استغرق الأمر 11 عاماً حتى يستعيد إنتر ميلان لقب الدوري الإيطالي الممتاز، الذي فاز به للمرة الأولى منذ فوزه بالثلاثية التاريخية عام 2010، وفي غضون يومين من هذا الإنجاز، عاد المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو للعمل في الدوري الإيطالي الممتاز ليُبعد إنتر ميلان عن صدارة عناوين الصحف هناك.
لقد جاءت أخبار تعيين مورينيو على رأس القيادة الفنية لروما مثل الرعد في سماء صافية، فلم يكن هناك من يتوقع هذه الخطوة على الإطلاق. لقد كان الجميع يعلم أن النادي في طريقه لإقالة باولو فونسيكا، لكن كل التقارير كانت تشير إلى أن ماوريسيو ساري هو المرشح الأوفر حظاً لخلافته. وبالتالي، قوبل الإعلان عن قدوم مورينيو بالحيرة والحماس في العاصمة الإيطالية. ووصف فابيو كابيلو تلك الخطوة بأنها «ليست خياراً، لكنها تهجم لاذع».
لقد تراجعت مكانة مورينيو بشكل كبير في عالم التدريب بعد تجربتيه المخيبتين للآمال مع كلٍّ من مانشستر يونايتد وتوتنهام، لكن في إيطاليا ما زال لقبه «الاستثنائي» يُستخدم بجدية ومن دون أي سخرية، ولا يزال الجميع يتذكر أنه المدير الفني العبقري الذي قاد إنتر ميلان للفوز بالثلاثية التاريخية والتفوق على برشلونة القوي بقيادة جوسيب غوارديولا.
وكان عنوان الصفحة الرئيسية لصحيفة «غازيتا ديلو سبورت» يحمل دلالة كبيرة في هذا الصدد، حيث وصف تعيين مورينيو مديراً فنياً لروما بأنه «انقلاب استثنائي سيعيد إطلاق النادي والمدينة وكرة القدم الإيطالية ككل». لكن مورينيو لم ينجح في الحصول على أي بطولة كبيرة خلال مواسمه الأربعة الأخيرة في عالم التدريب. وأكد الصحافي بالجريدة، أندريا دي كارو، أن الدعاية التي حققها روما من خلال هذا التعاقد تفوق ما كان سيحدث لو فاز حتى بلقب الدوري الإيطالي الممتاز!
ربما كان أندريا دي كاروا يبالغ بعض الشيء في هذا الأمر! لقد فاز روما بلقب الدوري الإيطالي الممتاز ثلاث مرات فقط في تاريخه، وأشار نجمه فرانشيسكو توتي ذات مرة إلى أن الفوز بلقب الدوري في مدينته يعادل الفوز بـ10 بطولات للدوري في أي مكان آخر.
ومع ذلك، فإن الروايات التي تدعم عودة مورينيو إلى إيطاليا تبدو مقنعة. لقد كان روما هو أقرب منافس لإنتر على المستوى المحلي عندما فاز إنتر بالثلاثية التاريخية في موسم 2009 - 2010. حيث احتل روما المركز الثاني في كل من الدوري الإيطالي الممتاز وكأس إيطاليا. وكان روما يتصدر جدول ترتيب الدوري قبل نهايته بأربع جولات، بل كان في طريقه للحصول على اللقب حتى منتصف الشوطين في الجولة الأخيرة من الموسم.
وكانت المؤتمرات الصحافية التي يستخدمها مورينيو لتوجيه الانتقادات لمنافسيه يتم تذكرها بوضوح أكثر من معظم ما يحدث داخل أرض الملعب. وبعد التعادل بين روما وإنتر ميلان بثلاثة أهداف لكل فريق في عام 2009 اشتكى لوسيانو سباليتي، المدير الفني لروما آنذاك، من ركلة جزاء مُنحت لماريو بالوتيلي. ورد مورينيو بصخب مشهور ضد ما وصفها بـ«االحماقة الفكرية» لخطاب يركز على قرارات التحكيم، بدلاً من إخفاقات فريق روما رغم أنه يضم لاعبين كباراً، و«عدم حصوله على أي بطولة».
فمَن كان يتخيل في ذلك الوقت أنه قد يتم الترحيب بمورينيو في يوم من الأيام بحماس شديد من قبل أنصار روما؟ إنه سيناريو خيالي تماماً، مثل سيناريو نجاح كونتي في الاستحواذ على حب جماهير إنتر ميلان، من خلال قيادة النادي للفوز بلقب الدوري الإيطالي الممتاز ووضع حد للسنوات التسع التي سيطر خلالها يوفنتوس على البطولة، والغريب أن كونتي نفسه كان من بدأ هذه السلسلة من الانتصارات المتتالية عندما قاد يوفنتوس للفوز بأول لقب من هذه الألقاب التسعة! وسيكون من الممتع رؤية ما سيقدمه المديران الفنيان السابقان لتشيلسي –كونتي ومورينيو- خلال الموسم المقبل. لقد اشتبكا مراراً وتكراراً خلال فترة وجود كونتي في إنجلترا، وانتقد مورينيو المدير الفني الإيطالي لاحتفالاته الصاخبة خلال المباراة التي سحق فيها تشيلسي منافسه مانشستر يونايتد برباعية نظيفة في عام 2016، كما وجه إليه عدداً من الانتقادات والاتهامات في قضية التلاعب بنتائج المباريات في إيطاليا.
وواصل مورينيو انتقاداته لكونتي، ووصف تصرفاته إلى جوار خط التّماس بأنه يشبه المهرج في أوائل عام 2018، ورد المدير الفني الإيطالي بالقول إنه يجب أن ينسى سلوكه السابق، لأنه يعاني من «خرف الشيخوخة».
أما مورينيو فقال: «نعم، لقد ارتكبت أخطاء في الماضي، لكن ما لم يحدث لي أبداً -ولن يحدث أبداً– هو أن أتعرض للإيقاف بسبب التلاعب بنتائج المباريات». وكان مورينيو يشير بذلك إلى تعرض كونتي للإيقاف لمدة أربعة أشهر في عام 2012 بسبب الإخفاق المزعوم في الإبلاغ عن محاولة التلاعب بنتائج المباريات خلال الفترة التي قضاها في سيينا، وهي الجريمة التي تمت تبرئته منها لاحقاً في المحكمة. ووصف كونتي مورينيو بأنه «رجل صغير» على الهواء مباشرةً على شاشة التلفزيون.
هل ستتواصل حرب الكلمات بينهما في إيطاليا؟ من السهل تخيل الطريقة التي سينتقد بها مورينيو كونتي خلال الفترة المقبلة، بالنظر إلى أن الفترة التي قضاها المدير الفني البرتغالي في إنتر ميلان قد تُوِّجت في نهايتها بالفوز بلقب دوري أبطال أوروبا، في حين فشل كونتي في تجاوز دور المجموعات في ذلك الموسم.
أم أن مورينيو سيفضّل التعامل بحذر أكبر عندما يتعلق الأمر بنادي إنتر ميلان، الذي دائماً ما يشير إلى أنه يحتل مكانة خاصة في قلبه؟ لقد وصفه لاعبون سابقون في فريق إنتر ميلان الفائز بالثلاثية التاريخية بأنه العضو الأكثر نشاطاً في مجموعة الدردشة الجماعية التي ما زالوا يتواصلون خلالها للحديث عن تلك الأيام الرائعة في تاريخ النادي.
وفي مقابلة مع صحيفة «غازيتا» العام الماضي، تحدث مورينيو عن قراره الانتقال لتولي تدريب ريال مدريد بعد قيادة إنتر للفوز بهذه الثلاثية التاريخية مباشرة، قائلاً إن هذه كانت المرة الثالثة التي يتواصل فيها معه مسؤولو النادي الإسباني، وكان يخشى ألا تكون هناك مرة رابعة! وزعم مورينيو أن مالك إنتر ميلان آنذاك، ماسيمو موراتي، قد بارك هذه الخطوة.
وقال المدير الفني البرتغالي: «لقد أعطاني موراتي الحق في أن أفعل ما أريد، وليس الحق في أن أكون سعيداً. في الواقع، كنت أكثر سعادة في ميلان عن مدريد».
أما رئيس ريال مدريد، فلورنتينو بيريز، فقد تعامل مع مورينيو على أنه نجم عالمي قد انضم لريال مدريد في ذلك الوقت، حيث قال: «هذا العام، اللاعب العالمي الذي ينضم إلى ريال مدريد هو مورينيو».
في الحقيقة، كانت هناك أصداء لتلك المشاعر في البيان الذي أصدره مالكو روما، حيث قال: «تعيين جوزيه مورينيو خطوة كبيرة في بناء ثقافة فوز مستمرة وطويلة الأمد في نادينا».
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل مسؤولو روما –كما هو الحال مع مورينيو– وقعوا في فخ الحنين إلى الماضي؟ وهل لا يزال مورينيو هو المدير الفني القادر على ضمان النجاح كما كان يفعل من قبل؟ وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أنه منذ تغيير قواعد اللعب لكي يتم احتساب الفوز في المباراة بثلاث نقاط وليس نقطتين، فإن كونتي هو المدير الفني الوحيد الذي يتفوق على مورينيو في الدوري الإيطالي الممتاز من حيث متوسط عدد النقاط التي جمعها، لكن من الواضح للجميع أن روما لا يستطيع أن يقدم لمديره الفني الجديد الأدوات التي كان يمتلكها في هذين الموسمين الاستثنائيين مع إنتر ميلان.
صحيح أن روما يضم بعض اللاعبين الجيدين، لكنّ هناك كثيراً من نقاط الضعف أيضاً.
ويقدم كل من لورنزو بيليغريني، وليوناردو سبينازولا، وجيانلوكا مانشيني، مستويات جيدة للغاية ويمثلون العمود الفقري للفريق ويلعبون في التشكيلة الأساسية للمنتخب الإيطالي تحت قيادة روبرتو مانشيني.
وكان نيكولو زانيولو يعد أحد ألمع المواهب الصاعدة في كرة القدم الإيطالية، لكن يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكانه أن يستعيد مستواه السابق بعد معاناته من العديد من الإصابات أم لا.
لكن روما يعتمد أيضاً على عدد من اللاعبين الذين درّبهم مورينيو من قبل –بيدرو، وكريس سمولينغ، وهنريك مخيتاريان- بالإضافة إلى اللاعب البالغ من العمر 35 عاماً إدين دزيكو.
وعلاوة على ذلك، يضم الفريق عدداً كبيراً من اللاعبين الذين لا يشاركون بشكل أساسي رغم أنهم يحصلون على مقابل مادي كبير للغاية، وهو وضع يصعب التعامل معه في ظل الصعوبات المالية التي تواجهها الأندية بسبب تداعيات تفشي فيروس «كورونا». إن التعاقد مع مورينيو لمدة ثلاث سنوات، جنباً إلى جنب مع التركيز على التخطيط طويل الأجل في بيان النادي، يشير إلى أن النادي مقتنع بأنه لا يمكن للمدير الفني البرتغالي أن يحل جميع المشكلات بين عشية وضحاها، وهو ما يتماشى مع القول المأثور الذي يقول إن «روما لم تُبن في يوم واحد».
جوزيه مورينيو في روما... «انقلاب مؤقت» أم رهان على الحنين إلى الماضي؟
مكانة المدرب البرتغالي تراجعت بشكل كبير بعد تجربتَي إنجلترا... فهل وقع فريق العاصمة في الفخ؟
جوزيه مورينيو في روما... «انقلاب مؤقت» أم رهان على الحنين إلى الماضي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة