انتصارات لإسرائيل من دون معارك

الحقائق التاريخية هي الغائب الأكبر عن أفلامها

مشهد من الفيلم
مشهد من الفيلم
TT

انتصارات لإسرائيل من دون معارك

مشهد من الفيلم
مشهد من الفيلم

يستخدم الإسرائيليون السينما «سلاحا» ثانيا في خدمة قضيتهم، بما يأتي كمساهمة إضافية في تحقيق الهدف، ذاك الذي صرح عنه المخرج الإسرائيلي «مناحيم جولان» ذات مرة: «أظن أنني قد حققت انتصارات لصالح إسرائيل من دون معارك».
تبدو الحقائق التاريخية هي الغائب الأكبر عن تلك الأفلام، وتغيبها قد يأتي مقصودا، كطريقة مقبولة غربيا للحصول على تمويل للفيلم، فلم يعد مهما الآن مستوى جودته الفنية بقدر ما هو مهمة مضامينه، التي تقع في أحايين كثيرة في شرك النمطية وتغليب القوالب الجاهزة.
فالنمطية لم تنج منها اليوم المخرجة الإسرائيلية «شيريل أميتاي» في فيلمها «موعد في عتليت»، رغم بذلها جهدا واضحا في عرض تكراري خبيث لصور من قبيل: الفلسطينيون دعاة حرب واليهود طلاب سلام، تلك البروباغندا المعهودة، بدت في سياق أخرج الفلسطيني من كل إطار فني، وتاليا من الإطار السياسي.
تدور أحداث الفيلم في «عتليت» القرية التي كانت عربية يوما، وتغيرت ملامحها بعد تحويلها لمستوطنة إسرائيلية،، حيث تختفي هوية مالكي العقارات، وتظهر النصب التذكارية لمجهولين باتوا يمثلون قضايا «غير محقة»، هنا حيث المصالح المالية قوضت «الوئام الأخوي» بعد حرب طويلة يرفضها طرف ما غير محدد في الفيلم.
سيناريو يستعير مسارات ملحوظة من فيلم «إيريك روث بعنوان «ميونيخ» وهو فيلم تجري أحداثه حول مطاردة الموساد لأعضاء منظمة (أيلول) الأسود 1972 في مدينة ميونيخ الألمانية، للممثل الشهير ايريك بانا، الذي يعرض لصورة البطل الإسرائيلي، وترشح يومها لخمسة جوائز أوسكار.
تكرس «آميتاي» في فيلم الأبعاد السياسية ذاك الشعور «اليهودي» العنيد في طلب الخير، على أرض الاضطرابات الداخلية والصراع المعقد، خلافا لما يبدو فيه «الفلسطينيون». هؤﻻء ظهروا كما لو نزلوا أشباحا في مكان ليس لهم، إذ إن المخرجة حاولت جاهدة قلب الصورة حيال ملكية الأرض، تلك القصة القديمة، وعرضتها بطريقة ناعمة تبتعد بشكل أو بآخر عن المباشرة والفجاجة، محاولة بذلك خلق سياق طبيعي – إن جاز التعبير - غير طارئ لحكاية هي في أصلها طارئة واقعا.
كاتبة السيناريو «العابر» رسمت في فيلم من إنتاج فرنسي وإسرائيلي مشترك، ويشارك فيه ممثلون يهود من أصول عربية (جزائرية / جير الدين نقاش، وتونسية / جوديث شيملا، ومغربية / ياعيل أبي قسيس) فضلا عن الفلسطيني مكرم خوري رسمت لحكاية ثلاث يهوديات يعشن في باريس، ويتحدثن الفرنسية كلغة فرانكفونية حضارية، يقررن العودة إلى «أرض الميعاد» بعد ورثة منزل عن والديهم، وعند الوصول يبدآن أعمال ترميم لبيت متواضع يعكس حالة الفقر في الأوساط الإسرائيلية مطلع التسعينات، يأتين وحلم السلام يمكث في المخيلة اليهودية، يتراءى كحقيقة بعد إعلان بدء عملية صلح بين «طرفي النزاع».
سرعان ما تبدأ اضطرابات غير متوقعة بالظهور، الأمر الذي خلق للفيلم سياقا سياسيا مغرضا، إذ يبدو السلام حلما إسرائيليا أكثر مما هو «حلم» فلسطيني، قد تعترضه أوهام كاذبة لم تعد ذات أهمية بعد مقتل رابين.
كانت الفتيات الثلاث قد أبدين ضجرا وسأما من وعود الحكومة، وفي مشهد يظهرن وهن يتابعن مقتطفا من خطاب إسحاق رابين رئيس الحكومة، فتقوم إحدى البنتين وتطفئ جهاز التلفاز، بينما تقوم الأم بوضع طلاء الأظافر لابنتها الثانية في مشهد يتجلى فيه حجم الصراع.
تشهد البطلات الثلاث «خبر اغتيال» رابين على يد متطرف إسرائيلي، فيتعثر حلم اليسار اليهودي الذي صافح «الآخر» الفلسطيني ذات يوم وعلى مضض، ثم تظهر الصور تباعا وهي تنتقل بسرعة بين اثنين: إسحاق رابين وياسر عرفات في مشهد صورته المخرجة بطريقة منفصلة عن الواقع، فمن بعد تكسر الحلم، تحضر الثلاث مجسما للكرة الأرضية كي تخترن إلى أي بلد سيهاجرون وكأنهن يردن القول: أين سنذهب بحزننا وتاريخنا المؤلم، لم تترك لنا خيارات، مع محاولات تمرير رسالة الإسرائيليين بأنهم غير موافقين على سياسة الاستيطان التي تنتهجها الحكومة (المفارقة أن مكان أحداث الفيلم مستوطنة)، وغير معنيين بأجندات سياسية باتت بائسة إلى حد بعيد.
لكن اليهودي بأي حال يرغب في بناء الأرض! وانعكس ذلك في شخصية البطل الإسرائيلي دان (Pini Tavger) الذي تحبه إحدى الابنتين، ويرفض الخروج من أرض القدس حتى لو اختفى السلام وضحى بحبه مع واحدة كانت تريد العودة إلى باريس.
اختارت المخرجة في الفيلم بطلا فلسطينيا «محمد حمدوني»، ليؤدي دور العربي الذي وجد نفسه من دون مقدمات في حديقة المنزل، بعدما آل إلى العائلة اليهودية، في زمن نكبة عام 1948. لم نعرف عنه شيئا، جاء طارئا كما كل مرة، أخرجته من سياق السلام برمته، إذ أظهرته طرفا ضعيفا وهشا، يعيش على أوهامه الشعرية بالعودة إلى فلسطين.
الفلسطيني الذي يملك حصانا عربيا أصيلا لا يفارقه، ولا يجد نفسه (أي هويته) إلا حين يلعب معه، ثم يقتل على يدي «مجهولين»، ويظهر كشبح تسيطر روحه على المنزل الصغير، كذا تدور مشاهد من قبيل انطفاء النور بغتة، إغلاق باب حديقة المنزل وفتحه دون سب، ما يصور سكان فلسطين كما لو أنهم أرواح وأشباح تحوم حول المكان في عتليت، ليبقى طيلة مدة العرض غريبا عن أرضه وتاريخه.
في سياق من الصور التي فرضت على المشهد تصور «أميتاي» مجمل التعقيدات النفسية التي خلقت أجواء متوترة لدى الإسرائيلي المهاجر، قد تدفعه أن يفكر مليا بالهجرة العكسية، ويظهر هذا من خلال حوارات بين الأم والابنة، وتنتهي ببيع الأم المنزل ليهودي آخر أكثر تطرفا، للتخلص من الفقر لا من العبء النفسي الذي يحمله البيت، في حين تقرر الأخت الكبرى وضع المنزل تحت تصرف الأمم المتحدة، لتأتي النهاية وفق مشاهد فوضوية صبت كلها في إطار التعبير عن تطلعات الشخصية اليهودية.
لعل السبب الحقيقي وراء سر الإقبال الأوروبي الكبير على الفيلم أثناء عرضه في مهرجان حيفا واليوم في فرنسا، ربما هو جهل الأوروبيين بخلفيات الصراع، وبعيدا عن مستوى فني يعاني التخبط وفقدان الهوية، هكذا على الأقل وصفه يوما الناقد الفرنسي «روجيه بوسينو» الذي تناول «البطولة» المفتعلة للعصابات الصهيونية وأظهر الانهيار العربي والانكسار أمام وحدة اليهود.



عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف
TT

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف

كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.

عبده خال

ثنائية الركض والزحف

ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.

يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.

البداية المُزاحة بالاستطراد

هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.

وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية

بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.

الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز

لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».

في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.

وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.

غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»

لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «النكروفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».

لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.

* ناقد وكاتب سعودي