج محتوى حول العالم. ثم إن الوكالة حريصة على تطوير فهمها لصناعة الصحافة من خلال (معهد رويترز لدراسات الصحافة)، وأيضاً لم تنزلق (رويترز) إلى (بيزنس الإعلانات) ولم يخرج نطاق عملها مالياً عن حدود اشتراكات المؤسسات في الوكالة، قبل الإعلان أخيراً عن نظام جديد لاشتراكات القراء».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.