«سويس ليكس».. تهز ضمير العالم المالي

الفرع السويسري هز الجذع الدولي لبنك «إتش إس بي سي»

«سويس ليكس».. تهز ضمير العالم المالي
TT

«سويس ليكس».. تهز ضمير العالم المالي

«سويس ليكس».. تهز ضمير العالم المالي

بدأت فضيحة ما يعرف بـ«سويس ليكس»، التي تورط فيها مصرف «إتش إس بي سي» البريطاني العملاق، كنار وسط هشيم، سرعان ما اتسع خطرها، واضعة سمعة هذه المؤسسة المالية وفروعها في أنحاء العالم على المحك.
بدأت فصول هذه الفضيحة، التي أثارت عاصفة سياسية قبل الانتخابات العامة في مايو (أيار) المقبل، بادعاءات بوجود تورط في عمليات تهرب ضريبي وغسل أموال، ما زالت تحقيقاتها مستمرة. التحقيقات الجديدة جاءت رغم تأكيدات البنك بأنه قام بتنظيف الممارسات الخاطئة في الفرع السويسري، خصوصا في ما يتعلق بالتهرب الضريبي، منذ ظهور أول تسريبات شبيهة في عام 2008.

الأسبوع الماضي قامت السلطات السويسرية بغارة على الفرع السويسري في جنيف لفحص مزيد من مستندات البنك، ووثائقه، بعد أن تعالت الأصوات وتصاعدت موجة التسريبات لتشمل فروعا في عدد من بلدان العالم. ويواجه البنك حاليا تحقيقات في البرازيل والمكسيك والأرجنتين وفرنسا وبلجيكا والدنمارك، وهي تحقيقات تتعلق بحسابات سرية بعضها يخص قضايا فساد واختلاس وغسل أموال.
لم تتوقف الأمور عند حد.. وتصاعدت التطورات أخيرا بعد كشف مزيد من الوثائق السرية تؤكد إحداها أن المدير العام للمصرف، ستيوارت غاليفر، الذي تعهد بإصلاح هذه المؤسسة المالية التي طالتها الفضيحة، كان هو نفسه يملك ملايين الدولارات في حساب في سويسرا.
وبحسب الصحف البريطانية، فإن المدير العام للمصرف كان من عملاء فرعه السويسري المتهم بمساعدة زبائن أثرياء على التهرب من دفع الضرائب. وأفادت الصحف أن ستيوارت غاليفر كان يملك نحو 7.6 مليون دولار عام 2007 في حساب باسم «ورستير إيكويتيز»، وهي شركة مسجلة في بنما.
وكانت الصحف البريطانية نشرت قبل أيام رسالة اعتذار من غاليفر على أنشطة فرع «إتش إس بي سي» السويسري. وأكد غاليفر في رسالته أنه تمت «إعادة هيكلة كاملة» للفرع السويسري للمصرف بعد2007 بعدما سرب مهندس معلوماتي فرنسي يدعى ارفيه فالشياني قوائم بعملاء المصرف الذين يملكون حسابات في سويسرا وسلمها إلى السلطات الفرنسية.

* جذور القضية
تعود جذور قضية بنك «إتش إس بي سي» إلى ما قبل 7 سنوات، ولكنها انفجرت مرة أخرى قبل أيام عندما حصلت عدة وسائل إعلام من فرنسا وبريطانيا وحول العالم على وثائق سرية قررت معها نشر تفاصيل جديدة حول نشاط البنك في مساعدة عملائه على التهرب من دفع الضرائب وعلى غسل الأموال. وتأتي التفاصيل الجديدة في وقت حرج قبل الانتخابات البريطانية في شهر مايو المقبل حيث تستغلها الأحزاب البريطانية سياسيا.
وفي بريطانيا، يبحث الإعلام في سر تعيين رئيس البنك السابق ستيفن غرين وزيرا للتجارة، وعما إذا كان رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون يعلم بفضيحة البنك في وقت التعيين عام 2010.
وقائع قضية بنك «إتش إس بي سي» بدأت عام 2008 حينما قام محلل برامج اسمه ايرفي فالشياني كان يعمل في الفرع السويسري للبنك بسرقة بيانات سرية لأكثر من 30 ألف عميل للبنك يملكون في حساباتهم أكثر من مائة مليار دولار. وتعود هذه الحسابات إلى الفترة ما بين 2005 و2007، وذلك في أكبر عملية تسريب مصرفية في العالم تشبه عملية «ويكيليكس» لتسريب المعلومات الدبلوماسية الأميركية.
هرب فالشياني بالوثائق الإلكترونية إلى فرنسا. وفي فرنسا سلم فالشياني المعلومات للسلطات الفرنسية مقابل حمايته من طلب الاعتقال السويسري.
وفي عام 2009، بعثت وزيرة المالية الفرنسية آنذاك كريستيان لاغارد لائحة بعملاء البنك المذكورين في قوائم حسابات البنك إلى السلطات البريطانية وإلى حكومات عدد من الدول الأخرى.
ورغم علم السلطات البريطانية بفضيحة البنك، فإنها قامت بتعيين ستيفن غرين رئيس بنك «إتش إس بي سي» خلال فترة المخالفات وزيرا للتجارة، ثم رفعته إلى مجلس اللوردات في عام 2011.
القضية التي عادت إلى الظهور مرة أخرى متعددة الجوانب وتمس مجالات الضوابط المالية على البنوك خصوصا في مناطق الـ«أوفشور»، وأيضا الجوانب السياسية والإعلامية في الدول المتأثرة بالفضيحة، وما إذا كانت هناك جهود تبذل تحت الستار لإخفاء التحقيقات.
«الشرق الأوسط» اتصلت بهيئة الإشراف المصرفي (FCA) لمعرفة ما إذا كانت تقوم في الوقت الحاضر بتحقيقات حول وضع «إتش إس بي سي»، فكان رد المكتب الصحافي فيها أن «الهيئة تبحث في ممارسات البنك، ولكنها لا تقوم بتحقيق في الوقت الحاضر». وأضافت المتحدثة أن التسريبات في الفرع السويسري «أظهرت أهمية أن تعمل البنوك وفق الضوابط نفسها في كل المواقع والفروع». وأكدت الهيئة أنها تتعاون مع «بنك إنجلترا» ومع مصلحة الضرائب «من أجل معالجة أي قضايا إشرافية تظهر جراء الممارسات الحالية في «إتش إس بي سي».
وقال رئيس الهيئة مارتن ويتلي أمام هيئة برلمانية بريطانية إن الادعاءات ضد البنك تعود إلى أحداث وحسابات في الفترة ما بين 2005 و2007 وتخص الفرع السويسري وحده، وأضاف أن الهيئة تتابع ممارسات البنك جيدا وتعتقد أنها تحسنت بدرجة ملحوظة.
من ناحية أخرى، رفض «بنك إنجلترا» التعليق على القضية أو تأكيد ما إذا كان الجهاز الرقابي في البنك يقوم بمراجعة ممارسات بنك «إتش إس بي سي». كذلك رفضت مصلحة الضرائب البريطانية الإجابة عن أسئلة حول مجرى التحقيقات حاليا في حالات العملاء البريطانيين للبنك من المخالفين لقوانين الضرائب. وقال متحدث من المصلحة إنها لا تعلق على قضايا خاصة بأفراد أو بشركات فردية مثل «إتش إس بي سي».

* تداعيات إعلامية وسياسية
من أهم تداعيات القضية إعلاميا كانت استقالة كبير المحررين السياسيين في صحيفة «تلغراف» البريطانية بيتر أوزبورن، في نزاع مع ناشر الصحيفة حول محاولات منع نشر مقالات سلبية عن بنك «إتش إس بي سي» خوفا من منع إعلانات البنك عن الصحيفة. وطالب أوزبورن بالتحقيق في مدى تحكم أقسام الإعلان في السياسة التحريرية للصحف، وقال إن تغطية الصحيفة لموضوع بنك «إتش إس بي سي» هي فضيحة في حد ذاتها وغش للقراء. وكشفت صحيفة الـ«غارديان» البريطانية أن الأخوين باركليز حصلا على قرض قيمته 250 مليون إسترليني (375 مليون دولار) من بنك «إتش إس بي سي» لشركات أخرى غير الصحيفة مما يثير الشكوك في ادعاءات المحرر أوزبورن الذي استقال.
ويستغل حزب العمال المعارض هذه القضية سياسيا في إبراز تعيين رئيس «إتش إس بي سي» السابق ستيفن غرين وزيرا للتجارة في عام 2010، وأيضا لأن التحقيقات البريطانية لم تسفر إلا عن قضية تهرب ضريبي واحدة. ويلعب الحزب على أوتار الاعتقاد السائد بأن الفقراء فقط هم الذين يعاقبون على التهرب الضريبي في بريطانيا. وقدم الحزب استجوابا لوزير الخزانة جورج أوزبورن عن مدى معرفة وزارته بتوجه مصلحة الضرائب لعدم محاكمة مخالفي قوانين الضرائب وعما إذا كانت الوزارة سمحت بذلك.
أما حزب المحافظين فيرفض إجراء تحقيق علني، ويقول المتحدث باسم رئيس الوزراء إن مصلحة الضرائب البريطانية تصرفت بعقلانية عندما فضلت تحصيل الضرائب والغرامات بدلا من رفع قضايا جنائية.
من ناحيتها، تقول وزارة الخزانة التي تلقت المعلومات من فرنسا إن السلطات الفرنسية وضعت بعض القيود على استخدام المعلومات وهي قيود لم ترفع إلا أخيرا.

* جوهر القضية
جوهر الفضيحة كما عرف من الحسابات السويسرية للبنك هو أن بعض العملاء المذكورين يملكون حسابات سرية لا تعرف عنها مصلحة الضرائب البريطانية شيئا، وأن البنك ساعد هؤلاء العملاء على التهرب الضريبي مع معرفته بذلك، بل وسهل لبعض العملاء استخدام أموالهم بطرق غير مشروعة للتهرب الضريبي.
في إحدى الحالات طلب أحد العملاء البريطانيين من الفرع السويسري إرسال شحنة مالية نقدية سرية إليه في لندن مع موظف من البنك، فطلب منه البنك التوجه إلى فرع لندني لتلقي المبلغ المطلوب نقدا.
في حالة أخرى صرف البنك السويسري مبلغ 2.5 مليون إسترليني (3.75 مليون دولار) نقدا لعميل ذهب لسويسرا لتسلم المبلغ في حقيبة.
عميل ثالث في بريطانيا طلب وسيلة للوصول السهل إلى حسابه السري، فصرف له البنك بطاقة ائتمان يمكن بها صرف أي مبالغ نقدية فورية من أجهزة الصرف الآلي حول العالم.
وبعد كشف هذه المعلومات منذ عام 2009 في بريطانيا حول حسابات سرية لأكثر من 5 آلاف عميل بريطاني، لم تسفر التحقيقات إلا عن توجيه الاتهام لشخص واحد بالتهرب الضريبي، بينما تم تحصيل مبلغ 135 مليون إسترليني (202 مليون دولار) من بقية عملاء البنك المتهربين من الضرائب، وهو مبلغ أقل مما حصلته دول أخرى لديها عدد أقل من العملاء في بنك «إتش إس بي سي». فالتسريبات أدت إلى تحقيقات جنائية وعمليات اعتقال في كل من فرنسا وبلجيكا والأرجنتين.
وتدل عملية الاقتحام والتفتيش من السلطات السويسرية لفرع البنك في جنيف أخيرا على أن سويسرا تعتبر التهرب الضريبي جريمة أكبر من السرقة التي أدت إلى الكشف عن هذا التهرب، فقد كانت في السابق تلاحق سارق المعلومات فالشياني وحده، أما الآن فهي تلاحق البنك والسارق معا، وتقول إنها قد تحاكم فالشياني غيابيا.
البنك نفسه يقول إنه يتعاون مع السلطات السويسرية منذ علمه بسرقة معلومات الحسابات في عام 2008. ويشير البنك إلى أن القضية قديمة وأن ما يثار حولها الآن يجري لأغراض أخرى. وأكد بيان من البنك أنه منذ عام 2008 قام البنك بتغيير شامل لتعزيز المراقبة ومعرفة هوية المودعين، مما أدى إلى خفض عدد المودعين في البنك السويسري بنسبة 70 في المائة منذ عام 2007.
وفي الأسبوع الماضي نشر البنك إعلانات على صفحات كاملة في الصحف البريطانية يعتذر فيها عن ممارسات الفرع السويسري، ويشير إلى أن المخالفات وقعت قبل 8 سنوات وأن مناخ وضوابط العمل في البنك قد تغيرت منذ ذلك الحين.
ويقول المتحدث الإعلامي في الفرع الرئيسي للبنك إن عدد الموظفين المشرفين على الالتزام الضريبي زاد 4 أضعاف إلى 6 آلاف موظف. وفي عام 2012 وقع البنك اتفاقية مع السلطات الأميركية للالتزام بقواعد منع غسل الأموال، وذلك بعد دفع أكبر غرامة في تاريخ المصارف الحديث، قدرها 1.9 مليار دولار لمخالفته قوانين الحظر على إيران وشبهة غسل أموال لشبكات مخدرات مكسيكية.

* سر عودة قضية «إتش إس بي سي» إلى واجهة الأحداث.. وحقائق أخرى
* رغم أن قضية «إتش إس بي سي» تعود إلى عام 2008 وتتعلق بحسابات مصرفية بين عامي 2005 و2007، فإنها انفجرت إعلاميا في عام 2015، لسبب بسيط؛ وهو أن بعض وسائل الإعلام حصلت على التسريبات المصرفية وقررت نشر الوقائع. من هذه الوسائل كل من صحيفة «لوموند» الفرنسية التي كانت المصدر الأصلي قبل توزيعها معلومات الحسابات السرية على كل من «بي بي سي» والـ«غارديان» البريطانية ونحو 50 صحيفة أخرى حول العالم.
* هناك فارق قانوني مهم في قضايا الضرائب، حيث تساهم معظم البنوك الخاصة في مساعدة عملائها على كيفية تجنب دفع الضرائب، وهو نشاط يسمى (Tax Avoidance) ويعتبر قانونيا تماما رغم أن بعض البنوك تذهب إلى أبعاد خيالية لتجنب الضرائب. أما إخفاء الأموال أو تهريبها من أجل التهرب الضريبي (Tax Evasion) فهو أمر مخالف للقانون وتعاقب عليه بعض الدول بالسجن وبعضها بالغرامة.
* ما لم تذكره التقارير حول تسريب الحسابات السويسرية لبنك «إتش إس بي سي» هو أن معظم العملاء على اللائحة يتمتعون بوضع قانوني سليم؛ حيث اتضح من الأرقام أن المخالفين لقوانين الضرائب كانوا أقل من عميل واحد من كل 7 عملاء على اللائحة البريطانية. وتفتح الحسابات المصرفية السويسرية لكثير من الأسباب وليس فقط للتهرب الضريبي. وصرح مصرفي بريطاني أنه فتح حسابا سويسريا بمبلغ 10 ملايين دولار من أجل إخفاء حجم عمولته عن زملائه.
* تكتسب عملية الإشراف المصرفي أهمية إضافية في الوقت الحاضر مع جهود ضبط ومنع مصادر تمويل الإرهاب. ومن المتوقع أن تعزز السلطات السويسرية من التزام البنوك السويسرية بقواعد منع غسل الأموال والتهرب الضريبي ومعرفة هوية أصحاب الحسابات المصرفية.

* وسائل «إتش إس بي سي» الست للتهرب الضريبي
* استخدم بنك «إتش إس بي سي» 6 وسائل من أجل تحقيق أهداف تجنب دفع ضرائب أو التهرب منها، لعملائه: وهي تشمل إحدى أو بعض الخطوات التالية:
- الحصول على الإقامة السويسرية عن طريق الإقامة في البلد لعدة أشهر كل عام ودفع معدلات الضريبة المنخفضة فيها. ولكن هذا الأسلوب يخص كبار الأثرياء فقط، وهو قانوني تماما.
- استخدام حق «غير المقيم» في الدول التي يعمل فيها عميل البنك. وفي بريطانيا، يحق للمواطن الذي يقيم في الخارج لفترات معينة من العام أن يتجنب دفع ضرائب على كل استثماراته وممتلكاته خارج بريطانيا.
- تأسيس صناديق «أوفشور»، وهو أيضا من الممارسات القانونية، ولكن تغييرات في قوانين الضرائب شملت هذه الصناديق ضمن الأصول غير المعفاة ضريبيا أدت إلى خفض شعبيته حاليا.
- أسلوب آخر هو تحويل الحسابات الشخصية إلى حسابات شركات لتجنب الالتزام بدفع ضرائب وفق اتفاقية وقعتها السلطات السويسرية مع الاتحاد الأوروبي في عام 2005.
- الأسلوب السهل وإن كان غير قانوني هو فتح حساب مصرفي سويسري سري وعدم إبلاغ السلطات الضريبية به.
- الوسيلة الأخيرة هي سحب الأموال نقديا وشحنها مع المسافر من الخارج إلى موقع إقامته. وإذا زادت هذه الأموال عن حدود معينة ولم يتم الإفصاح عنها فهي تصبح أيضا وسيلة غير قانونية.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».