هل تشكل «حكومة إنقاذ» في تونس لحسم خلافات الرؤساء الثلاثة؟

معركة «صلاحيات» تشمل الداخلية والدفاع والخارجية

هل تشكل «حكومة إنقاذ» في تونس لحسم خلافات الرؤساء الثلاثة؟
TT

هل تشكل «حكومة إنقاذ» في تونس لحسم خلافات الرؤساء الثلاثة؟

هل تشكل «حكومة إنقاذ» في تونس لحسم خلافات الرؤساء الثلاثة؟

تزايدت الضغوط التي تمارسها في تونس فصائل من المعارضة وبعض النقابات المحسوبة على «أقصى اليسار»، بهدف إسقاط رئيس الحكومة هشام المشيشي، بينما تعمقت أزمة الثقة و«معركة الصلاحيات» بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد من جهة والحكومة والبرلمان من جهة ثانية. ولقد انتقد سياسيون بارزون ما وصفوه بتوسيع هذه «المعركة» لتشمل مؤسسات الأمن والدفاع والخارجية والقضاء.
وفي الوقت نفسه، تعاقبت الدعوات إلى تشكيل «حكومة إنقاذ» أو حكومة سياسية جديدة للخروج من مأزق القطيعة الحالية بين رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان. وفي هذه الأثناء، كثف السفير الأميركي في تونس دونالد بلوم ونظراؤه الأوروبيون تحركات توحي للبعض بأنهم أصبحوا طرفاً مباشراً في الأزمة الداخلية التونسية. وتأتي تحركاتهم، فيما أجرت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس محادثة مع الرئيس سعيّد أُعلن أنها شملت دعم الديمقراطية التونسية والمؤسسات الديمقراطية ودولة القانون ومحاربة الرشوة».
كشفت تصريحات كبار خبراء القانون الدستوري في تونس خلال الأيام الماضية أن «الهوة تعمقت أكثر» بين قصر الرئاسة في قرطاج والبرلمان والحكومة، بسبب امتناع الرئيس قيس سعيد عن توقيع على قانون المحكمة الدستورية الذي صادق عليها ثلثا النواب في «قراءة ثانية». واعتبر هؤلاء الخبراء، ومنهم سلسبيل القليبي وعياض بن عاشور وأحمد صواب وكمال بن مسعود ورافع بن عاشور، أن الدستور لا يسمح لرئيس الجمهورية برفض قرار يصادق عليه البرلمان وليس له أي سلطة تقديرية، وهو مطالب بالتوقيع ونشر القرار في المجلة الرسمية.
وكان رافع بن عاشور، رئيس الجامعة التونسية سابقاً، وعدد من زملائه الأكاديميين، قد اتهموا سعيّد بارتكاب «خطأ جسيم» لإحجامه عن المصادقة على عدد من قرارات البرلمان، من بينها الحكومة التي صادق عليها ثلثا النواب يوم 26 يناير (كانون الثاني) الماضي وقرار المحكمة الدستورية. وطالب عدد من أعضاء البرلمان، من حزبي «قلب تونس» وائتلاف «الكرامة»، بينهم عياض اللومي وأسامة الخليفي وسيف الدين مخلوف، ببدء إجراءات «سحب الثقة من رئيس الجمهورية»، بعد اتهامه بارتكاب «خطأ جسيم ينص عليه الدستور».
- الخلاف سياسي وليس قانونياً
إلا أن هذا التصعيد في اللهجة ضد الرئيس قيس سعيّد من قبل بعض الأكاديميين والسياسيين النواب الأعضاء في «الحزام البرلماني لحكومة هشام المشيشي» قابله تصعيد من قبل رئيس الجمهورية، إذ فتح الرئيس جبهة جديدة في معركته مع رئيسي الحكومة والبرلمان، فأدى سلسة من الزيارات إلى مقر وزارة الداخلية ومؤسسات أمنية وعسكرية في العاصمة وبالقرب من الحدود الجزائرية، أعلن فيها أنه «الرئيس الوحيد للبلاد وأنه القائد العام لكل القوات المسلحة العسكرية والمدنية بما في ذلك قوات وزارتي الداخلية والمالية ومصالح القمارق (الجمارك)».
كذلك نظّم سعيّد حفل إفطار رمضاني وجلسة عمل مع كبار المسؤولين عن الحرس الوطني وقوات الأمن في مقر وزارة الداخلية في غياب هشام المشيشي رئيس الحكومة الذي يشغل في الوقت نفسه حقيبة الداخلية. وتباينت ردود الفعل على هذه التطورات، إذ انتقد رئيس الحكومة تصريحات سعيّد، واعتبرها «ليست ذات معنى». واتهم وزير الخارجية السابق الدكتور رفيق عبد السلام وقيادات سياسية من الغالبية البرلمانية - بما فيها حزب «حركة النهضة» - سعيّد بـ«محاولة الانفراد بكل السلطات خلافاً لما ينص عليه الدستور»، وبـ«دفع البلاد نحو الديكتاتورية والحكم الفردي».
في المقابل، دعم الخبير في القانون الدستوري أمين محفوظ وعدد من زعماء «الكتلة الديمقراطية» اليسارية، بينهم المحامي هيكل المكّي قرارات رئيس الجمهورية وطالبوا رئيسي الحكومة والبرلمان بالاستقالة. واعتبروا أن «جوهر الخلاف بين قصر قرطاج (مقرّ رئاسة الجمهورية) والحكومة والبرلمان سياسي وليس قانونياً». وطالب زهير المغزاوي أمين عام حزب الشعب القومي الناصري، بعد استقباله من قبل سعيّد في قصر قرطاج، باستقالة رئيس الحكومة وإعادة المبادرة إلى رئيس الجمهورية. كذلك، دعا البرلماني والوزير السابق مبروك كورشيد باسم حزب «الراية الوطنية» إلى إقالة المشيشي بحجة أن «قيس سعيّد رئيس جمهورية منتخب مباشرة من الشعب»، وهو يرفض التعامل مع رئيس الحكومة رغم حصوله على تزكية البرلمان مرتين بنحو ثلثي عدد النواب.
وتؤكد هذه المواقف تصريحات أدلى به أمين عام نقابات العمال نور الدين الطبوبي أعلن فيها أن الرئيس سعيّد «اشترط استقالة رئيس الحكومة أو إقالته، قبل أن يوافق على تنظيم حوار وطني سياسي اقتصادي اجتماعي». لكن المشيشي استبعد استقالته، وأكد مراراً أنها «غير مطروحة وغير واردة». وأيضاً استبعدها قياديون بارزون في «حركة النهضة»، بينهم رفيق عبد السلام، والوزير السابق عبد اللطيف المكي.
- هجوم مضاد
في هذه الأثناء، صعد رئيس الحكومة المشيشي وأنصاره داخل البرلمان وقادة الأحزاب التي تشكل حزامه السياسي تحركاتهم، ودخلوا في صراع على عدة جبهات مع رئيس الجمهورية. وبالتالي، يتضح أن هذا الصراع تجاوز «معركة الصلاحيات» و«التنافس السياسي الهادئ» الذي برز مراراً منذ انتخابات 2011 بين رئيسي الجمهورية والحكومة في عهد المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي.
إذ تابع المشيشي ممارسة «صلاحياته التي يمنحها له الدستور»، والتي تجعله المشرف الأول على مؤسسات السلطة التنفيذية بنسبة تفوق الـ90 في المائة. وواصل في هذا السياق تعيين مسؤولين كبار جدد على رأس وزارة الداخلية، وفي ديوان رئاسة الحكومة وفي قطاعات استراتيجية كثيرة. وكذلك، دفع وزيري الخارجية والدفاع بالتنسيق مع رئاسة البرلمان إلى «الانضباط أكثر» ضمن الفريق الحكومي واحترام الصلاحيات الواسعة التي أعطاها الدستور للبرلمان ولرئيس الحكومة في مراقبة كل الوزراء، بما في ذلك وزيرا الدفاع والخارجية.
هذا، ولقد مثل وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، وهو بدوره خبير في القانون وزميل جامعي سابق للرئيس سعيّد، أمام البرلمان الذي وجه له دعوة رسمية لمساءلته في قضية «محاولة إيقاف النائب رشاد الخياري من قبل المحكمة العسكرية رغم تمتعه بالحصانة البرلمانية». وكانت هذه القضية قد أثارت زوبعة إعلامية وسياسية كبيرة في تونس بسبب توجيه الخياري اتهامات خطيرة إلى سعيّد، من بينها «الحصول على تمويل من الاستخبارات الأميركية ومن سفارة الولايات المتحدة في باريس إبّان حملته الانتخابية عام 2019»، وهو ما اعتبرته النيابة العسكرية «اعتداء على القائد العام للقوات المسلحة ونيلاً من معنويات العسكريين». وفي هذه القضية، انحاز المشيشي إلى البرلمان وإلى النائب الخياري - المعتبر في حالة فرار - خلال لقاء صحافي جمعه بعدد من رؤساء التحرير ومديري وسائل الإعلام التونسية.
- السياسة الخارجية
في الوقت ذاته تطور الصراع المفتوح بين رئاستي الجمهورية والحكومة والبرلمان ليشمل ملف السياسة الخارجية وصلاحيات المشرفين عليه. وإذ أكد الرئيس سعيّد مجدداً أنه «المسؤول الأول عن السياسة الخارجية والمشرف الوحيد على وزارتي الدفاع والخارجية»، أورد عدد من معارضيه من بين النواب، بينهم أسامة الخليفي القيادي في حزب «قلب تونس»، أن «كل الوزراء أعضاء في الحكومة، ورئيسهم هو رئيسها، وليس رئيس الجمهورية»، بما في ذلك وزيرا الدفاع والخارجية اللذان يعينان «بالتشاور مع رئيس الدولة» حسب الدستور. ومعلوم أن رئيسي الحكومة والبرلمان كانا قد كثّفا جلسات العمل في مكتبيهما مع السفراء الأجانب، يتقدمهم سفراء أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. واستقبلا أيضاً وفوداً عديدة من الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد ومؤسسات عربية وإسلامية وأفريقية.
وتجاهل المشيشي اتهامات سعيّد له خلال اجتماعه بكبار كوادر وزارة الداخلية، وتابع الإشراف بنفسه مباشرة من مقر رئاسة الحكومة ومكتب وزير الداخلية على قطاعات الأمن والدفاع والخارجية. كذلك ترأس المشيشي، بصفته رئيس الحكومة المكلف كذلك بحقيبة الداخلية، الوفد السياسي الأمني الذي شارك في الاجتماع الأوروبي الأفريقي حول الهجرة، الذي احتضنته العاصمة البرتغالية لشبونة مطلع الأسبوع، وحضره وزراء داخلية أوروبيون وأفارقة. ومن ثم، عقد المشيشي على هامش هذا الاجتماع الدولي، جلسة عمل مع رئيس الحكومة البرتغالي أنطونيو كوستا، الذي يتولى حالياً رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي.
هذا، وتزامنت هذه التطورات مع تنافس علني بين قصر قرطاج من جهة، ورئيس الحكومة ووزرائه من جهة ثانية، في اتصالاتهم بكبار المسؤولين في الدول التي تربطها علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية استراتيجية بتونس، مثل ليبيا والجزائر وفرنسا وألمانيا ومصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا.
- بين البرلمان وقرطاج
من جانب آخر، برزت مجدّداً مؤشّرات تصعيد في معركة الصلاحيات «بين البرلمان ورئاسة الجمهورية، بما في ذلك ما يتعلق بالقطاعات التي يعتبر الرئيس قيس سعيّد أنها (مجاله الحيوي) مثل الخارجية والدفاع والأمن الوطني؛ فلقد عاد البرلمان لتأكيد حقه في «الإشراف على السياسات العامة للدولة ومراقبتها، بما فيها السياسة الخارجية». وسجّل هذا التطور بعد أكثر من سنة من امتناع راشد الغنوشي، رئيس البرلمان، عن القيام بمهمات خارجية «بصفته البرلمانية أو الحزبية أو الشخصية، استجابة لطلب قدمه له رئيس الجمهورية».
وأورد ماهر مذيوب، نائب رئيس البرلمان المكلف بالإعلام، أن رئيس البرلمان بدأ جولة دولية تشمل الجزائر وأنقرة وعواصم أوروبية وعربية. واستدل بكون رئيس البرلمان السابق محمد الناصر ورئيس البرلمان المؤقت مصطفى بن جعفر كانا قد زارا عشرات الدول والتقيا رؤساء برلماناتها وكبار السياسيين فيها ضمن ما يُعرف بـ«الدبلوماسية البرلمانية». وأعلن مذيوب أيضاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الغنوشي مستعد لزيارة كل دول العالم وكل الدول العربية، بما فيها مصر، وهو مستعد لمقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسي في القاهرة أو في تونس، وأن الخط الأحمر الوحيد بالنسبة إليه هو مقابلة المسؤولين الإسرائيليين». ويُعد هذا الموقف تغييراً جذرياً في موقف قيادة «حركة النهضة» (بقيادة الغنوشي) من الرئيس المصري الذي سبق أن وجهت إليه انتقادات حادة منذ خروج الرئيس محمد مرسي من السلطة، صيف عام 2013. وجاءت هذه التصريحات بعد زيارة رسمية قام بها قيس سعيّد إلى مصر استغرقت 3 أيام.
- مأزق سياسي أم قانوني
عدد من زعماء المعارضة التونسي، مثل عصام الشابي، أمين عام الحزب الجمهوري، وفريق من خبراء الدستور، مثل هيكل بن محفوظ، يرون أن «المأزق الحالي سياسي وقانوني ودستوري في آن معاً، بسبب الثغرات والتناقضات في النصوص القانونية وفي دستور 2014»، إلا أن مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس الوطني التأسيسي، الذي صادق على هذا الدستور في يناير 2014، بنسبة فاقت الـ90 في المائة، أورد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن المشكلة ليست في الدستور ولا في القوانين، بل في بعض السياسيين.
وأورد العميد السابق لكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس عياض بن عاشور أن «التشاور مع رئيس الجمهورية عند اختيار وزيري الدفاع والخارجية لا يعني التنازل عن الصبغة المدنية والسياسية الديمقراطية للنظام التونسي وللدولة، وعن «النظام البرلماني المعدل» الذي جرى اعتماده، بل هي ضمانة له. وأضاف قائلاً: «إن تنصيص الدستور على كون رئيس الجمهورية المنتخب هو القائد العام للقوات المسلحة رسالة سياسية لكبار قادة الجيش في البلاد بأن قائدهم الأعلى سياسي مدني منتخب يحترم النظام الجمهوري، وليس جنرالاً».
واعتبر رضا بالحاج، الوزير السابق في عهد الباجي قائد السبسي والقيادي حالياً في حزب «أمل»، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «الدستور التونسي لم يطبق جيداً حتى نطالب بتعديله، رغم شرعية المطالبة بمراجعة بعض فصوله».
- المسكوت عنه
لكن «المسكوت عنه» في نظر كثير من المراقبين في تونس، مثل الأكاديمي والقيادي القومي سابقاً، عفيف البوني، هو الخلاف مع قيادة حزب «حركة النهضة» وحلفائه باعتباره الداعم الرئيسي للمشيشي، منذ اختلافه مع الرئيس سعيّد. كما يعتبر عدد من قادة حزب التيار الديمقراطي، بزعامة الوزير السابق غازي الشواشي، أن «الهدف من المطالبة بإقالة رئيس الحكومة استبعاد حزامه السياسي وخاصة قيادة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي».
وكشف هاشم العجبوني، البرلماني عن «الكتلة الديمقراطية»، التي تضم نحو 40 نائباً، أن عشرات النواب في البرلمان عادوا إلى المطالبة بإقالة رئيسي الحكومة والبرلمان «تمهيداً لتشكيل حكومة إنقاذ أو «حكومة سياسية جديدة يوافق قيس سعيّد على رئيسها وعلى تشكيلتها ويتعاون معها».
وفي السياق نفسه، دعا النائب المستقيل من حزب «قلب تونس» حاتم المليكي إلى التضحية بالمشيشي وتشكيل «حكومة إنقاذ بديلة» بسبب القطيعة بين الحكومة الحالية وقصر قرطاج، رغم تصويت نحو ثلثي البرلمان عليها مرتين ثم المصادقة على مشروع المحكمة الدستورية بنسبة فاقت ثلاثة أخماس النواب.
- رغم صراعات السياسة... التحدي الأكبر اقتصادي
> في خضم المشاكل والصراعات التي تعطل في تونس راهناً العلاقات بين رئاستي الجمهورية والحكومة، وكذلك البرلمان، يبقى التحدي الاقتصادي «التحدي الأكبر» الذي يواجه الأطراف، بل البلاد كلها. إذ يشدد خبراء الاقتصاد بينهم المدير العام السابق لعدد من البنوك الدولية عز الدين سعيدان ووزير التجارة سابقاً محسن حسن، على أن ما يهدد تونس قبل أي شيء آخر خطر «اقتصادي اجتماعي».
ففي حين أعلنت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، وسفراء أبرز الدول الغربية في تونس عن قرار بتقديم تسهيلات مالية لتونس، بينها قروض من صندوق النقد الدولي، شهدت المفاوضات التي أجراها وزير الاقتصاد والمالية علي الكعلي والوفد المرافق له في واشنطن أخيراً، مطالبة الحكومة التونسية بإصلاحات «جريئة ومؤلمة ستكون لها كلفة سياسية واجتماعية»، على حد تعبير وزير المالية والاقتصاد السابق حكيم بن حمودة.
وحسب الخبير الاقتصادي جمال العويديدي، تتصدر «الإصلاحات» التي يطالب بها صندوق النقد الدولي: التحكم في نفقات الدولة بعد تضخم كتلة الأجور؛ إذ أضحى مطلوباً تخفيض نسبة الأجور في ميزانية الدولة من نحو 20 إلى أقل من 13 في المائة، كذلك إلغاء دعم الدولة للمواد الاستهلاكية والمحروقات. وللعلم، يكلف هذا «الدعم» الدولة التونسية سنوياً مليارات من الدولارات.
غير أن الإقدام على مثل هذه القرارات قد يؤدي إلى مزيد من «التحركات الاحتجاجي والاضطرابات الاجتماعية السياسية في بلد تعمقت أزماته بسبب جائحة «كوفيد - 19»، التي تسببت في خسارة مئات الآلاف من العائلات مورد رزقها. كذلك، خسرت الدولة وقطاعات الخدمات والسياحة والإنتاج بسبب هذه الجائحة أكثر من 5 مليارات دولار.
وهنا يتعمق الخلاف أيضاً بين كبار السياسيين؛ بين الذي يتمسك بخيار الاستقرار ودعم حكومة هشام المشيشي، ومَن يطالب بـ«حكومة إنقاذ» سياسية «تنضم إليها المعارضة ويوافق عليها في وقت واحد كل من الرئيس قيس سعيّد والبرلمان وقيادة النقابات. والمطلوب أن يكون على رأس مهام هذه الحكومة تحسين مناخ الأعمال داخلياً، وتعزيز علاقات الدولة الخارجية، واحتواء الاحتجاجات الاجتماعية... التي قد تنفجر بسبب الزيادات المرتقبة في الأسعار وتسريح عشرات آلاف الموظفين.
وفق هذه المعطيات، تبدو الأوضاع مرشحة للانفجار سياسياً وأمنياً واجتماعياً... إلا إذا أوفت العواصم العالمية بوعودها لدعم تونس مالياً واقتصادياً، وبالتالي، إنقاذ النموذج الديمقراطي الناجح فيها. أضف إلى ذلك، أن الاستقرار في تونس أمر مهم جداً بالنسبة لمستقبل ليبيا ومشاريع توسيع الاستثمارات الأميركية والدولية في أفريقيا.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.