كيف استغلت إيران الاضطرابات في اليمن لتهريب الأسلحة للحوثيين؟

12 عاماً على ضبط أول شحنة في سواحل البحر الأحمر

الشحنة التي تشتبه واشنطن بأنها تابعة لإيران وجرى ضبطها في بحر العرب في الثامن من مايو الحالي (أ.ب)
الشحنة التي تشتبه واشنطن بأنها تابعة لإيران وجرى ضبطها في بحر العرب في الثامن من مايو الحالي (أ.ب)
TT

كيف استغلت إيران الاضطرابات في اليمن لتهريب الأسلحة للحوثيين؟

الشحنة التي تشتبه واشنطن بأنها تابعة لإيران وجرى ضبطها في بحر العرب في الثامن من مايو الحالي (أ.ب)
الشحنة التي تشتبه واشنطن بأنها تابعة لإيران وجرى ضبطها في بحر العرب في الثامن من مايو الحالي (أ.ب)

12 عاماً تفصل بين الإعلان رسمياً عن ضبط أول سفينة لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين وآخر سفينة قبل أيام في مياه بحر العرب. وبينهما عمليات لم تضبط، أو لم تكشف، كما سبقها إرسال آلاف من عناصر الميليشيات إلى إيران ولبنان للتدريب على القتال وتركيب الأسلحة، وكذا زرع خلايا تجسسية لـ«الحرس الثوري» الإيراني عبر عناصر دخلت اليمن بصفة تجار.
وتتهم مصادر سبق لها العمل في الاستخبارات اليمنية طهران باستغلال حالات الاضطراب السياسي والأمني التي شهدها اليمن ابتداء من عام 2011 لتكثيف إرسال شحنات الأسلحة إلى الحوثيين عبر سواحل وجزر البحر الأحمر في محافظة حجة (شمال غربي البلاد).
ففي 2009، أعلنت السلطات اليمنية ضبط أول شحنة أسلحة إيرانية مهربة، لكنها لم تكشف تفاصيل إضافية عن تلك الشحنة التي ضبطت في سواحل البحر الأحمر، إلا أن المعلومات التي توافرت عن تلك الفترة تبين أن الميليشيات الحوثية عقب هذه الشحنة تمكنت من تهريب كميات كبيرة من الأسلحة عبر سواحل محافظة حجة، خاصة مع بداية الأزمة السياسية التي عصفت باليمن في بداية 2011، حيث قامت الميليشيات عبر أتباعها بشراء مساحات واسعة من الأراضي في منطقة ميدي الساحلية والمزارع الكبيرة المنتشرة هناك.
وفي حين كانت أطراف الحكم والمعارضة اليمنية يتصارعون في صنعاء والمدن الرئيسية على السلطة، توسعت الميليشيات الحوثية في السيطرة على المعسكرات في محافظة صعدة، حيث تسلمت كل المعسكرات، بما فيها من أسلحة، كما كثفت من عمليات تهريب الأسلحة بشكل غير مسبوق عبر ميدي والجزر الصغيرة المنتشرة في السواحل اليمنية، حيث كانت تقوم السفن الإيرانية بإنزال الأسلحة في تلك الجزر، فيما يقوم الحوثيون بنقلها إلى شواطئ ميدي بواسطة قوارب الصيد.
يقول ضابط سابق في المخابرات اليمنية، في حديث مع «الشرق الأوسط»: «الاحتجاجات والصراعات بين مكونات النظام وأجنحته في صنعاء تسببت في ارتخاء قبضة النظام على المناطق الساحلية، حيث قام الحوثيون الذين كانوا يعرفون تماماً ما يجري من خلال وجود عناصرهم في مواقع مهمة داخل الجيش والمخابرات بتكديس كميات كبيرة من الأسلحة النوعية في ميدي، وبعدها جرى نقلها بسهولة إلى صعدة التي باتت مقاطعة خاصة بهم».
هذه العمليات استمرت حتى نقل السلطة إلى الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، حيث كانت الأطراف السياسية منشغلة بتقاسم النفوذ، وأعلنت السلطات بعد ذلك، تحديداً في 7 مارس (آذار) 2013، توقيف سفينة أسلحة إيرانية مهربة جديدة، تدعى «جيهان 2»، تحاول الدخول إلى الأراضي اليمنية.
وذكر بيان لوزارة الداخلية حينها أن السفينة تم ضبطها في جزيرة السوابع اليمنية، بالقرب من باب المندب، إثر قيامها بإنزال شحنة أسلحة إلى قارب صيد يمني يملكه شخص رمزت إلى اسمه بـ«ق. زائد»، موضحة أن ضبط السفينة جاء في عملية شاركت فيها القوات البحرية والدفاع الساحلي وزوارق تابعة لشرطة خفر السواحل.
وكانت السلطات قد ألقت القبض في 23 يناير (كانون الثاني) على السفينة الإيرانية «جيهان 1» التي تحمل أسلحة «خطيرة» للميليشيات الحوثية، بينها صواريخ حديثة مضادة للطائرات ومواد شديدة الانفجار، والتي كانت في طريقها إلى ميناء ميدي الذي يسيطر عليه الحوثيون لتزويدهم بحمولتها، إذ كانت السفينة تحمل 48 طناً من الأسلحة والقذائف والمتفجرات التي وصفت بأنها شديدة الانفجار، ومن بين الأسلحة صواريخ «سام 2» و«سام 3» المضادة للطائرات.
طاقم السفينة أحيل إلى المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة في عدن، لكن السفينة تمكنت من الهروب من الميناء، ولم تقدم السلطات توضيحاً لذلك، فيما أصدرت المحكمة بعد ذلك حكماً بالسجن 10 سنوات بحق المتهم الرئيسي حميد دهاش، وهو فار من وجه العدالة، وتشير المعلومات إلى هروبه صوب سوريا، كما حكمت بالسجن 6 سنوات بحق المتهم عبد العزيز محروس وصلاح مهدي ومحمد كمبت، وعاقبت المتهم الرابع عبد الملك المشولي بالسجن 3 سنوات.
كذلك عاقبت المتهمين الخامس رضوان عبد الله صالح والسادس ثروت عباس والسابع فوزي محمد أحمد والثامن متعب عبده بالسجن سنة واحدة، بالإضافة إلى مصادرة الأسلحة لصالح وزارة الدفاع، والسفينة جيهان والمبالغ المضبوطة (وقدرها 30 ألف دولار) لصالح خزينة الدولة، قبل أن تقتحم الميليشيات الحوثية صنعاء، وتطلق سراحهم وسراح إيرانيين متهمين بالعمل ضمن خلية تتبع «الحرس الثوري».
وفي مايو (أيار) 2015، ذكر تقرير سري لخبراء في الأمم المتحدة رفع إلى مجلس الأمن الدولي أن إيران تقدم أسلحة إلى الحوثيين منذ عام 2009 على الأقل، إذ أنه عقب تحقيق أجراه خبراء بعدما اقتادت السلطات اليمنية عام 2013 السفينة «جيهان» الإيرانية التي كانت تنقل أسلحة تفيد المعلومات التي تم الحصول عليها بأن «هذه السفينة سبقتها عمليات تسليح أخرى في اليمن تعود إلى عام 2009»، وأن «الدعم العسكري الحالي من إيران للحوثيين ثبت بعمليات نقل أسلحة على مدى 5 سنوات على الأقل». وبالإضافة إلى «جيهان»، حدد الخبراء 5 حالات قامت خلالها سفن إيرانية بنقل أسلحة إلى اليمن.
وبحسب مسؤولين يمنيين، فإنه قبل بدء «عاصفة الحزم»، تمكنت طهران من نقل أسلحة بشكل يومي من طهران إلى صنعاء عبر رحلات جوية بموجب اتفاق أبرمته مع سلطة الميليشيات بعد أيام من الانقلاب، وأن الميليشيات بتواطؤ من أطراف إقليمية استغلت الرحلات التي كان التحالف يسمح بتسييرها بين بعض المطارات ومطار صنعاء، وقامت بنقل كميات من صواريخ «سام» وصواريخ حرارية، إلى جانب كميات كبيرة من الأموال.
ووفقاً لترجيحات مسؤولين يمنيين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، طالبين عدم الكشف عن هوياتهم، فإن عملية تهريب الأسلحة عقب بدء عمليات عاصفة الحزم تحولت إلى السواحل الشرقية من اليمن، حيث كانت القوارب توصل هذه الشحنات إلى أطراف الحدود اليمنية الشرقية، فيما تتولى عصابات منظمة نقل هذه الأسلحة عبر الصحراء إلى أطراف محافظة البيضاء، وتسلمها إلى الميليشيات أو تنقلها عبر الصحراء إلى أطراف محافظة الجوف، حيث يتم نقلها إلى محافظة عمران المجاورة.
ويعتقد المسؤولون أن غالبية الشحنات كانت تضم كميات كبيرة من أجزاء الطائرات الإيرانية المسيرة، وأجزاء من الصواريخ، يتولى خبراء عسكريون من «الحرس الثوري» و«حزب الله» اللبناني الموجودين داخل الأراضي اليمنية مهمة تركيبها.

رصد لبعض عمليات ضبط الأسلحة الإيرانية
< خلال الفترة بين سبتمبر (أيلول) 2015 ومارس (آذار) 2016 نفذ الأسطول الأميركي 4 عمليات اعتراض لسفن إيرانية محملة بشحنات أسلحة إلى الحوثيين.
< في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 أعلنت الحكومة اليمنية ضبط سفينة تهريب إيرانية على متنها 29 بحاراً بعد دخولها إلى المياه اليمنية غرب أرخبيل جزيرة سقطرى في المحيط الهندي، وقال بيان للحكومة إن التحقيق جارٍ مع طاقم السفينة في تفاصيل حمولتها ومصادر تموينها.
< في ديسمبر (كانون الأول) 2019 قال مسؤولون أميركيون إن البحرية الأميركية ضبطت «شحنة كبيرة» من أجزاء صواريخ يُعتقد أنها إيرانية كانت في طريقها إلى الحوثيين في اليمن.
< في فبراير (شباط) 2020 قالت القيادة المركزية الأميركية إن السفينة التي تم ضبطتها وتحمل أسلحة في بحر العرب هي «إيرانية»، وتضم 150 صاروخاً مضاداً للدبابات (دهلاوية)، و3 صواريخ أرض جو. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، تمكنت القوات البحرية التابعة للتحالف من إحباط تهريب شحنة أسلحة إيرانية قبالة السواحل اليمنية كانت في طريقها إلى الميليشيات الحوثية.
< في 8 مايو (أيار) 2021 ضبطت البحرية الأميركية سفينة تحمل الآلاف من قطع السلاح، بينها صواريخ محمولة وأخرى حرارية مضادة للمدرعات وبنادق حديثة، وقالت السلطات الأميركية إن آخر مكان مرت فيه السفينة قبل تفتيشها هو الموانئ الإيرانية.


مقالات ذات صلة

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
TT

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، اليوم الاثنين، إن هناك خطة لتوسيع الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان لتشمل دولاً أخرى.

وفي كلمة، خلال افتتاح مؤتمر سفراء العراق الثامن حول العالم في بغداد، أكد الوزير أنه يجب تكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي تهديد أو عدوان محتمل» على العراق.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قد قال، الأسبوع الماضي، إنه بعث رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي حثَّ فيها على اتخاذ إجراء فوري للتصدي لأنشطة الجماعات المسلَّحة المُوالية لإيران في العراق، قائلاً إن الحكومة العراقية مسؤولة عن أي أعمال تحدث داخل أراضيها أو انطلاقاً منها.

كما ذكرت تقارير إعلامية أميركية، في وقت سابق من هذا الشهر، أن إدارة الرئيس جو بايدن حذرت الحكومة العراقية من أنها إذا لم تمنع وقوع هجوم إيراني من أراضيها على إسرائيل، فقد تواجه هجوماً إسرائيلياً.

وشنت إسرائيل هجوماً على منشآت وبنى تحتية عسكرية إيرانية، الشهر الماضي؛ رداً على هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل، وذلك بعد أن قتلت إسرائيل الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية المتحالفة مع إيران، حسن نصر الله، في سبتمبر (أيلول) الماضي.