الجزائر: أجواء مشحونة تتخلل مظاهرات الحراك

اعتمدت قوات الأمن الجزائرية أمس أسلوبين طمعاً في حظر مظاهرات الحراك الشعبي، بمناسبه أسبوعه الـ117: الأول استهداف مركّز على «صحافيي الحراك» باعتقالهم في بداية المظاهرة، بهدف منعهم من نقل الصور وإرسال الأخبار على السريع. والثاني، تعطيل شبكة التواصل الاجتماعي، وبخاصة «فيسبوك»، للحؤول دون تداول الفيديوهات والأخبار حول مجريات الاحتجاجات وتصرّف رجال الأمن معها. وتحدث نشطاء في الحراك عن اعتقال 600 متظاهر نصفهم في العاصمة.
بعد صلاة الجمعة مباشرة، وجد المصلّون عند مخرج «مسجد الرحمة»، المعروف بـ«جامع الحراك»، بقلب العاصمة، عشرات رجال الأمن بزي مدني واقفين للتأكد من وثائق الهوية وعنوان الإقامة، حيث اعتقل العديد ممن اشتبه بهم بأنهم جاؤوا من محافظات مجاورة لـ«زيادة حجم المظاهرة»، وجرى توزيعهم على مخافر الشرطة.
بالموازاة مع هذا، كان فريق آخر من رجال الأمن يطارد الصحافيين والمصوّرين في «شارع ديدوش» مراد، القريب من الجامع، حيث اعتقال عشرة منهم على الأقل، بحسب أعضاء «اللجنة الوطنية للإفراج عن معتقلي الحراك»، أبرزهم خالد درارني مراقب «مراسلون بلا حدود» ومراسل فضائية «موند تلفزيون» الفرنسية، ومدير الموقع الإلكتروني «قصبة تربيون»، ومصطفى بسطامي صحافي «الخبر»، وجعفر خلوفي الشهير بـ«وكالة أنباء الحراك» الذي ينقل كل صغيرة وكبيرة عن الحراك ونشطائه، وكنزة خاطو الصحافية في «راديو ماغراب» وهو موقع إخباري عطّلته السلطات منذ عام، وتابع وزير الاتصال عمّار بلحيمر، مديره قاضي إحسان قضائياً لأنه كتب مقالاً حادّاً عن الرئيس عبد المجيد تبّون. يشار إلى أن درارني متابع بعدة تهم مرتبطة بنشاطه الصحافي، وقد غادر السجن العام مطلع العام، حيث قضى 11 شهراً.
وكانت قوات الأمن احتجزت الثلاثاء الماضي لمدة خمس ساعات، البعض من مجموعة الصحافيين الموقوفين أمس، لمنعهم من نقل مجريات مظاهرات طلاب الجامعة التي تم حظرها باستعمال القوة. ويجري استهداف الصحافيين وسط صمت لافت لنقابات قطاع الإعلام، وغالبية الأحزاب السياسية. يشار إلى أن قانون الإعلام يكفل حرية الصحافيين في نقل الأخبار، ولا يجيز اعتراض السلطات على ذلك.
وبالقرب من مقر الحزب المعارض «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» بـ«شارع ديدوش مراد»، اعتقل رئيسه محسن بلعباس والعضو القيادي عثمان معزوز، بمجرد محاولتهما مغادرة المبنى للالتحاق بالمتظاهرين. ويعتبر الحزب خصماً لدوداً للسلطات، وهو معروف بحدّة خطابه ضد الرئيس وقيادة الجيش. وقال مقران مزيان، المناضل في «التجمع»، لـ«الشرق الأوسط»: «تحاول السلطات عبثاً حرمان الجزائريين من مواصلة ثورتهم السلمية، وهي بذلك تؤكد أنها لم تستوعب دروس انتفاضة 22 فبراير (شباط)».
وشهدت فضاءات المتظاهرين بالعاصمة كرّا وفرّاً بين قوات الأمن ومتظاهرين وتم اعتقال العشرات منهم. وفي العادة، يطلق سراح بعض الموقوفين، ويعرض آخرون على النيابة التي تودعهم الحبس الاحتياطي أو تضعهم تحت الرقابة القضائية في انتظار تحديد مصيرهم من طرف المحاكم.
وعاشت محافظات وهران (غرب) وتيزي وزو وبجاية (شرق) ظروفاً مشابهة، حيث نشرت السلطات أعداداً كبيرة من رجال الأمن وعرباتهم، ومنعت المظاهرات بالقوة، واعتقلت أي شخص أبدى مقاومة لذلك. وأمرت وزارة الداخلية مديرية الشرطة بأن تقتصر عطلة عيد الفطر على يوم واحد لكل أعوان الأمن الذين يفوق عددهم 200 ألف، بغرض تنفيذ قرار حظر المظاهرات الذي أعلنت عنه الأحد الماضي في بيان. وعدّ مراقبون ذلك إرادة صارمة من السلطة لإنهاء الحراك قبل الثلاثاء المقبل، موعد انطلاق حملة انتخابات البرلمان المقررة في 12 من الشهر المقبل.
وأدان «نداء 22 فبراير» (فريق من النشطاء المؤثرين في الحراك)، في بيان، «الانحراف المتواصل للنظام، وجميع المناورات التي تهدف إلى جعل مظاهرات الحراك الشعبية تبدو وكأنها نشاط غير شرعي وغير قانوني. هذه المظاهرات هي الفضاء الوحيد للحرية الذي افتتكه الشعب، والذي يسعى من خلاله إلى بناء دولة ديمقراطية سيدة على أساس القانون».